منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العاشقةُ الخرساء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-11-28, 22:15   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
علي قسورة الإبراهيمي
مشرف الخيمة والمنتديات الأدبيّة
 
الصورة الرمزية علي قسورة الإبراهيمي
 

 

 
إحصائية العضو









افتراضي



.../ ...
هاهو ميثاقٌ غليظٌ يجمعنا.
لِمَ لا نتخلّص مِن كلِ ذَوات تَسكننا؟
عندها قد يستوطن اللَيل مدائن حلمٍ سقفها من زبرجد لوعة الأشواق، فترنو الأعين بالأحداق، يتبعها حنين العناق .
ثم تنطلقُ الأبعاضُ زَفيرًا تتشابك وتجوب شطآنِ البوح .
فنتخلّى عن ذرّات الأسى من تجاعيد الماضي، لنعانقَ حاضرًا نريدُه أن يكونَ جميلاً.
فالشوق وحدهُ هو مَن يضرمنا نارًا لحنينٍ نستمِدّ منه دفء اللقاء.
لِم لا ندفن شجنًا لماضٍ فات، ولَم تتبق منه إلاّ الذكريات؟
سنوقد سراجًا في مشكاة دروبنا، نقتبِس منه نورًا يضيء لنا راحة عيشٍ قد أنهكتها عواصف الفقد .
أيا صوت السكون مهلاً ..
ويا أيتها الأشجان بُعدًا عنّا بُعد المشرقينِ..
ولتـُنحر وتجف المدامع، وتُدكّ حصون الصرخات .
....
وجد كل من حسين وفاطمة في منزلهما الجديد، ووجدت فاطمة ضالّتها في آلة الخياطة التي أهداها لها عمدة البلدة.
وكما قيل .. "ربّ ضارّة نافعة ".
وكأنّ ما حدث يوم عقد قرانها، كان دعاية لها على شهرتها.
قال حسين لفاطمة في إيحاءٍ :
ــ لقد جاء في كلامِ صاحب المحل، أنكِ كنتِ تكثرين من الوقوف أمام المحل منذ مدةٍ .. فلماذا كنت تفعلين ذلك؟
فأشارت له:
ــ فما كنت أفعله سوى أنني أردتُ أن أتعرّف عن كثبٍ طريقة تصميم الفستان لتنطبع في ذهني.. وعندما انطبع كل ذلك في مخيلتي اشتريتُ الأقمشة من السوق بالدراهم الذي كان المركز يصرفها لي كمنحةٍ، وقمتُ بتفصيل ذلك مع خياطته.
شكرها حسين .. وازداد حبهُ لها.
وبعد لحظات أشار لها مستفسرًا:
ــ وما رأيكِ في قضية متابعة صاحب المحل، والمرأة التي اتهمتكِ علانية بالسرقة زورًا.. ثم الشرطيان؟..
ــ بعد إذنك سوف أتنازل عن كل شيء..
وماذا أجني من متابعتهم؟.
أشار لها:
ــ أحسن ما تفعلينه
نظرت فاطمة إلى حسين مليّا.. وأشارت له :
ــ أنني في شوقٍ إلى المنزل المهجور.. وسوف نعود إليه لنسكنه، بعد أن يصير ليس بالهيئة التي بها.
وساد صمتٌ.
...
وما هي إلاّ بعض أيّامٍ وكأنها معدودات وتهافت طلبات النساء على فاطمة لخياطة الفساتين.
فكانت فاطمة منهمكة على خياطة ذلك ليل نهار.. ونالت شهرة واسعة في البلدة.
مما جعلها تقوم بتوظيف أخريات لمساعدتها.. بعد أنِ اشترت ثلاث آلات خياطة أخرى.
أما من جهة حياتها وحسين.
فقد أحبته حب المرأة للرجل، ولولا أن دينها يمنعها لكانت تجله إجلال العابد لمعبوده.
عاشا خمس سنوات كزوجين متاحبين في صمتٍ.
إن أقل ما يقال عنهما أنهما يعيشان لا ليفكران ويتدبران.. نتيجة الذكرى وما حلّ بهما في بلدهما الأصلي.. فكلّ ذلك بقي محفورًا في الذاكرة رغم أنه وقع في الأيام والأعوام الخوالي.
حتى وأنهما أصبحا يحسّان برغد العيش، إلاّ أن حالهما كان كسائمةٍ صامتةٍ تسمى تعوُّدًا وعادةً حيوانًا أعجمَ لا يبتئس ولا يستبشر.
فتساءل حسين في قرارة نفسه :
ــ هل هناك مخرجٌ من هذا الصمت ؟ أم يبقى أبدياً؟
... فلا هو وجد هُدىً، ولا هو اهتدى إلى جوابٍ
فلا يلبث إلاّ أن يتمتم بلسانٍ لاهجٍ يتضرّع به لخالقه، وحوقلةٍ متّصلةٍ لا تنقطع إلا بسنةٍ من نوم عابرة خالية من الأحلام.
وتنتاب فاطمة من حين لآخر نوبات عصبية، احتار زوجها في الأمر.. وكيف السبيل إلى معرفة عصبيتها، فإنها لا تجيبه حتى ولو كانت ناطقة، فما بالك بخرساء؟
ومرة عاد حسين إلى المنزل على غير عادتهِ.
ويا لمصيبة ! ما رأى.
... يتبع











رد مع اقتباس