منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الآليات الدولية و الداخلية لحقوق الإنسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:32   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الاول

المبحــث الثـاني : الحمـايـة القضـائيـة الـدوليــة
يبقي ضمان واحترام حقوق الإنسان أمــر ذا أهمية كبرى في حالة السلم، غير أن المشكل المطروح: هو عدم وجود محاكم دولية يوكل لها معاقبة منتهكي حقوق الإنسان في وقت السلم ؟, باستثناء محكمة العدل الدولية هذه الأخيرة والتي لها اختصاص عرضي في مسألة حقوق الإنسان, بمناسبة قضائها في المنازعات المطروحة أمامها من طرف الدول التي قبلت اختصاصها.
وعلى خلاف ذلك, فان حقوق الإنسان وقت الحرب تحظى بنوع من الحماية الدولية, فنجد القانون الدولي الإنساني وفر الضمانات التي تحد من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بالإضافة إلى مسعى الجميع الدولي في إرساء قضاء جنائي دولي ,يتكفل بمتابعة مرتكبي الجرائم الدولية ومحاكمتهم وتوقيع العقوبات عليهم.
وعليه فما هي الآليات الدولية المختصة بحماية حقوق الإنسان وقت الحرب ,و النزاعات المسلحة ,وكيف توفر الحماية الدولية لها ؟
للإجابة: سنتناول هذا المبحث في مطلبين الأول, نتطرق فيه إلى المحاكم الجنائية الخاصة ونعطي كنموذج عنها المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة ,والمطلب الثاني نتناول فيه المحكمة الجنائية الدولية الدائمة .





المطلـب الأول: المحاكم الجنائيـة الدولية الخاصة ( محكمة يوغسلافيا السابقة كنموذج )
أمام تزايد خطر الجرائم الدولية وكرد فعل عن جرائم الإبادة الجماعية و الانتهاكات الواضحة لقواعد القانون الدولي الإنساني بعد الحرب العالمية الثانية, وعدم خضوع مرتكبي هذه الجرائم للعقاب أمام المحاكم الوطنية , ظهرت للوجود فكرة إنشاء محكمة دائمة لجرائم الحرب من جديد, وتم تجسدها في شكل مجدد ,بإنشاء محكمة لنورمبرغ سنة 08/08/1945 لمحاكمة زعماء النازية والمتسببين في جرائم الهلوكوست ومحكمة طوكيو في نفس الوقت بتاريخ 19/01/1946, لمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية من اليابانيين ضد شعوب الشرق الأقصى, إلا أن هاتين المحكمتين زالتا لأنهما كانتا محدودتين في الزمان و المكان بمحاكمة مجرمي الحرب الكونية الثانية من قوات المحور، ومع نهاية الحرب الباردة سنة 1989 ,أدى تعدد تدخلات الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على السلم في مناطق متعددة من العالم إلى جعل الدعوة إلى إنشاء محكمة جنائية دولية أكثر إلحاحا وعليه تكررت العملية وبشكل أكثر تنظيم وفاعليه, وذلك بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة لمحاكمة المتسببين في الانتهاكات الإنسانية في ذلك القطر منذ عام 1992 . في كل من البوسنة وكرواتيا وكوسوفو واختيرت لاهاي مقرا لها ,كما كونت بعدها وبسنوات قليلة محكمة رواندا في 08/11/1994 لمحاكمة المتسببين في المآسي التي وقعت في هذا البلد الصغير وذلك من شهر جانفي 1994 و ديسمبر عام 1994 بين التوتسي و الهوتو والتي كادت أن تؤدي بإبادة جنس التوتسي، كما تم إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بسيراليون عام 2002 مختصة بمحاكمة مرتكبي الأعمال الوحشية خلال الحرب الأهلية في سيراليون.

