منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملخصات مفيدة لمسابقة القضاء لسرعة الحفظ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-29, 00:22   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الرابع
الركن المعنوي للجريمة

إن مجرد ارتكاب ماديات الجريمة المتمثلة في عناصر ركنها المادي، لا تكفي لقيام الجريمة قانونا ومسائلة فاعلها جنائيا، بل يجب أن يتوفر لدى مرتكبها قدر من الخطأ أو الإثم، وهو ما اصطلح على تسميته بالركن المعنوي للجريمة[18]، المتمثل في توفر صلة نفسية بين الفاعل وماديات الجريمة[19]، وبالتالي يمكن القول أنه لا جريمة بدون خطا مهما كانت النتائج التي تمخضت عنها، وهو ما يعني أيضا توفر صلة نفسية بين الفاعل والنتيجة التي تحققت، بحيث يمكن وصف هذا السلوك بأنه سلوك خاطئ أو مؤثم[20]. فالجريمة إذن يجب وأن تقوم على ركنين أساسيين، بالإضافة إلى الركن الشرعي، هما الركن المادي المتمثل في ماديات الجريمة التي تعد المظهر الذي تبرز به في العالم الخارجي، وركن معنوي يتحقق بموقف الإرادة من الفعل المادي، وهو الموقف الذي قد يتخذ صورة القصد، كما قد يتخذ صورة الخطأ، وكلاهما يفترض القدرة على توجيه الإرادة نحو ماديات الجريمة، غير أنه في حالة القصد تتجه الإرادة نحو الفعل والنتيجة معا، وفي حالة الخطأ تتجه الإرادة نحو الفعل دون النتيجة، التي تتحقق بصورة غير مقصودة.

والمشرع لا يشير إلى هذه العلاقة النفسية بين الفاعل والفعل، إلا بكلمة واحدة في العادة، كاستعماله عبارة " من يرتكب عمدا"[21]، " عن قصد أو بقصد"[22]، أو بغرض[23]، " مع العلم"،" أو "بإهمال"[24]، أو " بنية"[25]... كون معظم القوانين لم تتصد لتعريف الركن المعنوي للجريمة، لذا فالفضل يعود لفكر الفقه الجنائي الحديث في تحديد نطاق الركن المعنوي للجريمة واستجلاء غموضه، وجعل القانون يعاقب الأشخاص ليس لأنهم " فعلوا" وإنما لأنهم " أخطئوا"، وعليه فقد أصبح من المبادئ الراسخة في الوجدان القانوني الجنائي المعاصر، وهو المبدأ القاضي بأنه :" لا عقوبة دون خطأ"، وما يزال تحتفظ به القوانين من جرائم غير عمدية، هو مجرد استثناء على المبدأ في حدود لا تنال من فعاليته وأهميته[26]. وبذلك يعد الركن المعنوي من الأركان التي لا تصور لقيام الجريمة بدونه، كقاعدة عامة باعتباره العنصر النفسي لها، فلكي تقوم المسؤولية الجنائية لمقترف الفعل المجرم لا تكفي مجرد النسبية المادية للفعل له، وإنما يلزم أن تتوافر رابطة نفسية بينهما تصلح أن تكون أساسا للحكم بتوافر العنصر المعنوي أو الأدبي للجريمة.

أهمية الركن المعنوي

يعد الركن المعنوي من أهم مكونات البناء القانوني للجريمة، الذي لا يكتمل – هذا البناء القانوني- إلا بهذا الركن، الذي إن لم يتوفر فلا نكون أمام جريمة عمدية، وإن كان يمكن أن يجعلنا أمام جريمة غير عمدية إن كان الفعل يقبل مثل هذا الوصف، وبتوفر هذا الركن تكتمل الجريمة قانونا ويحق مسائلة فاعلها من جهة، ومن جهة ثانية، تظهر أهمية الركن المعنوي، في أنه الركن الذي يلعب دورا كبيرا في تحديد وتقدير الجزاء المقرر لمرتكب الجريمة، إذ يتدرج الجزاء الجنائي في جسامته ومقداره، بقدر درجة الإثم أو الخطأ التي يكشف عنها الركن المعنوي للجريمة، عكس العصور الماضية التي كانت فيه درجة الجزاء ترتبط فحسب بدرجة وجسامة العدوان المادي الذي وقع وما أسفر عنه من نتائج دونما أي اعتداد بما توافر لدى الجاني من خطأ. كما تكمن أهمية هذا الركن، في كونه ضمانة لتحقيق العدالة، كون توقيع عقوبة على شخص لم تربطه صلة نفسية بجريمة ارتكب مادياتها، يعد مجافاة للعدالة، كون هذه الأخيرة تقتضي أن يوقع الجزاء الجنائي فقط على المخطئ في أفعاله، والخطأ لا يمكن تصوره إلا لدى شخص توفرت لديه رابطة نفسية بينه وبين الفعل الذي اقترفه، وهي الرابطة التي تبين اتجاه إرادته لمخالفة أحكام القانون الجنائي بارتكابه لهذا الفعل، وبذلك فقط تكون إرادته مخطئة أو آثمة أو منحرفة.

