منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المعلمة_الجديدة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-18, 16:46   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمد علي 12
مراقب منتدى الأسرة والمجتمع
 
إحصائية العضو










افتراضي

#النهاية
غادرت اللجنة المدرسة، وعلى الفور توافد المعلمون على مكتب المدير زرافات ووحدانا، الكل يتساءل عن الجرم الذي اقترفته المعلمة الجديدة، عن دفاعها عن نفسها، عن قرار اللجنة فيها..
حضر الجميع عدا المعلمة عينها.. بدا وكأن الأمر لا يعنيها.. أتراه غرور أصابها كما كانت تروج الظ±نسة ليلى.. أم أنها لا مبالاة من طرفها لا تبرير لها.. أم انها ثقة في النفس، وأنفة تأبى الانكسار والخضوع..
في تلك الليلة جفا النوم عيون الظ±نسة ليلى.. فقد بالغ ضميرها في تقريعها.. وأدركت أن الحسد أعمى بصيرتها فجعلها تتسبب في خراب بيت شخص بريء ذنبه الوحيد أنه مخلص في أداء عمله..
وفي الصباح قررت التقرب منها وملاطفتها عسى ذلك يكفر بعضا من ذنبها..
لمحتها في الساحة، توجهت نحوها وبادرتها بالتحية على غير عادتها.. ردت عليها التحية بهدوئها المعتاد وسألتها عن أحوالها.. أرادت الآنسة ليلى التودد إليها فأخذت تبالغ في مدح أناقتها وجمال حجابها وتناسق ألوانه، فاكتفت المعلمة الجديدة بشكرها على ظرفها ولطفها، واعتذرت وهي تتوجه نحو قسمها..
وفي الغد ولأول مرة زارت الآنسة ليلى في قسمها، قدمت لها كيسا جميلا قائلة:
ــ تفضلي أرجو أن ينال إعجابك.
فتحت الآنسة ليلى الكيس فوجدت فيه حجابا يشبه تماما حجاب المعلمة الجديدة..
إنه حجابك.. قالت ذلك الآنسة ليلى مندهشة وهي تتأمل ما بالكيس.. لقد غسلته، كوته، وعطرته، وأهدته لها، لمجرد إعجابها به.. لم تترك للآنسة ليلى فرصة لشكرها فقد غادرت القسم مسرعة مثلما دخلته..
شعرت الآنسة ليلى بألم شديد يعصر قلبها، ممزوجا بشعور ندم يكاد يخنق أنفاسها.. لقد علمت أن سر نجاح المعلمة الجديدة في كسب قلوب الناس ليس في سعة اطلاعها أو جمال وجهها؛ بل في طيبة قلبها ونبل أخلاقها..
لقد همت أن تذهب إليها.. أن تعتذر لها عما اقترفته في حقها.. لكن شيء ما منعها.. شيء ما حال دونها والاعتذار.. شيء من الكبر لا يزال معششا في قلبها منعها من طلب الصفح..
مرت الأيام تباعا والغيمة السوداء التي كانت تغطي سماء المدرسة انقشعت.. والكل أخذ يحث الخطى ويضاعف الجهد، فقد أزفت نهاية السنة الدراسية واقترب الفحص..
وفي أحد الأيام غابت المعلمة الجديدة مجددا، ودون سابق إنذار أو طلب رخصة غياب، الشيء الذي أغضب المدير، لكنه تمالك نفسه وأخذ يلتمس لها رفقة زميلاتها الأعذار.. خاصة وأنه عاد من المديرية يحمل لها تشجيعا موقعا من طرف مدير التربية باقتراح من لجنة التحقيق، فبعد أن لمست اللجنة تفانيها في أداء واجباتها، اقترحت لها التشجيع كرد اعتبار لها عن الشكوى الكيدية التي كتبت بحبر الحقد والحسد ضدها..
وغابت اليوم الموالي أيضا، فلم يجد المدير بدا من الاتصال بها على الرقم الذي أودعته في ملفها، لكن نفس الرسالة الصوتية كانت تزعج مسامعه "قد يكون هاتف مراسكم مغلق أو خارج مجال التغطية" حاول مرارا وتكرارا، لكنه لم يفلح في الاتصال بها.. بحث عن رقم آخر لها عند زميلاتها فلم يجد..
انتظرها في الغد، لكنها غابت لليوم الثالث على التوالي دون تبرير.. ناقش الأمر مع زملائها، لكنه لم يجد بدا من اتخاذ الإجراءات الإدارية المتعارف عليها.. كتب تقريره، حمل محفظته، همّ بمغادرة مكتبه عندما دخل عليه شاب.. إنه الشاب ذاته الذي كان يُقل المعلمة الجديدة كل يوم.. دار بينهما حوار طويل، سلمه ورقة، وغادر المدرسة.. دخل المعلمون المكتب ليجدوا المدير جالسا إلى مكتبه ساندا رأسه على يديه.. سألوه عمّ أخبره الشاب.. هل استقالت المعلمة الجديدة.. أم تراها انتقلت إلى مدرسة أخرى.. أم أن لجنة التحقيق اقترحت توقيفها.. وكلما طال صمت المدير كثرت تساؤلاتهم وتوقعاتهم.. إلى أن قاطعهم المدير مشيرا إلى الورقة التي قدمها له الشاب قائلا:
ــ المعلمة الجديدة.. ماتت.. رحمة الله عليها..
نزل الخبر كالصاعقة على مسامع الجميع.. وتحولت المدرسة يومها إلى مجلس عزاء.. وفي المساء توجه الجميع حتى التلاميذ إلى بيتها لحضور مراسم تشييع جنازتها..
وهناك علموا أنها كانت ومنذ مدة تكافح السرطان بصبر وإيمان.. وكانت تغيب عن المدرسة كل شهر لحضور جلسات المعالجة بالأشعة.. وأنها كانت تبالغ في وضع المساحيق على وجهها لا تجملا وتبرجا، وإنما لإخفاء البقع التي خلفها العلاج بالأشعة على وجهها الشاحب.. كانت لا تشارك زميلاتها الطعام لا تكبرا، وإنما لأنها كانت تتبع حمية غذائية قاسية.. كانت تخلص في عملها وتجتهد في أداء واجباتها رغم مرضها لأنها كانت تدرك جدا أن أيامها ــ كما هي أيامنا نحن أيضا ــ معدودة.. وأن لا شيء نتركه بعدنا أفضل من علم ينتفع به، ومن أثر طيب نتركه في نفوس الناس...
حزن الجميع على فراقها، وامتزج حزنهم بتأنيب الضمير على ما بدر منهم في حقها.. وحدهم تلاميذها لم يمنعهم حزنهم على فراقها من أن يأخذوا بيد بعضهم بعض ليفوا بوعد قطعوه على أنفسهم لها...










رد مع اقتباس