غير أننا وفي هذا الإطار ارتأينا إلى اقتصار الدراسة على المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة كنموذج نوضح من خلاله طريقة عملها في ميدان حماية حقوق الإنسان وقت النزاعات المسلحة وذلك باعتبارها المحكمة الخاصة التي أعطت دفعا جديدا للمطالبة بإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة،كما كان لها دور فعال في مجال حقوق الإنسان .
-إنشاء و تشكيلة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة:
لقد تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا, من قبل الدول لمحاكمة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم أثناء العمليات العسكرية وذلك نظرا للدرجة الخطيرة التي بلغها العنف في يوغسلافيا السابقة عام 1991, والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني, وعليه بات من الضروري بل من الحتمي أن يتحرك المجتمع الدولي لمعاقبة المسؤوليين عن هذه التجاوزات ,فالتنديد والتأسف لا يكفيان لإيقاف الحرب الدائرة في المنطقة، وبما أن العدالة تقضي بأن كل مجرم يأخذ الجزاء المناسب له، قرر المجتمع الدولي ممثلا في منظمة الأمم المتحدة محاكمة مجرمي الحرب هناك في مناطق يوغسلافيا السابقة. و في 22 فبراير عالم 1993 اصدر مجلس الأمن قراراه رقم 808 بالإجماع نص على إنشاء محكمة جناية دولية لمحاكمة المسؤولين عن المخالفات الجسمية لأحكام قواعد القانون الدولي الإنساني، وفي 25 ماي أصدر لائحة رقم 827 بموجبها تبنى النظام الأساسي للمحكمة وبالتالي تم إنشاء المحكمة في 17 نوفمبر 1993 مقرها لاهاي.و تعد هذه المحكمة نموذجا للمحكمة العادلة , فهي تمتلك السلطة بموجب تشريعاتها محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب خروقات خطيرة لاتفاقية جنيف, وانتهاك فوانيين وأعراف

الحرب, والإبادة الجماعية, و الجرائم ضد الإنسانية مثل: القتل، الإخفاء، الاستعباد، الترحيل، والحبس، والتعذيب ,و الاغتصاب المنصوص عليها في اتفاقية لاهاي عام 1907 .
-وتشكل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة من أحد عشر قاضيا مستقلا, غير أنه و على اثر صدور القرار رقم 1329 سنة 2000 عدل مجلس الأمن النظام الأساسي فرفع عدد القضاة العاملين في المحكمة إلى 17 قاضيا ينتخبون لمدة 4 سنوات بحيث تجري عملية انتخاب قضاة المحكمة من الجمعية العامة للأمم المتحدة من بين قائمة يعدها المجلس . ونائب عام يكون مسئولا عن التحقيقات والإدعاءات والذي يكون له الحق في توجيه الأسئلة للمتهمين ,والضحايا, والشهود, وجمع الأدلة من أي مصدر كان، وتلتزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون الكامل مع المحكمة عند التحضير للقضية فتلتزم بتسليم المتهمين وإرسال المعلومات المطلوبة منها ,وتطبق قرارات المحكمة, و تنفيذ أحكامها.
يتمتع المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بجميع ضمانات المحاكمة العادلة وتكون عقوبة السجن هي العقوبة التي تفرضها المحكمة.
- نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا :
يتحدد الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بالأفعال التالية :
1- الانتهاكات الجسيمة للاتفاقية جنيف عام 1949 و التي نصت عليها المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة .
2- مخالفة قوانين و أعراف الحرب ( المادة الثالثة من النظام الأساسي للمحكمة ) .
3- الإبادة الجماعية (المادة الرابعة من النظام الأساسي للمحكمة ).