علاقة الركن المعنوي بفكرة المسؤولية الجنائية

دون استعراض مختلف التطورات التاريخية، يمكننا القول بأن ظهور الركن المعنوي للجريمة، كان نتيجة التطورات التي عرفتها فكرة المسؤولية الجنائية، بالرغم من استقلال كل منهما عن الآخر، كون الركن المعنوي ركن من الأركان العامة للجريمة، في حين المسؤولية الجنائية، هي حصيلة أركان الجريمة مجتمعة، والتي تؤدي عند قيامها أو ثبوتها إلى خضوع الجاني للعقاب. وبذلك المسؤولية الجنائية، وعلى عكس الركن المعنوي، نتيجة قانونية لقيام الجريمة أو أثر من آثارها لا ركن من أركانها[27].

وكخلاصة للتمهيد لدراسة الركن المعنوي للجريمة، يمكن القول أن قانون العقوبات أو القانون الجنائي، يخاطب بأوامره ونواهيه الإنسان الواعي المدرك صاحب الإرادة الحرة والسليمة فقط، لذا فالشخص يسأل عن الأفعال التي يأتيها وهو مدرك لما يقوم به من أفعال ومقدر لمدى خطورتها قانونا، وهذه الإرادة وهذا الإدراك هما اللذان يتشكل منهما الركن المعنوي للجريمة، وهو القول الذي ينطبق على كل الجرائم سواء كانت عمدية أو غير عمدية[28]. الأمر الذي جعل الفقه يرى بأن الركن المعنوي بصفة عامة، يتطلب مجموعة من العناصر تكاد تكون مشتركة بين في كل صور هذا الركن، وهذه العناصر هي: إرادة النشاط المكون للركن المادي للجريمة، العلم بكافة العناصر الواقعية الجوهرية اللازمة قانونا لقيام الجريمة، العلم بصلاحية النشاط لإحداث النتيجة، توافر موقف نفسي للفاعل إزاء النتيجة، فقد يريدها وقد يتوقعها فقط ويعتقد بقدرته على تجنبها.

صور الركن المعنوي للجريمة:

للركن المعنوي للجريمة صورتين، صورة القصد الجنائي ونكون بصدده متى كانت إرادة الفاعل واعية وتقصد وتريد إحداث النتيجة المجرمة قانونا، وصورة الخطأ الجنائي ونكون بصددها متى كانت إرادة الفاعل مهملة في ارتكاب النشاط المادي وغير قاصدة تحقيق النتيجة المجرمة قانونا، والتي يرتبط توقيع الجزاء الجنائي بحصولها، لذا سنحاول تقسيم دراسة الركن المعنوي للجريمة إلى مبحثين، نتناول في الأول القصد الجنائي أو الجرائم العمدية أو القصدية، لنتناول في الثاني صورة الخطأ الجنائي أو الجرائم غير العمدية.
.


المبحث الأول
القصد الجنائي أو القصد الجرمي ( العمـــــــد)

بالرغم من أن القصد مشترط في كل الجرائم العمدية، غر أن المشرع لم يعرفه، وترك المهمة للفقه الذي تصدى بغزارة لوضع تعريف لهذا العنصر القانوني المهم، لذا سنحاول أن نتناول محاولات الفقه الزاخرة في هذا الشأن في إطار مطلب أول نتناول من خلاله مفهوم القصد الجنائي لنتناول في الثاني عناصر القصد الجنائي، وفي الثالث أنواع وصور القصد الجنائي.

