منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-01-15, 15:30   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



قال ابن القيم بعد أن ذكر حجج الطائفتين:

" فالصواب إن شاءَ الله في هذه المسألة أن يقال: لا ريب أن الذنب نفسه لا ينقلب حسنة، والحسنة إنما هي أمر وجودي يقتضى ثواباً، ولهذا كان تارك المنهيات إنما يثاب على كف نفسه وحبسها عن مواقعة المنهى

وذلك الكف والحبس أمر وجودي وهو متعلق الثواب.

وأما من لم يخطر بباله الذنب أصلاً ، ولم يحدث به نفسه، فهذا كيف يثاب على تركه، ولو أُثيب مثل

هذا على ترك هذا الذنب ، لكان مثاباً على ترك ذنوب العالم التي لا تخطر بباله، وذلك أضعاف حسناته بما لا يحصى، فإن التَرك مستصحب معه، والمتروك لا ينحصر ولا ينضبط، فهل يثاب على ذلك كله؟ هذا مما لا يتوهم.

وإذا كانت الحسنة لا بد أن تكون أمراً وجودياً ، فالتائب من الذنوب التي عملها : قد قارن كلَّ ذنب منها ندمٌ عليه، وكف نفسه عنه، وعزم على ترك معاودته. وهذه حسنات بلا ريب .

وقد محت التوبة أثر الذنب ، وخلفه هذا الندم والعزم، وهو حسنة قد بدلت تلك السيئة حسنة.

وهذا معنى قول بعض المفسرين: يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.

فإذا كانت كل سيئة من سيئاته قد تاب منها ، فتوبته منها حسنة حلت مكانها، فهذا معنى التبديل، لا أن السيئة نفسها تنقلب حسنة.

وقال بعض المفسرين في هذه الآية: يعطيهم بالندم على كل سيئة أساؤوها حسنة، وعلى هذا فقد زال بحمد الله الإشكال، واتضح الصواب، وظهر أن كل واحدة من الطائفتين ما خرجت عن موجب العلم والحجة.

وأما حديث أبى ذر - وإن كان التبديل فيه في حق المصرّ الذى عذب على سيئاته - فهو يدل بطريق الأولى على حصول التبديل للتائب المقلع النادم على سيئاته، فإن الذنوب التي عذب عليها المصر

لما زال أثرها بالعقوبة ، بقيت كأن لم تكن، فأعطاه الله مكان كل سيئة منها حسنة

لأن ما حصل له يوم القيامة من الندم المفرط عليها ، مع العقوبة : اقتضى زوال أثرها وتبديلها حسنات، فإن الندم لم يكن في وقت ينفعه، فلما عوقب عليها ، وزال أثرها : بدلها الله له حسنات.

فزوال أثرها بالتوبة النصوح : أعظم من زوال أثرها بالعقوبة، فإذا بدلت بعد زوالها بالعقوبة حسنات ؛ فلأن تبدل بعد زوالها بالتوبة حسنات أولى وأحرى.

وتأثير التوبة في هذا المحو والتبديل : أقوى من تأْثير العقوبة ؛ لأن التوبة فعل اختياري أَتى به العبد طوعاً ، ومحبة لله ، وفرقاً منه.

وأما العقوبة : فالتكفير بها من جنس التكفير بالمصائب التي تصيبه بغير اختياره

بل بفعل الله، ولا ريب أن تأْثير الأفعال الاختيارية التي يحبها الله ويرضاها ، في محو الذنوب ، أعظم من تأْثير المصائب التي تناله بغير اختياره".

والخلاصة

أن في تفسير التبديل في الآية قولان:

أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات.

والقول الثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار.

وينظر للفائدة ، ما سبق حول هذه المسألة ، في جواب السؤال القادم

فالمسألة خلافية بين أهل العلم، ولكن نقول: لا يصح أن يكفر أحدٌ أحدًا في مثل هذه المسائل، بل المكفر يكون قد شابه الخوارج، وأثم إثمًا عظيمًا، بتجرؤه على القول بلا علم .

والله أعلم