منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - سؤال عن الناسخ والمنسوخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-07-10, 11:51   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النَّسخ إلى بدل أثقل:

مثاله: ما يتعلق بتحريم الخمر، وحد الزنا:

فبعد الإباحة تم الانتقال إلى تحريم الخمر في أوقات الصلوات، ثم حرم نهائيًّا

وهذا الأمر يذكره بعض العلماء كمثال على النَّسخ إلى بدل أثقل، والذي أراه - والعلم عند الله - أن هذا ليس من النَّسخ إلى بدل أثقل

فبالنظر إلى عواقب شُرب الخمر وما يسببه من الأضرار - البدنية وكذا المالية - بل ومن الجرائم والصد عن ذكر الله

كما قال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ [المائدة: 91] -

فنسخ إباحته بتحريمه هو عين التخفيف على الأمة، والله أعلم.

وأما بالنسبة لحد الزنا، فقد كان الحكم في بداية الإسلام حبس الثيب وتعنيف البكر، فنُسخ ذلك بالرجم للثيب والجلد بالنسبة للبكر

قال تعالى:وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا *

وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء: 15، 16].

"كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت، فثبَت زناها بالبينة العادلة، حُبست في بيت، فلا تُمكَّن من الخروج منه إلى أن تموت؛

ولهذا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ [النساء: 15]

يعني: الزنا مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15]

فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.

قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد، أو الرجم.

وكذا رُوي عن عِكرمة، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وعطاء الخُراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك: أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه"

تفسير ابن كثير: 2/ 233.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البِكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم))؛ رواه مسلم وأصحاب السنن.

ومن أهل العلم من قال: إن هذا ليس بنسخ، وإنما هو من قبيل المجمل الذي تم بيانه؛ حيث

قال تعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15

وهذا السبيل قد بيَّنه الله تعالى، لكن الراجح النَّسخ، والله أعلم.

وهذا النوع من النَّسخ - أي إلى بدل أثقل - اختلف فيه، وجمهور العلماء على جوازه عقلاً وسمعًا، ولهم أدلة - ذكرت بعضها - تثبت الوقوع السمعي، وهو أدل دليل على الجواز العقلي.


النَّسخ إلى غير بدل:

والمقصود - كما أسلفت - بهذا النوع من النَّسخ أن يرفع الله تعالى حكمًا شرعيًّا دون بديل عنه، ومن أمثلته: نسخ وجوب تقديم الصدقة عند المناجاة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *

أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة: 12، 13]

جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 251.

روى الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - عن عليٍّ رضي الله عنه: إن في كتاب الله عز وجل لآيةً ما عمل بها أحد قبلي

ولا يعمل بها أحد بعدي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة: 12]

قال: فُرِضت، ثم نُسخت

جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 248.

وعن قتادة: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [المجادلة: 13]

: فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.

ومن أهل العلم من قال: إنه لا نسخ في هذه الآية، متأولاً ذلك بما فيه تكلف واضح، والراجح النَّسخ.

والجمهور على جواز هذا النوع من النَّسخ، وأنكره الظاهرية وبعض المعتزلة.


النَّسخ بين القرآن والسنة:

مما لا ريب فيه أن النَّسخ وقع في شريعة الإسلام التي هي آخر الشرائع؛ وذلك لحكم جليلة، وفوائده عظيمة -

كما سنرى لاحقًا، وهذا النَّسخ كما وقع في القرآن وقع في السنة، وكما نُسخ القرآن بالقرآن فقد نسخ بالسنة

وكذا كما نسخت السنة بالسنة فقد نُسخت بالقرآن، وقبل أن أفصل القول في ذلك، أشير إلى أقسام النَّسخ في القرآن:


نسخ القرآن بالقرآن:

أجمع القائلون بالنَّسخ من المسلمين على جوازه ووقوعه، أما جوازه فلأن آيات القرآن متساوية في العلم بها،

وفي وجوب العمل بمقتضاها، وأما الوقوع فللأدلة الكثيرة التي سنذكر بعضها بإذن الله، وقد قسم العلماء هذا النوع من النَّسخ إلى ثلاثة أقسام: نسخ التلاوة والحكم معًا، نسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة.

1- نسخ التلاوة والحكم معًا:

وما كان كذلك فلا يجوز تلاوته تعبدًا، ولا العمل بما تضمنه من حكم.

مثاله: ما رواه الإمام مسلم وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن".

وهذا النوع من النَّسخ أجمع عليه القائلون بالنَّسخ من المسلمين؛ "فعشر رضعات معلومات يحرمن" ليس لها ورود في القرآن الكريم، كما أنه لا يعمل بحكمها

ولا شك أن حديث عائشة رضي الله عنها له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الأمر لا يقال من باب الرأي.

