منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح كتاب التوحيد :باب ما جاء في السحر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-10-07, 21:30   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الشيخ: يقول رحمه الله: "باب ما جاء في السحر" يعني: وأنَّ له حقيقةً، وأن له وجودًا، منه ما يقتل، ومنه ما يُمرض، ومنه ما يُفرق بين الرجل وأهله، وبين ما هو تخييل وسحر لأعين الناس، كل هذا موجود، قال الله تعالى:*وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ*قبلها قوله تعالى:*وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ*يعني: اعتاضه*مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ*يعني: من الحظِّ والنَّصيب*وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ*يعني: باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون،*وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ*[البقرة:102- 103].
هذا يدل على أنَّ السحر كفر، وأنه ضدّ الإيمان، وضد التقوى، وأن مَن لقي الله بالسحر ليس له عند الله من خلاق، وما ذاك إلا لأنَّ السحر إنما يُوصل إليه بواسطة الشياطين وعبادتهم والتَّقرب إليهم بما يُريدون من ذبحٍ وغيره؛ ولهذا قال تعالى:*وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، وقال تعالى:*وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*[الفلق:4] وهن السواحر ينفثن في العقد لما يُريدون من التَّفريق بين الرجل وأهله وغير ذلك بإذن الله*، كما قال تعالى:*وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ*يعني: إذن الله الكوني القدري لا الشرعي.
وقوله:*وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ*يدل على أنه كفر، وأنه ضد الإسلام،*فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؛ لأنَّ السحرة يحصل منهم التَّفريق بين الرجل وأهله بأسبابٍ كثيرةٍ يعملونها حتى تقبح صورةُ الرجل في نظر المرأة، أو حتى تقبح صورةُ المرأة في نظر الرجل، وبأشياء أخرى، كما قال تعالى:*قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ*[الأعراف:116]، فأخبر أنَّ سحرهم استرهب أعين الناس:*سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ، صار الناس ينظرون أشياء على غير ما هي عليه، مثلما قال جلَّ وعلا:*فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى*[طه:66]، صارت الحبال والعصي كأنها حيات تسعى، فكل هذا من التَّخييل؛ ولهذا قال:*يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، قد سحروا أعين الناس، ثم قال بعده:*وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ*دلَّ على أنه سحر عظيم.
ومنه ما يفعله بعضُ الناس الآن؛ يأخذ بيده شيئًا يراه الناس: دجاجة، أو يراه الناس عصفورًا، ولا حقيقةَ له، كله تخييل، أو يُدخل الحصاة في فمه ويُخرجها بيضةً، أو يُخرجها عصفورًا من فمه، وهو لا حقيقة له، وإنما من باب سحر أعين الناس، من باب التَّخييل، ومنه ما يكون حقيقةً: من نفث العقد والأدوية التي يفعلونها حتى تحصل البغضاء بين الرجل وأهله؛ ولهذا قال:*فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ*[البقرة:102]، ومنه التِّولة: وهي الصرف والعطف.
السحر قسمان:
قسم له حقيقة وله وجود بواسطة الأدوية والنَّفث وغير ذلك.وقسم تخييل يسحرون أعين الناس، كما أخبر الله عن سحرة فرعون:*فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى*[طه:66]، سحروا أعين الناس.قال جلَّ وعلا:*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ*[النساء:51] الجبت قال عمر: السحر، والطاغوت: الشيطان.
وقال آخرون: الجبت هو الصنم، وكل شيءٍ لا خير فيه يقال له: جبت.
وقال جابر رحمه الله: الطواغيت: الكهان، كانوا في كل حيٍّ واحد من أحياء العرب، هم الكهان الذين يسرق لهم الشياطين السمع ويُعلمونهم، يدَّعون علم الغيب، ويتوصلون إلى ذلك بما يقع لهم من الشياطين الذين يسترقون السمع ويُلقون في سمع الكاهن.
