منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مشروع عملي للتغيير والإصلاح جزء 1
عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-12-10, 14:22   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نعمان 1
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي مشروع عملي للتغيير والإصلاح ج2

مشروع عملي للتغيير والإصلاح ج2
د. نعمان جغيم


من الذي يقوم بالتغيير؟
عملية التغيير والإصلاح عملية طويلة ومعقدة تحتاج إلى جهود كثيرة من جهات متعددة منها المجتمع المدني وأحزاب المعارضة والأحزاب الحاكمة والجهاز البيروقراطي، وعلى نواحي مختلفة منها الوعي السياسي والسلوك المدني والتربية الخلقية والقدرة على تطوير الذات والاعتماد على النفس وتطوير القدرات والمهارات المهنية. وفيما يأتي نذكر باختصار الجهات التي ينبغي عليها أن تقوم بدورها الفعال في عملية التغيير والإصلاح.


الأسرة
الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية، ففيها يتلقى الطفل أسس عقيدته وأخلاقه وسلوكه الاجتماعي. وحتى تتمكن الأسرة من أداء وظيفتها المطلوبة، ينبغي تأهيل الآباء والأمهات من خلال برامج توعية وتدريب على أساليب التربية. إن توعية الوالدين بالأساليب السليمة لتربية الأولاد أمر في غاية الأهمية، وينبغي أن تنطلق حملات مكثفة من أجل ذلك، تقوم بها المؤسسات والجمعيات ذات الاهتمام بشؤون الأسرة والشباب، وتجند لها الكفاءات والموارد اللازمة.


المدرسة
المدرسة هي المؤسسة الثانية المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية، حيث تقوم بتعزيز القيم العقدية والخلقية التي يتلقاها الطفل في الأسرة، وتوسيعها، كما تقوم بتدريب الطفل على السلوك الاجتماعي مع محيطه الاجتماعي والطبيعي. وإذا كان دور المدرسة عندنا أصبح محدودا في تكوين الجيل الصالح، فإنه ليس من العدل أن نلقي باللوم على القائمين على التعليم والمناهج الدراسية فقط، لأن المشكلة أكبر من ذلك. فالمدرسة والقائمون عليها جزء من المجتمع، يتأثرون بثقافته سلبا وإيجابا. إن ثقافة الانحطاط وجوّ الإحباط السائدين في المجتمع يؤثران في القائمين على التعليم، كما يؤثران في التلاميذ، وهي كلها عوامل تعيق نجاح المدرسة في القيام بوظيفتها. ومن أجل أن يتحقق للعملية التعليمية النجاح لابد من تكامل عناصرها، وهي: المعلم، والإدارة، والمنهج، والتلميذ، والمحيط الاجتماعي. إن أي خلل في عنصر من هذه العناصر يؤدي إلى خلل في العملية التعليمية. إذا كان الأستاذ مُحْبَطًا بسبب الظروف الاجتماعية السيئة التي يعيشها وبسبب عدم تفاعل الطلاب معه، فكيف يستطيع أن يؤدي وظيفته على الوجه المطلوب؟ وإذا كان التلاميذ محبطين بسبب غياب الأمل في المستقبل، ولا يجدون العناية والمتابعة الكافية من الأسرة، فكيف تنجح العملية التعليمية؟وإذا كانت الإدارة لا تلقى الدعم والتفاعل الكافيين من أولياء التلاميذ ومن السلطات المعنية فكيف يمكن لها أن تقوم بأداء دورها المطلوب في العملية التعليمية؟
حتى تنجح المدرسة في أداء دورها التعليمي لابد من التعاون بين الأسرة والمدرسة، حيث تشرف المدرسة على العملية التعليمية داخل المدرسة وتشرف الأسرة على النشاط التعليمي للطلاب في البيت. وحتى تنجح المدرسة في أداء دورها التربوي تحتاج إلى الدعم والمساعدة من جمعيات أولياء التلاميذ والجمعيات الثقافية في القيام ببرامج ونشاطات تسهم في تدعيم السلوك الاجتماعي السليم للتلاميذ، مثل النشاطات الثقافية والرياضية وتجميل المحيط، وغيرها. كما ينبغي على السلطات المعنية توفير الدعم اللازم للمؤسسات التعليمية.


الجمعيات والنوادي
الجمعيات الثقافية، وجمعيات الرعاية الاجتماعية والصحية، والنوادي الرياضية، والاتحادات العمالية، ومراكز البحوث والدراسات، لها دور محوري في التوعية الاجتماعية، والتدريب، والتوجيه، كما أن لها دورا محوريا في الرقابة على السلطات الإدارية والسياسية والضغط عليها.
إن تحقيق التغيير الشامل يحتاج إلى تظافر الجهود وتكاملها وتنوعها، ولذلك فإنه لابد للذين يحملون هَمّ الإصلاح أن يعمدوا إلى تكوين نوادي وجمعيات ثقافية واجتماعية ومهنية ورياضية، يلتقي فيها الأفراد الراغبون في الإصلاح لتبادل الأفكار والخبرات والتعاون من أجل تحقيق مشروعهم الإصلاحي. وتقوم تلك الجمعيات بتنظيم برامج ونشاطات تسهم في التوعية وتهذيب السلوك الاجتماعي وتطوير الذات وتنمية المهارات والكفاءات. والمفترض أنه مع كثرة تلك النشاطات واستمرارها فترة زمنية طويلة يتحقق تغيير وإصلاح واسع في المجتمع يمكن أن تنتج عنه ثقافة صالحة تفرض نفسها في المجتمع عن طريق القدوة.
- الجمعيات الدينية على مستوى المساجد تنظم محاضرات ودورات تعليمية تعنى بالترقية الروحية والتوجيه الخلقي والتعليم الشرعي وتحفيظ القرآن الكريم.
- مراكز البحوث والدراسات تسهم بتقديم دراسات ميدانية جادة حول سُبل إصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي. ولابد من نشوء تعاون مكثَّف بين تلك المراكز وأساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا، حيث يتم توجيه طلاب الدراسات العليا إلى اختيار موضوعات تفيد المجتمع، وتقوم تلك المراكز بتقديم الدعم لأولئك الباحثين، ومن ذلك نشر البحوث المتميزة المفيدة.
- جمعيات حماية المستهلك تسهم من جهة في الرقابة على المنتجات لحماية المستهلك من السلع التي لا تتوفر فيها شروط السلامة الصحية، وحمايته من ارتفاع الأسعار غير المبرَّر. ومن جهة أخرى تقوم بالتوعية اللازمة لترشيد الاستهلاك ومكافحة العادات الاستهلاكية السيئة، كما تعمل بالتعاون مع المنتجين والتجار على وضع ميثاق خلقي يلتزمون به.
- جمعيات الرعاية الصحية تسهم في التوعية الصحية من أجل تكوين ثقافة صحية سليمة تجنب الناس الوقوع في الأمراض الناتجة عن النمط المعيشي السيء، وتعلمهم طريقة التعامل معها في حال وقوعها، وهي أمراض تُكلِّف مبالغ طائلة مع أنه يمكن تجنبها إذا توفرت التوعية الصحية اللازمة والتشجيع على اتباع نمط معيشي صحي. كما تسهم تلك الجمعيات في الضغط على السلطات الحكومية لتوفير الرعاية الصحية وتحسينها، وتراقب أداء المؤسسات الصحية سواء منها العامة أم الخاصة.
- جمعيات الرعاية الاجتماعية تسهم في مساعدة الفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتساعد على تكوين ثقافة التعاون والتكافل الاجتماعي من خلال تنظيم برامج الرعاية الاجتماعية وإشراك أكبر عدد ممكن من الناس في تنفيذها. ولا ينبغي لتلك الجمعيات أن تكتفي بجمع التبرعات من الناس ثم القيام بتوزيعها على المحتاجين، لأن ذلك لا يحقق ثقافة التكافل الاجتماعي على الوجه الأمثل، بل ينبغي إشراك المتبرعين أنفسهم -قدر الإمكان- في تنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية.
- الجمعيات والنوادي الثقافية تسهم في تكوين ثقافة إيجابية في المجتمع، وتنمية المهارات اللغوية والتربوية والبحثية، والقيام ببرامج تدريبية ومسابقات علمية وثقافية بالتعاون مع المؤسسات التعليمية.
- النوادي الرياضية تسهم في التربية البدنية، والترفيه الإيجابي، وتنمية روح الصداقة والتعاون والتنافس الإيجابي، والإسهام في تجميل المحيط.
- الاتحادات والنقابات العمالية، وهي مؤسسات ينبغي أن يتعدى دورها حماية الحقوق الاجتماعية للعمال إلى الإسهام في البرامج التدريبية اللازمة لتطوير الكفاءة المهنية للعمال، والإسهام -بالتعاون مع السلطات المعنية- في تدريب الخريجين الجدد والعاطلين عن العمل من أجل تأهيلهم للحصول على عمل، كما تقوم بالإسهام في التنمية الاقتصادية والتطوير العلمي للبلد. إنه من حق الاتحادات والنقابات العمالية الدفاع عن حقوق العمال والمهنيين الذين تمثلهم، ولكن ينبغي عليها أن تدرك أن الحقوق تقابلها واجبات، وأنها يجب عليها أن تسهم في تأهيل أولئك العمال للقيام بواجباتهم على أحسن وجه مقابل المطالبة بحقوقهم. إن التركيز على المطالبة بالحقوق يؤدي إلى تكوين عقلية سلبية معيبة تسهم في صناعة التخلف والانحطاط.