2- نسخ التلاوة دون الحكم:

ولنضرب مثالين على هذا النوع من النَّسخ الحاصل في القرآن:

• المثال الأول: وهو حديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق ذكره، فقولها: "ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"

هذه الخمس مما نسخت تلاوته مع بقاء حكمه؛ إذ لا وجود لها في القرآن ألبتة، لكن العمل بها قائم لم يرفع، وأما قول عائشة رضي الله عنها: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"

فالمراد مَن لم يبلغه النَّسخ؛ إذ كان يعتقد بقاءها، فكان يقرؤها حتى بلغه النَّسخ،

أو أن المقصود قرب الوفاة، والأظهر الأول؛ يقول الإمام الزركشي في البرهان: "وقد تكلموا في قولها: (وهي مما يقرأ)، فإن ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك، فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة

والأظهر أن التلاوة نسخت أيضًا، ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها"

البرهان في علوم القرآن: 2/ 39.

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم

: "ومعناه أن النَّسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنًا متلوًّا؛ لكونه لم يبلغه النَّسخ

لقرب عهده، فلما بلغهم النَّسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى"

شرح مسلم للإمام النووي: 10/ 29.

وقد أبعد النجعة من استدل بقولها رضي الله عنها: "وهن فيما يقرأ من القرآن" على بقاء التلاوة، ويكفي في رده ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم عند كتابة المصحف؛ إذ لا أثر لها في أي مصحفٍ من المصاحف العثمانية.

• المثال الثاني: حديث عمر رضي الله عنه: "إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأتها وعقَلتها ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده

فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى؛ فالرجم على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة

أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم"؛ متفق عليه.

والأمثلة على هذا النوع من النَّسخ كثيرة

يقول الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -:

"ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنُسخت تلاوتها، وبقي أمر حكمها، أو لم يبقَ، مثل حديث عمر: (الشيخ والشيخة إذا زنيا

فارجموهما ألبتة)، وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة

قال: فأنزل الله فيهم قرآنًا: (بلغوا عنا قومنا أنَّا قد لقينا ربنا)، وحديث أبي بن كعب: (كانت الأحزاب قدر البقرة)، وحديث حذيفة: (ما يقرؤون ربعها)، يعني براءة، وكلها أحاديث صحيحة"

السلسلة الصحيحة: 6/ 412.

3- نسخ الحكم دون التلاوة:

وهذا القسم اختلف فيه بين المجيزين له؛ فمنهم من توسع فأدخل فيه كثيرًا من الآيات، ومنهم من ضيق مجاله؛ ففي الوقت الذي نجد فيه الإمام الزركشي يقول عن هذا النوع: "وهو في ثلاث وستين سورة

البرهان في علوم القرآن.

نجد الإمام السيوطي يقول: "وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدًّا، وإنْ أكثَرَ الناس من تعداد الآيات فيه، فإن المحققين كالقاضي أبي بكر بن العربي بيَّن ذلك وأتقَنه"

الإتقان في علوم القرآن.

ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240].

فالحكم الذي تضمنته هذه الآية منسوخ، كما سبق بيانه، وهي فيما يتلى من القرآن؛ فهي مما نسخ حكمه وبقيَت تلاوته.

كذلك من الأمثلة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ [المجادلة: 12]، وهذا الحكم منسوخ كما سلف، فهذه الآية وإن نسخ حكمها فقد بقيت تلاوتها.

يقول الإمام الشوكاني في الإرشاد:

"ما نُسخ حكمه وبقي رسمه؛ كنسخ آية الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث، ونسخ العدة حولاً بالعدة أربعة أشهر وعشرًا

فالمنسوخ ثابت التلاوة مرفوع الحكم، والناسخ ثابت التلاوة والحكم، وإلى جواز ذلك ذهب الجمهور، بل ادعى بعضُهم الإجماع عليه.

وقد حكى جماعة من الحنفية والحنابلة عدم الجواز عن بعض أهل الأصول، قالوا: لأنه إذا انتفى الحكم فلا فائدة في التلاوة، وهذا قصور عن معرفة الشريعة

وجهل كبير بالكتاب العزيز؛ فإن المنسوخَ حكمُه، الباقيةَ تلاوتُه في الكتاب العزيز مما لا ينكره مَن له أدنى قدم في العلم"

إرشاد الفحول: 2/ 64.

تنبيه: أشار الإمام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى - إلى أن من أهل العلم - كأبي إسحاق المروزي وابن السمعاني وغيرهما -

مَن قسم "نسخ التلاوة دون الحكم والعكس ونسخهما معًا" إلى ستة أقسام، والذي عليه الجمهور تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام فقط.


يتبع باقي الشرح









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-07-10 في 11:55.
رد مع اقتباس