منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) مناقبه وخلافته
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-02-27, 20:14   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني عشر

في خلافته وجهاده والفتوحات على يديه وفي عهده



وأما خلافته رضي الله عنه فنذكرها ونمهد قبلها بتمهيد في خلافة النبوة وخلافة الملك:



نظرًا لكثرة الخوض في عرض أمير المؤمنين معاوية لهذا الأمر، وهو خلافته، حتى زعم بعضهم أن سبب هلاك الأمة هو خلافته، وكونها من بعده وراثة لابنه يزيد، نمهد بشيء من أحكام الإمامة، فنقول وبالله التوفيق:



تنازع العلماء في خلافة الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هل يجب أن تكون خلافة نبوة على نهج النبوة، أم يستحب ذلك ويجوز أن تكون ملكًا يجب فيه العدل، كما كان في ملك آل داود وسليمان عليهما السلام.



للعلماء قولان في هذا: فمنهم من قال: الواجب خلافة النبوة، ومنهم من قال: بل الواجب العدل، وتوفر شروط الإمامة، ولو كان ملكًا متوارثًا، وخلافة النبوة مستحبة، وقد قرر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية تقريرًا محررًا لا مزيد عليه في «قاعدة في الخلافة والملك»([1]) وخلاصته:



قال النبي صلى الله عليه وسلم «خلافة النبوة ثلاثون سنة؛ ثم يