منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حق المؤلف
الموضوع: حق المؤلف
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-31, 09:32   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

1- ــ مبدأ التفسير الضيق للتصرفات الواردة على الحق المالي للمؤلف:وبمقتضى هذا الـمبدأ يتقرر مـا يلي:
ــ لا يعتبر تنازل المؤلف عن نسخة من نسـخ المصنف تنازلا عن حقوقه المادية، إذا تنـازل المؤلف على نسخةٍ من نسخ مصنفه الفني؛ لا يفسر هذا أنـََّه تنازل عن حقه المادي في إنتـاج المصنف أو عرضه على الجمهور(1). كما أنَّ حائز الشيء المادي للمصنف ـ لوحة فنية أو تمثال ـ لا يصبح بسبب هذه الحيازة صاحب أيِّ حق من حقوق المؤلف،وتبقى هذه الحقوق معقودة للمبدع (المؤلف)دون غيره(2). في ذلك جاء نص المادة 73/1 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"لا يعتبر اقتنـاء نسخة من الـمصنف فـي حد ذاته على سبيل ملكية مطلقة، تنـازلا عن الحقوق المادية للمؤلف.غير أنَّه لا يمكن المؤلف أن يطالب مالك الدعامة الأصلية بوضع المصنف تحت تصرفـه لكي يمارس حقوقه بالنسبة لمصنفات الفنون التشكيلية والفنون التصويرية".إلا أنَّه يمكن مالك الدعامة الأصلية عرضها على الجمهور بدون ترخيص، إذا انتفى غرض الربـح، ما لم يستثن المؤلف هذه الإمكانية صراحةً(3).
ــ فيما يخص الحقوق المتنازل عنها:تنازل المؤلف عن حق من حقوقه الـمادية؛ لا ينسحب إلى بقية الحقوق، إذا تنازل المؤلف عن حق عرض مصنفه على الجمهور، لا يؤد ذلك إلى تنازله عن حقه فـي إنتـاج مصنفه عن طريق استنساخه. وتنازل مؤلف عن حقه في استنساخ مصنفه أو إبلاغه للجمهور، لا يؤد إلـى تنازله عن حقه في ترجمة مصنفه إلى لغة أخرى،أو تحويره لغرض إنجازه في فيلمٍ أو مسرحيةٍ. والسماح ببثِّ مصنفٍ سينمائيٍ بثًا عاديًا في التلفزيون، لا يفسر أنَّ للتلفزيون الحق في بثه عن طريق الأقمـار الصناعية. كما أنَّ عرض المصنف عن طريق الإذاعة، لا يعن أنَّ المؤلف قد منح الحق للإذاعة في توزيع المصنف بشكل أشرطةٍ سمعيةٍ أو مرئيةٍ، مع أنَّ هذا لا يمنع من التسجيل المؤقت للمصنف، إذا كان مثل هذا التسجيل من مستلزمات البث، حتى ولو نص العقد على حرمان الـمتنازل له من التسجيل الـمؤقت(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوري حمد خاطر:"تقييد حرية التعاقد في نطاق التصرفات الواردة على حقوق الـمؤلف الـمالية ـ دراسة مـقارنة ـ"، مجلة دراسات ـ علـوم، شريعة وقانون ـ، العدد 2 ، سنة 2000 ، ص 324 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 86 .
(3) راجع الفقرة الثانية من المادة 73 من الأمر رقم:03/05 .
(4) نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 324 .
ــ عدم تمديـد التنازل إلى طـرق استغلال غير معروفـة عند إبـرام العقد:وهذا ما أكدته المادة 72 من الأمر رقم: 03/05 كما يلي:"يقتصر التنازل عن الحقوق المـادية للمؤلف على أنمـاط استغلال المصنف المنصوص عليها في العقد دون غيرها.ولا يمكن تمديد التنازل عن الحقوق ليشمل بالمماثلة أنماطًا أخرى أو أنماط استغلال مجهولة للمصنفات عند إبرام العقد".
الهدف من وجوب تحديد أنماط الاستغلال بما هو وارد في العقد؛ دونما غيرها من الأنمـاط التي تستجد هو تفادي وقوع المؤلف في غبن؛ في عقد لم يقدر فيه صراحة موضوع ظهور تقنياتٍ جديدةٍ لاستغلال المصـنف. لذلك تنص بعض القوانين أنَّ لصاحب حق الـمؤلف أن يختـار أشكال الاستخدام والاستغلال، وأنَّ تبني أحد الأشكال لا يحول دون تبني شكلٍ آخر(1).
الجدير بالذكر أنَّ هناك حالاتٌ، تستثنى من مبدأ التفسير الضيـق للتصرفات الـواردة على الحق الـمالي للمؤلف، قد تقتضي طبيعة المصنف أحيانًا الخروج على هذا المبدأ. فـي نطـاق عقود الإنتاج السمعي البصري، نجد أنَّ تنازل الـمؤلف عن مصنفه للمنتج، يفترض فيه الـمشرع أنَّ التنازل لـمصلحة الـمنتج يشمل العديد من الحقوق المالية للمؤلف(2). كما يعترف لرب العمل بملكية حقوق الـمؤلف فيما يخص استغلال المصنف، الَّذي يتم إبداعه في إطار علاقة عملٍ،ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك(3). إذْ تنص المادة 19 من الأمر رقم:03/05
على أنَّه:"إذا تمَّ إبداع مصنف فـي إطـار عقد أو علاقة عمل يتولى الـمستخدم ملكية حقوق الـمؤلف لاستغلال المصنف في إطار الغرض الذي أنجز من أجله،ما لم يكن ثمة شرط مخالف"(4). ويرى الفقيه Henri Desbois أنَّه لا يجب أن نأخذ بالمسلمات،إذْ يجب التحقق دائمًا من أنَّ المصنف قد تمَّ إنجازه أثناء الوظيفة أو بسببها ويجب أن لا ينسحب هذا التنازل في أيِّ حالٍ من الأحوال على حقوق المؤلف المعنوية(5).
2 ــ بطلان التصرف الوارد على المصنفات المستقبلية:وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 71 من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 86 .
(2) راجع الفقرة الثالثة من المادة 72 الأمر رقم:03/05 .
(3) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 325 .
(4) والحكم نفسه فيما يخص المصنفات التي يتم إبداعها في إطار عقد مقاولة (راجع الفقرة الثانية من المادة 20 من الأمر رقم:03/05).
(5) Henri Desbois , op cit , p . 605
الأمر رقم:03/05 كما يلي:"يعد باطلا التنازل الإجمالي عن الحقـوق المادية للمؤلف الـمتعلقة بمصنفات تصدر فـي المستقبل". بطلان هذا التصرف يرجع إلى عيب أصابه يكمن في عـدم تعيين محل الاتفاق، وهذا ما يشكل خطرًا كبيرًا على المؤلف، الذي يجد نفسه مرتبطًا بصورةٍ تعسفيٍة بهذه الاتفاقات على نقل حقوقه(1). فبطلان التصرف الوارد على الحق المادي؛ هو حمايةٌ للحق المعنوي بالدرجة الأولى، لأنَّ تنازل المؤلف عن حقه المالي على مصنفه المستقبلي؛ سوف يتبعه التنازل عن حقه في الكشف عن مصنفه ـ وهو حـق معنوي ـ. إضافةً إلـى تقييد حريته في اختيـار موضوع المصنف، وكذا فـي الأسلوب التعبيري فيه(2). وأيُّ مسـاسٍ بالحقوق المرتبطة بشخصية المؤلف؛ يؤثر على الروح الإبداعية لهذا الأخير، لذا شرع هذا الـمبدأ .
رغم نص الـمشرع صراحةً على بطلان التصرف فـي الحق المالي الـوارد على مصنفات مستقبلية، إلا أنَّه أجـاز للمؤلفيـن التنـازل عن حقوقهم الـمالية الواردة على مصنفات مستقبلية للديـوان الوطني لحقوق الـمؤلف والحقوق المجاورة، ليتولى هذا الأخير سـلطة تسييرها وفقًا لما جاء في الفقرة الثانية من المادة السابقة:"غير أنَّه من الجائـز تخويل الديوان الوطني لحقـوق المؤلف والحقوق المجاورة سلطة تسيير الحقوق الـمتعلقة بمصنفات حالية ومستقبلية".
ولا يقف الأمر عند هذه القواعد الموضوعية المشتركة، بل يتعداها إلى وجوب توافر قواعد شكلية .
الفرع الثاني:القواعد العامة الشكلية
يلزم أيضًا قواعدٌ عامةٌ شكليةٌ لا تقل أهميةً عن الأولى، نظرًا لكونها تعتبر وسيلة للحماية القانونية لطرفي عقود التنازل عن استغلال الحق المالي، لذا نجد قوانين حق المؤلف ـ ومن بينها التشريع الجزائري ـ تشتـرط أن يكون أيُّ تصرفٍ يرد على حق الـمؤلف مكتوبًا(3). ولتوضيح هذه الشكلية المتمثلة في الكتابة، نتعرض أولا لدور الكتابة، وثانيًًًا لمضمونها.
أولا:دور الكتابة:اشتراط جل تشريعات حق الـمؤلف ضـرورة كتابـة العقود المتعلقة باستغلال الحق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 87 .
(2) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 322 وما بعدها .
(3) راجع بهذا الخصوص:المادة 13 من قانون حق المؤلف الأردني لسنة 1999 ، المادة 27 من قانون الملكية الأدبية والفنية التونسي لسنة =
المالي للمؤلف؛ يثير التساؤل حول الغاية من الكتابة في مثل هذه التصرفات، وذلك يحتمل ثلاث تفسيرات لا رابع لها، الكتابة:إمَّا أن تكون ركنًا في العقد، وإمَّا أن تكون شرطًا لتمام صحته، وإمَّا أن تكون مجرد وسيلـة إثبـات.
1 ــ الكتابة ركن فـي عقد الاستغلال:يقودنا الـمعنى الظاهر لبعض نصوص قوانين الدول العربية لحماية حق المؤلف إلى الجزم بأنَّ الكتابة ركن في عقود استغلال الحق المالي للمؤلف، وأنَّه يترتب على غيابها بطلان العقد، ومن ذلك المادة 17 من قانـون حمايـة حق الـمؤلف اللبناني رقم:75 لسنة 1992 التي تـنص على:"إن عقود استغلال الحقـوق المادية أو التصرف بها أيًا كان موضوعها يجب أن تنظم خطيًا تحت طائلة البطلان". وتؤكد الـمادة 38 من قانون حق الـمؤلف العـراقي لسنة 1996 على أنَّه:"يشترط أنَّ كلَّ تنازل يجب أن يكون مكتوبا وإلا يكون باطلا". وهو النهـج الذي سلكه المشرع الجزائري في الأمر رقم:73/14 إذ جاء في المادة 44/2 المتعلقة بعقد النشر(1) أنَّه:"لابد أن يكون هذا العقد مكتوبًا وإلا وقع تحت طائلة البطلان" .
الحقيقة أنَّ إقرار بطلان التصرف لتخلف الكتابـة أمرٌ يمكن تجنبه، صحيحٌ أنَّ الكتابة جاءت فـي هذه النصوص بالأساس لحماية النظام العام الذي يمس المصلحة العامة والشرعية القانونية، لكنَّ تدخل المشرع جاء أيضًا لحماية المؤلف ضد الغير،في حال اعتراضه على استغلال مصنفه دون موافقته الصريحة. وهذا التفسير هو الذي أولاه القضـاء الفرنسي العناية، عند تفسيره للنص الفرنسي الذي يشترط الكتابة كوسيلة إثبات. إذْ ورغم إصرار الكثير من الفقهاء الفرنسيين على اعتبار الكتابة شرط انعقاد،إلا أنَّ محكمة النقض الفرنسية أصرَّت هي الأخرى في حكمها الصادر بتاريخ 6 فيفري 1973 على أنَّ:"الكتابـة ليست من النظام العـام، أي ليست شرط انعقاد، بل جاءت لحماية المؤلف ضد استغلال مصنفه دون موافقته"(2). لمَّا كانت الكتابة لا تمثل شرط انعقاد يبقى التساؤل قائمًا عن دورها في عقود الاستغلال .
2 ــ الكتابة شرط لتمام صحة التصرف:تنص المادة 149/2 من قانون الملكية الفكرية المصري لسنة 2002 على أَّنه:"ويشترط للانعقاد التصرف أن يكون مكتوبا". عدم إقرار المشرع المصري البطلان صراحةً،قد يعني أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1994 ، المادة 149 من قانون المـلكية الفكرية الـمصري لسنة 2002 ،الـمادة 16 من النظام السعودي لحماية حق الـمؤلف لسنة 1989 ، المادة 44 من الأمر رقم:73/14 المتعلق بحق المؤلف .
(1) إذ الأمر رقم:73/14 تناول بصفة ظاهرة تنظيم عقد النشر دون غيره من العقود .
(2) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 319 .
غياب الكتابة يجعل من التصرف نافـذًا، ولكنَّه قابلٌ للبطلان طبقًـا لنظرية قابلية العقد للإبطـال فـي القانون المدني أو ما يسمى بالبطلان النسبي. ولكنَّ الحكم بالبطلان النسبي لا يسري إلا إذا كانت إرادة أحد الطرفين معيبةً بأحد عيوب الإرادة، أو كان أحدهما ناقص الأهلية. وهذه القواعد قواعدٌ عامةٌ، وبذلك تطبق على كافة التصرفات القانونية، سـواءً كانـت خاصةً بحقـوق الـمؤلـف أو بغيرها، وسـواءً كانت مكتوبةً أو غير مكتوبةٍ،
فالقواعد العامة فـي القانون الـمدني، لا تشترط الكتابة لحماية إرادة أحد الطرفين الـمعيبة.
ومن ذلك نستنتج أنَّ كتابة في عقود الاستغلال لم تأت لحماية إرادة المؤلف الـمعيبة، بل جاءت لحماية هذا الأخيـر ضد من يدعـي حقًـا عليه. فمـا هو الدور الحقيقي للكتابـة إذن فـي عقـود استغلال الحق الـمالي للمؤلف ؟
3 ــ الكتابة وسيلة إثبات:إنَّ الوظيفة الحقيقية للكتابـة التي اشترطتها التشريعات الخاصة بحق الـمؤلف هي للإثبات فقط. إذْ تنص المادة 62 من الأمر رقـم: 03/05(1) على أنَّه:"يتم التنازل عن الحق المالي للمؤلف بعقدٍ مكتوبٍ. ويمكن إبرام العقد عند الحاجة بواسطة تبادل رسائـل أو برقيـات تحدد الحقوق المادية المتنازل عنها وفقًا لأحكام المادة 65 أدناه". ما نلاحظه على هذا النص أنَّ الفقرة الثانية منه تـؤكد بصفةٍ شبه صريحة أنَّ الكتابة وسيلة إثبات وتحديد للحقوق الـمادية المتنازل عنها لا غير. وبذلك يعد المشرع الجزائري موفقـًا إلى حدٍ كبيرٍ، فهو يتماشى مع نظرة الفقه والقضاء الفرنسيَيْن الَّذَيْن يريان أنَّ الكتابة شرط إثبات، وفقًا للحجتين الأساسيتين الآتيتين:
الأولى:أنَّ الفقه والقضاء الفرنسيين مجمعان على أنَّ شـرط الكتابة هو وسيلة إثبات فقط؛ يستطيع من خلالها المؤلف أن يحمي حقوقه ضد من يدعيها، فيجب أن يكون تنازل المؤلف على أيِّ حق من حقوقه مكتوبًا، وإلا تعرض لإهدار حقوقه. ووسائل الإثبات في القواعد العامة غير كافيةٍ لحمايته،لأنَّها لا تشترط الكتابة إلا عندما تزيد قيمة التصرف عن مبلغٍ معينٍ.أمَّا الوقائع المادية الأخرى يمكن إثباتها بكلِّ وسائل الإثبات، وإذا سمحنا لـمن يدعي بحق على المؤلف إثباته بكافـة وسائل الإثبات، فإنَّ ذلك يؤدي إلى إهـدار الحقوق المادية للمؤلف الناتجة عن إنتاجه الفكري. لذلك اشترطت التشريعات الـمتعلقة بحق الـمؤلف الكتابة فـي عقود الاستغلال، وعلى من يطالب الـمؤلف بحق فعليه إثباتـه خطيًا، بهذا تكون وظيفة الكتابة فـي مجال حقوق الـمؤلف أعم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقابل المادة 63 من الأمر رقم:97/10 .