ولهذا قال جابرٌ رضي الله عنه: الطواغيت: الكهَّان، كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حيٍّ واحد. يعني: من استراق السمع في كل حيٍّ، يعني: في كل قبيلةٍ من قبائل العرب يكون عندهم كهان، والكهنة يدَّعون علم الغيب، وقد يكونوا سحرة، وقد يكونوا مُشعوذين ليس عندهم شيء كالعرَّافين؛ فإنهم قد يكونون مشعوذين، وقد يكون عندهم شيء من السحر الذي تلقوه عن الشياطين.
وفي حديث أبي هريرة يقول عليه الصلاة والسلام:*اجتنبوا السبع الموبقات*يعني: المهلكات، قلنا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال:*الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات*متفق عليه.
الشاهد قوله:*والسحر*دلَّ على أنَّ له وجودًا وله حقيقةً؛ ولهذا قال:*اجتنبوا السبع الموبقات*يعني: المهلكات، أعظمها الشرك، ثم يليه السحر، وهو من الشرك؛ لأنَّ السحر لا يُتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين والتَّقرب إليهم بما يُريدون، فيقع في الشرك.
وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ*هذا من أعظم الكبائر والموبقات،*وأكل الربا*من أقبح الموبقات،*وقتل المحصنات المؤمنات الغافلات*كل هذا من السبع الموبقات،*وأكل مال اليتيم*كذلك من السبع الموبقات.
فالواجب الحذر، أعظمها الشرك بالله، والسحر من الشرك، ثم قتل النفس الكبيرة الثالثة، وأكل الربا الكبيرة الرابعة، وأكل مال اليتيم الخامسة، والتولي يوم الزحف السادسة، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات السابعة.
التولي يوم الزحف يعني: عند مقابلة العدو ينهزم، هذه من الكبائر، نعوذ بالله.
فالواجب الحذر من أعمال السحر والكهانة، والحذر من تصديق الشياطين والتقرب إليهم، يقول ﷺ كما يأتي:*مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة*كما يأتي إن شاء الله في بيان السحر، ويقول:*مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ ﷺ، فهؤلاء المشعوذون يجب الحذر منهم، والحذر من إتيانهم، ومن تصديقهم.
وقال جندب بن عبدالله البجلي*: "حدُّ الساحر ضربه بالسيف"، يُروى مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح، ولكنه في حكم الرفع، لا يُقال من جهة الرأي، حكمه حكم الرفع.
وكان عمر يكتب إلى عماله أن يقتلوا السحرة، كما قال بجالة بن عبدة: أن عمر كتب إلى عماله أن يقتلوا كل ساحرٍ وساحرةٍ. قال: فقتلنا ثلاث سواحر. يعني: عماله في الشام.
وقتلت حفصةُ رضي الله عنها جاريةً لها سحرتها، فأمرت بها فقُتلت.
وقال أحمد: صحَّ هذا عن ثلاثةٍ من أصحاب النبي ﷺ أنهم قتلوا الساحر: جندب وحفصة وعمر، فدلَّ على أنَّ السحرة متى عُرفوا وثبت سحرهم وجب قتلهم؛ لأنهم لا يتوبون في الغالب، ولو أظهروا التوبة لا يُؤمنون؛ لأنَّ سحرهم خفي، فلهذا يجب قتلهم، وإن صدقوا في التوبة فيما بينهم وبين الله صحَّت توبتهم فيما بينهم وبين الله، لكن في الظاهر لا يُقبل منهم، يجب أن يُقتلوا متى عُرفوا كما أمر بقتلهم عمر رضي الله عنه، وكما في حديث جندب، وكما فعلت حفصةُ رضي الله عنها؛ لأنَّ شرَّهم عظيم، وفسادهم كبير، فمتى عُرفوا وجب قتلهم بغير استتابةٍ، وإن تابوا فيما بينهم وبين الله وهم صادقون فالله يقبل توبة التائبين حتى من الشرك الأكبر.
وفَّق الله الجميع.










رد مع اقتباس