منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طلبة السنة أولى أدب عربي تفضلوا ....
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-04-12, 17:37   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
البنت الجلفاوية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية البنت الجلفاوية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المفاهيم الأساسية للنظرية الخليلية الحديثة
د/ محمد صاري
قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عناية
مقدمة :
تهدف هذه الدراسة إلى تعريف الباحث العربي في علوم اللسان بالأهمية التي تكتسيها نظرية النحاة العرب، لا من حيث إنها ما تزال ذات قيمة كبيرة من الناحية العلمية والنظرية، بل من حيث إنها يمكن أن تستثمر مفاهيمها في الميادين التطبيقية لحل مشكلات لغوية وتربوية تعترض سبيل ترقية استعمال اللغة العربية في المجالات الحيوية.
والدراسة عبارة عن قراءة جديدة للتراث النحوي مقارنة بالنزعات والطروحات الحديثة في العالم العربي. كما تعد امتدادا منتقى للآراء والنظريات التي أثبتها النحاة العرب الأولون، وبخاصة "الخليل بن أحمد". فهي في الواقع نظرية ثانية Métathéorie لأنها في الوقت نفسه تنظير وبحث في الأسس النظرية الخليلية الأولى.
واهتمامي بهذه النظرية نابع مما تميزت به أفكارها من أصالة وتجديد، إذ يرجع لها الفضل في :
- تنبيه الباحثين لضرورة الاهتمام بشخصيات علمية فذة في تاريخ الفكر اللغوي العربي.
- اقتراحها لمصطلحات جديدة وإحياؤها لمصطلحات أصيلة.
- تفسيرها العميق لكثير من المفاهيم النحوية والبلاغية التي استغلق فهمها على كثير من الدارسين.
- مساهمتها في التعريف بالتراث الأصيل وإحيائه وتسهيل الاطلاع عليه.
- تنبيه الباحثين الذين اشتغلوا بموضوع تيسير القواعد النحوية إلى ضرورة التمييز الحاسم
بين النظرية النحوية العربية القديمة وتطبيقاتها التربوية.
- إثبات أن المفاهيم والمبادئ التي قامت عليها النظرية اللغوية العربية القديمة، ليست غريبة، ولا هي ملفقة أو دخيلة على الدرس اللغوي كما يزعم المفتونون بالمناهج الغربية الحديثة.


2 - المفاهيم الأساسية للنظرية الخليلية([1]):
اتجهت النظرية الخليلية الحديثة([2]) إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي الأصيل، والبحث عن خباياه، لا حبّا للقديم في ذاته، ولا محافظة من أجل المحافظة([3])، ولكن بغية التنبيه إلى الطفرة التلقائية المفاجئة([4]) التي أحدثها "سيبويه" وشيوخه وتلاميذه في تاريخ علوم اللسان البشري بعد أن تحامل عليهم كثير من الدارسين الذي تأثروا بالمناهج الغربية الحديثة([5]).
لقد سعت النظرية الخليلية منذ ظهورها إلى بعث الجديد عبر إحياء المكتسب فتجاوزت مرحلة الاقتباس السلبي عند نقلها عن الغرب، أو عند نشرها عن العرب([6]). وتنطلق هذه النظرية قي قراءتها للتراث وتأصيل أفكاره من منطلقين أساسيين هما([7]):
1 - لا يفسر التراث إلا التراث، فكتاب "سيبويه" لا يفسره إلا كتاب "سيبويه". ومن الخطأ أن نُسقط على التراث مفاهيم وتصورات دخيلة تتجاهل خصوصياته النوعية.
2 - أن التراث العربي في العلوم الإنسانية عامة واللغوية خاصة ليس طبقة واحدة من حيث الأصالة والإبداع، فهناك تراث وتراث!
فالتراث الذي تعلقت به النزعة الخليلية الحديثة هو التراث العلمي اللغوي الأصيل الذي تركه أولئك العلماء المبدعون الذين عاشوا في زمان الفصاحة اللغوية الأولى، وشافهوا فصحاء العرب، وقاموا بالتحريات الواسعة النطاق للحصول على أكبر مدونة لغوية شاهدها تاريخ العلوم اللسانية. وأما الذين جاؤوا من بعدهم فكانوا عالة عليهم، إذ ضيقوا حدود النحو الواسعة، واستبدلوا مفاهيم القدماء الإجرائية النشطة بمفاهيم أخرى جامدة تأملية([8]) ، مع بقاء نفس الألفاظ التي تدل عليها في الغالب([9]).
لقد اعتمد العلماء العرب، ورائدهم في ذلك الخليل، في تحليلهم للظاهرة اللغوية عددا من المفاهيم والمبادئ اللغوية التي سيكون لها دور عظيم في تفسير العلاقات المعقدة المجردة الكامنة وراء اللغة، ومن ثمة في تطوير معلوماتنا حول الظواهر اللغوية([10]). ومن الغريب جدا - كما يقول الدكتور الحاج صالح أن تكون هذه الأعمال التي لا تضاهيها إلا ما أبدعه العلماء الغربيون في أحدث أعمالهم، مجهولة تماما في كنهها وجوهرها عند كثير من الدارسين والاختصاصيين المعاصرين([11])، ومن أهم هذه المبادئ نذكر المفاهيم الآتية:

2 - 1 - مفهوم الاستقامة :
يميز "سيبويه" في الكتاب بين السلامة الراجعة إلى اللفظ، والسلامة الخاصة بالمعنى، كما يميّز أيضا بين السلامة التي يقتضيها القياس (أي النظام العام الذي يميز لغة من لغة أخرى) والسلامة التي يفرضها الاستعمال الحقيقي للناطقين، وذلك في قوله في باب "الاستقامة من الكلام والإحالة" : »فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب، فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمس، وسآتيك غدا، وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول: أتيتك غدا، وسآتيك أمس. وأما المستقيم الكذب فقولك: حَمَلْتُ الجَبَل، وشربتُ ماء البحر ونحوه، وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك: قد زيدا رأيت، وكي زيدٌ يأتيك وأشباه هذا. وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس «([12]).
فواضح من هذا الكلام أن "سيبويه" يحدد مفهوم السلامة وعلاقتها باللفظ والمعنى من ناحية، والقياس والاستعمال من ناحية أخرى. فهناك المستقيم الحسن، والمستقيم القبيح، والمستقيم المحال، ويمكن صياغة هذه المعاني بشكل آخر أكثر وضوحا :
- فالمستقيم الحسن = السليم في القياس والاستعمال جميعا.
- والمستقيم القبيح = السليم في القياس وغير السليم في الاستعمال.
- وأما المستقيم المحال = سليم في القياس والاستعمال، غير سليم من حيث المعنى([13]).
ومن ثم جاء التمييز المطلق بين اللفظ والمعنى، ومعنى ذلك أن اللفظ إذا حدد أو فسّر باللجوء إلى اعتبارات تخص المعنى فالتحليل هو تحليل معنوي، أما إذا حصل التحديد والتفسير على اللفظ دون أي اعتبار للمعنى فهو تحليل نحوي، والخلط بينهما - كما يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح - يعتبر خطأ وتقصيرا »وقد بنى على ذلك النحاة أن اللفظ هو الأول، لأن هو المتبادر إلى الذهن أولا ثم يفهم منه المعنى، ويترتب على ذلك أن الانطلاق في التحليل يجب أن يكون من اللفظ في أبسط أحواله وهو الانفراد«([14]).

2 - 2 - مفهوم الانفراد :
ينطلق النحاة الأوائل في تحليلهم للغة من "الاسم المفرد" باعتباره النواة أو الأصل الذي تفرع عنه أشياء أخرى. وقد أطلق "الخليل" على هذا المفهوم مصطلح "الاسم المظهر([15]) (¹ المضمر)، كما أطلق عليه "ابن يعيش" و"الرضي الإسترباذي" مصطلح اللفظة([16]).
واللفظة في اللسانيات الخليلية عمادها الوقف والابتداء، فهي أقل ما يُنطقُ به مما ينفصل فيُسكت عنده ولا يلحق به شيء. أو يَبْتَدِئ فلا يسبقه شيء. فما ينفرد وينطلق، أو ما ينفصل ويبتدئ هو صفة الانفراد. ومما تجدر الإشارة إليه، أن كل وحدة لغوية قابلة للانفصال عما قبلها أو ما بعدها من الوحدات؛ بمعنى أن كل وحدة لغوية يمكن الابتداء بها والوقوف عليها حسب موقعها في الكلام.
فمن الألفاظ ما ينفصل ويبتدئ مثل: "الرئيس" في نحو قولنا: "جاء الرئيس" و"الرئيس جاء". ومنها ما ينفصل ولا يبتدئ مثل ضمير "تاء الفاعل" و"نا المضاف إليه في نحو قولنا: "خَرَجْتُ" و"كتابُنا". ومنها ما يبتدئ ولا ينفصل مثل حرف الجر في نحو قولنا: "في التأني السلامة".
ويحمل النحاة "اللفظة" على غيرها من المثل والنماذج فتفرع إلى لفظات هي نظائر للنواة، ولكنها أوسع منها، من خلال تعاقب زيادات قبلية وبعدية عليها دون أن تفقد وحدتها أو تنفرد فيها أجزاؤها، فلا تخرج عن كونها لفظة (أي قطعة واحدة). وسمى النحاة هذه القابلية للزيادة يمينا ويسارا "التمكن" ولاحظوا أن لهذا التمكن درجات تترتب كالآتي([17]):
أ - المتمكن الأمكن، الذي يحمل معناه بداخله ولا يحتاج إلى غيره، ويتمثل في اسم الجنس المنصرف كرجل وفرس وشجرة.
ب - المتمكن غير الأمكن، ويتمثل في الممنوع من الصرف.
جـ - غير المتمكن ولا أمكن، ويتمثل في الاسم المبني.
[1] ) - تضم جماعة من الباحثين، ويعد الدكتور "عبد الرحمن الحاج صالح" (الجزائر) من أبرز علمائها الذين أسسوا لها ودعوا إليها. لقد عكفت هذه النظرية منذ حوالي أربعين سنة تقريبا تدعو معشر اللسانيين والباحثين في العالم العربي إلى قراءة التراث بمنظار علمي بعيد عن التعسف في الاستنطاق، والاعتباط في التأويل. وبفضل جهود علمائها وباحثيها عرّفت الدارسين بخصائص علوم اللسان العربي، ومضامينه النوعية انطلاقا من مقولات اللسانيات الحديثة. فأثبتت الحلقة المفقودة التي تجاهلها الغربيون عندما أرخوا للفكر اللساني البشري، والتي تتمثل في مستخلصات ثمانية قرون أو تزيد من مخاض التفكير اللغوي عند العرب لاسيما القرون الخمسة الأولى من الهجرة، التي أفرزت نظرية شمولية في الظاهرة اللغوية.