المطلب الأول
مفهوم القصد الجنائي

يقتضي موضوع القصد الجنائي وتحديد ماهيته، أن نتناول التعريف به وتبيان عناصره والخلاف الفقه الذي ثار بشأن ذلك. من خلال الفروع التالية.

الفرع الأول
التعريف بالقصد الجنائي وتحديد أبعاده

أولا: تعريف القصد الجنائي

يعني القصد الجنائي لغة، توجيه الإرادة نحو تحقيق هدف ما، أما اصطلاحا في لغة القانون الجنائي، فيعني توجيه الإرادة نحو ارتكاب الفعل المحظور قانونا، وهناك من القوانين التي عرفت القصد الجنائي، منها القانون الجنائي اللبناني في المادة 188 منه التي عرفت القصد بأنه:" إرادة ارتكاب الجريمة على نحو ما عرفها القانون". أما فقهيا، فالفقهاء اختلفوا منذ عدة قرون حول ما إن كان القصد عنصرا نفسيا بسيكولوجيا، أو مجرد حركة أو امتناع أدى إلى تحقيق النتيجة المجرمة قانونا، وتمخض عن هذا الخلاف ظهور نظريتين رئيسيتين تنازعتا في تعريف القصد الجنائي، النظرية التقليدية للقصد والنظرية الوضعية.

1- النظرية التقليدية ( الكلاسيكية) للقصد:

ومن أهم زعماء هذه النظرية الفقيه الفرنسي ( إميل غارسون)، وحسبه فإن القصد يعني:" إرادة الشخص ووعيه وعلمه بأنه يرتكب فعلا أو امتناعا مجرم قانونا"، وبالتالي حتى يكون الإنسان متعمدا
أو مرتكبا لجريمة عن قصد، يكفي أن يكون مدركا لخطورة سلوكه، وعالما بأن هذا السلوك محظور قانونا، وما دام هذا العلم مفترضا تطبيقا لقاعدة " لا عذر بجهل القانون" فيكفي عمليا حسب أنصار هذا الاتجاه، أن يكون السلوك المكون لركن المادي للجريمة صادرا عن إرادة حرة غير مكرهة، وعن وعي وإدراك سليم، أي ألا يكون الشخص منعدم الأهلية أو مجنونا أو مكرها[29]، وبعد ذلك لا يهم أن يكون الفاعل صاحب إرادة آثمة أو صاحب خطورة إجرامية على المجتمع، أم أن فعله ناتج عن مجرد عدم استقامة أو سوء تقدر أو عدم توقع لنتائج فعله، وبالتالي هي نظرية لا تفرق أصلا بين العمد ومجرد الخطأ، ونفهم بأنه يرون بأنه للركن المعنوي صورة واحدة هي صورة العمد. وهو وضع النظرية الشخصية دوما التي تركز على الإرادة دون الفعل.

2- النظرية الوضعية أو الواقعية:

وهي النظرية التي نجد على رأس أنصارها الفقيه الإيطالي ( أنريكو فيري) وهو رائد المدرسة الوضعية الحديثة في علم الإجرام، وبحسبه القصد لا يعني فقط إرادة مجردة، بل القصد يعني الباعث الشرير الذي دفع بالشخص إلى ارتكاب الجريمة، فالفعل لا يعاقب عليه القانون إلا إذا نتج عن رغبة حقيقية في المساس بالمجتمع، وكلما انعدمت الإرادة الآثمة وكان الباعث نبيلا انتفى القصد وانعدمت المسؤولية الجنائية للفاعل، وهنا نلاحظ أننا لا زلنا بصدد النظرية الشخصية، المركزة على الإرادة الآثمة، والخلط بين الركن المعنوي والمسؤولية الجنائية، وهي نظرية لا تستقيم مع ما هو معمول به قانونا، سيما وأن القوانين الحديثة لا تحفل بالبواعث.