ختاما، لابد من التنبيه على أنه من المهم جدا أن تكون تلك النوادي والجمعيات مستقلة عن الأحزاب السياسية حتى لا تكون نشاطاتها وسيلة من وسائل الدعاية لحزب من الأحزاب السياسية، لأن ذلك لن يحقق التغيير المنشود، بل يكون تكريسا لثقافة التخلّف القائمة على الرياء الاجتماعي والسعي إلى تحقيق المصالح الخاصة. لابد أن تكون النوادي والجمعيات مفتوحة لجميع الناس الراغبين في التغيير والإصلاح بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية، ولا يسعى فيها طرف إلى فرض نفسه على الآخرين أو استغلالها لمصالحه الضيّقة.


الصحافة
الصحافة وسيلة مهمة لصناعة الرأي العام وللرقابة على السلطات العامة والمؤسسات الخاصة ولإبراز المشكلات الموجودة في المجتمع، ولذلك عُدَّت السلطة الرابعة (بعد السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية). ولا يعنيني هنا التفصيل في وظائف الصحافة وإيجابياتها وسلبياتها، وإنما أريد لفت النظر إلى نقطة مهمة في دور الصحافة في التغيير والإصلاح، وهي أنه ينبغي على الصحافة أن تسهم في نشر الروح الإيجابية بين أفراد المجتمع، وتتجنب ترسيخ الروح السلبية والإحباط. إن تكرار إظهار حالات النهب لأموال الدولة بعناوين عريضة في الصفحات الأولى قد يولّد مزيدا من الشعور بالإحباط واليأس من الإصلاح، أو يولد رغبة في نفوس البعض بأن يأخذ هو أيضا نصيبه من النهب. كما أن الإكثار من نشر الجرائم الخلقية الواقعة في المجتمع قد يولد شعورا بأن المجتمع قد بلغ الغاية في الفساد، وهو شعور يدفع إلى الإحباط واليأس من الإصلاح.
توجد في المجتمع نماذج كثيرة للإحسان والإيثار والعفة والتضحية، وغيرها من الفضائل. والأولى أن تُبْرَزَ هذه النماذج في وسائل الإعلام لتكون قدوة للناس للعمل بها، وباعثا لروح الأمل في التغيير والإصلاح. والقاعدة أن إظهار الخير وإشاعة أخباره يكون مساعدا على العمل به وانتشاره، وإظهار الفاحشة وإشاعة أخبارها يكون مساعدا على انتشارها ويجرِّئُ بعض الناس على ارتكابها. وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) (النور: 19).


الأحزاب السياسية
النظام الحزبي إفراز للمجتمع وانعكاس له: فإذا كان المجتمع واعيا منظَّما ومتقدما، كانت الأحزاب انعكاسا لتلك الحالة الإيجابية وكان بإمكانها القيام بدور إيجابي في ترسيخ الشورى/الديمقراطية، وإفراز الكفاءات السياسية، ورسم السياسات العامة التي تخدم البلد والإشراف على تنفيذها. أما إذا كان المجتمع متخلفا وثقافته السياسية ضعيفة، فإنه يفرز نظاما حزبيا -في مجمله- يحمل صفات المجتمع نفسها، ويكون تكريسا لذلك التخلف، وترسيخا للاستبداد باسم الديمقراطية الصورية، وتكون الأحزاب وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية والمحافظة على المكتسبات التي تمّ تحقيقها. والخلاصة أن النظام الحزبي في المجتمع الفاسد المتخلف هو مرآة لذلك الفساد، ووسيلة من وسائل تكريسه؛ ولذلك فإنه من الوهم انتظار تحقيق التغيير والإصلاح من خلال تلك الأحزاب السياسية.
كما ينبغي إدراك أن رجل السياسة في مرحلة المعارضة -إذا كان لم يجرّب السلطة- يقوم تفكيره على الآمال والطموحات، ولذلك تجده يقدم الوعود العريضة بحل المشكلات وتحسين الأوضاع. أما إذا كان قد جرّب مراكز السلطة من قبل فإن أسلوبه يقوم على المزايدة والوعود الجوفاء التي يعلم في قرارة نفسه أنها لن تتحقق. أما السياسي المتواجد في مراكز السلطة فإن تفكيره يقوم على المحافظة على المصالح وعلى الانطلاق من الواقع الذي يحدد له الممكن وغير الممكن، ولذلك تجده يتحدث كثيرا عن العراقيل والعقبات وقلة الإمكانيات. وهذا الفرق في طريقة التفكير هو الذي يجعل السياسي يتغير بين مرحلة المعارضة ومرحلة السلطة، فعندما يكون في المعارضة تجده يتحدث كثيرا عن الفُرَص والطموحات، فإذا وصل إلى السلطة تحول أسلوبه إلى الحديث عن العقبات والعراقيل التي تحول دون تحقيق المأمول.
إن الحديث عن دور الأحزاب السياسية في التغيير والإصلاح يقودنا إلى الحديث عن تصنيف الأحزاب السياسية الموجودة، وهي نوعان: الأول: أحزاب يتخذها أصحابها مطيَّة للوصول إلى المناصب وتحقيق المغانم. ونشاط هذا النوع تجده موسميا، حيث ينشط في المواسم الانتخابية، ويغرق في العطالة بعد مضي تلك المواسم. وهذا النوع من الأحزاب لا يُنتظر منه إسهام في التغيير والإصلاح.
النوع الثاني: أحزاب لها رغبة في إحداث التغيير والإصلاح، وتعتقد أن التغيير يحصل من خلال الحصول على السلطة، ولذلك تركز عملها في النشاط الانتخابي في انتظار الوصول إلى الحكم لتحقيق ما ترفعه من شعارات الإصلاح. ولكن الواقع أن الوصول إلى السلطة في الظروف الحالية ليس سهلا، وحتى إذا وصلت تلك الأحزاب إلى السلطة فستصطدم بالأمر الواقع، وقد تجد نفسها عاجزة عن تحقيق تلك الشعارات.
على أحزاب المعارضة التي تريد فعلا التغيير والإصلاح أن تتخلى عن فكرة انتظار الوصول إلى السلطة للقيام بعملية التغيير والإصلاح؛ لأنه من العسير عليها -في الظروف الحالية- الوصول إلى السلطة من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الوصول إلى السلطة لا يعني أكثر من وضع تلك الأحزاب على فوهة المدفع ومواجهة الأمر الواقع. إن التغيير والإصلاح لن يتحققا إلا بإعادة بناء المنظومة الفكرية والاجتماعية والثقافية للمجتمع وهو أمر لا تستطيع الحكومة -مهما كانت قوتها- القيام به، ولذلك فإنه من الأولى لتلك الأحزاب البدء في عملية التغيير الاجتماعي وعدم تأجيل ما لا مفرّ من القيام به، وينبغي عليها أن لا تكتفي بمجرد توجيه النقد للسلطة الحاكمة وانتظار وقت الانتخابات للسعي إلى الفوز بالحكم، بل يجب عليها أن تنخرط في المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وحل مشاكله بالتعاون مع المجتمع المدني ومع السلطة القائمة في المسائل التي تتشابه فيها وجهات النظر. ولا ينبغي للمعارضة أن تمتنع عن التعاون مع السطلة الحاكمة في المسائل المشتركة بدعوى أن تلك الإنجازات تصب في مصلحة السلطة الحاكمة وتضيف نقاطا إلى رصيدها؛ لأن الشعب يدرك دور المعارضة في تحقيق تلك الإنجازات ويثمِّنُها ويجعلها في رصيدها.
إن نواب الأحزاب السياسية المعارضة أمامهم فرص كثيرة للإسهام في تحقيق التغيير والإصلاح إذا هم أحسنوا استغلال مناصبهم. إن عملهم لا يقتصر على البرلمان، بل إن وظيفتهم في البرلمان ينبغي أن تكون ثانوية؛ لأن كونهم أقلية يجعل دورهم في البرلمان محدودا، حيث يستطيع الحزب الحاكم -بحكم امتلاكه الأغلبية- تمرير جميع مشاريع القوانين التي يريدها، وكل ما تستطيع المعارضة فعله هو إدخال بعض التعديلات الطفيفة هنا وهناك، لكنها لا تستطيع التحكُّم في العملية التشريعية. إن الدور الأكبر لأولئك النواب هو استغلال صلاحياتهم ونفوذهم بالتعاون مع المجتمع المدني للقيام بعملية التغيير والإصلاح من خلال القيام بالتوعية السياسية، ودعم النشاطات الاجتماعية والثقافية والعلمية التي يقوم بها المجتمع المدني لخدمة المجتمع وتطويره، وممارسة الرقابة على المؤسسات الحكومية والخاصة، والضغط عليها من أجل القيام بواجبها وتحسين الخدمات. ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي على النائب أن يكون له مكتب مفتوح في دائرته الانتخابية يتم من خلاله التواصل مع أهل الدائرة الانتخابية والتعاون معهم على تحقيق التغيير والإصلاح.


القانون
إن وجود منظومة قانونية تسمح بقيام نظام حكم راشد أمرٌ مهم يوفر على القائمين على التغيير والإصلاح جهودا ويجنِّبهم جزءا من الصراع مع السلطة القائمة، ولكن المنظومة القانونية مهما كان صلاحها لا تستطيع أن توجد النظام الصالح والشعب الصالح. الدستور -مثلا- ينص على الديمقراطية والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة والمساواة وغيرها من المبادئ الجميلة، ولكن الواقع مخالفٌ لما هو مكتوب على الورق. ولذلك فإنه على الرغم من كون الإصلاح القانوني جزءا مهما في عملية التغيير والإصلاح، إلا أنه يمثل الجانب الأسهل في تلك العملية، أما الجانب الأصعب فهو تحويل المبادئ النظرية إلى واقع عملي.
إن العقوبات التي يفرضها القانون تساعد في ضبط سلوك الناس من خلال توفير عنصر الزجر، ولكنها عنصر مكمِّل للوازع الذاتي ولا يمكنها أن تحل المشكلات السلوكية والاجتماعية. طريق حل المشكلات الاجتماعية والسلوكية هو التوعية والتربية والتنشئة الاجتماعية السليمة وتوفير البيئة الصالحة، أما محاولة حلّ تلك المشكلات عن طريق التشريعات القانونية والإجراءات العقابية فإنه لن يأتي بثمار كثيرة.
وزيادة على ذلك فإن القانون يواجه تحديا كبيرا في المجتمعات المتخلفة، حيث يصعب تطبيقه بشكل فعال وعادل، لأن البيئة مواتية للاحتيال على القوانين والتخلص من عواقبها من خلال الوساطات والرشوة. وفي ظل وجود تلك الممارسات ينتهي الأمر بأن لا يخضع للعقوبات سوى الضعفاء والذين لا حيلة لهم في التهرب منها.
وعلى دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية أن لا يختزلوا تلك الدعوة في تطبيق العقوبات الشرعية، وأن يدركوا أن تطبيق تلك العقوبات لن يُقدم شيئا كثيرا لتكوين مجتمع إسلامي، فالذي يصنع المجتمع الإسلامي هو التوعية والتربية والقدوة الحسنة والبيئة الصالحة، أما العقوبات فهي مجرد عنصر مكمِّل للوازع الداخلي ومساعد على توفير البيئة الصالحة من خلال المنع من إظهار الفواحش. ولدينا أمثلة لبعض الدول التي تطبق تلك العقوبات منذ عقود من الزمن (مثل السعودية وباكستان والسودان)، وبغض النظر عن كون ذلك التطبيق كاملا أو انتقائيا جزئيا، فإن العارف بتلك المجتمعات يعلم أن تطبيق تلك العقوبات لم يُقدّم شيئا كبيرا في سبيل صناعة مجتمع إسلامي حقيقي.