وأشمل من وظيفتها فـي القواعد العامة .
الثانية:أنَّ المصدر التاريخي لشرط الكتابة هو فرنسي الجذور، المشرع الفرنسي سواءً في القوانين السابقة أو في القانون الحالي اشترط الكتابة؛دون أن يرتب على غيابها بطلان التصرف الوارد على الحق المالي للمؤلف(1)، بل نص على أنَّها وسيلة إثباتٍ صراحةً، إذْ جاء في نص المادة 2 ـ 131 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 أن:"…......doivent être constatés par écrit ". وهو ما اتبعته العديد من التشريعـات لاسيَّما التشريع الجزائري ـ كما ذكرنا ـ، وكذا النظام السعودي لحماية حقوق المؤلف لسنة 1989 الذي يؤكد صراحة أن الكتابـة شـرط إثبات إذ جاء في الـمادة 16 منه أنَّ:"حقوق الـمؤلف الـمنصوص عليها في هذا النظـام قابلـة للانتقال كلِّها أو بعضها سواءً بطريق الإرث أو التصرف. ويجب أن يكون هذا التصرف القانوني ثابتًا بالكتابة ومحددًا لنطاق الحق المنقول".
بهذا تكون الكتابة التي اشترطتها تشريعات حق المؤلف المقارنة لاسيَّما التشريع الجزائري في التصرفات الـواردة بشـأن استغلال الحق المالي لا تخرج عن كونها وسيلة إثبات فحسب. إذا كانت كذلك، فمـاذا يجب أن تتضمن ؟
ثانيا:مضمون الكتابـة:تجنبـًا لتنـازل الـمؤلف عن حقوقـه لصالـح الغير بشروط سهلة أو تعسفية، حددت القوانين الخاصة بحق المؤلف العناصر التي يجب أن تتضمنها الكتابة(2). إذْ جاء فـي المادة 64/2 من الأمر رقم:03/05 أنَّـه:"يجب أن يحدد عقـد التنـازل الطبيعة والشـروط الاقتصادية للحقـوق الـمتنازل عنها، والشكل الذي يتم به استغلال المصنف، ومدة التنازل عن الحقـوق والنطاق الإقليمي لاستغلال المصنف". بنـاءًا على ذلك، العناصر الجوهرية التي يجب أن ترد في التصرف الـمكتوب خمسـة وهي:طبيعة الحقوق الـمتنازل عنها، الشروط الاقتصادية لها، طريقة استغلال المصنف، مدة التنـازل عن الحقـوق وإقليم استغلال الـمصنف. والسؤال المطروح ما الآثار التي تترتب على غياب هذه العناصر كلِّها أو بعضها ؟
نظرًا لأنَّ هذه العناصر تعـد من العناصر الجوهرية للعقد، التي يتوجب على الطرفين الاتفاق عليها طبقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 320 .
(2) في ذلك تنص الفقرة الثانية من المادة 149 من قانون الـملكية الفكرية الـمصري لسنة 2002 على أنـه:"ويشترط لانعقاد التـصرف أن يكون مكتوبا وأن يحدد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق على حدى يكون محلا للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه" .
للقواعد العامة(1)، وعدم ذكرها يـؤدي إلى أنَّ العقد يكون قابلا للإبطـال بطلب من الـمؤلف أو يمثله باستثنـاء إقليم التنـازل ـ إذا لم ينص عليه ـ فيعتبر العقد ناجـزًا فـي إقليم مقـر نشـاط المتنازل له، ذلك مـا تنص عليه صراحةً الفقرتان الثالثة والرابعة من الـمـادة السابقة بـ:" يتعرض للإبطال بطلب من الـمؤلف أو من يمثله كلُّ تنازلٍ لا يبرر إرادة الأطراف الـمتعاقدة فـي أحد الميادين المذكورة في الفقرة أعلاه، باستثناء نطاق الإقليم. يعـد التنازل ناجزًا فـي النطاق الإقليمي للبلد الذي يوجد فيه مقـر نشاط الـمتنازل له إذا لم ينص عقد التنازل على إقليم الاستغلال وحده"(2).
بذلك يكون الـمشرع الجزائري قد فصل فـي مسألة عـدم ذكر بعض العناصر فـي العقد، بأن جعله قابلا للإبطال مع أنَّه من الأفضل كان يتوجب عليه؛ أن يعطي للقاضي السلطة في تفسير مضمون الكتابة؛بما يضمن حمايةً عادلةً لحقوق المؤلف واستقرار المعاملات، وهذا الحل أفضل من جعل العقد قابلا للإبطال بمجرد طلب من المؤلف أو من يمثله، وذلك خشية من أن يتعسف المؤلف في حقه ـ طالما أنَّ الكتابة ليست شرطًا للانعقاد؛ بل مجرد وسيلة إثبات كما ذكرنا سابقًا(3). إذْ في الواقع أنَّ ما ينص عليه المشـرع في تحديد مضمون الكتابة، ليس إلا تأكيـدًا منه على رغبته في ضمان حمايـة أفضل للمؤلف. وتخويلاً ضمنيًا للقاضي بالتدخل فـي تعديل مضمون الكتابة، بما يضمن هذه الحماية(4). هذا بالتأكيد تقييد لحرية التعاقد وخروجٌ عن مبدأ سلطان الإرادة مبدأ العقد شريعة المتعاقدين. وتبعـًا لذلك نطالب الـمشرع بإعـادة النظـر فـي حكم الفقرة الثالثـة من المادة 64 السابق ذكرها. إضافةً إلى هذه القواعد الموضوعية والشكلية المشتركة في عقود التنازل عن استغلال الحق الـمالي للمؤلف، يشمل التنازل أيضًا إذا كان بعوضٍ ـ وهو الغالب ـ مكافأة المؤلف .
المطلب الثاني:مكافأة المؤلف
مكافأة المؤلف تعد أيضًا من الأحكام الـمشتركة في عقـود استغلال الحق المالي للمؤلف، ومن المسائل التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 65 من القانون المدني .
(2) هناك بعض القوانين تحدد مدة التنازل إذا لم ينص عليها في العقد مثل القانون حق المؤلف اللبناني رقم:75 لسنة 1999 إذ جاء فـي المادة 17 منه:"إذا لم تتضمن تلك العقود مهلة محددة تعتبر حكما أنها معقودة لفترة عشر سنوات فقط اعتبارا على من تاريخ العقد" .
(3) أنظر العنصر 3 الكتابة وسيلة إثبات، ص 141 من هذا البحث .
(4) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 321 .
يُحتمل غالبًا أنَّ تكون الحرية الكاملة فـي التعاقد حولها في غير صالـح المؤلفيـن. حيث كثيرًا ما يضطر هؤلاء الأخرين تحت ضغـط الحاجة إلى قبول الشروط المالية التي يقترحها عليهم الطرف الآخر(1)، حتى ولو كانت فـي غير صالحهم. ضمانًا من الـمشرع على حماية حقـوق المؤلفين، وحرصًا منه على ضمان عوضٍ عادلٍ يدفع لهم مقابل التنـازل عن استغلال مصنفاتـهم، أوجب أن يحسب المقابل المالي كأصلٍ عـامٍ تناسبيًا مع إيرادات الاستغلال(2)(الفرع الأول)، واستثناءًا تكون الـمكافأة الجزافية(الفرع الثاني).
الفرع الأول:المكافأة التناسبية
المكافأة في هذه الحالة ترتبط بعائدات الاستغلال، انطلاقًا من فكرة مؤداها أنَّ هذه الطريقة أكثر الوسائل إنصافًا وعـدلا، إذْ يستفيد كلٌّ من الـمؤلف والـمتعاقد معه من رواج المصنف ونجاحه، أو يتحملان معًا نتائـج عدم نجاحه(3). لذا نتطـرق أولا:لأهمية المكافأة النسبية، وثانيًا:لنسبتها.
أولا:أهمية المكافأة التناسبية:شدَّد الـمشرع الجزائري على توافـر المكافأة التناسبية التي يحصـل عليها المؤلف أسوةً بالمشرع الفرنسي(4). إذْ تنص المادة 65 من الأمر رقم:03/05 على أنَّه:"يشمل التنازل عن الحقوق المادية للمؤلف بمقابل مكافأة مستحقة للمؤلف تحسب أصلا تناسبيا مع إيرادات الاستغلال مع ضمان حد أدنى" (5). ويهدف من ذلك لضمان أكبر قـدر ممكن من الحماية للمؤلف، ضد أيَّ استغلال له ينجم عنه حصوله على مبلغ تافـهٍ أو زهيدٍ أو لا يتناسب وقيمة الـمصنف الحقيقية عند تداولـه فـي السوق. وتبعًا لذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 88 .
(2) نلاحظ أن المشرع المصري لم يفرق فـي الأهمية بين المقابل النسبي والمقابل الجزافي، وأضاف حتى الجمع بينهما كل ذلك على قدم المساواة، إذ جاء فـي الـمادة 150 من قانون الملكية الفكرية المصري لسنة 2002 أن:" للمؤلف أن يتقاضى المقابل الندي أو العيني الذي يراه عادلا نظير نقل حق أو أكثـر من حقـوق الاستغلال الـمالي لـمصنفه إلـى الغير، على أساس مشاركة نسبية فـي الإيراد الناتـج من الاستغلال. كما يجـوز له التعاقد على أساس مبلغ جزافي أو الجمع بين الأساسين" .
(3) Ibid , p 88.
(4) جاء نص المادة 4 ـ 131 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 كما يلي:" La cession par l’auteur de ses droits sur son œuvre peut être totale ou partielle . elle doit comporter au profit de l’auteur la participation proportionnelle aux recettes provenant de vente ou de l’exploitation . (5) تقابل المادة 66/1 من الأمر رقم: 97/10 .
تدخـل القضـاء الفرنسي مـراتٍ عديدةٍ لتعديل العقد؛ على نحو يعطي للمؤلف الحق فـي الحصول على نسبةٍ مئويةٍ من القيمة الحقيقية لاستغلال المصنف. فإذا نصَّ العقد على الـمقابل الجزافي صراحةً أعتبر الشرط لاغيًا حسب محكمة النقـض الفرنسية، وعلى القاضي تحديد المقابـل النسبي بالاستنـاد إلـى مـا تقـرره الجمعيـات الخاصة بحماية حقوق المؤلف. وذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أكثر من ذلك، حيث اعتبرت وجود شرط المقابل الجزافي ـ دون الحالات المستثناة ـ مبطلاً للعقد نفسه وذلك طبقا للقواعد العامة في القانون المدني، التي تقضي بأنَّه يجب تحديد الثمن تحديدًا نافيـًا للجهالة الفاحشة وإلا بطل العقد(1). ولمَّا كانت المكافئة النسبية على هذه الدرجة من الأهمية، كيف يتم تحديد نسبتها ؟
ثانيا:نسبة المكافأة التناسبية:ثار الخلاف في الفقـه والقضاء الفرنسيين حول الأساس الذي يمكن بواسطته حساب مقدار المقابل النسبي،إن كان يعتمد على السعر الذي به يتم توزيع المصنف على الجمهور أم يجب الأخذ بعين الاعتبار التكاليف و الخسائر التي يتحملها الناشر أو المنتج، وذلك بحساب المقابل النسبي على أساس الأرباح التي يحققها كلُّ من هاذين الأخيرين. لم يحسم الخلاف بين الفقه والقضاء يالرغم مـن أنَّ النص الفرنسي ـ الـمادة 4 ـ 131 L من قانـون الـملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 ـ واضـحٌ باعتمـاد السعـر المعروض على الجمهور، وهو ما سار عليه الأمر رقم:03/05 فـي مادته 65 . أمَّا بخصوص نسبة الـمكافأة، لم يحدد لها ذات الأمر أيَّ حدٍ، وإنْ كـان اشترط ضمـان الحد الأدنى في المادة السابقة. فهل تحديد هذه النسبة متروكٌ لإرادة الأطراف الـمتعاقدة ؟ أم أنَّه لتنوع عقود الاستغلال من جهة، ولتنوع المصنفات وتفـاوت أهميتها من جهة أخرى، جعل من الصعوبة تحديدها ؟
يراعى عند تحديد هذه النسبة الأخذ بعين الاعتبـار عدة عوامـل أهمها:نـوع الـمصنف إن كـان أدبيًا أو علميًا أو فنيًا،الوقت الذي يتطلبه إبداعه،ومستوى الجهود الإبداعية لإنتاجه،عدد صفحاته،تكاليف نشره من طباعة وإخراج(2)، ومدى شهرة مؤلفـه وذيوع مصنفاته.....، فبفضل هاذين العاملين الأخيرين حصل الكاتب القصصي الأمريـكي "جيمس كلانيل" مؤلف روايـة شوغـون، الذي وقَّع عقدًا مع إحدى دور النشـر الأمريكية لنشرها، على سلفة كدفعة أولى مقدمًا على نشر هذه القصة مقدارها ثلاثة ملايين دولار أمريكي(3000000 $)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:نوري حمد خاطر، المرجع السابق، ص 326 .
(2) راجع:نواف كنعان، المرجع السابق، ص 154 .
فضـلا على اشتراطـه على دار النشـر منحه تعويضًا مقـداره 17 % من عائدات الكتاب، وأنْ تعود إليه ملكية كامل حقوق النشر بعد مرور 15 بـدلا من 50 سنة، واشتراطه عدم حذف أي كلمة من الرواية، كلُّ هذا مقابل أن يقوم بتسليم الناشر مائتي(200) صفحة من أصل ألفي(2000) صفحة، وهو حجم الرواية الـمنتظر(1).
بخصوص ذلك نلاحظ أنَّ بعض تشريعات حق المؤلف تحدد الحد الأدنى لهذه النسبة، ومن ذلك قانون حق المؤلف للزايير الذي ينص على عدم جواز أن تقل مكافأة المؤلف عن10 % من الإيرادات الناجمة عن بيع الـمصنف أو استغلال(2). أمَّـا فـي ألـمانيا؛ طالب الـمؤلفون الألـمان جمعية الـمؤلفين برفـع النسبة الـمئوية لتعويضهم على نشر مصنفاتهم إلى10 % من صـافي عائدات مبيعات مصنفاتهم، بحيث تكون هذه النسبة نسبةً ثابتةً، إلا أنَّ الناشرين الألمان يصرون على عـدم تجـاوز هذه النسبة 6 % في البداية، ولا ترتفع إلى 10 % إلا إذا تمَّ بيع خمسة آلاف (5000)نسخـة، وهذه النسخ لا يستطيع معظم الـمؤلفين الألـمان تحقيقها(3). أمَّـا في التشريع الجزائري، إذا تصفحنا باقي نصوص الأمر رقم:03/05 نجده ينص على نسب تخص كلاً من عقـدي النشـر والإنتاج السمعي البصري .
1 ــ بخصوص عقد النشر:نجـد الأمر رقم:03/05 حدَّد الـمكافأة النسبية بأنْ لا تقـل عن 10 % من سعر بيع نسخ المصنف للجمهورـ الحد الأدنى ـ، وهـذا فضلا عن أيـَّة علاواتٍ محتملةٍ ـ التي تمنح بالنسبة للنشـر الأول ـ. أمَّا بخصوص الـمصنفات التي تنشر لتلبيـة أغراض التعليم والتكوين، فالحد الأقصى لـمكافأة المـؤلف لا يتجاوز 5 % من سعر بيع النسخ للجمهور(4)، وسبب خفض النسبة في الحالة الأخيرة يرجع ـ في نظرنـا ـ إلـى كـون الـمؤلف فـي مثل هذه الـمصنفات غالبًـا ما يكون مرتبطًا بعلاقـة أو عقد عمل مع مؤسسات التعليم والتكوين، وهو بذلك يتقاضى أجرةً مسبقًـا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المرجع، ص 154 (الهامش) .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 88 .
(3) راجع:نواف كنعان، المرجع السابق، ص 155 .