ثانيا: تحديد القصد الجنائي

باستقراء الاجتهاد القضائي المطبق في الدول الغربية، خاصة في فرنسا، نجد بأن آراء المدرسة التقليدية هي المطبقة، كما يبدو ذلك من معظم النصوص القانونية الجزائية، ولعل ذلك راجع لواقعية وبساطة هذه النظرية وسهولة تطبيقها في تحديد القصد الذي يعتمد تحديده على:
- الإدراك: وهو أن الإنسان ما دام مدركا وغير مجنون وغير مكره أو غير مميز جنائيا فإن إدراكه مفترضا.
- الإرادة: لا يكفي العنصر الذهني السابق، بل لا بد أن يصدر الفعل عن إرادة حرة غير مكرهة.
- العلم: وهو العنصر المفترض في غالب الأحيان، والذي يعني علم الشخص بأنه يرتكب سلوكا محظور قانونا.
والعناصر الثلاثة السابقة من العناصر السهلة الاستخلاص والاستنتاج، كونها عناصر ملموسة تمكن القاضي من استخلاص القصد بكل سهولة، دون الاعتماد على الجوانب النفسية والبسيكولوجية الصعبة الإثبات. وتبعا لما سبق، يمكن تعريف القصد بأنه:" إرادة النشاط والعلم بالعناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة، وبصلاحية النشاط لإحداث النتيجة المحظورة قانونا مع توفر قصد تحقيق ذلك"، وبالتالي يمكن القول بأن عناصر العمد أو القصد الجنائي هي ذاتها عناصر الركن المعنوي، والمتمثلة عموما في: إرادة النشاط المكون للركن المادي للجريمة سواء تمثل في فعل إيجابي وهو الغالب دوما، أو مجرد امتناع أحيانا. العلم بالعناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة. العلم بصلاحية النشاط أو الامتناع لإحداث النتيجة[30]. توافر الصلة النفسية بين الفاعل والنتيجة متمثلا هذا العنصر في قصد تحقيق هذه النتيجة، وينبغي أن يكون هذا القصد واضحا لا لبس فيه على نحو يأخذ فيه صورة العزم واليقين.

الفرع الثاني
عناصر القصد الجنائي

كل التعاريف التي قيلت في تعريف القصد الجنائي، تدور حول محورين أو نقطتين أساسيتين، الأولى وهي " الإرادة"، والثانية وهي : العلم"، فبخصوص الإرادة تتجه غالبية التعريفات إلى ضرورة اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة، وبخصوص العلم فيشترط أن يعلم الجاني بجميع أركان هذه الجريمة، وبتحقق هذين العنصرين مجتمعين يقوم القصد الجنائي وبانتفائهما أو انتفاء أحدهما ينتفي هذا القصد.

أولا: عــنصر العــلم

يعد العلم كعنصر مكون للقصد الجنائي، حالة نفسية تجعل من مرتكب الجريمة عالما بجميع أركانها وعناصرها وفقا لما حدده ورسمه المشرع في النص الجنائي أو في النموذج القانوني للجريمة، وينتفي العلم بالجهل بهذه العناصر والأركان[31]، وبانتفاء العلم ينتفي القصد، مثلما ينفيه أيضا الغلط[32]. غير أنه العلم بعناصر الجريمة يقتضي تبيان العناصر التي يقتضي العلم بها، وتلك العناصر التي لا تؤثر في قيام عنصر العلم، التي حتى وغن لم يعلم بها الجاني، قام قصده الجنائي، وهو ما نتناوله في النقطتين التاليتين.

1- العناصر التي يتعين العلم بها:

يقوم عنصر العلم كأحد أهم أركان القصد الجنائي، على العلم بالعناصر والوقائع التي تعطي الوصف المتميز لجريمة ما مقارنة بسائر الجرائم الأخرى، وذلك وفقا لما رسمه المشرع في إطار النموذج التشريعي لها، وعلى العموم يعني العلم الإحاطة بكل واقعة ذات أهمية قانونية في تكوين الجريمة، سواء كانت عناصر أساسية أو مفترضة. وأهم هذه العناصر والوقائع:

