منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - السيرة النبوية.. سؤال وجواب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-02-21, 04:34   رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

قرأت على أحد المواقع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عربي أصيل لم يخالطه دم آخر ، وأنه من بني هاشم من قريش ، وأنّ اللون الأسود كان يغلب على قريش ، وخصوصاً بني هاشم ، كما ذكر روبرت سبنسر ، وهنري لامنس ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أخطاء الباحثين كثيرا ما تكمن في دعاوى الأكثرية أو الأغلبية من غير تحرير ، كمثل دعوى أن أكثر القرشيين أو الهاشميين كانوا من السود ، فمثل هذه الدعاوى العريضة لا تكاد تُنصب عليها الأدلة ، ولا تقام لها البراهين ، وذلك أن شأن ألوان البشر من التنوع والتداخل والاختلاط إلى حد التعقيد الذي يتعذر معه الضبط والتحديد ، أو إجراء الإحصاء الدقيق بالأرقام ؛ لذلك حق الباحث المنصف الاعتدال في العبارة ، وتحري الموضوعية في الوصف .

وقد تأملنا في الأدلة المنقولة ، وفي العديد من كتب التاريخ والأنساب ، فوجدنا أن اللون الأسود لم يكن هو الغالب على قريش أو بني هاشم ، بل اللون الغالب يومئذ هو الغالب اليوم أيضا ، وهو لون الأدمة ، أيّ : السُّمرة . كما يقول المبرد رحمه الله تعالى : " الغالب على أولاد العرب الأدمة

" انتهى من " تهذيب اللغة " (6/40) .

وقد استخلصنا هذه النتيجة من أدلة عديدة ، منها :

الدليل الأول :

الواقع المشاهد في القبائل القرشية والهاشمية المعروفة اليوم : يدلك على أن السواد لون موجود فيهم ، لكن ليس هو اللون الغالب ، ولا هو الأكثر المشاهد ، وهذا أمر معلوم بالعين والخلطة والمشاهدة ، ولا يحتاج لدليل بحثي أو توثيق من المصادر والمراجع .

الدليل الثاني :

أن المصادر والمراجع العربية الكثيرة ، والدراسات المتخصصة في جنس العرب ووصف صفاتهم الخلقية والخلقية ، لم تنسب لون السواد للقرشيين ، فضلا عن الهاشميين ، ومن ادعى ذلك فعليه بذكر المراجع الأصلية التي تنقل مثل هذه الأوصاف . وقد راجعنا العديد منها ، ككتاب " أنساب الأشراف " للبلاذري (ت279هـ) ، وكتاب " مقاتل الطالبيين " لأبي الفرج الأصبهاني (ت356هـ) وغيرها ، فلم نجد شيئا يدل على هذا الوصف العام .

الدليل الثالث :

أن الدليل الأهم الذي يذكره المستشرقون الذين نقلت عنهم في السؤال هو كلام الجاحظ (ت255هـ) في رسالته " فخر السودان على البيضان " ، فقد قال في هذه الرسالة :

" قالوا : وكان ولد عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْماً ضخما ، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جونٌ ، فقال : بهؤلاء تُمنع السَّدانة . وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخما . وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق ، وهم سودٌ ، وأدمٌ ، ودلْم " انتهى من " الرسائل " للجاحظ (1/209) ، تحقيق عبد السلام هارون . والأدلم : الشديد السواد .

وهذا كما ترى لا يدل على أكثرية السواد في أفراد قريش ولا في بني هاشم :

لأن ما نقله الجاحظ هنا إنما هو حجة احتج بها السودان على البيضان كما قال ، ولا يعني ذلك التسليم بصحة هذه الحجة ، ولا أخذها محل الرضا والقبول ، فقد بحثنا جاهدين عن نقل آخر في أي كتاب ، فلم نوفق لما يؤيد هذه الفكرة إطلاقا ، فهي فكرة تفرد بها هؤلاء المتعصبون للون الأسود من بني البشر ، والمتعصب لا يصدق خبره حتى يأتي بالدليل عليه .

ثم إن وصف الأبناء بالسواد لا يعني أن النسل سيكون أسود أيضا ، فالسواد أصلا طارئ في بني عبد المطلب أو بني طالب ، وحينئذ لن تكون الذرية سوداء لزوما ، بل سيكون فيهم السواد ، وفيهم الأدمة العربية المعروفة .

وقوله : " سود ، وأدم ، ودلم " يدل على أنه كان منهم الأدلم ( الشديد السواد )، ومنهم الآدم ( الأسمر في لغتنا المعاصرة ) ، ومنهم ( الأسود ) ، ولا يراد به ( الشديد السواد ) ، بل السمرة الغامقة فحسب ، كما سيأتي نقله عن العلماء . فقد كان العرب يقسمون الناس إلى قسمين : الأحمر والأسود . والأحمر يريدون به البياض ، والأسود من عدا ذلك من الآدم والأسمر والأدلم .