4- جرائم ضد الإنسانية (المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة) .
- ويتحدد الاختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية الدولية بيوغسلافيا السابقة بالأفراد الذين ارتكبوا الجرائم المنوه عنها أعلاه، حسب المادة 7 فقرة 1 من النظام الأساسي للمحكمة،وقد نص النظام الأساسي للمحكمة على مبدأ أساسي, يقرر المسؤولية الجنائية الفردية, بحيث يسأل الفرد بغض النظر عما إذا كان قد ارتكب الفعل بمفرده ,أو مع جماعة, أو تنفيذا لأوامر رؤسائه، ويسأل هؤلاء الآخرون أيضا عن إصدارهم لأوامر غير مشروعية وعن عدم منعهم الأفراد التابعين لهم من ارتكاب الانتهاكات و المخالفات .
- ويتحدد الاختصاص المكاني للمحكمة بجميع الجرائم التي ارتكبت في إقليم يوغسلافيا السابقة سواء منه الإقليم البري أو البحري أو الجوي.
- ويتحدد الاختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا بالجرائم التي ارتكبت منذ أول ديسمبر عام 1991 .
- طريقة العمـــــل:
تنظر المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في القضايا المرفوعة أمامها من خلال هيئات وهي الدوائر,و جهاز الإدعاء، وسجل المحكمة, وتكون القرارات والأحكام الصادرة عنها قابلة للاستئناف أمام هيئة الاستئناف التابعة للمحكمة، أما نفقات المحكمة فهي تغطى من الميزانية الاعتيادية
لهيئة للأمم المتحدة باعتبارها جهازا فرعيا أنشأه مجلس الأمن،



وبالتالي فهي ليست جهازا مستقلا تماما عن منظمة الأمم المتحدة .
- في عام 1994 صادقت المحكمة الجناية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة على ثماني عرائض اتهام
ضد 46 شخص, و أصدرت أوامر بالقبض على هؤلاء المتهمين ,وبعد ذلك انتقلت المحكمة من مرحلة توجيه الاتهام إلى مجرمي الحرب إلى مرحلة المحاكمات الفعلية الملموسة ,بما يفصح عن تطور حقيقي في مجال القانون الدولي الإنساني, وفيما يلي نستعرض بعض المحاكمات التي أجرتها المحكمة حتى جويلية 1997 وأحكام صدرت في سنة 2002 و 2003 :
أولا : محاكمة تاديتش:
وهو من أكبر القادة الصرب, حيث تم إصدار أمر بالقبض ضده في 25 جويلية 1995, وتعد هذه المحاكمة أول محاكمة تجريبية للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة لذا تضمنت عددا من الإجراءات العارضة ذات الأهمية, وقد تقدم دفاع " تاديتش " بعدة دفوع عارضة أمام الدائرة الإستئنافية في السابع والثامن من شهر سيبتمبر سنة 1995, استنادا إلى القاعدة 72 و 117 من لائحة الإجراءات وقواعد الإثبات ومن بين هذه الدفوع :
- أن المحكمة أنشئت على غير سند قانوني.
- أن أولوية المحكمة على المحاكم الوطنية المختصة ليس له ما يبرره .
وبعد ذلك أصدرت دائرة الاستئناف حكمها ووقفت على ما يلي :
- تأكيد اختصاص المحكمة بالنظر في الالتماس بأغلبية القضاة, ورفض الدفع القائل بأن المحكمة أنشئت على سند غير قانوني.

وبعد الانتهاء من جلسات الاستماع انتهت المحاكمة في 28 نوفمبر 1996 وصدر الحكم النهائي في 7 ماي 1997, إذ يعتبر هذا الحكم الأول من نوعه منذ صدور أحكام لنورمبرغ وطوكيو .
حيث جاء القرار كما يلي : " قررت دائرة المحاكمة في قراراها أن المتهم ليس مدانا بعدد من الوقائع بما في ذلك تهمتا القتل بوصفه انتهاكا لقوانين و أعراف الحرب, وبوصفه جريمة ضد الإنسانية, وذلك نظرا لأن الدليل على أن الضحايا ماتوا نتيجة لأعمال المتهم أعتبر غير كافي، إلا أن دائرة المحاكمة وجدت فيما يتعلق بوقائع التهمة الأولى ( الاضطهاد) أن المتهم تسبب في موت شرطيين بنحرهم، كما وجدت الدائرة الابتدائية المتهم مدانا بعدة اتهامات أخرى منها المعاملة القاسية ,والمعاملة اللاإنسانية باعتبارهما جريمة ضد الإنسانية لاشتراكه في ضرب ,وطرد المحتجزين في البلدات, والقرى, ومعسكرات الاعتقال " .
و في 14 جويلية 1997 أصبح " تاديتش " أول متهم تصدر المحكمة حكما ضده،وقد فرضت دائرة المحاكمة عدد من الأحكام في أن واحد , أقصاه حكم بالسجن لمدة 20 سنة لارتكاب جريمة ضد الإنسانية ( للاضطهاد ) تضمنت في جملة أمور القتل غير المشروع لشرطيين بوسنيين .
وقد قدم دفاع تاديتش استئناف ضد هذا الحكم أمام الدائرة الإستئنافية.
ثانيا : محاكمة ديوكيتش:
والذي مثل أمام الدائرة الابتدائية في 1 مارس 1996, و أعلن أنه غير مذنب وادعى الدفاع أن عريضة الاتهام الموجهة ضده غير صحيحة لأن المدعي العام لم يلتمس من محاكم البوسنة إحالة الدعوى الموجهة ضد " ديوكيتش " ,إلا أن الدائرة رفضت هذه الحجة استنادا إلى أن ذلك يعود إلى تقديم المدعى