(4) تنص الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 95 من الأمر رقم:03/05 على أن:"وإذا كانت المكافأة محسوبة بالتناسب مع إيـرادات الاستغلال، فينبغي أن لا تقل عن نسبة عشرة في المائة (10 %)وهذا فضلا عن أية علاوة محتملة تمنح مصنفا لم يسبق نشره.غير أنه يمكن مؤلف أي دعامة بيداغوجية مستعملة لحاجات التعليم أو التكوين الحصول على مكافأة لا تفوق نسبة خمسة في المائة(5 %) من سعر بيع المصنف للجمهور".
2 ــ بخصوص عقد الإنتاج السمعي البصري:جـاء في الفقرة الثانية من المادة 80 من الأمر رقم:03/05 : "ويحدد الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة نسبة المكافأة التناسبية، ومستوى الأتـاوى الجزافية بالنسبة إلـى أوجه الاستغلال المذكورة فـي الفقرتيـن السابقتيـن". تحديد نسب المكافآت التناسبية الـمستحقة للمؤلفين المشاركين في عقد الإنتاج السمعي البصري في بعض الحالات أمرٌ يدخل في نطاق اختصاصات الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقـوق المجاورة، بصفته الساهر على حماية المصالح المادية والمعنوية للمؤلفيـن وذوي حقوقهم، إذْ يكلف في هذا الإطـار بضبط سلم التسعيرات وأتاوى الحقوق، وتكييفه باستمرار بالنسبة لـمختلف أشكال استغلال المصنفات والأداءات(1).
على الرغم من أنَّ نظام المكافأة التناسبية هو الأعدل من حيث المبدأ، إلا هناك العديد من الحالات التي تجعـل من الصعوبـة بمكان حساب مكافـأة الـمؤلف بشكل تناسبي، وهو ما يفسـح المجال لحسابها بالطريقة الجزافية .
الفرع الثاني:المكافأة الجزافية
جعل المشرع الجزائري من المكافأة التناسبية كمبدأٍ عامٍ لحساب مقابـل المؤلف نظير تنازله عن استغلال حقه المالي، غير أنَّه جعل استثناءًا على هذا المبدأ؛ يتمثل في حسـاب مكافأة المؤلف بشكلٍ جزافـيٍ؛ إذا كان من الصعب أو من الـمستحيل اللجوء إلـى المكافأة التناسبية إذ تنص المادة 80 من نفس الأمر على أن:"يشمل التنـازل بمقابل مكافأة مستحقة للمؤلف تحسب أصـلا تناسبيـا مع إيرادات الاستغلال مع ضمـان حـد أدنى.
غير أن المكافأة المستحقة للمؤلف تحسب جزافيا في الحالات الآتية:....".
المكافأة الجزافية هي:مبلغ مقدر في العقد، يدفع مرةً واحدةً أو على أقسـاطٍ بصفةٍ دوريةٍ، ويُنص في عقد التنـازل على مقـدارها وكيفية ومدة الوفـاء بها. وإذا كانت على تدفـع على أقسـاطٍ، قد يتم الوفـاء بها بشكل تصاعدي أو تنازلي، والطريقة الأولى هي الأفضل بالنسبة للمتنازل له؛ لأنَّه في بداية استغلال المصنف، وقد لا تسمح لها إمكانياته المادية بدفع المبلغ مرةً واحدةً، كما قد تدفـع المكافـأة الجزافية فـي ميعاد كـلِّ طبعـةٍ من طبعات المصنف فيما يخص عقد النشر. ويحدد مقدار هذه المـكافأة عـادةً وفقاً لعدة أسس ومعايير لعل أهمها: عدد نسخ المصنف وطبعاته، مدة العقد، مستوى جودة الـمصنف، مدى شهرة الـمؤلف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر المادة 5 من المرسوم التنفيذي رقم:98/366 المتضمن القانون الأساسي للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة .
والجدير بالذكر أنَّه ليس باستطاعة طرفي العقد ـ المؤلف والمتنازل له ـ الاتفاق على اللجوء إلى المكافأة الجزافية إلا فـي الحالات التي نص عليها المشرع صراحةً (أولا)، كما نجده أيضًا أورد ضمانات للحصول على مكافـأةٍ جزافيةٍ عادلةٍ (ثانيا).
أولا:حالات المكافأة الجزافية:لـمَّا كانت المكافأة الجزافية استثناءً من القاعدة العامة ـ المكافـأة التناسبية ـ، فإنَّه لا يتم اللجوء إليها إلا في الحالات التي يتعذر فيها عمليًـا تحديد مكافأة المؤلف تناسبيًا مع إيرادات الاستغلال(1)، وهذه الحالات أوردتها المادة السابقة على سبيل الحصر في فقرتها الثانية التي جاءت كما يلي:"غير أنَّ المكافأة المستحقة للمؤلف تحسب جزافيًا في الحالات الآتية:
ــ عندما لا تسمح ظروف استغلال المصنف بالتحديد الدقيق للمكافأة النسبية للواردات(2).
ــ عندما يكون المصنف رافدا من روافد مصنف أوسع نطاقا مثل الموسوعات والمختارات والمعاجم.
ــ عندما يكون الـمصنف عنصرا ثانويا بالنسبة إلـى مصنف أوسع نطاقا مثل الـمقدمات والديباجات والتعاليق والتعقيبات والرسوم والصور التوضيحية.
ــ عندما ينشأ المصنف لينشر في جريدة أو دورية في إطـار عقد عمل أو مقاولة.
يمكن أيضا تحديد مكافأة المـؤلف جزافيا في حالة تنازل مالك حقوق مقيم في خـارج الوطن عن حقوقه أو على صلة بالمستغلين للمصنفات في الخارج" .
بناءًا على هذا النص، حالات المكافأة الجزافية يمكن تقسيمها إلـى ما يلي:
الحالة الأولـى:هي تلك الحالـة التي يكون فيها أسـاس الحساب غير موجود أو مستحيل التحديد، كحالة البث التلفزيوني والبث في الأماكن العامة، وكذا الحالة التي تكون فيها وسائل الرقابة غير كافية(3).
الحالة الثانية:عندما يتعذر من الناحية العملية تحديد المكافـأة النسبية على أساس العائدات، نظـرًا لطبيعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 89 .
(2) الأصح الإيرادات وليس الواردات، ونطالب الـمشرع بتصحيح هذا الخطأ .
(3) يمينة حويشي، النظـام القـانـوني لعقد الإنتاج السمعي البصري فـي التشريع الجزائري (مذكرة لنيل شهادة الـماجستير فـي الحقـوق، فـرع العقود والمسؤولية) ،كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2001 ، ص 92 .
استغلال المصنف أو ظروفه، مثال ذلك المصنفات التي تدخل في مصنف أكثر شمولا كـ:الموسوعات والمختارات
والمعاجم. وكـذا عندما لا يتسم استعمـال الـمصنف إلا بطـابعٍ ثانويٍ بالنسبة للشيء الـمستغل مثل:الـمقدمات والديباجات والتعاليق والرسوم التوضيحية .
الحالة الثالثة:عندما يتم إبـداع مصنف لفائـدة مؤسسةٍ إعلاميةٍ:والمصنفات التي يتمُّ إبداعها داخـل المؤسسة الإعلامية تنجز غالبًا من طرف فرقة من الصحفيين الدائمين،أو لحساب المؤسسة الإعلامية من قبل الصحفيين الـمؤقتين Les pigistes ، الذين يطلـب منهم القيام بتحقيقات وروبورتاجات، وحسب عبارة الفقيه الفرنسي Vivon Michelle فإنَّ:"الـمصنفات الصحفية هي مصنفاتٌ تبعيةٌ ونظامها غامضٌ نوعـًا ما"(1).
غالبًا ما يتم إبداع مثل هذه المصنفات في إطار عقد عمل أو مقاولة(2)، وذلك يدل على علاقة أجرية، إذْ يرى الفقيه عـمـر الزاهـي أنَّ عقد العمل أصبح مفهومـًا يشمـل أغلبية أساليب المشاركة الصحفية، فتأثير عقد العمل واتفاقات المؤسسة الإعلامية المتعلقة بملكية الحقوق،أصبحت عنصرًا أساسيًا يجب أخذه بعين الاعتبار. لكن يجب على هذه الفكرة أن لا تتجاهل الانتقـاد، المتمثل في أنَّ المشاركين في المصنف الصحفي البعض منهم يساهمون بصفةٍ كاملةٍ في إنجازه مقابل المكافأة الـمالية، ويشكلون الفرقة التحريرية للمصنف، وآخرون يقومون بعملٍ معيـنٍ فقط Les pigistes (3). وعلى مـا سبق، وبسبب العلاقـة الأجرية، فإنَّ مكافأة مؤلفي الـمصنفات الـمبدعة داخل المؤسسة الإعلامية لغرض نشرها فـي جريدةٍ أو مجلةٍ لا يمكن أنْ تحسب إلا بطريقةٍ جزافيةٍ.
الحالة الرابعة:هي الحالة التي يتم فيها التنازل عن الحقوق من طرف مؤلفٍ مقيمٍ فـي الخارج أو على صلة بمستغلي المصنفات في الخارج، وهنـا لا يمكن إعمـال وسائـل الرقابـة على عمليات استغلال المصنفات بسبب تعديها حدود التراب الوطني، فلا تحسب المكافأة إلا جزافًـا.
الحالة الخامسة:تتعلق باستغلال المصنف السمعي البصري، إذا تمَّ عـرض أو بث هذا الأخير على الجمهور دون دفع حق الدخول للمكان الذي تتم فيه عملية العرض، أو دون الحصول على مقابل للبث، هو أمرٌ يتعذر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د.الزاهي عمر،"حقوق المؤلف والمؤسسات الإعلامية"، محاضرات غير منشورة ألقيت على طلبة الماجستير فرع الملكية الفكرية، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، سنة 2004/2005، ص 1 .
(2) أنظر المادة 65 السابق ذكرها .
(3) د.الزاهي عمر، نفس المرجع، ص 2 .
معه حصول الـمؤلفين الـمشاركين في الـمصنف السمعي البصري على مكافـأة تتناسب والإيرادات التي يفترض الحصول عليها من جراء عرض المصنف أو بثه، لـذا تحسب المكافأة هنا استثناءً بصورةٍ جزافيةٍ(1). ولمَّا كانت هذه هي الحالات الحصرية للمكافأة الجزافية في التشريع الجزائـري، فالمشرع منح أيضًا ضمانـاتٍ للمؤلف من أجل عدالة هذه المكافـأة .
ثانيا:ضمانات عدالة الـمكافأة الجزافية:حرص المشرع الجزائري على عدالة المكافأة الجزافية المستحقة للمؤلف في الحالات الخاصة التي سبق ذكرها، حتى لا يقع في غبن يضيع حقه،ومنح له الضمانات الآتية:
1 ــ مراجعة العقد:للمؤلف الحق في مطالبة الـمتنازل له بمراجعة العقد وتعديل الشروط المالية، إذا تعـرض لغبنٍ يضيع حقه في الحصول على مكافأةٍ عادلةٍ، كأنْ يتبين له أنَّ الربـح الذي يجنيه المتنازل له من استغلال الإنتاج لا يتناسب مطلقًا مع ما تمَّ الاتفاق عليه، وهو ما يؤدي إلى أنَّ المكافأة الجزافية المستحقـة للمؤلف تقل عن مكافأة عادلـةٍ قياسـًا والربـح الذي يكتسبه المتنازل له. ومراجعة العقد فـي مثل هذه الحالـة بتعديل مبلغ المكافأة الجزافية؛ يعد بمثابـة وسيلةٍ قانونيةٍ وقائيةٍ، لضمان استقـرار الـمعاملات وتفـادي الضرر الذي سوف يصيب كلا الطرفين لو تـمَّ إبطـال العقد ـ الـمتنازل له سوف يخسـر جميع الـمبالغ التي أنفقها على استغلال المصنف، والـمؤلف لن يستفيد من مكافأةٍ عادلةٍ من مداخيل استغلال مصنفه؛ الذي يمثل ثمرة جهده وإبداعه الفكري(2). لذا أحسن طريقة للحفاظ على مصالح الطرفين هي مراجعة العقد في حال الغبن،وكلُّ اتفاقٍ خلاف ذلك يعد باطلا، كأن يتفق كلٌّ من المؤلف والـمتنازل له على عـدم مراجعة العقد(3). فالـمشرع جعل الـمطالبة بالتعديل حقًا للمؤلف، ويهدف من وراء ذلك إلى حمايته باعتباره طرفًا ضعيفًا في مواجهة المتنازل له،حتى لا يستغـل هذا الأخير ضعفه وحاجته. وإن لم يحصل الطرفـان على اتفاق بينهما، يحق للمؤلف حينئذٍ مباشـرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في المادة 80/1 من الأمر رقم: 03/05 أنه:"وفي حالة ما إذا أنجز عرض الإنتاج أو بثه بأي وسيلة من الوسائل دون دفع حق الدخول، فإن المكافأة المستحقة تحسب جزافـا" .
(2) يمينة حويشي، المرجع السابق، ص 90 .
(3) تنص المادة 66/1 من الأمر رقم:03/05 على أن :"يحق للـؤلف أن يطالب بمراجعة العقد فـي حالة غـبن يضيع حقه، وإن لم يحصل أي اتفاق يحق له رفع دعوى قضائية إذا تبين بوضوح أن المكافأة الجزافية تقل عن مكافأة عادلة قياسا بالربح المكتسب، ويعد باطلا كل اتفاق يخالف ذلك" .
دعوى الغبن .
2 ــ مباشرة دعوى الغبن:إذا فشل الطرفـان في اتفـاق بينهما بخصوص تعديل الشروط الـمالية للعقد، جاز للمؤلف رفع دعوى قضائية، إذا تبين له بوضوح أنَّ المكافأة الجزافية(1)التي تحصَّل عليها غير عادلة، مقارنة والربح الذي يكتسبه الطرف الآخر. والملاحظ أنَّ الـمادة 66 ـ السابـق ذكرها ـ لم تحدد نسبة الغبـن التي على أساسها يباشر الـمؤلف دعوى الغبن، هل يتمُّ ذلك بالرجوع إلـى القواعد العامـة، وبالذات المادة 358 (2) مـن القانون المدني، هذه الأخيرة التي تحدد نسبة الغبـن فـي بيـع العقار بأن تزيـد عن الخمس من ثمنه الحقيقي وقت البيع، ونحن نرى أنَّه ليس بالإمكان تطبيق نسبة الغبن هذه لأنَّها تتعلق بالعقارات، وفي مجال استغلال حقوق المؤلفين المالية نكون بصدد حقوقٍ منقولةٍ خاصةٍ. إلا أنَّ المادة ذاتها حددت مدة تقادم دعوى الغبن، إذْ يكون للمؤلف الحق في مباشرة هذه الدعـوى لمدة 15 سنة تسري من تـاريخ إبـرام عقد التنازل، ولم تقف المادة عند هذا الحـد؛ بل سمحت حتى لورثة المؤلف بمباشرة هذه الدعوى، إذا مـا لاحظ هؤلاء أنَّ مقابـل استغلال حقوق مورثهم فيه غبنٌ لهم ـ كونه لا يتناسب والربح الـمكتسب ـ، وذلك لمدة 15 سنة أيضا تسري من تاريخ وفاة مورثهم. هذا ما تؤكده الفقرتان الثانية والثالثة من المادة السابقة كما يلي:"يمكن للمؤلف أن يباشر دعوى بسبب الغبن الذي لحق به فـي أمد يسري مدة خمسة عشر(15) سنة ابتداء من تاريخ التنازل. وفي حالة وفاة المؤلف يمكن ورثته التمسك بأحكام هذه المادة مدة خمسة عشر(15) سنة ابتداء من تاريخ وفاة المؤلف".
لمَّا كان المشرع الجزائري قد أقرَّ مدة تقادم دعوى الغبن في مجال حقوق المؤلف بـ 15 سنة في إطـار المادة 66 أعلاه، علمًا أن دعوى الغبن فـي القواعد العامة تنقضي بمضي 3 سنوات من يوم انعقاد البيع(3)، لماذا لم يحدد نسبة الغبن أيضًا فـي نطاق نفس المادة ؟ ونحن نطالب المشرع بذلك، نطالبه بتحديد نسبة الغبـن التي تخص المكافأة الجزافية للمؤلف،لهدف متوخى يتمثل في وضع القواعد الخاصة بمباشرة دعوى الغبن في مجال حقوق المؤلف، حتى لا يستدع الأمر الرجوع إلـى القواعد العامة فـي كلِّ مرةِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تتعلق دعوى الغبن إلا بالمكافأة الجزافية، ولا يمكن رفعها المرة بسبب المكافأة التناسبية، لأن في هذه الأخيرة لا يمكن تصور تعرض المؤلف للغبن كون الـمكافأة تحسب تناسبيا مع إيرادات الاستغلال مع ضمان حد أدنى .
