الوجه الثالث : أن يقال : إن الحديث الأول
: ( فأعطوه ) الأمر فيه للندب ، والحديث الثاني ( يسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطي بِهِ ) ضبطه الصحيح هو
( يَسأَلُ بالله ولا يُعطِي به ) فالمذموم هو الذي جمع بين الأمرين : يسأل بالله الناس ، ولكنه إذا سئل بالله لا يعطي به ، ولا شك أن هذا الفعل مذموم قد يصل إلى درجة التحريم .
يقول الشيخ السندي رحمه الله :
" ( يسأل بالله ) على بناء الفاعل ، أي : الذي يجمع بين القبيحين : أحدهما السؤال بالله ، والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى
فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعا ، وأما جعله مبنيا للمفعول فبعيد ، إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله ، فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل " انتهى.
" حاشية السندي على النسائي " (5/83)
بل يحتمل الحديث أيضا أن يُضبط على الوجه الآتي : ( يَسألُ بالله ولا يُعطَى به ) بمعنى أن المذموم هو الذي يسأل بالله تعالى ، فالسؤال بالله مذموم
ثم رغم وقوعه في هذا المذموم لا ينال به شيئا ، فلا يعطيه الناس بسؤاله ، فيعرض نفسه للمذلة ، ويعرِّض اسم الله تعالى لعدم الإجابة .
وقد ذكر هذا الاحتمال المباركفوري رحمه الله فقال :
" ( يسأل ) على بناء المعلوم ، وقوله : ( لا يعطى ) على بناء المفعول " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (5/240) .
والله أعلم .