العام ,وفي 19 أفريل 1996 أودع المتهم التماسا بسحب عريضة الاتهام ضد " ديوكيتش " بدعوى التدهور السريع لصحة المتهم ,نتيجة لإصابته بالسرطان ,أين أمرت الدائرة الابتدائية بالإفراج عنه مؤقتا, واستأنف المدعى العام قراري القاضي ( كاريبي وايت )ودائرة الإيتدائية على السواء ,غير أن المتهم توفي قبل أن ينظر في الاستئناف وأوقفت الدعوى.
ثالثا : محاكمة ميتار فاسيليفيتش :
في سنة 2002 أدانت الدائرة الثانية للمحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا (ميتار فاسيليفيتش) المتهم بارتكاب أعمال ضد السكان المسلمين في محيط " فايز غرادا" في البوسنة والهرسك، إلى جانب أعمال اضطهاد وقتل، وقد حكمت عليه المحكمة بـ 20 سنة سجنا, وذلك بتاريخ 29نوفمبر 2002 .
-وفي 31 مارس 2003 أدانت الدائرة الابتدائية " ميلادين ناليليتش " و فنكومار تينوفيتش " على معاملتهما القاسية للمدنيين و الأسرى المسلمين البوسنيين, و ارتكابهما جرائم ضد الإنسانية وحكمت عليهما بالسجن 20 عام و 18 عام على التوالي .
- تقييـــــم:
في آخر هذا المطلب نخلص إلى القول بأن المحاكم الجنائية الدولية الخاصة سجلت مساهمات معتبرة ومعترف بها على الصعيد الدولي : إذ من خلالها تم تجريم العنف الجنسي المرتكب في النزاعات المسلحة إذ غدا الاغتصاب فعل تعذيب في قضية سليبيس ( Celebici ) وجريمة ضد الإنسانية في قضية fouka وجريمة حرب في قضية ( Furundzija ) .




غير أنه ما يعاب على هذا النوع من القضاء انه حمل في طياته أسباب زواله و بطلانه لأنه يقوم على الانتقائية، وانعدام الحياد في بعض القضايا. كما انه قضاء مؤقت محدد بزمان محدد ومكان معين، مما يستحيل معه المراقبة الدائمة لحقوق للإنسان في الصراعات المسلحة .
إلا أن الجديد الذي أوجده هذا القضاء هو تبني مجلس الأمن ولأول ومنذ خمسين عاما قرارات الأمن الإنساني .لحماية النساء والأطفال في النزعات المسلحة ,وحدث العصر الأبرز هو إصباغ صفة الديمومة على هيئة القضاء الجنائي الدولي من خلال عقد مؤتمر روما, الذي تمخض عنه وجود المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ,وهذا ما سيأتي تفصيله في المطلب الثاني من هذا المبحث .