(2) جاء نص المادة 358 من القانون المدني كما يلي:"إذا بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس،فللبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن الـمثل.ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد عن الخمس أن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع" .
(3) تنص المادة 359/1 من نفس القانون على:"تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع" .
فـي إطـار الـمكافأة الـمستحقة للمؤلف مقابـل التنـازل عن استغلال حقوقـه، نحن نشيد بموقف المشرع الجزائري، لأنَّه عمل على ضمان المقابل العادل للمؤلف بإقراره لمبدأ المقابل النسبي؛ وجعله هو الأساس الملزم لطرفي عقد التنازل من جهة، ومن جهة أخرى حصره للمقابل الجزافـي في حدود الحالات المعينة التي يتعذر فيها تطبيق المقابل النسبي. بهذه الأحكام وإضافةً إلى الأحكام المشتركة الأخرى التي سبقت دراستها، نلاحظ أنَّ المشرع قد راعى في عقود التنازل عن استغلال الحق المالي للمؤلف، مصلحة المؤلف بالدرجـة الأولى ـ لكونه الطرف الضعيف فـي العقد ـ، وتوازن الـمصالح واستقرار المعاملات بالدرجة الثانية، والأمر لا يختلف عنه في العقود المنظمة بأحكام خاصة.
المبحث الثاني:العقود الخاصة في مجال استغلال حق المؤلف
إضافـًة إلى الأحكام الـمشتركة التي سبقت دراستها؛ والتي تمثل جملة القواعد العامة النموذجية لعقود استغلال الحق المالي للمؤلف،نجد هناك بعض العقود التي تناولتها التشريعات الخاصة بحقوق المؤلف لاسيَّما التشريع الجزائري بشـيءٍ من التفصيل، وذلك بإفـراد جملـةٍ من القواعد والأحكام لتنظيمها، والسبب راجعٌ لخصوصية هذه العقود وشيوعها في مجال استغلال حقوق المؤلفين،إذْ من شأن هذه الأحكام الخاصة أنْ تخفف من الـمصاعب التي يواجهها الـمؤلفون في التفـاوض بشأن استغلال حقوقهم مع المنتفعين بها، وتسهل عليهم ممارسة هذه الحقوق عند الشـروع في إبرام مثل هذه العقود التي تتمثل فـي:
ــ عقد التمثيل:Le contrat d’édition
ــ عقد الإنتاج السمعي البصري:Le contrat de production de l’œuvre audiovisuelle
ــ رخصة إبلاغ المصنف إلى الجمهور:La licence de communication publique
المطلب الأول:عقد النشـر
يعتبر عقد النشر من أهم العقود الخاصة في مجـال استغلال حقوق المؤلف، وقد حظي باهتمامٍ كبيرٍ على مستوى الفقه والقانون. إذْ يرى الفقيه Henri Desbois أنَّ:"عقد النشـر هو العقد المميز"(1)، و يعرِّفـه الفقيـه نعيم مغبغب بأنَّه:"عقد بمقتضـاه يتعاقد الـمؤلف أو أحد مكتسبي الحقـوق عنه؛ بأن يتنازل عن مصنفه ضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Henri Desbois , op cit , p .602
شـروطٍ محددٍة إلـى متعاقد يدعى النـاشر عن حق صنع عدد من نسخ المصنف، بغية تأمين بثها ونشرها"(1). وعرَّفه التشريع الفرنسي لحق الـمؤلف بأنَّه:"العقد الذي يتنازل بمقتضاه المؤلف أو ورثته من بعده وفقًا لشروط محددة إلى شخص يسمى الناشر عن حق الإنتاج أو العمل على إنتاج عدد من نسخ المصنف،على أن يلتزم هذا الأخير بالطبع والإعلان"(2). وتعرِّفه المادة 84/1 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"يعتبر عقد النشر العقد الذي يتنازل بموجبه الـمؤلف للناشـر عن حق استنسـاخ نسخ عديدة من الـمصنف حسب شروط متفق عليها ومقابل مكافأة للقيام بنشرها وتوزيعها على الجمهور لحساب الناشر"(3).
ما تجدر الإشارة إليه أن النشـر لا يقتصر على الكتب التي تباع فـي الـمكتبات(4)، بل يشمل أيضًا أيَّ أسلوبٍ للتسجيل المتسلسل ظهر منذ اختراع المطبعة. ينبغي أن يأخذ مصطلح النسخ على أنَّه يشمل كلَّ شيء مادي، يخص طباعة مصنف فكري(5):الكتب، الأشـرطة، التسجيلات الصوتية والمرئية، الأقراص والأقراص الـمضغوطة CD ROM ..............إلخ. تبعًا لذلك جاء في الفقرة الثانية من المادة أعلاه:"يشمل عقد النشر الـمصنف الأدبي أو الفني في شكل طباعة خطية أو تسجيلات سمعية أو سمعية بصرية" .
على ما سبق، عقد النشر هو اتفـاق بين الـمؤلف والناشر، حيث يلتزم هذا الأخير بطبع الإنتاج الذهني على نفقته ويقوم بتوزيعه تحت مسؤوليته(6)، ويختلف محله عن محل عقد البيع، إذا كان محل هذا الأخير هو الشيء الـمبيع، فـإنَّ محـل عقد النشـر منفعةٌ ماليةٌ؛ النشـر هو سبيلها الوحيد(7). ويتميز عقد النشـر عن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د.نغيم مغبغب، المرجع السابق، ص 273 .
(2) جاء نص المادة 1 ـ 132 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 كما يلي:"Le contra d’édition est le contra par lequel l’auteur d’une œuvre de l’esprit ou ses ayants droit cèdent à des conditions déterminées , à une personne appelée éditeur le droit de fabriquer ou de faire fabriquer en nombre des exemplaire de l’œuvre ,à charge pour elle dent assurer la publication et la diffusion . (3) تقابل المادة 95/1 من الأمر رقم: 97/10.
(4) نلاحظ أن المادة 44 من الأمر رقم: 73/14 تستخدم عبارة تصنيع النسخ التخطيطية، فهي تستهدف بصورة حقيقية و أساسية على ما يبدو النشر عن طريق الكتب فقط .
(5) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 93 .
(6) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 98 .
(7) أنظر:د.أبو اليزيد علي المتيت، المرجع السابق، ص 92 .
عن غيره من العقود بجملةٍ من الخصائص(الفرع الأول)، كما يرتب التزاماتٍ على عاتق كلٍّ من المؤلف (الفرع الثاني)، والناشـر(الفرع الثالث).
الفرع الأول:خصائص عقد النشر
أهم الخصائص الـميزة لعقد النشر تتمثل فيما يأتي ذكره:
أولا:أنَّه عقد تبادلي:إذْ أنَّه يرتب التزاماتٍ متقابلةٍ بين طرفيه، حيث يلتزم المؤلف بتسليم أصول المصنف إلى الناشر، في حين يلتزم هذا الأخير بأداء الثمن المتفق عليه إلى المؤلف مقابل النسـخ المباعة(1)، كما يلتزم أيضًا بنسخ المصنف وتوزيعه على الجمهور(2).
ثانيا:أنَّه عقد مختلـط:عقد مـدني بالنسبة للمؤلف، وعقـد تجاري بالنسبة للناشر، إذْ نشـاط هذا الأخير يهدف إلى المضاربة، فهو يشتري المصنف من أجل طبعه وبيع نسخه لتحقيق الربح،عمله إذن تجاري بحسب الـمادة الثانية من القانون التجاري(3). قد يتساءل البعض، عمَّا إذا كان المؤلف يعتبر تاجـرًا أم لا إذا قام بنفسه بنشر مصنفه على نفقته ولحسابه ؟ المستقر عليه في الفقه أنَّ المؤلف لا يعتبر تاجرًا، حتى ولو قـام بنشر المصنف على نفقته ولحسابه لأنه لا يشتري سلعة من أجل إعادة بيعها، وبذلك هو قريب الشبه بالمزارع الذي يبيع محصوله الفلاحي بنفسه(4)، فعمله يبقى دائمًا عملا مدنيًا .
يترتب على ذلك أنَّ أهلية التعاقد بالنسبة للمؤلف هي الأهلية المدنية المنصوص عليها في القانون المدنـي في حين أنَّ أهلية التعاقد بالنسبة للناشر هي الأهلية التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري، فضلا عمَّا يترتب من اختلاف في طرق الإثبات، الدعوى المرفوعة ضد المؤلف تخضع لأحكـام للإثبات الواردة في القانـون المدني، أمَّا الدعوى المرفوعة ضد الناشر تخضع لطرق الإثبات الخاصة بالتجار ـ كافة طرق الإثبـات ـ الـواردة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:د.رضوان متولي وهدان، المرجع السابق، ص 46 .
(2) أنظر:د.مختار القاضي، المرجع السابق، ص 91 .
(3) تنص المادة الثانية من الأمر رقم:75/59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون التجاري المعدل والـمتمم على أن:"يـعد عملا تجاريا بحسب موضوعه كل شراء للمنقولات والعقارات لإعادة بيعها" .
(4) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي،المرجع السابق، ص 97 .
في القانون التجاري(1).
ثالثا:أنَّه عقد محدد:فهو يقتضي تحديد بعض الشروط تحت طائلة البطلان، وفـق ما ورد في المادة 87 من الأمر رقم: 03/05 والتي جاء نصها كما يلي:"يقـع تحت طائلـة البطـلان كل عقد لم يستوف الشـروط الآتية:
1 ــ نوع الحقـوق التي تنازل عنها المؤلف للناشر وطابعها الاستئثاري وغير الاستئثاري .
2 ــ طريقة مكافأة المؤلف الـمتفق عليها مع مراعاة أحكام المادة 65 من هذا الأمر .
3 ــ عدد النسخ المحددة في كل طبعة متفق عليها .
4 ــ مدة التنازل والنطاق الإقليمي للاستغلال المصنف .
5 ــ الشكل المناسب للمصنف الذي يجب أن يسلمه المؤلف للناشر قصد استنساخه .
6 ــ أجل تسليم المصنف إذا لم يكن في حوزة الناشر عند إبرام العقد، ومتى تقرر أن يسلم المؤلف مصنفه فـي وقت لاحق .
7 ــ تاريخ الشـروع في نشر المصنف" .
رابعا:أنَّه عقد يستلزم الكتابة:عقد النشر على غرار بـاقي عقـود الاستغلال الأخرى، يجب أنْ يكون مكتوبًا للإثبات ـ كما ذكرنـا سابقًا ـ، ويترتب على هذه الخاصية أنَّه لا يعتد بعقد النشر شفاهةً، ولكن بالإمكان الاعتداد بإبرام العقد بالرسالة أو البرقية، اللَّتان تحددان الحقـوق الـمتنازل عنها من جهة، وتعبران عن الـموافقة بين الطرفين بالكتابة من جهة أخرى .

خامسا:أنَّه يخضع للأحكام الواردة في قانون حقوق الـمؤلف:كانت أحكام عقد النشـر في الماضي تخضع للأحكام العامة الواردة في القانون المدني، المقررة لكل العقود على اختلاف أنواعها،إلا أنَّه كان لتطور وسائل نشر المصنفات وتنوعها،أنْ أدى إلى ضرورة إفراد عقد النشر بأحكامٍ خاصةٍ لتنظيمه ضمن قوانين حقوق المؤلف ذاتها، في هذا الشأن نجد المشرع الجزائري نظَّم هذا العقد في المواد:84 ــ 98 من الأمر السابق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 135 وما بعدها .
(2) جاء نص المادة 62 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"يتم التنازل عن الحقوق الــمادية للمؤلف بعقد مكتوب،ويمكن إبرام العقد عند الحاجة بواسطة تبادل رسائل أو برقيات تحدد الحقوق المادية المتنازل عنها ......." .
هذه الـمواد التي وضَّحت بشيءٍ من التفصيل التزامات كلٍّ من المؤلف والناشر.
الفرع الثاني:التزامات المؤلف
تتمثل هذه الالتزامات فيما يلي:
أولا:التزام المؤلف بتسليم المصنف للناشر:وهو أول التزام يقع على عاتـق المؤلف، و يعد من الشروط الضرورية التي يلزم توافـرها فـي عقد النشـر تحت طائلة البطلان. وأكَّد الأمر رقم:03/05 على ضرورة تسليم أصل المصنف إلى الناشر في الشكل الملائم المتفق عليه للاستنساخ،وخلال الفترة المنصوص عليها في العقد إذا لم يكن في حـوزة النـاشر عند إبـرام العقد(1). ويتوقف شكل تسليم المصنف على طبيعته، إذا كان المصنف أدبيًا يجب تسليم نسخةٍ خطيةٍ واضحةٍ ومقـروءةٍ وكاملةٍ منه، ويمكن أن تُسلَّم فـي شكل قرصٍ مضغوطٍ، وإذا كان المصنف فنيًا سُلِّم في شكل أشرطةٍ وأسطواناتٍ ........ .
رغم أهمية هذا الالتزام، إلا أن الناشر لا يستطيع إلزام الـمؤلف بتسليم الـمصنف له، لأنَّ إتمام المصنف يتوقف على موهبة المؤلف، وتسليمه للناشر مرهون على تيقـن المؤلف من اكتمال مصنفه؛ واقتناعـه بصلاحيته للنشر، وإذا امتنع المؤلف عن تسليم مصنفـه(2)، فلا يمكن إجباره على التسليم، تأسيسًا على الحق الـمعنوي للمؤلف في تقريـر الكشف عن مصنفه، ولا يمكن للنـاشر عندئـذٍ إلا الـمطالبـة بالتعويض بسبب إخلال المؤلف بالتزامه التعاقدي(3).
ما تجدر الإشارة إليه، أنَّه لا يعادل تسليم أصل المصنف موضوع التعاقد من حيث المبدأ نقـلا لملكيته إلى الناشر، بل يبقى ملكًا للمؤلف وحده ما لم يوجد شرط مخالف، وفي غياب مثل هذا الشـرط يتعيَّن على الناشر إعـادة صيغة المصنف الأصلية للمؤلف، وذلك فور الانتهاء من إتمام عملية صنع الدعامة التي تسمح باستنساخ المصنف(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 62 من نفس الأمر .
(2) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 98 .
(3) د.رضوان متولي وهدان ، المرجع السابق، ص 48 .
(4) جاء نص المادة 93 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"تبقى الصيغة الأصلية للمصنف على الشكل الذي سلمت به للناشر ملكا للمؤلف ما لم يكن ثمة اشتراط مخالف، وفي غياب الاشتراط يتعين على الناشر أن يعيد صيغة الـمصنف الأصلية إلى الـمؤلف فور إتمام عملية الصنع" .
ثانيا:التزام الـمؤلف بتصحيح التجارب الـمطبعية وتوقيع قسيمة الإذن بالسحب: هذان الالتزامان يتعلقان بالطباعة الخطية، وهما من الالتزامات التي للأطـراف حرية الاتفاق على الالتزام بها أو الامتناع عنها(1)، إذا باشر الناشر طبع الـمصنف، يلتزم الـمؤلف تصحيح تجارب الطباعة؛ وهي الأخطـاء المادية التي تظهر بعد تصفيف الحروف حيث يدفـع بها الناشر إلى المؤلف؛ ليقوم بتصحيحها ثمَّ إعادتها مرَّةً أخرى إلى النـاشر (2). وليس من حق الـمؤلف ـ أثناء تصحيح التجـارب المطبعية ـ أن يضيف إليها تعديلات جوهرية(3)، وإنْ كان له الحق ـ أثناء عملية الشروع في صنع دعامة استنساخ المصنف ـ في إدخال تعديلات لا تصل إلى درجة تغيير الـمصنف، وغايته قياسًـا والالتزام الذي دفع الناشـر لإبـرام العقد. فإذا ترتب على هذه التعديلات زيادة تكاليف طباعة المصنف بشكلٍ يتصور بأنَّها تضـر بمصلحة الناشر، يحق لهذا الأخير مطالبة المؤلف بتحمل المصاريف الإضافية الناجمة عن ذلك(4) .
