ثالثا :
يتبين مما سبق أن مجرد أخذ راتب من الحكومة ، أو قبول الأعطيات والرزق على القيام بالإمامة ليس هو مما يجرح به الإمام ويعاب به
لأنه ربما كان يأخذه على وجه مشروع لا كراهة فيه ؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى جواز أخذ الراتب مطلقا ، ولو لم يكن الإمام فقيرا ، ولو شارطهم على ذلك ، وهو قول معتبر بعض الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
ينظر : أخذ المال على أعمال القرب
عادل شاهين (1/206-220) .
وإذا كان ذلك كذلك فمثل هذه المسائل الاجتهادية لا يعنف فيها على المخالف ، ولا ينكر عليه ، إذا كان هذا هو ما يعتقده ويترجح عنده ؛ فمن باب أولى : أنه لا يعاب بذلك ولا يذم به .
رابعا :
الاطلاع على مقصد الإمام من إمامته ، وأنه ليس له غرض إلا الحصول على المال ، ليس في مقدور الناس عادة ، بل يوكل أمره في ذلك إلى الله ، ويعامل بظاهر حاله .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) .
متفق عليه.
وإذا قدر أننا اطلعنا على ذلك ، وأنه عاص بهذا الفعل ، فليست مجرد المعصية التي يلابسها الإمام عذرا في ترك صلاة الجماعة ، بل متى أمكنه أن يصلي الجماعة خلف إمام هو أمثل منه ، وأصلح في دينه : فعل ذلك
وإن لم يمكنه : لم يجز له أن يترك صلاة الجماعة بمجرد ذلك ، وهذا من أصول السنة ، ألا يدعوا صلاة الجمعة والجماعة لمجرد معصية الإمام ، إذا لم يمكنهم أن يقيموها خلف غيره .
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته (45) :
" ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة
ونصلي على من مات منهم " .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
" إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ : لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ، بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ ، كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ .
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ
لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ . وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (23 / 343) .
والواجب : نصح هؤلاء بوجوب إقامة الصلاة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، ووجوب السعي إليها مع المسلمين ، وحضور الجماعات ، والسعي في الألفة بين المسلمين ، ومنع الشقاق وظن السوء وفساد ذات البين .
والله أعلم .