الدليل الرابع :

أن بعض العلماء المتقدمين صنفوا في أصحاب البشرة السوداء ، وسموهم باسم " السودان " ، كالجاحظ (ت255هـ) في رسالته " فخر السودان على البيضان " ، وابن الجوزي (ت597هـ) في كتابه " تنوير الغبش في فضل السودان والحبش " ، وحاول المؤلفان – على تفاوت عصريهما – حصر أشهر أعلام الصحابة والتابعين والعلماء الذين عرفوا بالسواد ، فلم يذكروا سوى : لقمان الحكيم ، ومن الصحابة والتابعين لم يعدوا سوى : بلالا الحبشي ، والمقداد ، وجليبيبا ، وسعيد بن جبير ، ومكحولا ، ونفرا يسيرا آخرين .

ينظر " رسائل الجاحظ " (1/179-181) .

وذكر ابن الجوزي – أيضا - منهم سالما مولى أبي حذيفة ، وأسامة بن زيد ، وأبا بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومغيثا زوج بريرة ، وأم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وحبيب بن أبي ثابت ، ويزيد بن أبي حبيب .

وقد استقصى في هذه الرسالة كثيرا من أخبار السودان والزنوج وحوادثهم ، وما كانوا يلاقونه من فخر الناس أو تعصبهم عليهم ، وما كانوا يفخرون به هم ، على سائر العرب ، ونحو ذلك من الأمور ، ولم يسموا من مشاهير آل البيت الكرام أو الهاشميين المطلبيين أنه كان من " السودان " إلا نفرا يسيرا .

نعم ، عقد ابن الجوزي رحمه الله بابا بعنوان : " في ذكر أبناء الحبشيات من قريش " – كما في " تنوير الغبش " (ص/246) – وذكر منهم : " نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، نفيل بن عبد العزى العدوي ، عمرو بن ربيعة بن حبيب ، الخطاب بن نفيل العدوي ، الحارث بن أبي ربيعة المخزومي

عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، هشام بن عقبة بن أبي معيط ، مالك بن عبد الله بن جدعان ، عبيد الله بن عبد الله بن أبي ملكية ، المهاجر بن قنفذ بن عمرو ، مسافع بن عياض بن صخر التيمي ، عمرو بن العاص بن وائل [السهمي] ، قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ، مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، عبد الله بن قيس بن عبد الله بن الزبير ، سمرة بن حبيب بن عبد شمس

عبد الله بن زمعة من بني عامر بن لؤي ، عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، يعلى بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز ، محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عبيد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر ، محمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن ، وأبوهما سليمان بن حسن من بني عقيل بن أبي طالب ، محمد بن داود بن محمد من بني الحسن بن علي ، أحمد بن عبد الملك من ولد عثمان بن عفان ، أحمد بن محمد بن صالح المخزومي ، العباس بن المعتصم

هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ، محمد بن عبد الله بن إسحاق المهدي ، عيسى وجعفر ابنا أبي جعفر المنصور ، العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد " انتهى .

ولكن هذا الحصر والتعداد – في مختلف القبائل العربية والقرشية – يدل على أن السواد موجود في النسل العربي ، ولكنه ليس هو الأكثر الغالب ، بل محدود إلى القدر الذي يمكن حصره بالأسماء ، فضلا عن أن الأم الحبشية لا تعني بالضرورة سواد النسل منها ، كما أن السواد طارئ أصلا على الجنس العربي ، ذلك أنهم في الجاهلية كانوا يفضلون في بعض الأحيان الإنجاب من السودان والحبشة ؛ لغرض قوة النسل والفروسية ، كما ذكر ذلك الجاحظ في رسالته .

يقول الدكتور جواد علي :

" اشتهر بعض سودان العرب بالشجاعة والإقدام ، منهم أربعة عرفوا بـ " أغربة العرب " وذؤبان العرب , منهم : عنترة وخُفَاف بن نُدْبة السلمي ... وهناك قبائل غلب على لونها السواد ، حتى عبر عنها بـ " دلم ", والدلم : الرجل الشديد السواد . جاء إليها السواد ؛ لكون أصلها من إفريقيا على ما يظهر

وكانت قد استقرت بجزيرة العرب وتعربت ، حتى عدت من العرب , أما الأسر والأفراد الدلم ، فقد ظهر السواد على لونهم بالتزاوج من الملونين . فقد كان من عادة الأشراف الاتصال بالإماء السود ، فإذا ولدن منهم أولادًا نجبًا شجعانًا ألحقهم آباؤهم بهم ، ونسبوهم إليهم ، كالذي كان من أمر عنترة العبسي ، وقد مال قوم من قريش إلى التزوج بالإماء السود ، وقد ظهرت هذه النزعة بين السادات والأشراف .











رد مع اقتباس