أ – محل الجريمة أو الحق المعتدى عليه:
العلم بموضوع الجريمة، أو الحق أو المصلحة المعتدى عليها من أهم العناصر الواجبة لقيام الجريمة وبالتالي يجب أن يعلم بها الجاني، مثل ملكية الغير للمال المسروق في جريمة السرقة، وكون الإنسان حي في جريمة القتل... وأن كل جهل بهذا العنصر يجعل من العلم منتفيا وينتفي بذلك القصد الجنائي.
ب- العلم بأن الفعل الذي يأتيه الجاني محظور قانونا، أي أنه يشكل جريمة من جرائم قانون العقوبات، وإن كانت مسألة العلم بالقانون قد أثارت العديد من الجدل الفقيه.
ج- العلم بزمان ومكان ارتكاب الجريمة، لكن متى كان هذين العنصرين من العناصر المكونة للجريمة، كجريمة التجمهر في مكان عام أو جريمة السكر العلني والقذف في مكان عام والمزايدة في زمن الحرب والكوارث الطبيعية...
د- العلم بالظروف المتطلبة قانونا في الجاني أو المجني عليه، كالعلم بحمل المرأة أو افتراض حملها في جريمة الإجهاض، والعلم بأن الشخص جزائري في جريمة الخيانة، والعلم بصفة الموظف في جريمة الرشوة، والعلم بالمرأة المتزوجة في جريمة الزنا...
ه- توقع النتيجة كون مجرد الغلط في النتيجة ينفي القصد الجنائي، ويسأل الشخص عن جريمة غير عمدية إن كان يمكن قيامها بهذا الوصف.

2- الوقائع التي لا يتعين العلم بها

من أهم العناصر أو الوقائع التي لا يشترط العلم بها لقيام هذا العنصر الهام من عناصر القصد الجنائي، هي كل المسائل والعناصر التي تخرج عن نطاق تكوين أركان الجريمة، مثل نص قانون العقوبات والظروف المشددة للعقوبة والأهلية الجنائية وتوافر شروط العقاب.

أ- نص قانون العقوبات:
لا يشترط لتوفر القصد الجنائي أن يعلم الجاني علما حقيقيا بنص قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، بحيث أن كل جهل أو خطا في فهم وتفسير هذه النصوص لا يؤثر على توفر القصد الجنائي تطبيقا للمبدأ الدستوري " لا يعذر أحد بجهل القانون"، والتي نصت عليه بعض القوانين صراحة ضمن نصوص قانون العقوبات، كالقانون اللبناني في نص المادة 223 منه التي قضت انه:" لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلا مغلوطا فيه." حيث هناك قاعدة افتراض علم الكافة بأحكام قانون العقوبات.

ب- الظروف المشددة للعقوبة:
لا يشترط أيضا لقيام القصد الجنائي لدى الجاني، أن يعلم الأخير بالظروف المشددة للعقاب، كونها ليست من العناصر التي تدخل في التكوين القانوني للجريمة، بل هي مجرد ظروف تتعلق بمسائل أخرى، في حين أن القصد الجنائي يتعلق بأركان الجريمة دون غيرها، لذا فالشخص الذي نسي أنه مسبوق فلا يؤثر على قيام ظرف العود لديه.

ج- عناصر الأهلية أو المسؤولية الجنائية:
مثلما سبق القول، فإن كل المسائل غير المتعلقة بأركان الجريمة ليس لها علاقة بالقصد الجنائي، لذا فعناصر الأهلية الجنائية أو عناصر المسؤولية الجنائية لا يؤثر العلم أو الجهل بهما في شيء على عنصر العلم المتطلب في قيام القصد الجنائي، فمن كان يعتقد بإصابته بمرض عقلي عند ارتكابه الجريمة ثم تبين انه سليم، فإن ذلك لا يؤثر على قصده الجنائي.

د- شروط العقاب:
ما قيل بخصوص الظروف المشددة للعقوبة وعناصر الأهلية والمسؤولية الجنائية يمكن قوله بخصوص شروط العقاب. التي لا يؤثر الخطأ أو الجهل بها بشيء في قيام القصد الجنائي.

