السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
وربما أشكل على بعض الناس
قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام :
( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 .
فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض
وأن الروح جزء من الله .
والحق أن (مِِْن) هنا لابتداء الغاية
أي هذه الروح من عند الله
مبدأها ومنشأها من الله تعالى
فهو الخالق لها ، والمتصرف فيها .
قال ابن كثير رحمه الله :
" فقوله في الآية والحديث : ( وَرُوحٌ مِنْهُ )
كقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ )
أي من خلقه ومِنْ عنده
وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة
بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى
وقد قال مجاهد في قوله : (وروح منه) أي ورسول منه
وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول
وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة .
وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف
كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله :
( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) الأعراف/73
وفي قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) الحج/26 .
وكما روي في الحديث الصحيح :
( فأدخل على ربي في داره ) أضافها إليه إضافة تشريف
وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد "
انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) .
وقال الألوسي رحمه الله : :
حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر
على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم
فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام
جزء منه تعالى ، وتلا هذه الآية :
( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا
إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) فقرأ الواقدي قوله تعالى
: ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) الجاثـية/13
. فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه
وتعالى علوا كبيرا ، فانقطع النصراني فأسلم
وفرح الرشيد فرحا شديدا " .
وقال رحمه الله :
" لا حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف
عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه
إذ لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك
ففي إنجيل لوقا : قال يسوع لتلاميذه :
إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه .
وفى إنجيل متى
: إن يوحنا المعمداني امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه .
وفى التوراة : قال الله تعالى لموسى عليه السلام :
اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك .
وفيها في حق يوسف عليه السلام : يقول الملك :
هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه .
وفيها أيضا : إن روح الله تعالى حلت على دانيال . . . إلى غير ذلك "
انتهى من "روح المعاني" (6/25) .
وجاء في إنجيل لوقا (1/41) :
( وامتلأت الياصبات من الروح القدس ) .
وقوله (1/25، 26) :
( وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان
ينتظر الخلاص لإسرائيل ، والروح القدس كان عليه
وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت
قبل أن يرى مسيح الرب .
فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح )
فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي
وصريح أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب)
فهو عبد لله تعالى ، والله هو الذي مسحه ، وجعلها مسيحا .
والله أعلم .