المطلب الثانــي : المحكــمة الجنائيـة الدوليـة الـدائمـة
إن تجربة إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة لمواجهة حالات معينة قد تحدث في دولة ما، يثير في كثير من الحالات إشكالية ما يعرف بالعدالة المختارة" justice sélective " ولوضح حد للتشكيك في الأهداف التي تسعى المحاكم الخاصة لتحقيقها ,تم إنشاء قضاء دولي جنائي يتسم بالنزاهة و الاستقلالية ويكون هدفه تحقيق العدالة, وإنهاء الحصانة ,ووضع حد للإفلات من العقاب, وسد جميع الثغرات الموجودة في المحاكم الخاصة، والسعي من أجل منع وجود مجرمي حرب في المستقبل، وهذا ما تحقق عام 1998 بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة وفقا للأحكام نظام روما الأساسي, إذا تعد نموذج جديد لمثال جهاز قضائي دولي دائم يتمتع بالاستقلالية وله شخصية قانونية دولية وأهلية لممارسة وظائفه وتحقيق مقاصده .
و الطريق إلى روما لم يكن قصيرا كما يبدوا للبعض بل كان طويلا جدا وشاقا كثيرا ,ففي سنة 1994 أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة حول المحكمة الجنائية الدولية, لمراجعة مشروع قانون المحكمة الجناية الدولية التي اجتمعت خلال شهر ديسمبر 1995 بمقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك, وخلال شهر ديسمبر 1995 أسست الجمعية العامة لجنة تحضيرية حددت مهمتها في 3 سنوات من مارس 1996 إلى افريل 1998 لتنقيح المشروع وإتمامه قصد تقديمه لمؤثر مفوضين دبلوماسيين، واجتمع هذا المؤتمر ما بين 15 جوان و 17 جويلية 1998 بالعاصمة الإيطالية روما بمشاركة 160 دولة .
وبتاريخ 17 جويلية 1998 اعتمدت 120دولة نظام المحكمة بالتصويت على النص "Rome de la " "cour pénale internationale النهائي لمعاهدة روما التي أنشأت المحكمة الجناية الدولية

و المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة تمارس مهمتها منذ دخولها حيز النفاذ في مطلع شهر جويلية سنة 2002 بالنسبة للجرائم موضوع اختصاصها التي يرتكبها الأشخاص دون تحديد زمني لنهاية مهامها و التي ستبقي مستمرة ما لم يقع إلغاء المعاهدة التي أحدثت بمقتضاها المحكمة .
- نطـاق اختصـاص المحكـمة:
إن الاختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة لا يمتد بالنسبة للجرائم الراجعة لاختصاصها إلا إلى الجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة ( نظام روما ) ,أي تلك الجرائم التي ارتكبت انطلاقا من فاتح جويلية 2002 بالنسبة للدول التي صادقت على هذا النظام قبل هذا التاريخ , أما الدول التي ستنضم لاحقا فإنها لن تخضع لاختصاص المحكمة, إلا يشأن الجرائم التي ترتكب منذ تاريخ انضمامها للنظام , كما يمتد اختصاصها كذلك حتى بالنسبة للدول التي ليست طرفا في نظامها إذا قبلت بموجب
إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، ولها أن تمارس المحكمة اختصاصها بشأن جريمة قيد البحث، وفي هذه الحالة فان الأثر يمتد للجريمة الجاري البحث بشأنها و التي ترجع أفعالها لتاريخ سابق عن إيداع الإعلان بالقبول . و تطبق المحكمة الجنائية الدولية الدائمة النظام الأساسي ( نظام روما ) المعتمد بتاريخ 17جويلية 1998 و القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات ( قانون الإجراءات الجنائية ) و المعاهدات الدولية و مبادئ وقواعد القانون الدولي, بما فيها المبادئ المقررة للمنازعات المسلحة،و المبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم وغير متعارضة مع نظامها الأساسي .