[2] ) - استوحيت كثيرا مما جاء في هذه الدراسة من البحوث المختلفة التي تخص النظرية الخليلية ومفاهيمها الأساسية، والتي ظل الدكتور "عبد الرحمن الحاج صالح" يُعرّف بها في المناسبات العلمية الوطنية والعربية والغربية منذ سنوات عديدة.

[3] ) – وجه للدكتور "عبد الرحمن الحاج صالح" في إحدى المحاضرات السؤال الآتي: هل أنتم من المحافظين؟ فأجاب : "لست محافظا ولا مجددا، ولكن أبحث عن المفيد. اكتشفنا في القديم شيئا عظيما لم نجده في الحديث، ولو اكتشفناه في الحديث لأخذنا به".

[4] ) - مفاجئة حقا، لأنها حدثت في ظرف زماني قياسي جدا، فالدرس اللغوي عند العرب نضج واكتمل منهجا وأصولا ومسائل في سرعة معجزة. انظر، د/عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي ومنطق أرسطو، مجلة كلية الآداب، العدد1، جامعة الجزائر 1964، ص: 73.

[5] ) - الذين نبذوا النحو والصرف بدعوى أنهما "معياريان"، وأنهما بعيدان عن التصور العلمي للغة الذي ظهر في زماننا (موضة البنوية).

[6] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، النظرية الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي، وقائع ندوة تقدم اللسانيات في الأقطار العربية، ط1، دار الفكر الإسلامي، المغرب، 1987.

[7] ) - انظر، د/ عبد الرحمن الحاج صالح، الأسس العلمية لتطوير تدريس اللغة العربية، اتحاد الجامعات العربية، ندوة تدريس اللغة العربية في الجامعات العربية.

[8] ) - المقصود بالجانب التأملي، هو الذي يمت بصلة إلى الفلسفة والمنطق اليوناني، والتقسيم والتصنيف الأرسطي الذي اهتم به النحاة المتأخرون.

[9] ) - فأكثر المصطلحات اللغوية، كما يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح، لم يتغير لفظها عند المتأخرين، إنما الذي تغير هو محتواها، ومن ذلك مثلا: "لفظة"، "كلمة"، "حرف"، "القياس"، "المبني"، "المبني عليه"، "باب"، "حد"، "مثال"، "بناء"، "وصل"، "إدراج"، "أصل"، "فرع"... انظر د/ عبد الرحمن الحاج صالح، أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية، ص: 27.

[10] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، الأسس العلمية لتطوير تدريس اللغة العربية.

[11] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي ، ص: 367.

[12] ) - سيبويه، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ج1، دار الجيل، ط1، بيروت1991، ص: 25-26.

[13] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي ، ص: 379.
* ههنا معان يمكن صياغتها صياغة رياضية مجردة، وهي معان لم يتوصل إليها المحدثون في اللسانيات ما عدا "شومسكي" عندما ميز بين الجمل النحوية (القواعدية) والجمل غير النحوية، فالمتكلم السامع المثالي في لغة ما يدرك من خلال قوانين محددة (هي المعرفة اللغوية أو قواعد إنتاج الكلام وفهمه أو الآلة المولدة... كما يسميها شومسكي) الجمل المستقيمة المحالة، والجمل غير المستقيمة في القياس والاستعمال. ولمزيد من المعلومات انظر، د/ خليل أحمد عمايرة، في نحو اللغة وتراكيبها منهج وتطبيق، عالم المعرفة،ط1، السعودية، ص: 56-57.

[14] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، المرجع السابق، ص: 379.

[15] ) - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، المرجع نفسه ، ص: 379-38.

[16] ) - المرجع نفسه، ص: 379-380.

[17] ) - المرجع السابق، ص379-380.