ثانيا: عنصـر الإرادة

الإرادة قوة داخلية نفسية تتحكم في سلوك الإنسان وتوجهه، وهي بذلك نشاط يصدر عن وعي وإدراك بهدف بلوغ هدف معين، والإرادة في القانون الجنائي، هي القوة المسيطرة والموجهة للسلوك المادي نحو تحقيق نتيجة محظورة قانونا، أو مجرد قيادة هذا السلوك في الجرائم الشكلية. وقد ثار خلاف فقهي بخصوص علاقة الإرادة بالنتيجة، ما دامت الإرادة تسيطر فقط على السلوك وان النتيجة اثر له، ومعنى ذلك أنه لا أثر للإرادة على النتيجة، فهي كل ما تتحكم به هو السلوك، غير أن مناقشة هذه المسألة تنازعته نظريتان أيضا، نظرية العلم ونظرية الإرادة. نظرية العلم، ويرى أنصارها بأن الرابطة بين النتيجة والإرادة هي رابطة ضعيفة، فمجرد وجود علاقة ولو بسيطة ( مجرد تصور أو توقع للنتيجة) يكفي للقول بإرادة النتيجة، كون هذه الأخيرة مجرد نتيجة طبيعية للسلوك لا يمكن السيطرة عليها، كونها حصلت كنتيجة لاحقة لهذا السلوك ولا يمكن للإرادة أن تسيطر على الأفعال اللاحقة للسلوك. أما أنصار نظرية الإرادة، فيرون ضرورة أن تكون الرابطة بين الإرادة والنتيجة رابطة قوية بحيث تتجه إرادة الفاعل إليها وترغب في تحقيقها، بحيث تسيطر الإرادة على النتيجة مثلما تسيطر على السلوك.

الفرع الثالث
لحظة توفر القصد الجنائي وكيفية إثباته
أولا: لحظة توافر القصد الجنائي

إذا كان القصد الجنائي هو إرادة تحقيق الركن المادي للجريمة مع العلم بعناصره، فيجب لقيامه أن يتعاصر مع الركن المادي دون تفرقة بين ما يعد سلوكا وما يعد نتيجة، وإن لم تكن هناك صعوبة مثلا في جريمة القتل الفورية أين يطلق الشخص النار على آخر فيرديه قتيلا، فهنا يعد القصد قد تحقق في اللحظتين معا، لحظة إتيان السلوك، ولحظة تحقق النتيجة الفورية، غير أنه قد يحدث أن يتوفر القصد في إحدى اللحظتين دون الأخرى، وذلك لا يمنع من القول بتوفره أيضا، كالشخص الذي يندم بعد وضعه السم في طعام شخص آخر، غير أن الوفاة تحدث، فهنا يكون القصد متوفرا في حقه بالرغم من قيامه فعلا لحظة إتيان السلوك وتخلفه لحظة تحقق النتيجة، أو في الحالة العكسية – أين يتحقق القصد لحظة النتيجة دون أن يكون متوفرا لحظة السلوك-، مثل الصيدلي الذي يخطئ في تركيب دواء طلبه منه شخص معين، فيضع في هذا الدواء مادة سامة ويسلمه للمريض ثم بعد أن يغادر الأخير يكتشف خطأه لكن يمتنع عن تنبيهه مع قدرته على ذلك، رغبة منه في تحقق نتيجة الوفاة، ففي هذه الحالة أيضا يعد القصد متوفرا بالرغم من معاصرته فقط للنتيجة وتخلفه لحظة إتيان السلوك. وبهذا يمكن القول باختصار، أنه يكفي قيام القصد بعنصريه العلم والإرادة في أية مرحلة من مراحل تنفيذ الركن المادي، كون هذا الأخير حتى وإن أمكننا نظريا تحليله لعناصر، غير أن ذلك لا ينال من حقيقته كوحدة مادية واحدة يكفي توفر القصد فيها في أية لحظة من لحظاتها.

ثانيا: إثبات القصد الجنائي

القصد يعد ركن من أركان الجريمة التي لا قيام لها بدونه، لذا يجب إثباته وإقامة الدليل على توفره، وتلك مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، غير أن إثبات المسائل النفسية لا يكون بطريق مباشر وإنما بطرق غير مباشرة بالاستدلال والاستنتاج من ظروف وملابسات كل قضية على حدة، خاضعا في ذلك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع دون رقابة عليهم من محكمة النقض، لأنها مسألة استنتاج ليس هناك مظهر بذاته يقطع بتوفره على سبيل الحتم والجزم واليقين. ويجب أن يظهر في الحكم وإلا كان معيبا ومعرضا للنقض والإبطال.