الوسائل العملية للتغيير والإصلاح
يسود المجتمع شعور بالإحباط والشك في إمكانية التغيير، ونخشى أن يتحول ذلك الشعور بالإحباط إلى شعور بالعجز عن التغيير واليأس منه؛ ولذلك فإن نقطة الانطلاق في التغيير هي بعث الأمل في نفوس الناس بإمكانية تحقيقه، والقضاء على الأفكار السلبية التي تكبِّل الناس وتعوقهم عن السير الجاد لتحقيق التغيير والإصلاح. إن الأمل في النجاح والاقتناع بالقدرة على تحقيقه يفجران في الإنسان طاقاته، ويدفعانه إلى بذل أقصى مجهوده، والاستمرار في المحاولة والبحث عن الحلول والبدائل حتى يحقق غايته. أما الشعور بالإحباط واليأس فيقيِّد طاقاته ويكبحها، ويمنعه من التفكير المبدع في إيجاد الحلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع، وينتج عنه الشعور بعدم المبالاة التي تتجلى في عدم تغيير المنكر حتى مع القدرة على ذلك، وفي عدم إتقان العمل، وفي غياب روح المبادرة، وبذلك يُصبح الشخص نفسه جزءا من حركة الانحطاط.
إن عملية بعث الأمل في التغيير تحتاج إلى العمل على محورين: أحدهما: التوعية التي يقوم بها المثقفون المقتنعون بإمكانية التغيير من خلال إبراز التجارب التاريخية للتغيير، وإبراز الجوانب الإيجابية في المجتمع، وبيان أن المجتمع مازال فيه خير كثير ويمكنه أن يشق طريقه نحو التغيير والإصلاح. إن المجتمع الجزائري يتوفر على الطاقات اللازمة للتغيير والإصلاح وتحقيق التقدم العلمي والاقتصادي، ولكن المشكلة هي عدم توفُّر البيئة المناسبة للإنجاز والإبداع. والمطلوب هو كسر روح الإحباط، وإيجاد الشرارة التي تقدح تلك الطاقات الكامنة، وتنسيق الجهود من أجل تحقيق التغيير. ومن الخصائص الإيجابية التي تبعث الأمل في تحقيق التغيير ما يتّصف به غالب أفراد الشعب من نشاط وقدرة على الإنجاز عند توفر الظروف المناسبة؛ ومنها روح الأنفة والعزة التي تساعد في الحدّ من الخضوع للاستبداد وتجعل الشعب دائما يتطلع إلى العيش في عزٍّ وكرامة؛ ومنها روح العطاء والتعاون الاجتماعي الكامنة في نفوس الناس التي يمكن إحياؤها بتوفير البيئة المناسبة لذلك.
والمحور الثاني: إيجاد نماذج عملية للتغيير والإصلاح تكون دليلا على إمكان تحقيقه، وتسهم في إقناع المترددين والمشككين.
وفيما يأتي نذكر بعض الخطوات العملية التي تسهم في تحقيق التغيير الإيجابي في الحياة الفردية والاجتماعية للناس، وهي مجرد أمثلة للتنبيه، وغيرها كثير يهتدي إليه القائمون على التغيير حسب احتياجاتهم والإمكانات المتوفرة لديهم.


أولا: التقليل من السلوك الاستبدادي
يعد الاستبداد واحدة من المشكلات العويصة التي نعاني منها وتؤثر تأثيرا سلبيا في كثير من جوانب حياتنا السياسية والاجتماعية. إن الوسيلة النظرية للتقليل من السلوك الاستبدادي هي التوعية والتربية على الحوار والتسامح واحترام الرأي الآخر، وتقبُّل التنوُّع والاختلاف وتعلُّم كيفية التعامل معهما، ويكون ذلك منذ مرحلة الطفولة في الأسرة والمدرسة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية. كما أنه لا بد من برامج تدريبية للبالغين لتهذيب السلوك الاستبدادي وتنمية سلوك الشورى والتعاون. ومن أمثلة ذلك التدريب ما يأتي:

1- تنظيم جلسات للحوار حول القضايا العامة وسبل معالجتها، بداية من مستوى جمعيات الأحياء والبلديات إلى مستوى القضايا الوطنية. ولا شك أن تلك الجلسات ستشهد في البداية شيئا من التوتر والفوضى بسبب عدم تعود غالب الناس على أسلوب الحوار الهادئ، ولكن الأمور ستتحسن بمرور الوقت ويكتسب الناس ثقافة الحوار الهادئ وتبادل الآراء في جو من الود والتعاون. ولا ينبغي أن يثنينا عن تنظيم تلك الجلسات والاستمرار فيها مسألة التوتر والفوضى؛ لأن من أغراضها أصلا التدريب على ثقافة الحوار، ولابد لذلك التدريب من ضريبة في البداية.

2- إدخال أسلوب التداول على السلطة في مختلف المؤسسات العمومية، مثل تعيين مدراء المؤسسات ورؤساء الأقسام والمصالح، ويكون ذلك من خلال الانتخاب الذي يقوم به العاملون في المؤسسة، أو من خلال الاتفاق على آلية معينة للتناوب على مراكز المسؤولية. ومن أمثلة المؤسسات التي يمكن أن تطبق فيها هذه الآلية: الجامعات والشركات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الحكومية.
لا ننكر أنّ من حقّ المسؤول الأعلى أن يختار من يراه مناسبا من المسؤولين لمساعدته في إدارة المؤسسات الواقعة تحت مسؤوليته، كما لا نزعم أن اختيار المسؤولين عن طريق الانتخاب سيأتي دوما بأفضل الناس كفاءة، ولكن في ظروفنا الحالية التي يسود فيها السلوك الاستبدادي والتعيين عن طريق المحسوبية وتبادل المصالح، تكون أفضل وسيلة لمعالجة تلك المشكلات هي اختيار المسؤولين عن طريق الانتخاب وإيجاد آلية للتداول على السلطة. ومن المتوقع أن يسهم هذا الأسلوب في تحجيم المحسوبية والمحاباة في تعيين المسؤولين وما ينتج عن ذلك من فساد، وينمِّي في المسؤول روح المسؤولية، ويقلل من السلوك الاستبدادي، كما أن هذا الأسلوب يتيح الفرصة لعدد كبير من الناس لاكتساب خبرة الإدارة والقيادة، ويساعد على اكتشاف الطاقات الكامنة. وعلى العموم فإنه على الرغم من نقائص هذا الأسلوب فإن مزاياه في ظروفنا الحالية تفوق مزايا أسلوب التعيين.