- ويقتصر الاختصاص النوعي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة على أشد الجرائم خطورة و التي هي موضوع اهتمام المجتمع الدولي بأسره .إذ لها بموجب النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية :
( 1-جريمة الإبادة الجماعية 2- الجرائم ضد الإنسانية 3–جرائم الحرب والتي تعني الانتهاكات الجسمية لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أوت 1949, 4-جريمة العدوان و التي لم يتم التحديد النهائي لمضمونها و أركابها .)
وأضاف النظام الأساسي للمحكمة آلية للتعديل في إطار جمعية الدول الأطراف ,والتي بموجبها يمكن للمحكمة أن توسع اختصاصها في جرائم أخرى خاصة، وذلك منذ أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وتصاعد نوع جديد من الجرائم الدولية, التي أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لأمن المجتمع الدولي واستقراره مثل : الإرهاب، والاتجار غير المشروع في المخدرات ,الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية .
-ويتحدد الاختصاص الشخصي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة بالمتابعة الجزائية للأشخاص الطبيعيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة, والذين اقترفوا الجرائم الدولية الداخلة في اختصاصها النوعي بصفتهم الفردية من رؤساء الدول, والحكومات, وذوي الحصانات, دون الاعتداد بصفتهم الرسمية ودون مساءلة الدول و الأشخاص الأخرى مع تحميلهم المسؤولية الجزائية الدولية . فالمسؤولية الجزائية الدولية للأفراد تعتبر آلية جديدة تسمح بالوقاية من الجرائم الدولية وذلك عن طريق ملاحقة مقترفيها، وقد وردت أحكام المسؤولية الجزائية الدولية في النظام الأساسي للمحكمة في الباب الثالث تحت عنوان المبادئ العامة للقانون الجنائي .



- ويتحدد الاختصاص المكاني أو الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة بمكان ارتكاب الجريمة في إقليم دولة طرف، بالإضافة إلى اعتماد رابطة الجنسية أيضا بالنسبة للشخص المتابع وهذا بالاستناد إلى المادة 12 في فقرتيها الأولى و الثانية من النظام الأساسي ,كما أدخل نظام روما مرونة على هذه المادة بإضافة قاعدة جديدة في أحكام الاختصاص وهي " رضائية الاختصاص", وذلك من أجل توسيع نشاط المحكمة , ففي حالة عدم توفر شرطي الإقليم, و الجنسية ,فإقرار دولة غير طرف وإعلانها بقبول اختصاص المحكمة بنظر الجريمة المرتكبة على إقليمها يعقد الاختصاص لها, وعليه فهذه القاعدة تهدف لإعطاء الاعتبار للدول غير الأطراف بالاحتكاك بالمحكمة و التقرب منها .
- تشكيلة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة وطريقة عملها :
تتشكل المحكمة الجنائية الدولية الدائمة, من 18 قاضيا, يشغلون مناصبهم لمدة 9 سنوات ويتم انتخاب رئيس المحكمة ونائبه الأول و الثاني بالأغلبية المطلقة لمدة 3 سنوات وينتخب المدعى العام بالاقتراع
السري وبالأغلبية المطلقة لأعضاء جمعية الدول الأطراف ويكون المسجل بمثابة قناة الاتصال بالنسبة للمحكمة . وتتكون المحكمة من أجهزة طبقا للمادة 34 من النظام الأساسي وهي هيئة الرئاسة – شعبة استئناف - وشعبة ابتدائية - و شعبة تمهيدية - مكتب المدعى العام – قلم المحكمة .
-أما آلية رفع الدعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة فقد انتهى المؤتمرون بعد نقاش طويل وأخذ و رد إلى صياغة المادة 13 التي نصت على أن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة, تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجرائم المشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام النظام الأساسي في الأحوال التالية :



1- إذا أحالت دولة طرق إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 ,حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت .
2- إذا أحال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بالإحالة إلى المدعي العام, في حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت .
3- إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقا للمادة 15 من النظام الأساسي .
المبادئ التي تقوم عليها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة:
تقوم المحكمة الجنائية الدولية الدائمة على مبادئ أساسية, وهي المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني و التي تتمثل في : مبدأ الشرعية, ومبدأ عدم رجعية القانون الجنائي, و المسؤولية الجنائية الفردية وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية، ومسؤولية القادة و الرؤساء الآخرين, و عدم سقوط الجرائم بالتقادم ,وقرينة للبراءة .
ويعد مبدأ الشرعية " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص " الحجر الزاوية للنظام اّلأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة و أهمية هذا المبدأ على الصعيد الدولي تفوق أهميته على الصعيد الداخلي، إذ نجد المادة 22 من النظام الأساسي تنص على انه " لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام ما لم يكن السلوك المعني وقت وقوع جريمة يدخل في اختصاص المحكمة...حيث لا يجوز توسيع نطاقه عن طريق القياس وفي حالة الغموض يفسر التعريف لصالح الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الإدانة".