المطلب الثاني
صور القصد الجنائي

يقسم فقهاء القانون الجنائي القصد الجنائي ( العمد ) عدة تقسيمات، فيقسم إلى قصد عام وقصد خاص، وقصد محدد وقصد غير محدد، وقصد مباشر وقصد غير مباشر.. وفي الغالب المشرع لا يرتب أية نتيجة قانونية على هذه الأنواع، ما عدا بخصوص التقسيم الأول- القصد العام والقصد الخاص- لكن باقي التقسيمات الأخرى يرى الفقه أن أثرها ينحصر في تقدير العقوبة الموقعة على الجاني، دون أن يكون لها أثر على الجريمة وقيامها.

الفرع الأول
القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص

أولا: القصد الجنائي العام
القصد الجنائي العام هو القصد المطلوب في كل الجرائم العمدية، وينحصر في إطار النموذج التشريعي المنصوص عليه في النص، ولا يمتد للغرض الذي يسعى إلى تحقيقه الجاني، وبغض النظر عن غاية وباعث الجاني من وراء اقترافه الجريمة، بل ينحصر فقط في الهدف الضروري والمباشر للسلوك الإجرامي، وهو بذلك لا يختلف من جاني لآخر في الجريمة الواحدة.

ثانيا: القصد الجنائي الخاص
القصد الجنائي الخاص، هو ذلك القصد الذي نكون بصدده عندما يتطلب القانون بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، تحقق غاية معينة يبتغيها الجاني، وتكون هي التي دفعته لارتكاب الجريمة، وهي التي يستدل عليها بطرح سؤال بسبب ارتكاب الجاني لجريمته، لذا فالغاية التي يتضمنها القصد الخاص في حقيقتها مسألة خارجة أصلا عن وقائع الجريمة المتطلبة في تكوين نموذجها التشريعي، تؤدي في حال اشتراطها إلى اكتمال الركن المعنوي للجريمة. ولا يختلف القصد الجنائي العام على القصد الجنائي الخاص من حيث العناصر المكونة لكل منهما، كون القصد الجنائي الخاص يتطلب بدوره عنصري العلم والإرادة في حدود معينة تدور في الغاية التي يتطلبها المشرع، ونجد المشرع عندما يتطلب قصدا خاصا يستعمل عبارات مثل " بقصد" أو " بقصد الإضرار" أو " بغرض"....

الفرع الثاني
القصد الجنائي المحدود والقصد الجنائي غير المحدود

أولا: القصد الجنائي المحدود
نكون بصدد القصد الجنائي المحدود، لما يحدد الجاني بدقة موضوع جريمته ويحدد ويحصر النتائج المراد تحقيقها من خلالها، أما ارتكاب الجريمة دون تحديد موضوعها ولا النتائج المراد تحقيقها، يجعلنا بصدد قصد غير محدد، وكلا النوعين يشترطان العلم والإرادة دون أن يفرق القانون ما يترتب عنهما بخصوص العقوبات، فكلاهما معاقب عليه لكن كثيرا ما يعد القصد المحدد ظرفا مشددا بالنظر لجسامة النتائج المترتبة عنه.

الفرع الثالث
القصد الجنائي المباشر والقصد الجنائي غير المباشر ( الاحتمالي)

بالرغم من تشابه هذا التقسيم مع السابق، إلا أنه يختلف عنه في أساس التقسيم، حيث يعتمد في هذا التقسيم مدى اتجاه الإرادة إلى النتيجة والرغبة فيها أو قبولها، لذا يكون القصد مباشرا عندما تتجه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة التي أرادها بكل عناصرها إلى تحقيق نتيجة معينة كأثر أكيد لسلوكه مع رغبة في حدوثها، مثل إطلاق النار على شخص محدد رغبة في قتله.
أما إذا كان الجاني يتوقع إمكانية حدوث النتيجة ما بارتكابه سلوكه المجرم دون أن يكون متأكدا من حدوث هذه النتيجة، باعتبارها ممكنة الوقوع، ورغم ذلك غامر بارتكاب هذا السلوك، فهنا نكون أمام قصد احتمالي غير مباشر باعتباره قد قبل النتيجة التي تحققت، بمعنى أننا نكون بصدد قصد احتمالي في جميع الحالات التي يتوقع فيها الجاني النتيجة كأثر ممكن من سلوكه ومع ذلك يتصرف كأنه قابل بحدوثها بدليل عدم تراجعه عن سلوكه.