ثانيا: وسائل المراقبة والضغط
إن الشخص الذي يتم اختياره لمركز من مراكز المسؤولية لا يملك حلولا سحرية للمشكلات التي تواجه مؤسسته، كما أنه قد لا تتوفر فيه جميع الكفاءات اللازمة لأداء وظيفته، ولذلك فهو من هذه الناحية يحتاج إلى مساعدة الذين تحت مسؤوليته للقيام بوظيفته على أحسن وجه ممكن. كما أن المسؤول إنسانٌ له مصالح ذاتية ورغبات وشهوات وهو عُرضة للتقصير والانحراف، ولذلك فهو من هذه الناحية يحتاج إلى المراقبة والضغط.
على الرغم من وجود مجالس منتخَبَة -على المستوى المحلي والوطني- تقوم بمساعدة السلطة التنفيذية التابعة لها ومراقبتها، إلا أنها في الحقيقة لا تكفي للقيام بتلك المهمات لأسباب: منها أن رئيس السلطة التنفيذية ينتمي إلى حزب الأغلبية ولذلك فهو -عادة- سيلقى الدعم من أغلبية النواب الذين ينتمون إلى حزبه مهما كان سلوكه، ومنها شراء السلطة لأصوات بعض نواب المعارضة بالامتيازات وتبادل المصالح. وبسبب هذا النقص الموجود في السلطة الرقابية للمجالس المنتَخَبَة فإن السلطة التي يمكنها أن تحقق الرقابة الفعّالة هي سلطة الشعب.
ينبغي على الناس أن يدركوا أن وظيفتهم لا تقتصر على مجرد انتخاب رئيس للبلدية، أو انتخاب نواب على مستوى البلدية أو الولاية أو المجلس الوطني، أو انتخاب رئيس للجمهورية، ثم يجلسوا وينتظروا ممن انتخبوهم الحلول والامتيازات. بل لا بد عليهم من الإسهام في صناعة السياسات العامة والقرارات التي تتعلق بمصالحهم الأساسية. إن الانتخاب لا يمثل سوى الخطوة الأولى، ولا بد من إتباع تلك الخطوة بتدعيم تلك السلطة المنتَخَبَة بالآراء والمقترحات، والإسهام في تنفيذ قراراتها ومخططاتها من جهة، ومن جهة أخرى الممارسة الدائمة للرقابة والضغط على تلك السلطة.
وهنا ينبغي عدم الخلط بين الإسهام في صناعة القرارات وبين التدخل في عمل المسؤول وصلاحياته؛ فمن واجب المواطنين احترام المسؤول وإبداء الآراء والاقتراحات والاعتراضات بشكل مؤدَّب ومنظَّم، ومن واجب المسؤول السماع لآراء المواطنين واعتراضاتهم. وعلى المسؤول أن يدرك أن سلطته ليست مطلقة، بل هي سلطة مستمَدَّة من الشعب وخاضعة للقانون، ومن حق المواطنين مقاضاته في حال التقصير والانحراف، ومن حقهم الاعتراض على سياساته التي تضرّ بهم، ومن حقهم سحب السلطة منه -إذا كان مُنتَخَبا- أو المطالبة بتنحيته إذا فقد مشروعيته وثبت تقصيره وانحرافه ورفض التعاون مع المواطنين لإصلاح شأنه.
وفي عملية المراقبة والضغط لا يجوز أبدا اللجوء إلى أعمال التخريب والشغب والافتراء وتصفية الحسابات الشخصية، بل ينبغي أن تكون عملية الضغط بشكل منظَّم وبسلوك مؤدَّب وحضاري، وإذا احتاج الأمر إلى مظاهرات واعتصامات فلا بد أن تكون سلمية ولا بد أن تتجنب الإضرار بمصالح الناس وشؤون حياتهم اليومية. ومن وسائل المراقبة والضغط:

1- تفعيل نظام الشكاوى ضد الموظفين والمسؤولين الذين يقصرون في عملهم ويهملون واجباتهم. ويمكن الاستفادة من الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر تلك الشكاوى وكشف السلوك السيء. وينبغي على الناس التخلُّص من فكرة أنّ الفساد قد عمّ وأن الشكاوى لا تنفع، فهذه فكرة خاطئة؛ لأنه حتى إذا لم تتم الاستجابة لبعض الشكاوى في بعض الأحيان، فإن الإلحاح في الشكوى ورفعها إلى المستويات الأعلى سيشكل ضغطا على المعنيين ويقود إلى الاستجابة لها. وينبغي أن لا تكون تلك الشكاوى فردية، بل تتبناها الجمعيات المعنية (جمعية الحي، جمعيات حماية المستهلك، جمعيات الرعاية الاجتماعية، النقابات العمالية ...إلخ).

2- المتابعة القضائية للمسؤولين والموظفين، خاصة الذين لا يستجيبون للنصائح والشكاوى في ما يتعلق بما يرتكبونه من ظلم أو تقصير في المسؤولية. وفي هذا المقام أيضا ينبغي على الناس التخلُّص من فكرة أن القضاء فاسد وأن المسؤولين الذين تُرفَع ضدهم قضايا سيدفعون رشاوى لتبرئتهم. لا ننكر وجود تلك الممارسات السيئة، ولكن لا يمكن تعميمها على جميع رجال السلك القضائي، كما أن تكرار رفع تلك القضايا وإشاعتها بين الناس وتبنِّيها من طرف الجمعيات سوف يشكل عامل ضغط على السلطة القضائية لتطبيق القانون والتخلص من تلك الممارسات السيئة. هذا زيادة على أن تنشيط هذا السلوك تنتج عنه فوائد كثيرة، منها تعريف المواطنين بحقوقهم وتشجيعهم على المطالبة بها، وجعل المسؤولين والموظَّفين والأفراد في حالة حَذَر في تصرفاتهم مخافة الوقوع تحت المتابعة القضائية. وحتى تنجح هذه العملية لا بد أن تتبناها جمعيات المجتمع المدني.

3- تكريم الموظفين المتميزين الذين يتقنون عملهم ويعاملون المواطنين معاملة حسنة، وتقوم بهذا التكريم جمعيات المجتمع المدني. وهذا العمل -من جهة- يمثل تشجيعا للموظفين على إتقان عملهم وحسن معاملة الناس، ومن جهة أخرى، يمثل نوعا من الرقابة والضغط المعنوي على المقصرين في عملهم.


ثالثا: تهذيب السلوك الاجتماعي
من أهم العناصر التي تسهم بشكل فعّال في تحقيق التغيير تهذيب السلوك الاجتماعي للناس، حتى يتم تكوين أشخاص يحملون روحا إيجابية تتطلع دائما إلى تطوير الذات والإسهام في تطوير المجتمع والمحافظة على المرافق العامة، ويحملون روح التعاون والتكافل. ومن أمثلة الوسائل التي تسهم في تهذيب السلوك الاجتماعي ما يأتي:

1- إقامة برامج لتنظيف المحيط وتجميله والتشجير تشرف عليها النوادي والجمعيات الرياضية والثقافية بالتعاون مع السلطات المحلية، ويُدعى جميع الناس للاشتراك فيها. إن الاشتراك في هذه البرامج -فضلا عن الفائدة العملية الناتجة عن ذلك- يغرس في نفوس الناس الشعور بأهمية المحافظة على نظافة المحيط وجماله؛ لأنه يعزّ عليهم بعد ذلك إفساد ما بذلوا جهودا في إصلاحه، والإنسان يكون أكثر حرصا على المحافظة على ما تعب هو نفسه في إنجازه. أما مجرد التوعية الإعلامية بنظافة المحيط فإنها قد تبعث في نفوسهم إعجابا بالفكرة وتعاطفا معها، ولكن ذلك لا يكون كافيا ليولِّد في نفوسهم فعلا إيجابيا يتحوّل إلى عادة في المحافظة على المحيط.

2- إشراك الناس في العمل التطوعي وخدمة المجتمع: إن أفضل وسيلة لنشر روح التعاون والتكافل في المجتمع قيام جمعيات الرعاية الاجتماعية والصحية بإشراك الناس في النشاطات الخيرية. فلا يقتصر العمل على حثِّهم على التبرّع، بل يتعدى ذلك إلى إشراكهم في نشاطات جمع التبرعات وتوزيعها، وزيارة المرضى في المستشفيات، والعمل التطوُّعي لبناء بيوت للفقراء أو إصلاحها، وغيرها من النشاطات الخيرية، حتى يصبح التكافل والتعاون حقيقة واقعية يشعر بها قطاع واسع من الناس ويشترك فيها.

