منزلة محمد بن إسحاق راوي المغازي عند علماء الحديث
السؤال
ما رأيكم في ابن إسحاق ، فقد سمعت أنه ليّن وغير دقيق في روايته للحديث ، مما جعل العلماء لا يقبلون أي رواية مِن قِبَله ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب
الحمد لله
الكلام في ترجمة العلامة محمد بن إسحاق يندرج في المطالب الآتية :
المطلب الأول : اسمه ونسبه ومولده
هو محمد بن إسحاق بن يسار ، كان جده يسار من موالي قيس بن مخرمة بن المطلب
فهو القرشي المطلبي مولاهم ، كنيته : أبو بكر ، وقيل : أبو عبد الله ، ولد سنة ثمانين للهجرة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
ثم ما لبث أن سافر منها لطلب العلم وسماع الحديث ، حتى استقر به المقام في بغداد ، حيث بقي هناك حتى توفي رحمه الله .
المطلب الثاني : طلبه للعلم على المشايخ .
نشأته العلمية المبكرة كانت في أعظم حواضر العلم والمعرفة ، وهي المدينة النبوية الشريفة ، فتعلَّم على عُلمائها ، وأخذ عن فقهائها ، وسمع من محدثيها
فنال بذلك أسمى مراتب التعليم ، حتى قيل : إنه رأى الصحابي الجليل أنس بن مالك ، ورأى سيد التابعين سعيد بن المسيب .
وكان من أشهر شيوخه : سعيد المقبري ، وعبد الرحمن بن هرمز ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وأبو جعفر الباقر ، والزهري ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ، ومحمد بن المنكدر ، وغيرهم كثير .
ورحل في طلب العلم في مقتبل عمره إلى الجزيرة ، والكوفة ، والريّ ، وبغداد ، بل وصل الإسكندرية في رحلاته سنة خمس عشرة ومائة
وروى عن جماعة من أهل مصر ، وقد قال ابن سعد رحمه الله : خرج من المدينة قديما ، فلم يرو عنه أحد منهم غير إبراهيم بن سعد ، وكان مع العباس بن محمد بالجزيرة
وأتى أبا جعفر بالحيرة ، فكتب له المغازي ، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب ، وسمع منه أهل الريّ ، فرواته من هؤلاء البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة .
المطلب الثالث : منزلته العلمية
حظي ابن إسحاق بمنزلة رفيعة بين علماء عصره
وذلك لسعة معارفه ، وكثير اطلاعه ، حتى قال عنه الإمام الذهبي : أول من دون العلم بالمدينة ، وذلك قبل مالك وذويه ، وكان في العلم بحرا عجاجا ، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي .
ولذلك ما زال ثناء العلماء عليه عاطرا من قديم الزمان :
قال علي بن المديني رحمه الله : مدار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة : - فذكرهم - ثم قال : فصار علم الستة عند اثني عشر : أحدهم محمد بن إسحاق .
وقال الإمام الزهري : لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق .
المطلب الرابع : تبحُّره في علم المغازي والسير
اشتهر محمد بن إسحاق باهتمامه البالغ في علم المغازي ، حتى كان أول من جمع المغازي في مصنف كامل
وقال فيه الإمام الشافعي رضي الله عنه : من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق
. وقال ابن عدي : لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء ، إلى الاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه
ومبتدأ الخلق ، لكانت هذه فضيلة سبق بها . وقال الإمام الذهبي: قد كان في المغازي علامة .