منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - استشارات نفسية
الموضوع: استشارات نفسية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-11-15, 15:46   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يبتلى المرء على قدر دينه ، والبلاء أنواع ، بعضه أشد من بعض .

السؤال

أنا بنت مريضة ، منذ ولدت لا أستطيع الحركة ، ومرضى ليس له علاج عند الأطباء حتى الآن ، وللأسف يزداد سوءا يوما بعد يوم ، ولا تتوقف الحالة إلى حد معين

وسمعت حديث يبتلى المرء على قدر دينه ، فإن كان في دينة صلابة شدد عليه في البلاء ، وأشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل

فعندما تفكرت في هذا الحديث دار في بالى أمثلة لأناس أقل بلاء مني ، ولكن أنا على ثقة بأنهم أفضل عند الله مني مائة ألف مرة ، مثلا الإمام أحمد بن حنبل

فهو لم يبتل إلا بمحنة خلق القرآن فقط التي سجن فيها وعذب بالجلد والسجن ، حوالي أربع سنوات ، ولكن أجد أن بلائي أكبر من بلائه ( والله أعلم طبعا ) ، فأنا لا أتحرك خالص ، وبعد

وليكن عام ، ربما لا أستطيع الجلوس حتى ، وهذا منذ ولدت وأنا أعاني مع المرض وآلامه ، ولا أخرج من البيت مطلقا بالسبع سنين ، فأنا كالسجينة ، ولست سجينة أربع جدران

بل سجينة كرسي متحرك ، ولا أعتمد على نفسي في شيء إلا القليل ، ولم أتزوج كالإمام ، ولا أخرج كالإمام ، ولم أنجب كالإمام ، فأرجو توضيح الأمر لي

فالأمر التبس علي في الحديث وحالي ، وأنا أستفسر عن هذا الأمر حتى أزيل الشك من قلبي ، ويزداد يقينى ، فأعينوني بارك الله فيكم .


الجواب


الحمد لله

نسأل الله أن يعافيك ، ويصلح لك أمر دينك ، وأن يرزقك الصبر والرضا بما شاء وقدر بحكمته وعلمه سبحانه .

روى الترمذي (2398) وصححه ، وابن ماجة (4023)

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟

قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ

وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

والبلاء في الحديث عام ، يشمل كل أنواع البلاء ، فيشمل الابتلاء بالسراء والضراء، ويشمل الابتلاء بالحروب والفتن والاضطرابات

ويشمل الابتلاء بتولي المسؤوليات ، كما يشمل الابتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات ، وكثرة الشهوات والفجور، وانتشار الفساد في الأرض، ونحو ذلك .

وليس البلاء مقصورا على المرض أو الفقر أو نحو ذلك ، قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ) الأنبياء/ 35 ، قال الطبري رحمه الله :

" يقول تعالى ذكره : ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به "

انتهى من "تفسير الطبري" (18/ 439) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالْمَصَائِبِ تَارَةً ، وَبِالنِّعَمِ أُخْرَى، لِنَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَة َ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَنَبْلُوكُمْ) ، يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً

بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 342) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث :

" (أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة ، وابتلاهم بالدعوة إلى الله ، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم

ولكن هذا الابتلاء هو في الواقع ؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم .

(ثم الأمثل فالأمثل) يعني: الأصلح فالأصلح ، كلما كان الإنسان أصلح ، وكلما كان أقوى دعوة إلى الله ، وكلما كان أشد تمسكاً في دين الله ، كان له أعداء أكثر

قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ) الفرقان/31

وعداوة المجرمين للأنبياء ليس لأشخاصهم بل لما جاءوا به من الحق ، وعلى هذا فيكون كل من تسمك بما جاءوا به من الحق ناله من العداوة من المجرمين مثلما ينال الأنبياء أو أقل بحسب الحال

والله عز وجل حكيم يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم ، فابتلاؤه بالنعم ليبلونا أنشكر أم نكفر، وبالنقم ليبلونا أنكفر أم نصبر، هذا هو معنى الحديث "

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (94/ 13) بترقيم الشاملة .