ثالثا:التزام المؤلف بالضمان:بأنْ يضمن المؤلف للناشر الممارسة الهادئة والسليمة للحق الـذي تـمَّ نقله إليه نتيجةً لعقد النشر، وأنْ يفرض احترام هذا الحـق والدفاع عنه فـي مواجهة أيِّ مساسٍ به(5). وأكَّـد المشرع على هذا الالتزام في المادة 67 من الأمر رقم: 03/05 التي تنـص على أن:"يجب على المؤلف أن يضمـن للمتنـازل له الحقـوق الـمتنازل عنها، ويساعده ويقف إلـى جانبه فـي كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاعه بحقوقه من جراء فعل الغير" . من هذا النص، الـمؤلف ملزمٌ بضمان نوعين من التعرض هما:
1 ــ ضمان التعرض الصادر من الـمؤلف أو ضمان التعرض الشخصي:الـمؤلف ملزمٌ بالامتنـاع عن أيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء نص المادة 91 من نفس الأمر كما يلي:"يتعين على المؤلف في حالة الطباعة الخطية القيام بما يأتي:
ــ تصحيح التجارب المطبعية م الم يتفق على ذلك .
ــ توقيع قسيمة الإذن بسحب نسخ المصنف في الآجال المتفق عليها." .
(2) راجع:د.رضوان متولي وهدان ، المرجع السابق، ص 48 .
(3) ومن أمثلة التعديلات الجوهرية ما يلي:تعديل خطة الكتاب،إضافة بعض الفقرات الطويلة، إضافة الرسوم والجداول التوضيحية .
(4) نجد الـمادة 89 من الأمر رقم: 03/05 تجيز للمؤلف إدخال التعديلات غير الجوهرية، وفي الـمقابل نجد المادة التي تليها لا تجيز للناشر إدخال التعديلات إلا بموافقة المؤلف .
(5) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 69 .
استغلالٍ للمصنف يضر بحقوق الناشر، ليس للمؤلف طبع المصنف الذي تعاقد مع الناشر على نشره، أو إعادة طبعه أو حتى استغلاله بأيِّ طريقة ..... ذلك لأنَّ تنازل المؤلف للناشر عن الحق في صنع المصنف واستنساخه هو تنازل استئثاري من جهة(1)، ومن جهة أخرى لأنَّ مثل هذا الاستغلال للمصنف من قبل المؤلف؛ ينطـوي على تعطيل لحقوق الاستغلال التي آلت إلى الناشر بموجب عقد النشر .
يشمل هذا الالتزام أيضًا امتناع المؤلف عن التصرف مرة أخرى في حقوق النشر إلى ناشر آخر، بعد اتفاقه مع الناشر الأول، إلا أنَّ تقدير هذا الوضع يتطلب تحديد مـا إذا كان تصرف المؤلف للناشر الثاني جاء بسبب إهمال الناشر الأول، ومخالفته لشـروط العقد، وعدم وفائه بالتزاماته. في هذه الحالة، وبانقضاء سنة من تسليم المصنف، فالمؤلف يسترد حقه كاملا، بما في ذلك إبرام عقد جديد، بل وله حتى الحق في رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض الـمدني بسبب عدم تنفيذ الناشر لالتزاماته(2). أمَّا إذا كان تصرف الـمؤلف للنـاشر الثاني ينطوي على سوء نية المؤلف، كأن يسعى هذا الأخير بعد أن أبرم عقد النشر مع الناشر الأول، إلـى إبرام عقدٍ جديدٍ مع الناشـر الثاني الذي يعرض امتيازات أفضل، فـي هذه الحالة المؤلف ملـزمٌ بالتنفيذ العيني للالتـزام وفقًا لـما هو مقررٌ فـي الـمادة أعلاه .

2 ــ ضمان التعرض الصادر من الغير:المؤلف يضمن للنـاشر عدم وجود حقـوقٍ لطرفٍ ثالثٍ على المصنف تتعارض والحقوق الممنوحة له ـ للناشر ـ، كأن يكون هناك شريكٌ للمؤلف، أو يكون المؤلف قد تعاقد مع أكثر من نـاشر لنشر ذات المصنف، فيكون مسؤولا أمـام كلِّ هؤلاء الناشرين. هنا يلجأ الناشـرون عـادةً إلى تسجيل عقود النشر لـدى الجهة المختصة، حيث يعتبر العقد المسجل حجـةً على المتعاقدين والغير، ويكون لمن سجَّل عقده أولا الأولوية في نشر المصنف .
نحن نرى أنَّه، مع التطور الكبير لوسائل النشـر لاسيَّما النشر الإلكتروني من جهة، ولرغبة الـمشرع في إفـراد عقد النشر بقواعد خاصة به بصفةٍ شاملةٍ من جهةٍ ثانيةٍ، ولضـرورة تحديد الالتزام بالضمان بدقـة أكثر من جهة ثالثة، يتوجب على المشرع أن ينظم هذا الالتزام في النصوص الـمتعلقة بهذا العقد بمـادة يكون نصها كالآتي:"يجب على الـمؤلف أن يضمن للناشر ممارسة الحقوق الناشئة عن عقد النشر، وأن يساعده ويقف إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 85 من الأمر رقم: 03/05 .
(2) راجع المادة 88 من نفس الأمر .
جانبه فـي كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاعه بحقوقه من جـراء الأفعال الصادرة من الـمؤلف ذاته أو من الغير. ولا يشمل الالتزام بالضمان مجرد الأفعال المادية".
فيما يخص العبارة الأخيرة، من المنطقي ـ وطبقا للقواعد العامة ـ أنَّ المؤلف ليس ملزمًـا بضمان التعرض المادي، إذْ يتولى الناشـر ذاته الدفـاع عن نفسه منه، نظرًا لكون النزاع في هذا الفرض لا يستند إلى حق متنازع عليه(1). وفي مقابل التزامات المؤلف، الناشر أيضًا يقع على عاتقه التزامات تبدو أكثر عددًا.
الفرع الثالث:التزامات الناشر
يمكن أن نجمل التزامات الناشر فيما يلي ذكره:
أولا:الالتزام بنشر المصنف:يتمثل الالتزام الأول الذي يقع على عاتق الناشر في المقام الأول بطبع المصنف ونشره بالصورة التي تمَّ الاتفاق عليها(2). أي صنع الدعامة التي تسمح باستنساخ المصنف وإنتاج عدد من النسخ منه حسب المتفق عليه فـي كلِّ طبعةٍ. ويرى بعض الفقهاء أنَّ التزام الناشر هنا، التـزامٌ ببذل عناية ولكن الغالبية ترى أنَّه التزامٌ بتحقيق نتيجة(3).كما يتوجب على الناشر استنساخ المصنف في مدة معقولة تبـدأ من تاريخ تسلمه النسخة الأصلية من المصنف، وقد روعي في هذه المـدة التوفيق بين مصلحتي كلٍّ من الـمؤلف والناشر. الناشر أن يرتب أوضاعه المالية ويطمئن لنشر المصنف بشكلٍ جيدٍ وسليمٍ،المؤلف كي لا يشكل التأخر فـي النشر إنقاصًا من قيمة مصنفه. والإشكال الذي يثور هو:لو افترضنا أنَّ مؤلفًا ما أبرم عقدًا لنشر مصنفه مع ناشر، ورأى هذا الأخير؛ وعلى الرغم من سداده لـمكافأة المؤلف، ألا يقوم بنشـر المصنف؛ فهل يحق للمؤلف إلزامه بالنشـر ؟ الجواب أنَّه:وإن كـان الـمؤلف قد حصـل على حقه الـمالي، إلا أنـَّه لا يـزال يتمتـع بحقه المعنوي، الذي منه الحق في الكشف عن مصنفه، فهو يريد أن يحقق الغاية المعنوية من إنتاجه الذهني. وعلى ذلك لا يحق الناشر الامتناع عن النشـر، وإلا عليه أن يعيد أصول المـصنف إلـى الـمؤلف ليتصرف فيها كيف يشاء. في هذا الصدد قضت محكمة استئناف باريس في حكمها المشهـور الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 1927 بأنَّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 95 .
(2) راجع:د.رضوان متولي وهدان، المرجع السابق، ص 48 .
(3) راجع:د.نعيم مغبغب، المرجع السابق، ص 267 .
"من الحقوق المعنوية للمؤلف أن يرى أن مصنفه قد نشر؛ وإن انتفت المصلحة المالية،فعلى الناشر إمَّا أن يقوم بنشر المصنف أو يعيده للمؤلف ليقوم بنشره في مكان آخر"(1).
والأمر رقم:03/05 لا يخرج عن هذا الإطار حيث تقضي المادة 88 بأنَّه:"يجب أن لا يتجاوز موعد وضع النسخ للتداول بين الجمهور مدة سنة واحدة من تاريخ تسليمه المصنف، في الشكل المتفـق عليه للاستنساخ كما هو مبين في المادة 87 أعلاه، إلا إذا تعلق الأمر بالموسـوعات والـمختارات والمعاجم والمنشورات العلمية والتقنية المماثلة لها. يمكن للمؤلف أن يسترد حقه بكل حرية عند انقضاء هذا الأجل فضـلا عن حقه فـي رفـع دعوى قضائية لطلب تعويض مدني بسبب عدم تنفيذ الناشر لالتزاماته" .
إضافةً إلى ما سبق وفـي نطـاق هذا الالتزام يتوجب على النـاشر توزيـع نسخ الـمصنف، وإصدار طبعاته المتوالية بلا انقطاع، بحيث لا يخل السوق أبـدًا من نسخ المصنف طـوال فترة العقد، وإن لم يفعل ذلك يلتـزم بدفع التعويضات عن الأضرار التي تلحق بالمؤلف جراء ذلك(2)، وفي ذلك جاء نص المادة 94 من الأمر السابق كما يلي:"يتوجب على الناشر أن يستنسخ المصنف ويوزعه ويضمن توفره".
ثانيا:الالتزام بدفع مكافأة المؤلف:الناشـر ملزمٌ بالوفاء بكامل مبلغ المكافأة المالية المتفق عليها، سواءً كانت محسوبةً بطريقةٍ تناسبيةٍ مع إيرادات الاستغلال، أو جزافية في الحالات المنصوص عليها في الأمر رقم:03/05 . مع وجوب احترام ما جاء في الـمادة 95 منه، من أحكام لاسيَّما مراعاة نسبة المكافأة التناسبية سواءً في حدها الأدنى ـ 10 % ـ بخصوص نشر جميع المصنفات،أو5 %كحد أقصى بخصوص نشر المصنفات التي تستعمل لأغراض التعليم والتكوين. كما يتوجب على الناشر موافـاة الـمؤلف بكل الـمعلومات اللازمة عن حالـة تنفيذ العقد، لاسيَّما فيما يتعلق بالشروط المالية، وفيما يخص المكافأة التناسبية فهو ملـزمٌ بتقديم كشف الحسابات للمؤلف مرةً كلَّ سنة، يعد هذا الكشف بمثابة ضمانة للمؤلف تمكنه بصورة دورية من التعرف على المداخيل التي تحققها عمليات نشـر وتوزيع مصنفه من جهة، كما تمكنه من جهة أخرى من حساب المكافأة المستحقة له على وجه الدقة والتحديد. يترتب على هذا الالتزام في الواقع العملي،إعطاء المؤلف حق الاستعانة بمحاسبين قانونيين للتحقق من صحة وسلامة الكشوفـات التي يقدمها له الناشر، إلا أنَّ تنفيذ ذلك يجب أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 97 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 96 .
يكون في حدود الهدف المتوخى السالف الذكر، ويجب ألا يتجاوز بأيِّ حالٍ من الأحوال دور المحاسب الذي يستعين به المؤلف هذا الهدف، وإعلام الـمؤلف بحقائق الوضع بالنسبة للجوانب الـمالية مع المحافظـة على الأسرار الخاصة بموجودات الناشر. ويراعى أن يكون استعمال الـمؤلف لهذا الحق في الحـدود المعقولة التي لا تكلف الناشر نفقاتٍ زائدةٍ،كما يتحمل المؤلف المصروفات التي تتطلبها عملية التحقق من صحة البيانات التي تخص مبيعات الناشر التي تقدم بناء على طلبه(1). ويحتوي هذا الكشف وفق المادة 96 من الأمر رقم: 03/05 على البيانات التالية:
ــ عدد نسخ المصنف الـمتفق على سحبها وتـاريـخ هذا السحب .
ــ عدد النسخ الـمبيعة من المصنف .
ــ عدد نسخ المصنف الـمخزونة .
ــ عدد نسخ الـمصنف التـالفة أو الفاسدة عند الاقتضاء بسبب عارض أو قوة قاهرة .
ــ مبلغ الأتاوى المستحقة .
ــ مبلغ الأتاوى المدفوعة .
ــ بقية الأتاوى المطلوب دفعها للمؤلف وكيفية دفعها .
ثالثا:الالتزام باحترام الحق المعنوي للمؤلف:تتفرع عنه الالتزامات الفرعية التالية:
1 ـ الالتزام بعدم استعمال الـمصنف لغير الغرض الـمتفق عليه:والغـرض الـمتفـق عليه يجب تحديده تحديدًا مفصلا في عقد النشـر، حتى لا يترك المجال للناشر لتفسير العقد تفسيرًا واسعًا وفق ما يرى، متجاوزًا اللون الذي طُلب نشر المصنف ضمنه. ويلاحظ أنَّ المشرع الجزائري وإن كـان يجيز حق الترجمة في إطـار عقـد النشر(2)، فإنَّه في المقابل لا يجيز تحوير المصنف لأدائه أو تمثيله في المسرح أو السينما، كون التحوير بخلاف الترجمة يتطلب تغييرًا وتعديلاً كبيرًا في المصنف، ممَّا يترتب عنه مساس بسمعة المؤلف .
2 ــ الالتزام بعدم تعديل المصنف:وهذا يعني أنَّه ليس بإمكان الناشر تعديل المصنف، أو إجراء أيِّ تغيير عليه قبل أو أثناء أو بعد النشر إلا بإذن صريحٍ من المؤلف، إذْ جـاء نص الـمادة 90 من الأمر رقم:03/05 كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 157 وما بعدها .
(2) راجع المادة 85/1 من الأمر رقم :03/05 .
يلي:"لا يمكن الناشر أن يدخل تعديلات على المصنف بتصحيح أو إضافة أو حذف إلا بموافقة الـمؤلف".
3 ــ الالتزام بوضع اسم المؤلف على نسخ المصنف:يتضمن هذا الالتزام حتمًا ذكر اسم المؤلف على نسـخ المصنف في الداخل أو على الغلاف الخارجي، وهدفه حمايـة الحق المعنوي، لاسيَّما الحق في إلحاق المصنفات بمؤلفيها ونسبتها إليهم. ويشمل هذا الالتزام أيضًَا مراعاة الـمؤلف أصول الدعاية في تصميمه للغلاف الخارجي للنسـخ، بحيث لا يسيء إلـى سمعة الـمؤلف أو ينفـر الناس من تداول المصنف(1). ونصت المادة 92 من الأمر رقم:03/05 على هذا الالتزام بقولها:"يجب على النـاشر أن يظهر في كل نسخة من نسخ المصنف اسم المؤلف أو اسمه المستعار، ما لم يكن ثمة شرط إغفال" .
تلكم هي أهم الالتزامات التي تترتب على طرفي عقد النشر، والجدير بالذكر أنَّ للمؤلف الحق فـي فسخ عقد النشـر، دون المساس بالتعويضات التي قد يستحقها بعد إنـذار للناشر بقي دون جدوى لـمدة ثلاثة أشهر في ثلاث حالات هي:
ــ عدم وضع نسخ المصنف رهن التداول وفقًا لـما هو متفق عليه، وفي الآجال الـمقررة في العقد .
ــ عدم تسلم المؤلف لـمكافأته طوال مدة سنة .