3- إنشاء مجموعات الدعم لأصحاب الأمراض المزمنة لمساعدتهم وتوعيتهم بكيفية التعامل مع تلك الأمراض.

4- تنظيم برامج لتعليم المتزوجين والمقبلين على الزواج كيفية التعامل مع المشكلات الزوجية والمشكلات الاجتماعية المرتبطة بالزواج، والإسهام في حل تلك المشكلات سعيا إلى الحدّ من المعدلات المتنامية للطلاق وما ينتج عنه من مشكلات نفسية وسلوكية خاصة للأطفال.
إن هذه البرامج والنشاطات تحقق أهدافا متعددة، منها: تحقيق التكافل الاجتماعي وتوفير الرعاية الاجتماعية للمحتاجين إليها، ومنها: تدعيم الأخلاق الاجتماعية مثل التكافل والتعاون والإيثار والمبادرة، ومنها: ملء فراغ الناس وشغلهم بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم بدلا من تضييع أوقاتهم في المقاهي وأمام التلفاز.


رابعا: التكوين العلمي وتنمية المهارات
إن عملية التغيير والإصلاح تحتاج إلى عمل جادّ ومستمر يتم من خلاله إحداث تغيير حقيقي في طريقة التفكير وفي السلوك، ومساعدة الناس على تطوير ذواتهم وتنمية كفاءاتهم في مختلف مجالات الحياة، ومن ذلك:
- مساعدة الطلاب على تطوير كفاءاتهم وقدراتهم العلمية من خلال تنظيم المسابقات العلمية والثقافية، وإنشاء نوادي للخطابة والمناظرة لتعليم الطلاب فن الإلقاء وتحسين مستواهم اللغوي، وتنظيم دورات لتنمية المهارات اللغوية، وتنظيم دورات تدريبية لطلاب الجامعات في مناهج البحث العلمي.
- تنظيم دورات تدريبية في كيفية إنشاء المشاريع الاقتصادية الحرة وإدارتها للخريجين الجدد والعاطلين عن العمل.
- تنظيم دورات تدريبية لتنمية مهارات الموظفين في مختلف مجالات العمل.
- تنظيم دورات علمية في تربية الأولاد لتنمية مهارات الآباء والأمهات في تربية الأولاد.
هذه البرامج يمكن أن تقام بالتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والسلطات المحلية، ويُستفاد فيها من أصحاب الخبرة من الموظفين والمتقاعدين. ومثل هذه البرامج تقدم نفعا علميا للمشتركين فيها، زيادة على أنها تشغلهم في ما ينفعهم وتخرجهم من دائرة العطالة، وتبعث فيهم الشعور بتحقيق الذات وروح المبادرة والرغبة في الاشتراك في برامج خدمة المجتمع.


خامسا: التنمية الوطنية
إن تحقيق التنمية الوطنية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بين جميع فئات المجتمع ومؤسساته. صحيح أن الحكومة وما يتبعها من سلطات محلية هي المسؤول الأول عن ذلك الفعل، ولكن الواقع يشير إلى وجود مشكلات كثيرة تحدُّ من قدرة الحكومات على تحقيق ذلك بالشكل المطلوب، منها: قلة الكفاءة، وعدم الجدية والإخلاص في العمل، وغياب الرؤية الواضحة لكيفية تحقيق التنمية الوطنية، والفوضى والارتجالية في البرامج التنموية، وغياب الدعم المطلوب لأصحاب البرامج الواعدة، وغيرها من المشكلات.
ينبغي الاستفادة من أصحاب الخبرة والكفاءة والأفكار العملية من جميع فئات المجتمع في بلورة برامج عملية للتنمية الوطنية على مختلف المستويات: الاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي. ويكون ذلك عن طريق تنظيم ندوات وجلسات مناقشة لمختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية من قبل المهتمين بالأمر، بعيدا عن الحسابات والمزايدات السياسية، تُطرح فيها الأفكار والتجارب وتناقش لمدة زمنية كافية حتى تتم بلورة مقترحات عملية قابلة للتطبيق. وبعد أن تتم بلورة تلك المقترحات والبرامج العملية تبدأ عملية الترويج لها، وتقوم مؤسسات المجتمع المدني بتنفيذ ما يمكنها تنفيذه، أما ما يكون من اختصاص السلطات الحكومية أو يحتاج إلى دعم منها فيتم عرضه على السلطات المعنية، ويأتي بعد ذلك التعاون مع تلك السلطات لتنفيذه، ولا شكّ أنه يوجد من المسؤولين من له استعداد لذلك، فإذا رُفِضَت تلك المقترحات دون مبرر مقبول ودون وجود بديل فعّال تقدمه السلطة، يتم الانتقال إلى ممارسة الضغط على السلطات المعنية لتطبيق تلك البرامج أو تقديم بديل أفضل منها.
إن تنظيم تلك الندوات واللقاءات هو مسؤولية مراكز البحوث، ومؤسسات التعليم العالي، والنقابات العمالية، والجمعيات، ويمكن أن يكون ذلك بالتعاون مع السلطات المحلية والأحزاب السياسية. 


