منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *** كيفية الحوار الناجح ***
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-11-17, 18:19   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
Ali Harmal
مشرف منتدى الحياة اليومية
 
الصورة الرمزية Ali Harmal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


المنهج القرآني في الحوار
بنى القرآن الكريم نهجه في الحوار على مجموعة من القواعد التي تضمن سلامة الحوار وتحقيقه لأهدافه والغايات المرجوة منه وتتمثل هذه القواعد كما ذكرها أهل العلم في ما يلي:
1 - امتلاك الحرية الفكرية: لابد لكي يبدأ الحوار ان يمتلك أطرافه حرية الحركة الفكرية التي يرافقها ثقة الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا ينسحق أمام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر فتتضاءل ازاء ذاك ثقته بنفسه وبالتالي بفكره وقابليته لان يكون طرفاً للحوار فيتجّمد ويتحول الى صدى للأفكار التي يتلقاها من الآخر.
لذلك أمر الله رسوله ان يحقق ذلك ويوفره لمحاوريه: (قُلْ اِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى اِلَيَّ) «(الكهف:110) «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا الاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ اِنْ أَنَا الا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف:188).
2 - مناقشة منهج التفكير: فاذا امتلك أطراف الحوار الحرية الكاملة فأول ما يُناقش فيه هو المنهج الفكري قبل المناقشة في طبيعة الفكر وتفاصيلها في محاولة لتعريفهم بالحقيقة التي غفلوا عنها؛ وهي ان القضايا الفكرية لا ترتبط بالقضايا الشخصية فلكل مجاله ولكل أصوله التي ينطلق منها ويمتد اليها: «وَاِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَ نَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ» (البقرة:170) ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ الاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا اِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَ نَا عَلَى أُمَّةٍ وَاِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قُلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءكم قَالُوا اِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ» (الزخرف:23-24).
3 - الابتعاد عن الأجواء الانفعالية: من عوامل نجاح الحوار ان يتم في الأجواء الهادئة ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالانسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير فانَّه قد يخضع للجو الاجتماعي ويستسلم لا شعورياً مما يفقده استقلاله الفكري: «قُلْ اِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ اِنْ هُوَ اِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» (سبأ:46) فاعتبر القرآن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي العدائي لخصومه لذلك دعاهم الى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء.
4 - التسليم بامكانية صواب الخصم: ولا بد لانطلاق الحوار من التسليم الجدلي بانَّ الخصم قد يكون على حق فبعد مناقشة طويلة في الأدلة على وحدانية الله تأتي هذه الآية من سورة سبأ: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ والأرض قُلْ اللَّهُ وَاِنَّا أَوْ اِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (سبأ: 24) فطرفا الحوار سواء في الهداية أو الضلال ثم يضيف على الفور في تنازل كبير بغية حمل الطرف الآخر على القبول بالحوار: « قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ولا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ». (سبأ: 25) فيجعل اختياره هو بمرتبة الاجرام على الرغم من انه هو الصواب ولا يصف اختيار الخصم بغير مجرد العمل ليقرر في النهاية ان الحكم النهائي لله: «قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ(26)» (سبأ: 26).
5 - التعهد والالتزام باتباع الحق: لا بد من التعهد والالتزام باتباع الحق ان ظهر على يديه حتى ولو كان التعهد باتباع ما هو باطل أو خرافة اذا افتُرِض انه ثبت وتبين انه حق: «قُلْ إنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» (الزخرف:81).
6 - الانضباط بالقواعد المنطقية في مناقشة موضع الاختلاف: فاذا تم الالتزام بهذه الأسس فانَّ الحوار ينطلق معتمداً على قواعد العقل والمنطق والعلم والحجة والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن: فما أكثر ما يرد في القرآن: «هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» (البقرة:111- الانبياء:24- النمل:64 القصص:75) وقال تعالى مرشداً الى اعتماد العلم والحجة في الحوار: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ» (الحج:8، لقمان:20) «هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ «، (آل عمران:66) «إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ الاّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ» (غافر:56) «أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (الصافات:156-157).
7 - ختم الحوار بهدوء مهما كانت النتائج: اذا سار الحوار جادَّاً وفق هذا المنهج من قبل جميع الأطراف فلا بد ان يصلوا جميعاً الى ما التزموا به في بداية الحوار من الرجوع الى الحق وتأييد الصواب فاذا رفض المحاور الحجج العقلية كان لم يقتنع بها فانه بذلك يمارس حقاً أصيلاً كَفِلَه له رب العزة وسيكون مسؤولاً عن ذلك أمام الله تعالى.
وفي هذه الحالة ينتهي الحوار بهدوء كما بدأ دون حاجة الى التوتر والانفعال: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ اإجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ» (هود:35) وَاِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُواعَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (القصص:55).
8 - التأكيد على استقلالية كل من المتحاورين ومسؤوليته عن فكره: قبل الانفصال بين المتحاورين يتم التأكيد على استقلالية كل ومسؤوليته عن نفسه ومصيره: «إنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ اِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ»، (الانعام:134-135).
9 - الاشهاد على المبدأ وعدم تتبع الأخطاء الناتجة عن الانفعال أثناء الحوار: وفي آخر الحوار يتم اشهادهم على المبدأ والتمسك به: «فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران:64).
ولا حاجة في ان يُتَابَعَ الخصم على ما بدر منه من اساءات في الحوار وليكن العفو والصبر أساساً وخلقاً في التعامل مع الجاهلين (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) «اصبر على ما يقولون» (طه: 130- ص:17) «فاصبر على ما يقولون» (ق:39) «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ اِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ «(السجدة:30) «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ الاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» (النجم:29) «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً» (المزمل:10). هكذا يرشد المنهج القرآني في الحوار الى انهائه بمهمة وأداء رسالة يبقى أثرها في الضمير ان لم يظهر أثرها في الفكر، انه أسلوب لا يسيء الى الخصم بل يؤكد حريته واستقلاليته ويقوده الى موقع المسؤولية ليتحرك الجميع في اطارها وينطلقوا منها ومعها في أكثر من مجال.

منقوول كما وردني عبر البريد الألكتروني .










رد مع اقتباس