ــ عدم إعادة الناشر طبع المصنف كما هو مقـرر، إذا كان عدد النسخ المتبقية لا يتجاوز 3 % .
يلي عقد النشـر عقد لا يقـل عليه أهمية يخص الـمصنفـات السمعية البصرية، خصَّه الـمشرع هو الآخر بأحكام تنظمه هو:عقد الإنتاج السمعي البصري Le contrat de production de l’œuvre audiovisuelle
المطلب الثاني:عقد الإنتاج السمعي البصري
تعتبر الـمصنفات السمعية البصرية أهم الـمصنفات الـمشتركة من حيث العدد ومن الناحية الاقتصادية، ويوجد سببان يبرران أن يكون لمثل هذه المصنفات وضعٌ خاصٌ،أولها أنَّ هذه المصنفات تستلزم عددًا كبيرًا من المؤلفين، وثانيها أنَّه يتم إعدادها بمـبادرة شخص طبيعي أو معنوي هو ممول المشروع يسمى الـمنتج، ويتحمل فـي الغالب تكاليف باهضة، وينطوي عمله على مجازفة كبيرة في بعض الأحيان. ولإيجاد توازن بين مصـالح المؤلفين المبدعين للمصنف السمعي البصري، ومصالح الشخص الطبيعي أو المعنوي المبـادر بإنجازه ـ المنتـج ـ، ذلك يقتضي إبرام عقد بينهم يسمى عقـد الإنتـاج السمعي البصري، نحاول تحديد هذا العقد في الفـرع الأول،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 147 وما بعدها .
يحول بموجبه الـمؤلفون المشاركون كلَّ أو بعض امتيازات حقوقهم المالية فـي استغلال المصنف إلـى الـمنتج، ويسمى هذا التحويل قرينة التنازل للمنتج عن حق الاستغلال (الفرع الثاني).
الفرع الأول:تحديد عقد الإنتاج السمعي البصري
تيسـيرًا لاستغلال الـمصنف السمعي البصري على أحسن وجهٍ مرضٍ لمؤلفيه، تنص قوانين حقوق المؤلف على وجوب إبرام عقد بين الشركاء ومنتج المصنف، إذْ جاء في المادة 78 من الأمر رقم:03/05 :"تحدد في عقد مكتوب العلاقات بين المؤلفين المشاركين في مصنف سمعي بصري ومنتجه". فما هو الـمقصود بهذا العقد ؟
أولا:مفهومـه:عقـد الإنتـاج السمعي البصري من العقـود الخاصة فـي مجال استغلال الحق الـمالي للمؤلف، ويعد من العقود الحديثة نسبيًا، فلم ينظم كعقد نموذجي إلا في وقت ليس ببعيد، وحسب الفقه فإنَّ هذا العقد يحمل مفهومين أحدهما واسع والآخر ضيق.
المفهوم الواسع:يفيد أنَّ عقد الإنتـاج السمعي البصري موضوعـه الـمصنف السمعي البصري ذاته أو أيَّ مساهمة لإنجـاز مثل هذا النـوع من الـمصنفات(1). هذا التعريف يخلط بين الـمصنف السمعي كمصنف أصيل مشترك محمي بموجب قوانين حقوق الـمؤلف، وبين عقد إنتاجه الذي هو عقدٌ مكتوبٌ يحدد العلاقـات التي تربـط بين الـمؤلفين المشاركين فيه ومنتجـه.
أمَّا المفهوم الضيق: يذهب إلى اعتبار عقد الإنتاج السمعي البصري؛ بأنَّه العقد الـمكتوب الذي بموجبه يرخص الـمؤلفون الـمشاركون في إبـداع مصنف سمعي بصـري لشخص طبيعي أو معنوي يسمى المنتج، بإنجاز الـمصنف واستغلاله ماليًـا تحت مسؤوليته، فله حقـوق الاستنسـاخ والتوزيع والإبلاغ للجمهور، وكذا الحقوق المتعلقة بتسجيل الترجمة الصوتية لنص المصنف وبترجمة النص على الشريط(2) . وفـي الـمقابل يلتزم الـمنتج بدفع الـمكافأة المستحقة للمؤلفين المشاركين؛ سـواءً كانت محسـوبةً بصـورةٍ تناسبيةٍ أو جزافيةٍ. بالـرجوع إلى الـمادة 78 السابق ذكرها نجد أنَّ المشرع الجزائري اعتمد المفهوم الضيق لعقد الإنتـاج السمعي البصري، الـذي يبين العلاقات التي تربط بين طرفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمارة مسعودة، المرجع السابق، ص 142 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 30 .
ثانيا:أطراف العقد:يتم إبـرام عقد الإنتاج السمعي البصري بين المؤلفين المشاركين في إبداع المصنف من جهة، وبين المنتج من جهة أخرى .
1 ــ المؤلفون الـمشاركون:هم الأشخاص الطبيعيون الذين يساهمون فـي إبـداع الـمصنف السمعي البصري، وأبرزهم، ما ورد ذكرهم في المادة 16 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"يعتبر مصنفا سمعيا بصريـا المصنف الذي يساهم في إبداعه الفكري بصفة مباشرة كل شخص طبيعي .
يعد على الخصوص مشاركا فـي الـمصنف السمعي البصري الأشخاص الآتي ذكرهم:
ــ مؤلف السيناريو ،
ــ مؤلف الاقتباس ،
ــ مؤلف الحوار أو النص الناطق ،
ــ المخرج ،
ــ مؤلف المصنف الأصلي إذا كان المصنف السمعي البصري مقتبسا من مصنف أصل ،
ــ مؤلف التلحين الموسيقي مع كلمات أو بدونها تنجز خصيصا للمصنف السمعي البصري ،
ــ الرسام الرئيسي أو الرسامون الرئيسيون إذا تعلق الأمر برسم متحرك ".
هذا الطابع التعدادي يمثل قرينة على منح صفة المؤلف لهذه الطائفة المذكورة بالذات، ولمَّا كـان التعداد واردًا على سبيل الـمثال لا الحصر، ليس ما يمنع من أنْ يطالب أيُّ شخصٍ طبيعيٍ غير هـؤلاء الـمذكورين في النص بصفة المؤلف إذا ساهم في الإبداع بصفةٍ مباشرةٍ؛ وفق ما ورد في الفقرة الأولى من المادة أعلاه مثل:المصور الفوتوغرافي؛ إذْ يجوز اعتباره شريكـًا بالمقدار الذي يعترف به له من حق الـمؤلف على الصـور التي يلتقطها، ومركب الفيلم الذي يقوم بقص الفيلم؛ عمله هذا لا يخل من الإبداع (1). أمَّا المنتج لا يمكن اعتباره مؤلفًا بأيِّ حالٍ من الأحوال، لأنَّه قد يكون شخصًا معنويًا؛ ومن ثمة لا يكون قادرًا بحكم طبيعته على الإبداع الفكري .
2 ــ الـمنتــج:هو الطرف الثاني في عقد الإنتاج السمعي البصري،بل هو ـ على حد تعبير البعض ـ المحرك الرئيسي الشرعي، وليس فقط الاقتصادي لاستغلال المصنفات السمعية البصرية وعرفتـه الفقرة الثانية من المادة 78 من الأمر السابق كما يلي:"يعتبر منتج المصنف السمعي البصري الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يبـادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:عبد الرشيد مأمون شديد، المرجع السابق، ص 82 .
بإنتاجه تحت مسؤوليته". المنتج هو الذي يتولى تهيئة الوسائل المادية والمالية اللازمة لإنتاج المصنف، ويتكفل بالنفقـات التي يتطلبها، فهو إذن يقوم بتمويل المصنف وتحمل مسؤولية خسارتـه(1). لذا من العـدل أن يقـوم باستغلال المصنف، وعلى ذلك يعترف له بقرينة التنازل عن حق الاستغلال إستئثاريـًا ـ هذا ما سنتطرق له في الفرع الثاني ـ، وفضلا عما سبق يرتب العقد التزامات على عاتق طرفيه .
ثالثا:التزامات الطرفين:يتضمن عقد الإنتاج السمعي البصري بيانًا مفصلاً لالتزامات الطرفين،وهو مشابه في بيانها لما جاء من التزامات لطرفي عقد النشـر. إذْ المؤلفون المشاركون ملزمون بضمـان الحقـوق المتنازل عنها للمنتج، ضدأيِّ اعتراضٍ يصدر منهم أو من غيرهم(2). ويدخل في هذا الالتزام أيضًا أنَّ المؤلف المشارك لا يستطيع أنْ يعارض إدمـاج القسط الجاهـز الذي ساهم به في الإنتاج، إذا لم يتمكن من إتمام مساهمته ككل في الإنتاج، سواءً كان ذلك بإرادته أو عجزه عن ذلك بسبب قـوةٍ قاهرةٍ(3). وفـي المقابل، المنتـج ملـزمٌ باستغلال الحقوق المتنازل عنها وفقًا لما هو متفق عليه في العقد، ولـمدة أقصاها سنة من التاريخ الذي يصبح فيه المصنف السمعي البصري جاهزًا، ويعد جاهزًا إذا تمَّ إعـداد نسخته النموذجية النهائية وفقًا للعقد الـمبرم بين الـمنتج والمخرج(4). وإن لم يفعل ذلك يكون العقد معرضًا للفسـخ من طرف الـمؤلفين المشاركين(5). كما أنَّه ملزمٌ أيضًا بدفع المكافأة المستحقة للمؤلفين المشاركين،حسب كلِّ نمطٍ مكن أنماط استغلال المصنف السمعي البصري سواءً في مرحلة إبرام العقد أو عند استغلال المصنف(6). في الأخير يبقى المنتج ملزمًا باحترام الحقوق المعنوية العائدة للمؤلفين المشاركين في إبداع المصنف، إذْ تمارس الحقوق المعنوية على صيغة المصنف السمعي البصري النهائية وفي هذا الإطـار،يلتزم الـمنتج بذكر أسماء المؤلفين المشاركين في مقدمة المصنف، كما لا يمكنه إجراء أيِّ تعديلٍ على الصيغة النهائية للمصنف سـواءً بالحذف أو الإضافـة إلا بترخيصٍ مسبقٍ من الـمؤلفين الذين وافقـوا على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 84 وما بعدها .
(2) راجع المادة 67 من الأمر رقم: 03/05 .
(3) راجع المادة 75/1 من نفس الأمر .
(4) راجع المادة 76/1 من نفس الأمر .
(5) راجع المادة 69 من نفس الأمر .
(6) راجع المادة 79 من نفس الأمر .
هذه الصيغة(1).
كمـا يؤكد الـمشرع الجزائـري على ضـرورة المحافظـة على التراث السمعي البصري وحمايته من التلف والضيـاع. ليبقى شاهـدًا على العصر الذي تـمَّ إبداعه فيه من جهة، ولضمان حمايةٍ دائمـةٍ لـمبدعيه من جهةٍ ثانيةٍ، وذلك بقوله:"يمنع منعا باتـا إتلاف النسخة الأم للمصنف السمعي البصري"(2).
الفرع الثاني:قرينة التنازل عن حق الاستغلال للمنتج
تعتبر قرينة التنازل للمنتج عن حق استغلال المصنف السمعي البصري الـمكرسة بموجب المادة 78/3 من الأمر رقم:03/05، كمقابلٍ لتحمل المنتج لأعباء عملية الإنتاج. إذا كان المنتج محرومًـا من صفة المؤلف في هذه المصنفات التي موَّلها، فإنَّه يستفيد بالمقابل بالحق الاستئثاري في استغلالها(3). على الرغم من ذلك تبقى هذه القرينة دون المستوى التي تحظى به في الدول التي تنتهج نظام حق المؤلف الأنجلوسكسوني ـ نظام الكوبرايت ـ كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مثل هذه الـدول تقـوي كثيـرًا من هذه القرينة، وتجعـل من الـمنتج الشخص الوحيد الذي تنشـأ لصالحه حقـوق الـمؤلف بصورةٍ مباشرةٍ، وهذا مـا ينزل من قيمـة ووضعية جميع الـمبدعين في المصنف السمعي البصري إلى مرتبة المعاونين، ولا تنعقد لهؤلاء حقـوقٌ إلا بقدر مساهمة كلِّ واحدِ منهم في المصنف على حدى، في حين يستأثر المنتـج بجميع الحقـوق المالية والمعنوية على السواء(4). وفي ذلك انتهاكٌ كبيرٌ للحقوق المعنوية للمؤلفين الـمشاركين، إذْ أنَّه وإن كان من الممكن إدخال هذا الشخص فـي زمـرة المؤلفين ـ إذا صح أنَّه قام بإبداعٍ فكريٍ ـ، ذلك موقوفٌ على افتراض أنَّه شخصٌ طبيعيٌ، لم يقتصر دوره على تقديم التمويل اللازم لإنتاج المصنف(5). لكن كيف تصور ذلك إذا كان الـمنتج شخصًا معنويًا ؟
لذا تبقى لهذه القرينة فاعليتها وملاءمتها لحق المؤلف في النظام اللاتيني أكثر منه في نظـام الكوبرايت،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 76/2 من نفس الأمر .
(2) راجع المادة 76/3 من نفس الأمر .
(3) يمينة حويشي، المرجع السابق، ص 74 .
(4) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 30 .
(5) Ibid , p 30 .
ولعلَّ أهم الاعتبارات التي دفعت إلى تبني هذه القرينة تتمثل فيما يلي:
ــ تركيز السلطات بين يدي صاحب المبادرة في إنتاج المصنف،كون الاستغلال أمرٌ غير يسيرٍ في مجال السمعي البصري، لذا يجب أن يتولاه شخصٌ واحدٌ دون أن يكون شائعًا بين عدة أشخاص(1) كي يمكن استمراره(2)، ولكي لا يتعرض استغلاله للشلل بسبب كثرة مالكيه على الشيوع .
ــ استغلال المصنف السمعي البصري في أحسن الظروف مع ضمان أحسن نتيجة، من خلال توضيح العـلاقات بين المؤلفين المشاركين والمنتج من جهة،وبين المنتج والغير المستغلين للمصنف من جهة أخرى.إذْ يجوز للمنتج وحده التعامل مع مختلف المنتفعين بالمصنف(3)، والتفاوض معهم بحرية دون أن يكون ملزمـًا بتبرير تصرفاته في كلِّ مرةٍ،ودون أن يكون المنتفعين بالمصنف مجبرين على التعامل مع المؤلفين الشركاء. بالتالي يدخل الأمان القانوني في العلاقات بين كلٍّ من:المنتج، المؤلفين،الشركاء، والـمستغلين للمصنف السمعي البصري(4).
إذا كانت قرينة التنازل للمنتج عن حق استغلال المصنف السمعي البصري، تمنح له حقًا استئثاريـًا، إلا أنَّ هـذا الحـق ليـس مطلـقًا، وعلى ذلك نـدرس مضمـون قرينـة التنـازل (أولا)، والاستثنـاءات الـواردة عنها (ثانيا).
أولا:مضمـون قرينة التنازل:بحسب الفقرة الثالثة من الـمادة 78 من الأمر رقم:03/05 فإنَّ قرينة التنازل تشمل أنماط الاستغلال بصفة استئثارية لفائدة المنتج في الحالات الآتية:
1 ــ حق الاستنساخ Le droit de reproduction :والاستنسـاخ ـ كما عرفنا سابقا ـ يمثل وسيلة من وسائل نقل الـمصنف للجمهور بطريقة غير مباشرة، ويكون الاستنسـاخ للصيغة النهائية أو ما يسمى بالنسخة النموذجية للمصنف السمعي البصري. ويكون للمنتـج الحـق فـي القيام بنسخها على جميع الدعـائم الـملائمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Ibid , p 30 .
(2) لما كان المصنف السمعي البصري من المصنفات الشائعة، فإن أي تصرف من طرف المنتج لاستغلاله يستدعي اتفاقا بالإجماع من طرف المؤلفين المشاركين فيه، وكلما زاد الشركاء في الشيوع؛ كلما صعب الاتفاق بينهم. وإذا لم يحصل اتفاق فلابد من عرض النزاع على القضاء، وهو ما سيؤدي إلـى بطء الإجراءات، وبالتالي يلزم وجود هذه القرينة .
(3) Ibid , p 31 .
(4) يمينة حويشي، المرجع السابق، ص 75 .
