منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العلمانية: مشروع إبليس الدنيوي - د. يزيد حمزاوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-07-01, 00:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عبدالإله الجزائري
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عبدالإله الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


(الحلقة 4)
25 يونيو 2020م


كان طغيان الكنيسة هو الحاضنة الأولى لنمو العلمانية، وقد كتب المفكر محمد قطب رحمه الله في كتابه (مذاهب فكرية معاصرة) شرحا ممتعا لأنواع الطغيان الكنسي أختصر بعضها لشدة الحاجة إليها لفهم جذور البلاء.

* الطغيان الروحي
كان لرجال الدين سلطان روحي طاغ على الناس بوصفهم الوسطاء بينهم وبين الله، فالطفل لا يعد "مسيحيا" حتى يُعمد، والتعميد لا يتم إلا على يد الكاهن، ومن ثم تبدأ حياة "المسيحي" بتلك الوساطة الكهنوتية التي تدخله ابتداء في الدين، ثم يظل حياته كلها مرتبطا بالكاهن... هو الذي يزوجه، وهو الذي يصلي به صلاة الأحد، وهو الذي يتقبل اعترافه بخطاياه وإلا فلا توبة ولا غفران، ثم هو الذي يصلي عليه في النهاية حين يموت، فهو من مولده إلى مماته مرتبط بالكاهن ذلك الرباط الذي يمثل في حسه الكوة المفتوحة على عالم الغيب، والصلة التي تصل قلبه بالله.
ولا يستطيع مهما كانت حرارة وجدانه أن يعقد صلة مباشرة بالله بعيدا عن سلطان الكاهن أو غير معرضة لتدخله في أي وقت من الأوقات، ومن الطغيان الروحي كذلك العمل على فرض الإيمان بأسرار الكنيسة التي يلفظها العقل عندما قالت للناس: لن تؤمنوا بالله حتى تؤمنوا بتلك الأسرار، ثم قالت لهم: إن مفتاح تلك الأسرار عندنا نحن ولن نعطيه إلا لمن نختار، ومن عارض فلعنه الله عليه.

* الطغيان العقلي والفكري
إن هذا الطغيان ربما كان أكثر أنواع الطغيان التي دفعت إلى الدعوة إلى العلمانية، فقد مارست الكنيسة هذا الطغيان حينما أجبرت العالم النصراني على الإيمان بأسرار الكنيسة ومنعتهم من مناقشتها، واعتبرت الشاك أو المناقش فيها مهرطقا، كافرا مطرودا من ملكوت السماء، وحين كان أي عقل مفكر يتجرأ فيسأل مجرد سؤال عن ماهية هذه الأسرار، ولو كان سؤاله من أجل الإيمان بها أو الاطمئنان الذي يزيد الإيمان، كانت الكنيسة تسارع إلى زجره عن هذا الإثم الذي يهم به، والذي يوقعه لا شك في المهالك، وترد بأن هذا أمر خارج عن العقل لا ينبغي له أن يسأل وأن يناقش في أمر العقيدة، وإنما عليه أن يُسَلم بغير نقاش، وإن ادعاء الكنيسة أن العقل لا ينبغي له أن يسأل ويناقش لأمر العقيدة، وإنما عليه أن يسلم تسليما أعمى ويترك الأمر للوجدان، هو ادعاء ليس من طبيعة الدين كما أنزله الله، إنما هذا من مستلزمات الأديان الوثنية التي تحوي أوهاما لا يمكن أن يستسيغها العقل لو فكر فيها، لذا تُسكت صوت العقل وتمنعه من التفكير بالسحر تارة وبالتهديد بغضب الآلهة المعبودة تارات.
لكن هل يمكن أن يستمر ذلك الطغيان إلى الأبد، دون أن تتمرد تلك العقول المكبوتة وتدعو إلى حرية التفكير اللادينية؟... (يتبع).
توقيع: د يزيد حمزاوي










رد مع اقتباس