و عليه فإن النظام الأساسي يقيد السلطة التقديرية للقضاة بخصوص الجرائم, وبمعنى أخر بالحدود التي تم التفاوض عليها وتحديدها من قبل الدول و أضافت المادة 23 من النظام الأساسي انه " لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقا لهذا النظام الأساسي " .
وعليه طبقا لمبدأ الشريعة يفترض وجود نص قانوني سابق لكل تجريم ولكل عقوبة ويكون العقاب الذي تستوجبه معلوما مسبقا .
- الضمانات التي يتمتع بها المتهم أمام المحكمة :
أثناء المحاكمة يتمتع المتهم أمام المحكمة الجناية الدولية الدائمة, بالعديد من الحقوق والضمانات إذ نصت المادة 60 الفقرة الأولى من النظام الأساسي, على انه بعد تقديم الشخص إلى المحكمة أو مثوله طوعا أمامها آو بناء على أمر الحضور،يكون على الدائرة التمهيدية أن تقتنع بأن الشخص قد بلغ بالجرائم المدعى ارتكابه لها, وبحقوقه بموجب هذا النظام الأساسي بما في ذلك حقه في التماس إفراج مؤقت انتظارا للمحاكمة، وأشارت المادة 221 من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات إلى انه للمتهم الحق في محاكمة علنية ومنصفة
ويجب أن يبلغ المتهم ليسهل عليه تحضير دفاعه ,ويقع على عاتق المحكمة الإسراع في محاكمته وذلك دون أي تأخير. وقد منح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة دور في استعمال أدوات تقيد الحرية المنصوص عليها فيه .كإجراء وقائي للحيلولة دون فرار المتهم. وحماية الشخص المحتجز لدى المحكمة أو غيره والأسباب أمنية..



كما يلزم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة الدائرة التمهيدية على أن تقوم في غضون فترة زمنية معقولة قبل موعد الجلسة بتزويد الشخص بصورة من المستند المتضمن للتهم التي يعزم المدعي العام على أساسه تقديم الشخص للمحاكمة. وإبلاغه بالأدلة المعتمد عليها في الإدعاء .ويجوز لدائرة التمهيدية أن تقرر تأجيل جلسة المحاكمة من تلقاء نفسها. أو بطلب من المدعي العام أو الشخص المتهم،وبعد انقضاء المهلة الزمنية تقرر الدائرة على أساس الجلسة ما إذا كانت توجد أدلة كافية لإثبات وجود أسباب جوهرية تدعوا للاعتقاد بأن الشخص قدر ارتكب الجرائم المنسوبة إليه. ويجوز لها أن تحيل الشخص إلى دائرة ابتدائية لمحاكمته على التهم التي اعتمدتها أو ترفض اعتماد التهم لعدم كفاية أدلتها وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية الجزاء من الأدوات القانونية التي تكفل الاحترام الأمثل لقواعد القانون الدولي الإنساني, ولتعزيز حقوق الإنسان فبالرجوع للمادة 77 من النظام الأساسي للمحكمة, نجدها حددت العقوبات التي تطبقها المحكمة وهي العقوبة من السجن لعدد محدد من السنوات إلى فترة أقصاها 30 سنة ,وفي الظروف الخاصة توقع عقوبة السجن المؤبد ,كما يمكن للمحكمة أن تأمر بتوقيع غرامات, مع الأمر بمصادرة العائدات ,والممتلكات دون المساس بحقوق الأطراف الحسنة النية.
- علاقة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بالقضاء الوطني :
فيما يخص علاقة المحكمة الجنائية الدائمة بالقضاء الوطني, فلقد تمت منا قشتها قبل التوقيع على ميثاق المحكمة في روما، وحددت العلاقة ,حتى لا يحدث أي شكل من أشكال التجاوز, وقد كان هذا النقاش نابعا من تخوف الدول الأعضاء من تدخل المحكمة الجنائية الدولية في الشؤون الداخلية للدول, والمساس بالسيادة الوطنية، ونتيجة لهذا فقد حرص واضعي النظام الأساسي للمحكمة إلى تضمين ذلك الحرص والاهتمام بالسيادة الوطنية, الوثيقة الأساسية ويبدو ذلك واضحا وجليا في الفقرات 6. 8. 10