وبأعداٍد كافيةٍ،أو بنسخها في شكل تسجيلاتٍ سمعيةٍ بصريةٍ معـدةٍ للتداول بين الجمهور، كمـا أنَّ الاستنساخ يكون بأيِّ وسيلِة كانت. هذا ما أكدته الـمادة السابقة كما يلي:"استنساخ المصنف لاحتياجات الاستغلال، أو في شكل تسجيلات سمعية بصرية معدة للتوزيع على الجمهور".
2 ــ حق العرض Le droit de représentation :عرض المصنف السمعي البصري الذي تـمَّ إنجازه في قاعات العرض العامة كالمسـارح ودور السينما. أو بث المصنف ونقله للجمهور عن طريـق هيئات البث السمعي أو السمعي البصري ـ هيئات الإذاعة والتلفزيون ـ ، وهو مـا نصت عليه المادة السابقة بقولها:"عرض المصنف المنتج في قاعات العرض المفتوحة للجمهور ونقله عن طريق البث الإذاعي السمعي أو السمعي البصري".
3 ــ ولا يقف مضمون هذه القرينة على نمطـي الاستنساخ والعرض، بل يمتد مضمونها لأنماط استغلال أخرى للمصنف السمعي البصري كالترجمة Sous-titrage ،والدبلجة Doublage كما جاء في البند الثالث من الفقرة الثالثة من المادة السابقة(1).
ثانيا:الاستثنـاءات الـواردة على قرينة التنـازل:بمـا أنَّ قرينـة التنـازل للمنتـج عـن حقـوق استغلال الـمصنف السمعي البصـري قرينةٌ ليست قاطعـةً، فإنَّ الأمر رقم:03/05 يورد لها بعض الاستثناءات التي يمكن تصنيفها إلى استثناءاتٍ قانونيةٍ وأخرى اتفاقية .
1 ــ الاستثناءات القانونية:هذه الاستثناءات نص عليها الـمشرع الجزائري صراحةً في المادتين 74 و 78/4 من الأمر السابق .
أ ـ الاستثناء الوارد في المادة 74 :جاء نص هذه الـمادة كما يلي:"يحق للمؤلف الـمشارك في إنتـاج سمعي بصري أن يستغل إسهامه فـي نـوعٍ مختلف مـا لم تكن ثمـَّة أحكـام تعاقدية مخالفة". من هذا النص، المؤلف الـمشـارك في المصنف السمعي البصري لا يحرم من استغلال مساهمته الإبداعية استغلالا مختلفـًا، إلا إذا قبل بذلك بموجب أحكامٍ تعاقديةٍ. وفـي غياب هذه الأحكام، له أن يستغل مساهمته بصفـةٍ مستقلةٍ عن الـمصنف السمعي البصري ككل، مثلا لمؤلف الحوار أن ينشره في شكل قصةٍ أو روايةٍ في كتاب أو كحلقات في الصـحف والمجلات.
يلاحظ على هذا الاستثناء، أنَّه وإن كان نظريًا يشمل كلَّ مؤلفٍ مشاركٍ في الإنتاج السمعي البصري، إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "القيام بترجمة أو دبلجة المصنف" .
أنَّه عمليًا يُستثنى من نطاق تطبيقه المخرج، هذا الأخير وإن كان من مبدعي المصنف السمعي البصري(1)، إلا أنَّه من غير الممكن فصل مساهمته عن باقي الـمساهمات الأدبية والفنية في مثل هذه المصنفات، كون مساهمته مندمجةً أشدَّ الاندماج في المصنف،وتغطيه ككل من بداية الشروع في إنجازه إلى غاية الانتهاء من إعداد صيغته النهائية. كما أنَّ ممارسة الحـق الـمعترف به بموجب هذا الاستثنـاء مقيدةٌ بعدم الـمساس والإضرار باستغـلال المصنف السمعي البصري ككل،وهو ما تنص عليه صراحةً الفقرة الرابعة من المادة 15 من الأمر السابق بقولها: "يسمح لكل مؤلف مصنف مشترك باستغـلال الجـزء الذي ساهم بـه في الـمصنف الذي تم الكشف عنه، ما لم يلحق ضررا باستغلال المصنف ككل مع مراعاة وجوب ذكر المصدر، ويعد باطلا كل شرط يخالف ذلك".
ب ـ الاستثناء الـوارد في الـمادة 78/4 :جاء نصها كما يلي:"تبقى الحقـوق محفوظة لـمؤلفي التلحينات الموسيقية الصامتـة أو الـمغناة التي أنشأت خصيصا للمصنف السمعي البصري". الموسيقى بصفـةٍ عامةٍ أصواتٌ عالميةٌ أبديةٌ، يحس بها الجميع بغض النظـر عن اللغـات واللهجات التي تتكلم بها الشعوب(2)، ولو أعـدت تلحينات بصفة خاصة لـمصنف سمعي بصري، فالحق الـمالي لمؤلفها يبقى له وحده، ولا تشملها حتى قرينة التنـازل المعترف بها لفائـدة الـمنتج، ويرجع استثنائها لسبب تاريخي يعـود إلـى عهد السينما الصامتة. غير أنَّ إقصاء التلحين الـموسيقي من مجال تطبيق قرينة التنازل المعترف بها للمنتج، من شأنه الإنقـاص من قيمة هذه الأخيرة وفائدتها العملية .
2 ــ الاستثناءات الاتفاقية:إضافـةً إلى الاستثنائين القانونيين الَّذَيْـن سبق ذكرهما، فإن للمؤلفين المشاركين في الإنتاج السمعي البصري ـ من الناحية النظرية ـ حق الاعتراض على قرينة التنازل المقـررة لصالح المنتـج بما يرونه من استثناءاتٍ بحسب ما جاء في الفقرة الثالثة من الـمادة السابقة(3).
غير أنَّه وبسبب عدم تكافؤ الأطـراف المتعاقدة في عقد الإنتـاج السمعي البصري من الناحية الاقتصادية، فإنَّه لا يمكن من الناحية العملية للمؤلفين المشاركين إدراج شـرطٍ مخالفٍ لقرينة التنازل، الشـرط المخالف لها مجرد افتراضٍ قانونيٍ يستحيل الأخذ به عمليًا، نظـرًا للوضعية القوية التي يتمتع ها الـمنتجـون على الصعيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر المادة 16 من الأمر رقم: 03/05 .
(2) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص78 .
(3) "يترتب على عقد الإنتاج السمعي البصري، ما لم يكن ثمة شرط مخالف ........" .
الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى لأنَّه يعدم أساس هذه القرينة، كما عبَّر عنه الفقيه الفرنسي Bernard Parisot بقوله:"نحن نتساءل إذا كان للمؤلفين المشاركين من الـوزن ما يسمح لهم بإفشال قرينة التنازل، فما هو المغزى منها أصلا ؟".
لمَّا كانت هذه أحكام عقد الإنتاج السمعي البصري بصفته عقدًا خاصـًا يقوم إلى جانب عقد النشـر، فـإنَّ الـمشرع الجزائري في نهاية الـمطاف؛ نظَّم عقـدًا ثالثـا له أيضًا أهميته؛ أطلق عليه مصطلح رخصة الإبلاغ إلى الجمهور .
المطلب الثالث:رخصة إبلاغ المصنف إلى الجمهور
إنَّ المتصفح للمواد 99 وما يليها من الأمر رقم:03/05 ،يبدو له للوهلة الأولى أنَّ المشرع الجزائري قد نظَّم عقدًا جديدًا فـي مجال استغلال حقوق المؤلف؛ وانفرد به عن باقي التشريعات الـمقارنة، لكن بدراسة الـمواد السابق ذكرها وتحليلها معناها، نجد أنَّ الأمر لا يتجـاوز ما هو معروف على مستوى التشريعات المقارنة بعقد التمثيل Le contrat de représentation ، لكنَّ المشرع الجزائري اعتمد له تسميةً جديدةً هي:رخصة الإبلاغ إلى الجمهور Licence de communication publique . ما هو المقصود بهذه الرخصة؟ وكيف يتم تنفيذها ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفرعين التالين:
الفرع الأول:تحديد رخصة الإبلاغ إلى الجمهور
جاء نص المادة 99 من نفس الأمر كما يلي:"يخضع إبلاغ المصنفات المحمية للجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء أو البث السمعي أو السمعي البصري، أو التوزيع السلكي أو العـرض أو أي وسيلة لوضع الـمصنفات فـي متناول الجمهور لترخيص مسبـق من الـمؤلف أو من يمثله يسمى"رخصة الإبـلاغ إلـى الجمهور"باستثنـاء الحالات الـمنصوص عليها في هذا الأمر" .
من هذا النص تجدر الإشارة إلى الـملاحظتين الآتيتيـن:الأولى:أنَّ الـمشرع الجزائري قد وسًّـع كثيرًا من مجال تطبيق هذه الرخصة،إذْ أنَّها تشمل كلَّ طريقة تسمح بإبلاغ الـمصنفات إلى الجمهور، وذلك تبعًا للتعداد الواسع للطـرق التي يستطيع بواسطتها الـمؤلف مباشرة حقه في إبـلاغ مصنفه على الجمهور(1). والثانية:أنَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 27/2 من الأمر رقم: 03/05 .
رسـم الخطوط العريضة لهذه الرخصة دون أن يعطي تعريفـًا لها. وهو مـا يحتم علينا اللجوء إلـى الفقه، وكما سبقت الإشارة؛ فإنَّ هذه الرخصة تعرف في كثيرٍ من القوانين الـمقارنة بعقد التمثيل، هذا الأخير الذي يعرفـه الفقيه Colombet Claude بأنَّه:"العقد الذي بمقتضـاه يرخص مؤلف مصنف فكري أو خلفه لشخص طبيعي أو معنـوي بتمثيل مصنفه وفقـا لشـروط يحددها"(1). ويعرفه البعـض من الفقهاء بأنـَّه:"عقـد يرخص بموجبه مؤلف مصنف أدبي أو فني، أو موسيقي، أو موسيقي درامي .... إلى شخص طبيعي أو معنوي يعرف بالمقاول أو منظـم العـرض. يلتزم هذا الأخير بتمثيل بعـض أو كـلِّ أجـزاء الـمصنف، وكـذا بالبث السمعي أو التوزيع السلكي مع منح الطرف الآخر أجره من جراء هذا الاستغلال"(2).
تأخذ هذه الرخصة شكلين همـا:شكل عقد إذا تمَّ منحها من طرف الـمؤلف أو ممثله لشخص طبيعي أو معنوي(3)، ويجب أن يكون هذا العقـد مكتوبا كوسيلة للإثبات. وكما يوضح الفقيه Adolf Dietz بقوله:"أنَّه لا مفـر من أن يراعي التنظيم التشريعي فـي هذا المجال الوضع العملي القائم، أي الدور الرئيسي الذي تؤديه هيئات المؤلفين، إذْ يوجد ترابـطٌ وثيـقٌ بين التنظيـم التشريعي لعقد التمثيل وتنظيم هيئات الـمؤلفين"(4). لذا الشكل الثاني لهذه الرخصة يتمثل فـي شكل اتفاقيـةٍ عامـةٍ، إذا تـمَّ منـح الرخصة من طـرف الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لشخص طبيعي أو معنوي، ليقـوم هذا الأخير بإبلاغ الـمصنفات التي يتألف منها فهرس الديوان إلى الجمهور وفـق شـروط محددة(5).
على الرغم من أنَّ عقد النشر يترتب عليه في جميع الأحوال حق استئثـاري لـصالح الطرف الـمتعاقد مع المؤلف، إلا أنَّ رخصة الإبلاغ إلـى الجمهور لا تخول أيَّ حقـوقٍ إستئثاريةٍ للمستفيد منها، بل يبقى الـمؤلف محتفظًا بحقه الاستئثاري في استغلال مصنفه رغم الرخصة. بيد أنَّه يلاحظ بالإمكان النص على خلاف ذلك، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 98 .
(2) عمارة مسعودة، المرجع السابق، ص 150 .
(3) راجع المادة 100/1 من الأمر رقم: 03/05 .
(4) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 98 .
(5) راجع الفقرة الثانية من المادة السابقة .
وفق ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 101 من نفس الأمر التي تقضي بأنَّه:"لا تخول رخصة إبلاغ المصنف إلى الجمهور أي حق استئثاري للاستغلال إلا إذا كانت هناك اتفاقية صريحة تقضي بخلاف ذلك". إلا أنَّه ورغم وجود الاتفاقية الصريحة التي تقضي باستئثار المستفيد من الرخصة بحقوق الاستغلال،فإن مدة الاستئثار تبقى محددة بثلاث سنوات كحد أقصى؛ تسـري من تاريـخ أول عملية إبلاغ للجمهور(1). وأكثر من ذلك أنَّ شـرط الاستئثار يفقد أيَّ أثرٍ له؛ إذا لم يتم استغلال المصنف دون مبرر مشروع خلال مدة سنة كأقصى حد من تاريخ إبرام الاتفاقية(2). هنا يكون للقاضي وفق سلطته التقديرية، أنْ يحدد ما إذا كان المبرر الذي قدَّمه المستفيد من الرخصة كافيًا لعرقلة الاستغلال طيلة هذه المدة أم أنَّه غير كافٍ. هذا ما يـؤكد رغبة المشرع الجزائري وحرصه على توفيـر الحماية الكافية والفعـَّالة للمؤلف وحقوقه من جهة، والسمـاح له باستغلال مصنفـه والاستفادة من إبلاغه وإيصاله للجمهور من جهةٍ ثانيةٍ، كلُّ هذا باعتباره الطرف الضعيف في مثل هذه العقود .
فـي كثير من الأحيان ـ وعلى خلاف عقد النشـر ـ، فإنَّ مـدة رخصة الإبـلاغ للجمهور أو عقـد التمثيل تحددها بصورةٍ شبه إلزامية القوانيـن التي تعنى بهذا العقد(3). إذْ تبرم الرخصة عمومًا لـمدةٍ محدودةٍ أو لعددٍ معينٍ من عمليات الإبلاغ للجمهور، وهذا هـو الحال عليه في التشريع الجزائري؛ إذا لم يكن للرخصة الطابـع الاستئثاري(4). أمَّا إذا تمَّ الاتفاق على الاستئثار؛ فإنَّ منح الرخصة يعد مشروعًا ما دام لم يتجاوز مدة الثلاث سنوات من أول إبـلاغ ـ كمـا ذكرنـا سابقا ـ. والجديـر بالذكـر أنَّه لا يحـدد الإطـار الزماني لرخصـة الإبـلاغ للجمهور فحسب،بل الإطار المكاني كذلك محدد. إذْ تغطي رخصة الإبلاغ عن طريق البث الإذاعي السمعي أو السمعي البصري كامل منظومـة النقل اللاسلكـي للإشـارات الحاملـة للأصوات أو الأصوات والصـور معًا ضمن حدود المجال الجغرافـي المنصوص عليه في عقد الرخصة(5). كما تغطي الرخصة أيضًا؛ التوزيع السلكي الذي تقوم به الهيئة الأصلية للبرنامج؛ عندما يتم إنجازه داخل منطقة بثها العادية دون مقابل للجمهور،أمَّا إذا تمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 101/2 من نفس الأمر .
(2) راجع الفقرة الثانية من المادة السابقة .
(3) Ibid , p 99 .
(4) راجع المادة 101/3 من نفس الأمر .
(5) راجع المادة 105 من نفس الأمر .
الإبلاغ بالأقمـار الصناعية عن طريـق هيئةٍ متميزةٍ عن الهيئة الأصليـة، فيجب مراعـاة الحقـوق الـمعترف بها للمؤلف أو من يمثله وفقًا للتشريع الوطني(1).
و يتطلب تنفيذ هذه الرخصة تدخل كلٍّ من الـمؤلف والـمستفيد منها، كلٌّ لما لـه من حقوقٍ وما عليه من التزاماتٍ .
الفرع الثاني:تنفيذ رخصة الإبلاغ للجمهور
رخصة إبلاغ المصنف للجمهور عقدٌ ملـزمٌ لجانبين، إذْ يقع على عاتق كلٍّ من المؤلف والمستفيد التزامات متقابلة.