مرجعية التغيير

مسألة المرجعية التي يستند إليها التغيير من المسائل التي تطرح نفسها بقوة، وهي مسألة متداخلة مع مسألة الهوية الوطنية.
إن الشعب الجزائري -ولله الحمد- شعب مسلم على مذهب أهل السنة والجماعة. توجد في المجتمع أقلية من العلمانيين المتطرفين الذين لا يقبلون بالهوية الإسلامية ومرجعية الإسلام، كما توجد أقلية من المتطرفين الإسلاميين الذين يريدون فرض فهمهم الخاص على الآخرين بالقوة، وينبغي للمجتمع أن لا يسمح بأن يكون رهينة لهاتين الأقليتين المتطرفتين وضحية لعنفهما ومغامراتهما.
كما أنه لا توجد في المجتمع الجزائري أقليات دينية ذات حجم مُعتبر، وهذا عنصر إيجابي يحفظ المجتمع من الصراع الطائفي، وينبغي المحافظة عليه بمنع المدّ التنصيري والمدّ الفارسي الشيعي، فكلاهما جرثومة تُفْسِد المجتمع سواء من خلال نشر الخرافات الدينية أم من خلال التقسيم الطائفي للمجتمع الذي يقود في المستقبل إلى صراعات طائفية تقودها الأيادي الخارجية.
لا بد من الإقرار بأن بعض الأنظمة في العالم الإسلامي تستغلّ الدين لتكريس استبدادها، وأن بعض رجال الدين يمثلون أبواقا للمستبدِّين، وأن بعض الجماعات الدينية تبرِّر الاستبداد وتكرِّسه، وأن بعض الجماعات الدينية تمارس الاستبداد في أسوأ صوره، وأن الاستبداد باسم الدين من أسوأ أنواع الاستبداد؛ لأنه يستغلُّ المشروعية الدينية والمشروعية الدنيوية معا ويحكم على المنتقدين له بالحرمان الدنيوي والأخروي، كما أن الحروب الدينية من أبشع الحروب. ولكن هذا كله لا يمثل حقيقة الدين، بل هو -كما يسميه الشيخ الغزالي- التديُّن المغشوش، أما التديُّن الصحيح فهو إيمان عميق، وخلقٌ رفيع، وعطاء وتضحية، وشورى وحرية. كما أن سوء استخدام الدين لممارسة الاستبداد أو تبريره لا يبرر تجاوز الدين وعدم اتخاذه مرجعية للتغيير والإصلاح وذلك لأمرين:
الأول: إن رسالتنا في هذه الحياة هي تحقيق العبودية لله تعالى بالعيش وفق شريعته السمحة، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56). هذا واجبٌ علينا وليس أمرا نفعله إن شئنا ونتركه إن شئنا. كلنا سنموت في النهاية ونُرمى في قبر يستوي فيه الغني والفقير، والمتحضِّر والبدوي، والرئيس والمرؤوس. ولن تُسْأَل يوم القيامة عن مدى التطور المادي الذي وصلت إليه في هذه الدنيا، ولكنك ستُسْأَل عن عباداتك: هل أديتها أم فرطت فيها؟ وعن مالك: هل اكتسبته من حلال أم من حرام وهل أنفقته في حلال أم في حرام؟ وعن معاملتك للناس: هل عاملتهم بعدل وإنصاف، أم بظلم وإجحاف؟ وعن حقوق الناس: هل حفظتها أم ضيعتها وأكلتها؟ وفي الحديث النبوي الشريف: (يُؤتَى بأنْعَم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصْبَغ في النار صَبْغةً، ثم يُقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مَرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويُؤتَى بأشدّ الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنّة، فيُصْبَغ صَبْغةً في الجنّة، فيُقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مَرَّ بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا، والله ما مَرَّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط) (رواه مسلم).
الأمر الثاني: أنه لا يوجد بديل عن الإسلام ليكون المرجعية الخلقية والتشريعية للتغيير والإصلاح، فهو العنصر الوحيد الذي يمكن أن يجمعنا ويحفظ لنا وحدتنا الاجتماعية والسياسية، والتنازع حول الهوية الإسلامية لا يقدم لنا سوى التدافع والصراع الإيديولوجي الذي يعيق مسيرتنا نحو التطور. إن الإسلام بعقيدته الصافية ونظامه الخلقي الرفيع وتشريعاته الحكيمة يمثّل أفضل مرجعية للبشر، وكل محاولة لإيجاد بديل عنه هي محاولة للسير في طريق التيه، وكل انحراف عنه هو انحراف عن طريق الصواب.
لقد حققت الحضارة الغربية الحديثة القائمة على العلمانية تقدما هائلا في مجالات التطور العلمي، والنمو الاقتصادي، ونظام الحكم، والخدمات العامة، ولكنها في المقابل دمرت الجانب الروحي القائم على الدين الصحيح، كما دمرت الأخلاق الفردية القائمة على الحياء والعفة، وأسهمت بشكل كبير في تدمير الأسرة خاصة من خلال تشجيع الحرية الجنسية التي تؤدي إلى التملُّص من المسؤولية الأسرية. لقد وصلت تلك الحضارة إلى مأزق على مستوى القيم والأخلاق وأدركت في النهاية الحاجة إلى العودة إلى القيم والأخلاق القائمة على الدين. ونحن في محاولاتنا للتغيير والإصلاح نحتاج إلى الاستفادة من إيجابيات تلك التجربة المتمثلة في إنجازاتها العلمية والتكنولوجية والأساليب الرشيدة للبناء والتنظيم والتسيير. وفي المقابل ينبغي أن نتعلم من أخطاء تلك التجربة فلا نتطرف في السعي وراء التقدم المادي على حساب الجانب الروحي والخلقي فنخسر في النهاية كل شيء. وينبغي أن يكون شعارنا في الحياة: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة: 201)، فنعمل على أن نعيش سعداء في الحياة الدنيا سعداء في الحياة الآخرة، ولا ينبغي أن يكون شعارنا: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) (البقرة: 200) فنشقى في الحياة الدنيا جريا وراء متاعها لتكون عاقبتنا الشقاء في الدار الآخرة.
إن الغالبية العظمى من الشعب الجزائري تتفق على الهوية الإسلامية للمجتمع الجزائري. وعلى الرغم من وجود خلاف داخل تلك الأغلبية حول المرجعية التشريعية للإسلام، حيث يرى البعض حصرها في العقيدة والعبادات والأحوال الشخصية، وفي المقابل يسعى التيار الإسلامي إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة، وهو خلاف ينتج عنه تدافع سياسي وفكري لا يمكن تجاهله، إلا أنه توجد مجالات كثيرة مشتركة يمكن التعاون فيها. وينبغي على الطرفين إدراك أن عملية التغيير مشروع ضخم يحتاج إلى تعاون جميع فئات المجتمع على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية، وأن السبيل الأفضل هي الحوار والتعاون في المجالات التي يمكن التعاون فيها؛ لأنه ليس من السهل لطرف واحد أن يستفرد بالساحة ويقوم بعملية التغيير والإصلاح بمفرده على الطريقة التي يريدها، وستكون نتيجة استمرار الصراع تأخير النهضة واستمرار الفساد والتخلف، وهي نتيجة تضر بالوطن بجميع من فيه. وعلى أبناء التيار الإسلامي أن يغلِّبوا في تعاملهم مع المخالفين روح الدعوة والحوار والتسامح على روح الصراع.
إن تطوير الخدمات العامة بجميع جوانبها، وتطوير الاقتصاد، وتطوير التعليم والبحث العلمي، ومحاربة الفساد الإداري والاستبداد السياسي والجريمة، وحفظ البيئة وتجميل المحيط، وتعزيز التكافل الاجتماعي، كلها قضايا مشتركة ينبغي أن تتعاون عليها جميع الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية. ومع مرور الوقت من المتوقع أن يؤدي التعاون في هذه المجالات إلى تقريب وجهات النظر حول بعض القضايا الفكرية الخلافية؛ لأن العمل المشترك سيخفف من نزعة التنافر، كما أنه سيكون فرصة للحوار وتبادل الأفكار في جوّ من الودّ والتعاون.