فالبلاء الذي وقع بك أيتها الأخت المسلمة - عافاك الله منه - إنما هو نوع بلاء واحد

وهو بلاء المرض ، وهو من الابتلاءات الدنيوية ، أما البلاء الذي نزل بالإمام أحمد رحمه الله فليس بلاء واحدا

وليس بلاء في دنياه فحسب ، وإنما هو بلاء متعدد ، في الدين والدنيا ، فابتلي بالحبس والضرب والإهانة وتسليط أهل البدعة عليه واتهامه بالكفر وتهديده بالقتل

كما ابتلي في دينه بمحاولة إرغامه على أن يتكلم بكلام أهل الضلال ، ولو أنه تكلم به لضل به خلق كثير ، ولانتصر أهل البدعة على أهل السنة ، ولكان عارا لا تمحوه الأيام .

كما ابتلي رحمه الله بالدنيا ، لما أتته وهي راغمة ، بعد أن رفع أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله المحنة عن الناس ، وانتصر لأهل السنة ، ورفع قدر الإمام أحمد

وقربه واجتباه وحباه ، وكان يرسل إليه بالأموال وأنواع الطعام

فكان الإمام أحمد رحمه الله لا يقرب شيئا من ذلك ، ويفرقه على الفقراء من أهل الحديث وغيرهم ، وشدد على أولاده في قبول شيء منه ، وعنف بعضهم لما قبل بعض ذلك ، وهجره ، وسد بابه دونه .

قَالَ قُتَيْبَةُ بن سعيد : " مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَاتَ الْوَرَعُ ، وَمَاتَ الشَّافِعِيُّ وَمَاتَتِ السُّنَنُ ، وَيَمُوتُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَتَظْهَرُ الْبِدَعُ " وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ قُتَيْبَةُ:

" إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَامَ فِي الْأُمَّةِ مَقَامَ النُّبُوَّةِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " يَعْنِي فِي صَبْرِهِ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنَ الْأَذَى فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .

وقَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ النَّحَّاسِ وَذَكَرَ الإمام أَحْمَدَ يَوْمًا فَقَالَ:

" رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي الدِّينِ مَا كَانَ أَبْصَرَهُ ، وَعَنِ الدُّنْيَا مَا كَانَ أَصْبَرَهُ ، وَفِي الزُّهْدِ مَا كَانَ أَخْبَرَهُ ، وَبِالصَّالِحِينَ مَا كَانَ أَلْحَقَهُ ، وَبِالْمَاضِينَ مَا كَانَ أَشْبَهَهُ ، عَرَضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا ، وَالْبِدَعُ فَنَفَاهَا "
.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: " قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بَعْدَمَا امْتُحِنَ أَحْمَدُ ، وَقَبْلَ أَنْ يُمْتَحَنَ : يَا مَيْمُونِيُّ ، مَا قَامَ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَامَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .

فَعَجِبْتُ مِنْ هَذَا عَجَبًا شَدِيدًا، وَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، فَحَكَيْتُ لَهُ مَقَالَةَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، فَقَالَ: صَدَقَ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَجَدَ يَوْمَ الرِّدَّةِ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا، وَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْصَارٌ وَلَا أَعْوَانٌ "
.
وَقَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ :

" مَنَّ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَرْبَعَةٍ : بِالشَّافِعِيِّ، فَهِمَ الْأَحَادِيثَ وَفَسَّرَهَا، وَبَيَّنَ الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَسَّرِ، وَالْخَاصِّ مِنَ الْعَامِّ، وَالنَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ ، وَبِأَبِي عُبَيْدٍ عَرَفَ الْغَرِيبَ وَفَسَّرَهُ

وَبِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ نَفَى الْكَذِبَ عَنِ الْأَحَادِيثِ ، وَبِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَبَتَ فِي الْمِحْنَةِ ، لَوْلَا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ لَهَلَكَ النَّاسُ "

انتهى من "البداية والنهاية" (14/ 407-409) .









رد مع اقتباس