أولا:التزامات المؤلف:بالرغم من أنَّ المشرع لم ينص صراحةً على التزامات المؤلف في النصوص التي نظَّـم بها هذه الرخصة، إلا أنَّه من الواضح أن يتحمل الالتزامات التالية:
1 ــ الالتزام الأساسي الذي يقع على عاتقه بموجب هذه الرخصة؛ يتمثل فـي تقديم الترخيص المسبق لإبلاغ المصنف إلى الجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء، أو البث الإذاعي السمعي أو السمعي البصري ...... أو بأيِّ طريقةٍ من الطـرق الـمنصوص عليها فـي الـمادة 99 السابق ذكرها .
2 ــ وتكملة للالتزام السابق؛ يلتزم المؤلف بتسليم رخصة إبلاغ المصنف إلى الجمهور في شكل عقـدٍ مكتـوبٍ، يبيِّن الشروط التي حددها لإبلاغ مصنفه .
3 ــ وطبقا للقواعد العامة فـي عقود الاستغلال، يلتزم المؤلف بضمـان الانتفاع الهاديء بالرخصة، إذْ يتوجب عليه أن يساعد المستفيد ويقف إلى جانبه في كلٍّ ما من شأنه أن يحول دون انتفاعه بالرخصة من أفعالٍ؛ سواءً كانت صادرةً منه أو من الغير طبقـًا لـما نصت عليه المادة 67 من نفس الأمر .
لضمـان حسن استغلال المصنف؛ وعدم خروج الـمستفيد من الرخصة عن الحـدود الـمتفق عليها، يحـق للمؤلف أو من يمثله الإطلاع على شـروط الاستغلال المرخص بها وتفقـد عمليات سيرها. وفي هذا المجال يتسم القانون الإيطالي لحق المؤلف بالدقة والتشدد فـي هذا الحق، إذْ يلتزم الطرف الـمتعاقد مع الـمؤلف بالسمـاح لهذا الأخير بالإشراف شخصيًا على عمليات التمثيل، وألا يبدِّل فناني الأداء وقـادة الفرق المتفق عليهم إلا إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 106 من نفس الأمر .
(2) راجع الفقرة الثانية من المادة السابقة
طرأت أسبابٌ خطيرةٌ تدفع إلى ذلك(1)، كعجز هؤلاء وعـدم مقدرتهم على التمثيـل. ويؤكد التشريع البريطاني على حق المؤلف فـي المساهمة في اختيار المترجمين الأساسيين من أوركسترا وراقصين ومجموع فني(2). وتنفيذ الرخصة يتطلب أيضًا تدخلا من طرف المستفيد الذي يقع على عاتقه هو الآخر جملة من الالتزامات .
ثانيا:التزامات الـمستفيد من رخصة الإبلاغ:بخلاف التزامات المؤلف نجد المشرع قد نظَّم التزامات المستفيد من الرخصة بصفةٍ صريحةٍ في المادة 103 من الأمر رقم:03/05 التي جـاء نصها كما يلي:"يتعين على المستفيد من إبلاغ المصنف إلى الجمهور أن يقوم فـي إطـار الشروط المحددة فـي العقد بما يأتي:
ــ الاستغلال العادي للمصنف مع احترام محتواه ،
ــ إظهار المصنف تحت اسم مؤلفه ،
ــ دفع أتاوى الحقوق المنصوص عليها وتقديم الكشف الـمثبت والمفصل للإيرادات إذا كانت الأتاوى المستحقة محسوبة بالتناسب مع إيرادات استغلال المصنف ،
ــ تسليم كشف المصنفات المستغلة فعلا إذا كانت الرخصة الممنوحة تتيح إمكانية الانتقـاء من فهرس مصنفات كاملة" . من هذا النص يتبين لنا أنَّ المستفيد من الرخصة يتحمل الالتزامات التالية:
1 ــ الالتزام بالاستغلال العادي للمصنف مع احتـرام معنـاه:وفـي هذا الإطـار يقـع على عاتـق الـمستفيد من الرخصة إجراء التدريبات التي لا غنى عنها،لضمان تمثيل المصنف وإبلاغه للجمهور في ظروفٍ تقنيةٍ ملائمةٍ، وأن يبذل بصورةٍ عامةٍ كلَّ الجهود المعتادة في مثل هذه الظروف، لكي يوفر للتمثيل النجاح التام،ويلتزم أيضًا بتمثيل النص وفـق الشكل الذي سلَّمه له المؤلف بدون حذفٍ أو تعديلٍ أو إضافةٍ(3).
2 ــ الالتزام بدفع الأتاوى الـمستحقة للمؤلف:بحسب ما تقـرره الـمادة 103 من نفس الأمر، أي سواءً كانت محسوبةً بالتناسب مع إيرادات الاستغلال مع ضمـان حد أدنى أو جزافيًا في الحـالات الـمنصوص عليها على سبيل الحصر. وتبعًا لهذا الالتزام ـ إذا كانت الأتاوى محسوبة بشكلٍ تناسبي ـ يتعين كذلك على المستفيد أن يزوِّد المؤلف ببيانٍ مشفوعٍ بالـمستندات التي تثبت وتفصل إيراداته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Ibid , p 99 .
(2) عمارة مسعودة، المرجع السابق، ص 154 .
(3) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 99 .
3 ــ كما يلتزم المستفيد أيضًا بتسليم كشف الـمصنفات التي المستغلة فعلا، إذا أخذت الرخصة شكل اتفاقـية عامة، أي إذا رخَّص الديوان الوطني لحقوق الـمؤلف والحقـوق المجـاورة لشخص طبيعـي أو معنوي بإمكانية إبلاغ المصنفات التي يتألف منها فهرسه للجمهور .
4 ــ التـزام الـمستفيد باحتـرام الحق الـمعنوي للمؤلف، لاسيَّما أن يذكـر بطريقةٍ ظـاهرةٍ تمامـًا على البـرامج والملصقات، ووسائـل الإعلان الأخـرى عن المصنف؛ المباشرة وغير المباشرة اسم المؤلف أو اسمه المستعار أو أيَّ علامة أخرى اعتمدها المؤلف لتحديد هويته.
إلى جانب هذه الالتزامات المقررة في المادة السابقة، يلتزم المستفيد أيضًا بعدم تحويل الرخصة للغير دون موافقة المؤلف أو من يمثله، إلا في حالةٍ واحدةٍ لا يحتاج لموافقة المؤلف، هي حالة تحويلها فـي أعقاب عملية تخص تحويل المحل التجاري،ويشترط أن يراعي المحال له العقد الأصلي الذي يحدد شروط ممارسة الحقوق المحولة(1).
بهذا يكون المشرع الجزائري نظَّم عقود استغلال حقوق المؤلف بصفة عامة والعقـود الشائعة بصفةٍ خاصةٍ لضمان حمايةٍ واسعةٍ وشاملةٍ لحقـوق الـمؤلف الـمعنوية والـمادية على حد السـواء .










ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المادة 102 من الأمر رقم: 03/05 .
خـاتـمـــــــة
يتوقف تقدم أيِّ بلدٍ على درجة إبداع عقول أبنائه في مجال العلوم والآداب والفنون،وعلى مدى تشجيع أصحاب هذا الإبـداع الفكري، وتقرير حقوقهم وتوفيـر الوسائـل التي تكفـل لهم الطمأنينـة والمحافظـة عليها وحمايتها، باعتبارها من الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان،مع مراعاة تلبية احتياجات المجتمع إلى المعرفـة من خلال منح أفراده الحق في الانتفاع بثمار ونتاج العقل البشري فـي تلك المجالات. كما أبرز ميثاق الإتحاد الكونفدرالي الدولي لجمعيات المؤلفين والملحنين المعتمد فـي عام 1954 دور مبدعي المصنفات الفكرية، فأشـار إلـى أنَّ:"مؤلفي الـمصنفات الأدبية والـموسيقية والفنيـة والعلميـة يـؤدون دورًا رفيـعًا يـعم نفعه على البشرية جمعاء. ويضرب بجـذوره فـي الزمن ويؤثـر على نحـوٍ جوهريٍ في تطور الحظارة. ومن ثم فـإنَّ على الدولة أن تضمن للمؤلف أكبـر قـدرٍ من الحمايـة، لا تكريـمًا لمجهوده الشخصـي فحسب، بـل ومراعـاةً لخير المجتمع أيضا" .
بنـاءً على ذلك فقد نـال موضوع حماية حق الـمؤلف اهتمامًا واسعًا على مستـوى العالم، تمثل في وضع غالبية الـدول لقوانين وطنية لحماية حق الـمؤلف، كما تمثل أيضًا فـي التعاون بين الدول على تنظيم تلك الحماية من خلال عقد الاتفاقيات الدولية؛ وإنشاء المنظمات الدولية الخاصة بحق المؤلف .
لم تتخلف الجزائر عن الركب، حيث شرعت لنفسها ـ منذ استرجاعها لسيادتها ـ عدة قـوانين مستقلة متتالية لحماية حق الـمؤلف، كان آخرها الأمر رقم:03/05، هذا الأخير الذي ـ كما رأينا فـي هذا البحث ـ اعترف للمؤلفين بحقوق مزدوجة، حقوق لها جانبـان:جانب معنوي وآخر مادي. الجانب الـمعنوي أو الحق المعنوي هو الأسبق في الظهـور، ويحتوي على سلطات وامتيازات تتعلق بشخص المؤلف ولصيقةٌ به، وهي غير قابلة للتصرف فيها بطبيعتها شأنها في ذلك شأن الحقوق الشخصية البحتة،وهي تتكون من خصائص متنوعة يجمع بينها كونها لا تقـوم ولا تقـدر بمـال، وأنَّها ترتبـط بالشخص، ومن حيث الـمبدأ هي دائمة لا تخضع للتقادم ولا تقبل التصرف فيها، وإن كانت تتيح للمؤلف أن يدافع عن اسمه وعن مصنفـه ضد عمليات النشـر التي لا يرغـب فيها، وضد أيِّ تحريفٍ أو تعدٍ على إبداعه، مع ذلك فهي ليست مطلقةً وإنَّما تخضع لقواعد عدم إساءة الاستعمال والتعسف في استخدامها(1). وعدد هذه الامتيازات أربعة كما جاء في الأمر السابق وهي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د.علي رضا ...................................... ، WWW.ladis.com
حق الكشف عن المصنف، الحق في نسبة المصنف إلى مؤلفه، الحق في التوبة والسحب الـمصنف من التـداول؛ إذا لم يعد المصنف مطابقًا لقناعات المؤلف، وأخيرًا الحق في احترام سلامة المصنف .
أمَّا الجانب المالي يمثل عنصر الملكية الـمادية للمؤلف، أي أنه الحق الذي يتجسد في إطـارٍ مـاديٍ بارزٍ ومحسوسٍ، يستمر طوال حياة الـمؤلف وينتقل بعد وفاته لورثته لـمدة خمسين سنة، يتيح للمؤلف أن يجنـي مغانم من استغلال مصنفه، وبالتالي ترد عليه عقـود الاستغلال التي يبرمها المؤلف مع الغير. فللمؤلف وحـده الحـق فـي استغلاله ماليـًا، ولا يجـوز لغيره مباشـرة هذا الحق إلا بعد الحصـول على إذن صريـح منه أو من خلـفه، ويحتـوي على الامتيـازات التالية:حق الـمؤلف فـي إبلاغ مصنفه للجمهور ويمثل الطريقـة الـمباشـرة لاستغلال المصنف، الحق فـي الاستنساخ ويمثل الطريقة غير الـمباشرة للاستغلال، ويضاف إلى هاذين الحقين الأساسيين حقًـا ثالـثًا يتسم بطبيعة خاصة، كونه لا يخص إلا مؤلفـي مصنفات الفنون التشكيلية يسمـى حق التتبع.
وعلى ما سبق، لا يفوتـني أن أنـوِّه بالقدر الكبير من النجـاح الذي حققه الـمشرع الجزائري في اعترافـه بحقوق الـمؤلف، ومدى تماشيه ومواكبته لما هو ساري على المستويين الـمقارن والاتفاقـي في هذا المجال، لكن حبَّذا لو كان هذا التفـوق بنصوص حية متحركة، لا بنصوص جامدة لا روح فيها .
لذا فـي إطـار هذا الموضوع نطالب بإعادة النظـر فـي النقاط التالية:
 وجوب النص على البطـلان الـمطلق لأيِّ تصرف يرد على الحق المعنوي أو على أحـد السلطات التي تترتب عنه، لاتصال هذا الحق بشخصية المؤلف .
 في مجال استغلال الحق المالي، نلاحظ أنَّ المشرع اكتفى فقط بالإشارة والتلميح إلى الطرق التكنولوجية الحديثة في استنساخ وإبلاغ المصنفات، وكان الأجدر عليه أن ينص على هذه الطرق المستحدثة بصفةٍ واضحةٍ جليةٍ لا لبس فيها، ويسبغ عليها حمايته القانونية.
 الحد من القرصنة التي اجتاحت حقوق الـمؤلفين والـمبدعين بشكلٍ رهيبٍ، وهو ما أثَّر على المبدعين من وأدٍ لحقوقـهم وجهودهم من جهة، وعلى سمعة البـلاد من جهة أخرى. وهو ما سيـؤخـرها عـن الانضمـام إلـى الاتفاقيات الـمهمة، فالقرصنة وعدم وضـع الدولـة حـد لقراصنة الفكـر(1) تعتبـر مـن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تحتل الجزائر المرتبة السابعة عالـميا في القرصنة وتكلفها خسائـر مادية تقـدر سنويًا حـوالي: 600 مليون دينار، وقد حجزت خـلال عـام 2005، 112000 قطعة مقرصنة، ناهيك عن تلك التي تمر بغفلة عن أعين الـمراقبين المحلفين من طـرف الديوان الوطني لحقـوق الـمؤلف =
المسببات التي أدَّت إلى التأخـر في انضمام الجزائر إلـى منظمة التجارة العالمية.
 التوعية بحـقوق المؤلفيـن على الـمستوى الوطني بإقامة ندوات وملتقيات بخصوصها، وتفعيل الديوان الوطني لحقوق الـمؤلف والحقوق المجاورة ومدِّه بالوسائل المادية والبشرية التي تمكنه من أداء المهمة الـمنوطة به على الوجه المناسب.
 كما نطالب الـمشرع بإعمـال نصـوص الأمر رقم:03/05 والتطبيق الفعلـي لها لتبعـث فيها الحيـاة، ولينعم الـمؤلفـون بالحماية الفعالة لحقوقهم الـمادية والـمعنوية على السواء، فنحن لا نكاد نعثر على الأحكام القضائية التي تتصدى لحل النزاعات المتعلقة بحقوق المؤلفين على المستوى المحلي، مقارنـة وما تزخر به أحكام واجتهادات القضاء في الدول التي خطت خطوات كبيرة في هذا الميدان.
كلُّ ذلك من أجل أن تبقى الحقـوق التي منها المشرع الجزائري للمؤلف حقـوقًا رفيعةً، لا تعامـل نفـس الـمعاملة التي تعامل بها حقـوق الملكية المادية البحتة، وإلا كان ذلك إنكـارًا لسـمو ومكانة العبقرية البشرية، إذْ أنَّــه ومع رفعـة هذه الحقـوق، فإنَّ الـمخاطر التي تتهـددها تتسـم بالدهـاء والغمـوض، خاصـة مع ظهـور التكنولوجيات الجديدة تكنولوجيات الرقميـة. فيجب أن يتظافـر القانـون مع إعمـال نصوصه، والاجتهاد من
جانب القضاء لتفادي الخطر الذي يحدق بهذه الحقـوق، لأنَّه من المفيد أن نضفي حمايتنا جميعـًا على أولئك الذين بفضلهم ستظل شعلة الذكاء البشري الخلاق متوهجةً على مـر الأزمنة والعصور................... .







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والحقوق المجاورة الَّذين لا يتجاوز عددهم خمسة وأربعين مراقبًا، والّذين يعجـزون عن وضع حد ٍلقراصنة الفكر الّذين امتدوا فـي سـوق الكتاب كالعليق الـمسمـوم (وسيلة ب، "قراصنة الفكر يعيثون فسادا فـي حقوق الفكر"، جريدة الخبر الأسبوعي، العدد 406، من 9 إلـى 15 ديسمبر 2006، ص 12 ).