السؤال :
سؤالي يتعلق بوجوب الصيام مع الاختلاف في رؤية الهلال بين بلدين ، فقد غادرنا الأراضي السعودية بعد ثبوت دخول شهر رمضان ، ودخلنا الأراضي الأردنية - حيث نقيم -
بعد ظهر ذلك اليوم ، ولم يكن قد ثبت دخول الشهر في الأردن ، مجموعة كبيرة من المسافرين لم تصم ذلك اليوم ، وذلك لعدم معرفتهم بالحكم الشرعي في ذلك ، فما الحكم ؟؟
هل يقضون صيام هذا اليوم ؟
والذين صاموا في ذلك اليوم من المسافرين فهل صيامهم صحيح ويكملون صيام الشهر مع الأردن حتى وإن بلغ عدد أيام صيامهم 31 يوما ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
السبب الغالب في اختلاف بدء الصيام من بلد لآخر ، هو اختلاف مطالع الأهلة . واختلاف المطالع أمر معلوم بالضرورة حسا وعقلا .
وعليه فلا يمكن إلزام المسلمين بالصوم في وقت واحد ، لأن هذا يعني إلزام جماعة منهم بالصوم قبل رؤية الهلال ، بل قبل طلوعه .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن ينادي بتوحيد الأمة في الصيام ، وربط المطالع كلها بمطالع مكة ، فقال :
" هذا من الناحية الفلكية مستحيل ؛ لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم ، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه .
أما الدليل الأثري فقال الله تعالى :
( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة/185 .
فإذا قُدِّرَ أن أناسا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر -أي : الهلال - وأهل مكة شهدوا الهلال ، فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر ؟!
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) متفق عليه ، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا
مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية .
أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته ، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية ، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية ، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل ؟ الجواب : لا .
وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية ، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر ؟
الجواب :
لا .
إذاً الهلال كالشمس تماما ، فالهلال توقيته توقيت شهري ، والشمس توقيتها توقيت يومي ، والذي قال : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187 .
هو الذي قال : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكل مكانٍ حكماً خاصًّا به فيما يتعلق بالصوم والفطر ، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه ، وجعلها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهي شهود القمر ، وشهود الشمس ، أو الفجر " انتهى من
فتاوى أركان الإسلام ص 451.
وقال رحمه الله موضحاً هذا القياس ، ومؤيداً به حجة الذين اعتبروا اختلاف المطالع :
" قالوا : والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي ، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي
فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري ، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين ، فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل من كانوا في الغرب ، ويفطرون قبلهم أيضا .
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي
فإن مثله تماما في التوقيت الشهري .
ولا يمكن أن يقول قائل : إن قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا ، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) لا يمكن لأحد أن يقول : إن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأقطار .
وكذلك نقول في عموم قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا )
وهذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ ، والنظر الصحيح ، والقياس الصحيح أيضا ، قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي " انتهى .
نقلا عن "فتاوى رمضان"
جمع أشرف عبد المقصود ص 104 .