من الديباجة جاء فيها " ...إذ نؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكلمة للولايات القضائية الجنائية الوطنية "
وعليه فالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة هي مكملة للنظام الجنائي الوطني للدول الأطراف ,وليست بديلا له . وأنها لا تكون مختصة بالنظر في الجريمة إذا كانت الدولة الطرف المعنية قد مارست اختصاصها بشأنها, ما لم يكن القرار المتخذ من قبل سلطات الدولة ناتجا عن عدم رغبتها أو عدم قدرتها على محاكمة الشخص .
تقييـــم:
إن أول اختار حقيقي تعرضت له المحكمة الجناية الدولية الدائمة ,هو تحقيقها في قضية دارفور بعدما وجه رئيس الإدعاء في المحكمة الجناية الدولية "لويس مورينو" تهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم الإبادة في حق الرئيس السوداني" عمر حسن البشير" وذلك بتاريخ 14 جويلية 2007 وطالب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني،هذا الطلب الذي يعد الاختبار الصعب الذي قوبل بالترحيب الحذر من قبل الأسرة الدولية،وتجدر الإشارة هنا إلى أن قدر المحكمة على تنفيذ قرار الاعتقال في حالة صدوره تبدو ضئيلة إ نظرا لأن السودان: أولا ليست ضمن الدول الموقعة على ميثاق المحكمة بالإضافة, إلى أنه من المستعبد تعاون القضاء السوداني معها ,وثالثا لأن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لا تمتلك أصلا جهاز شرطة يمكنها من إلقاء القبض على المتهمين وإحضارهم وهذا ما يؤكد أنه ستكون حالة البشير اختيارا عمليا للمحكمة ولمدى تعاون الدول الموقعة على نظامها . إذ يعد الرئيس

السوداني أول رئيس دولة حاكم موجود في السلطة يصدر بحقه مثل هذا الأمر ( اعتقال ) منذ الرئيس (تشارلزتيلور ) عام 2003 ,والرئيس اليوغسلافي " سلويودان ميلوزفتش ".
وبالإضافة إلى قضية دارفور تجري المحكمة الجنائية الدولية عدة تحقيقها في مناطق مختلفة في العالم، كما هو الحال في " أوغنذا" و"جمهورية افريقيا" "الوسطي" و"جمهورية الكنجو الديمقراطية" وفي أخر هذا المطلب يمكن القول بأنه حتى وإن كانت المحكمة الجناية الدولية تتمتع بالإسقلالية فإنها لن تتمكن من خلالها من إصدار أحكام ,وحتى وإن أصدرت أحكام فإنها مجبرة على وضع أحكامها قيد الحفظ في أرشيف المحكمة، وذلك لاستحالة تنفيذها على البعض , ومن الأمثلة على ذلك: تصويت القطب المسيطر إلى جانب

السلفادور وإسرائيل ضد قرار أقرته الجمعية العامة بالأغلبية 94 صوت يدعوا ذلك القطب إلى التوقف عن جميع الأنشطة التي حكمت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بعدم قانونيتها .
كما يلاحظ خاصة في مرحلة ما بعد إصدار الأحكام وهي مرحلة التنفيذ و التي تفرض طرح السؤال التالي: من هو المنفذ الحقيقي لأحكام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ؟ ؟؟؟.










رد مع اقتباس