هل يأخذ أغراض المستأجر الذي خرج من السكن مقابل حقه في الإيجار الذي لم يدفعه؟
السؤال :
زوج أختي يمتلك شقق ومستأجر منه شابين وأغلب الأشهر لا يدفعون الإيجار ، وآخر فترة تم القبض على واحد منهم ، ذهب زوج أختي للشاب الآخر يطلب منه الإيجار
ولكن أخلى مسؤليته ولم يدفع شيئاً . المهم طرده من البيت ووجد فيه تلفزيون ورسيفر أخذهم لبيته وأراد بيع التلفزيون . ويأخذ المال عوضا عن الإيجار فما الحكم ؟
الجواب :
الحمد لله
هذه المسألة تعرف عند الفقهاء بـ"مسألة الظَّفَر" ومفادها أنه إذا كان لك حق عند ظالم لا تستطيع استخلاص حقك منه ، وقدرت على شيء منه ، فهل يجوز لك أنْ تأخذَ قدر حقِّك أو لا ؟
وهي محل خلاف بين أهل العلم : فمنهم من يجيزها ، ومنهم من يحرمها ، ومنهم من يجيزها بشروط .
وانظر : "شرح مختصر خليل" للخرشي (7/235)
"الفتاوى الكبرى" (5/407)
"طرح التثريب" (8/226-227)
"فتح الباري" (5/109)
"الموسوعة الفقهية" (29/162) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
"لعل الحال تختلف باختلاف الأشخاص : فيجوز الأخذ إذا عرف أنه معاند وجاحد ومماطل من غير عذر ، ولا يجوز إذا كان هناك شبهة يمنع لأجلها . والله أعلم " انتهى .
انتهى من موقع الشيخ .
وقد سبق في جواب السؤال القادم ترجيح القول بجواز أن يأخذ المظلوم حقه بلا زيادة ، إذا ظفر بشيء من مال الظالم له .
فإذا كان حق المالك في الإيجار ثابتاً بلا شبهة ولا مخاصمة من المستأجر فلا حرج عليه أن يأخذ قدر الإيجار من ماله .
أما إذا كان بينهما نزاع في ثبوت الإيجار فالذي يفصل في هذا هو القاضي .
ثانيا :
إذا قلنا بالجواز فليس للمؤجر أن ينتفع بهذا التليفزيون أو هذا الرسيفر الانتفاع المحرم ، كأن يستخدمهما في معصية الله ، بمشاهدة ما حرم الله من تلك الأفلام والتمثيليات ونحوها مما تشيع به الفاحشة ، ويذيع به الفساد في بيوت المسلمين ، أو يبيعه لمن يغلب على ظنه أنه يستعمله الاستعمال المحرم .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) :
"كل ما يستعمل على وجه محرم ، أو يغلب على الظن ذلك ، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"التلفاز إذا باعه على من يستعمله استعمالاً مباحاً -مثل أن يبيعه على بعض الذين يعرضون أفلاماً تنفع الناس- فإن هذا لا بأس به . أما إذا باعه على عامة الناس فإنه يأثم بذلك ؛ لأن أكثر الناس يستعملون التلفزيونات في الأشياء المحرمة . ولا شك أن ما يشاهد في التلفزيون منه شيء مباح ، ومنه شيء نافع ، ومنه شيء محرم ضار ، وأكثر الناس لا يفرق بين هذا وذاك" انتهى مختصرا .
"اللقاء الشهري" (1/49) .
والله أعلم .
........
هل يأخذ حقه دون علم من ظلمه ؟
السؤال :
أحرص دائماً أن أتبع الحلال وأجتنب الحرام ، أعمل في محل تجاري يملكه يهودي منافق ، لديه العديد من المحلات وقد أغلقها فجأة ليطلب الأموال من الحكومة ، وفصل الناس من العمل دون أن يعطيهم رواتبهم وأبقى 5 أشخاص -
( أنا منهم ) - وفتح محلاً جديداً ، لم يدفع الرواتب المتأخرة ، ودفع مبلغاً بسيطاً أقل بكثير من مستحقاتنا ، المحل الآن ناجح ولكنه لا يدفع لنا ، ودائماً يقول لا يوجد لدي مال
نواجه الآن مشكلة دون دفع رواتبنا ، وهذا هو الدخل الوحيد لنا ، قال أحد زملائي في العمل بأن نأخذ رواتبنا اليومية من دخل المحل وإذا دفع لنا في آخر الشهر نعيد له ماله في الخزنة وبدأ بفعل هذا ، ولكنني أخشى الحرام ، وأواجه الآن مشاكل مالية ، وقد سمعت بأنه سيفصلنا من العمل دون أن يدفع رواتبنا
أرجو أن توضح لنا هذه المسألة وتنصحنا . مرة أخرى ، أنا أعمل بإخلاص وأمانة ولكنه يهودي منافق .
الجواب :
الحمد لله
هذه المسألة تسمَّى عند العلماء " مسألة الظَفَر " ، وفيها خلاف بين العلماء ، فمنهم من منع من أخذ الحق من الظالم ، ومنهم من أجازه بشرط أن لا يزيد على حقه وأن يأمن الفضيحة والعقوبة ، وهو الصواب من القولين .
قال الشنقيطي رحمه الله :
إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي ، ولم يمكن لك إثباتُه ، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة والعقوبة ، فهل لك أنْ تأخذَ قدرِ حقِّك أو لا ؟
أصحُّ القولين ، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس : أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ ؛ لقوله تعالى في هذه الآية : ( فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ…) الآية ، وقوله : ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم ) ، وممن قال بِهذا القول : ابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان ، ومجاهد ، وغيرهم .
وقالت طائفة من العلماء - منهم مالك - : لا يجوز ذلك ، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة : وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ، واحتج من قال بِهذا القول بحديث : " أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " ا.هـ.
وهذا الحديث – على فرض صحته - لا ينهض الاستدلال به ؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه ، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه . "
أضواء البيان " ( 3 / 353 ) .
وهو قول البخاري ، والشافعي ، كما نقله أبو زرعة العراقي في " طرح التثريب " ( 8 / 226 ) ، ونقل الترمذي أنه قول بعض التابعين ، وسمَّى منهم سفيان الثوري .
والحديث الذي استدل به المانعون هو حديث أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه الترمذي ( 1264 ) وأبو داود ( 3535 ) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 423 )
فلك أن تأخذ حقَّك من هذا اليهودي صاحب العمل على أن لا تزيد على حقك ، وأن تأمن من أن يُكتشف أمرك خشية الفضيحة والإساءة للإسلام لأنك لا تستطيع إثبات حقك أمام الناس ، فإن أعطاك حقك بعدها أو شيئاً منه : فعليك أن تُرجع ما أخذته مما هو زائد على حقك .
والله أعلم .