خاتمة

لا جدال في أن من أسباب التخلف الذي نعيشه عدم الكفاءة والفساد الموجودين في القيادات السياسية والجهاز البيروقراطي، ولا شك أن وجود حكومة صالحة تتصف بالكفاءة والنزاهة سيعطي دفعا قويا لعملية الإصلاح، ولكن ينبغي أن ندرك أن المشكلة ليست محصورة في السياسيين والبيروقراطيين، بل هي أكبر من ذلك: إنها مشكلة مجتمعات يُكبِّلُها العجز ووَهْمُ انتظار ظهور قيادة كاريزمية ترتقي بها وتحل لها مشكلاتها، وهي مجتمعات تحتاج إلى تغيير اجتماعي شامل. إن الطبقة الحاكمة (من السياسيين والإداريين) التي نُحمِّلُها -عادة- مسؤولية الفساد والتخلُّف تعيش في تُربة خصبة تُنْبِتُها وتغذِّيها، هي المجتمع الفاسد العاجز عن تغيير نفسه وإدارة شؤونه، ومادامت تلك التربة موجودة فلن ينقطع إنتاج النُّخبة الفاسدة التي لا تتوفر فيها الكفاءة اللازمة لإدارة شؤون البلد. لا يمكن التخلُّص من إنتاج النُّخبة العاجزة الفاسدة أو التقليل منها إلا بتغيير التُّربة التي تُنتجُها من تربة فاسدة إلى تربة صالحة، وعندها ستُنْبِتُ تلك التُّربة الصالحة قيادات راشدة. وبعبارة أخرى: إن المجتمع الذي ينخره الانحطاط الفكري والفساد السلوكي لا يمكنه أن يُنتج نخبة حاكمة تتصف بالرشد والنزاهة والكفاءة.
إن التغيير المنشود ليس هو التغيير الذي يوصل حزبا أو تيارا سياسيا معيَّنا إلى السلطة ويمكِّن لأصحابه، بل هو التغيير الذي يُصلح المجتمع في جميع نواحيه، وتكون فائدته عامة لجميع طبقات المجتمع.
إن واقعنا الحالي يشير إلى أنه من المستبعد أن يتحقق في المنظور القريب تغيير حقيقي عن طريق الانتخابات؛ فالسلطة الحاكمة لا يمكنها إلا أن تعيد إنتاج نفسها في صور متعددة ذات جوهر واحد، وأحزاب المعارضة ليس من السهل أن تصل إلى السلطة بسبب تفرُّقها وعدم ثقة الكثير من الناس في كونها تمثل بديلا حقيقيا للنظام القائم. وسيستمر رجال السياسة والبيروقراطية المتحالفين مع رجال المال المشبوه مدعومين من المنتفعين والطامعين في الانتفاع في تفصيل الانتخابات بالطريقة التي تكرِّس الواقع الفاسد المتخلِّف.
على السياسيين -سواء أكانوا في أحزاب المعارضة أم في الأحزاب الحاكمة- أن لا يوهموا الشعب بأنه بمجرد انتخابهم ووصول أحزابهم إلى الحكم سيحلُّون له جميع مشكلاته ويحققون له التنمية والرخاء. وعلى الناس أن يتخلصوا من وَهْم الحصول على التغيير والإصلاح بمجرد انتخاب حزب من الأحزاب أو مجموعة من الأشخاص إلى مراكز المسؤولية... عليهم أن يتخلصوا من حُلم الحصول على تغيير جاهز تحققه لهم الطبقة السياسية أو قيادة كاريزمية تظهر فجأة دون أن يبذلوا جهودا تكافئ ما يطمحون إليه.
نعم! إن السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية يمكنها الإسهام في تحقيق التغيير وإعطائه دفعا قويا إذا كانت لها رغبة حقيقية في ذلك وكانت واعية بأساليب التغيير، ولكن أن يقف الناس مكتوفي الأيدي ينتظرون التغيير الجاهز يأتيهم من طرف السلطة الحاكمة أو الأحزاب السياسية من خلال الانتخابات، فهذا ضرب من الوهم وتتبُّع السراب. وعلى الأحزاب الإسلامية أن لا تتوهّم أو توهم الناس بأن التغيير سيحدث بمجرد انتخابها للقيادة ورفع شعار الحكم الإسلامي؛ لأن الشعارات مهما كان نُبْلُها وكثرتها لن تُغيِّر شيئًا ما لم تتحوّل إلى برامج عملية صالحة وفعالة. لن يتحقّق التغيير إلا بعد رسوخ الإسلام في نفوس الناس اعتقادا وسلوكا، بحيث يتحقَّقوا بالمقتضيات السلوكية للإيمان.
إن التغيير يصنعه الشعب بجميع فئاته، وتقع على عاتق الطبقة المثقّفة الراغبة في التغيير مسؤولية التوعية والتوجيه، ولابد من التفريق بين تمني التغيير وبين الإرادة الفعالة لتحقيق التغيير. إن الأماني العريضة في التغيير وتحسين الوضع تبقى مجرد أماني إذا لم تنقلب إلى إرادة فعّالة تدفع صاحبها إلى التغيير وتحقيق ما يطمح إليه. إن التغيير الاجتماعي الشامل يقتضي تظافر جميع الجهود بشكل منظَّم، وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تنظم نفسها وتطور كفاءاتها لتحقيق التغيير الاجتماعي وإفراز حكومة وجهاز بيروقراطي يتصفان بالكفاءة والنزاهة، فالمجتمع هو الذي يصنع الحكومة الصالحة من خلال الضغط والمراقبة والتوجيه وتكوين قيادات سياسية صالحة وإيصالها إلى مراكز السلطة. ولن يتحقق التغيير إلا إذا صار همًّا عامًّا تشترك في العمل على تحقيقه النُّخبة الفكرية والأحزاب السياسية مع القواعد الشعبية، ويصبح هو القاسم المشترك بين جميع فئات المجتمع.
سيقول البعض: هذا طريق طويل يحتاج إلى جهد كبير! نعم! ومن قال إن تغيير المجتمعات وبناء الدول والحضارات عمل سهل يتحقق بين عشية وضحاها؟ إنه طريق طويل وجهد كبير، ولكن أيهما أفضل: أن ننطلق في ذلك الطريق فمسيرة الألف ميل مجموعة من الخطوات، والبحر مجموعة من القطرات! أم أن نبقى نحلم ونتمنى وننتظر التغيير الجاهز تهب به علينا رياح الأوهام! فيأتينا بدلا من ذلك الانفجار والتقاتل والدمار؟
إن القيام بالبرامج العملية اللازمة لتحقيق عملية التغيير الاجتماعي والسياسي لا يكون في البداية سهلا، ولا يتحمس له أغلب الناس في بداية الأمر، وترتفع الأصوات من هنا وهناك تشكك في نجاح عملية التغيير، وتقول إن تلك الأعمال من مسؤولية البلدية والحكومة، وأننا لسنا مطالبين بالقيام بوظيفة البلدية والحكومة، وغير ذلك من مظاهر التردد والتشكيك. ولكن ينبغي على الراغبين في التغيير عدم الالتفات إلى هذا الكلام، فهو مظهر من مظاهر العجز والكسل وانتظار التغيير الجاهز!
عندما يبادر الراغبون في التغيير بالبرامج العملية التي تؤدي إلى تحقيقه، ويصبروا على ذلك، فإنه بمرور الوقت سيزداد عدد المشتركين في تلك البرامج ويقل عدد المشككين في نجاح التغيير، وستأتي العملية ثمارها بإذن الله تعالى. ولتكن نيّة الذين يقومون بتلك الأعمال النافعة للمجتمع ابتغاء الثواب من الله تعالى لتكون لهم جبالا من الحسنات يوم القيامة زيادة على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع. وليذكروا دوما قول الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8)؛وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلُّ سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ) (رواه البخاري ومسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (رواه مسلم). فجميع ما يقوم به المسلم لخدمة المجتمع -إذا أخلص النية لله تعالى- يكون مصدرا عظيما للحسنات، فلنشغل أنفسنا بها بدلا من تضييع أوقاتنا في القيل والقال والنقد السلبي والحلم بالتغيير الجاهز الذي تأتي به قيادة كاريزمية قد لا تأتي أبدا!









رد مع اقتباس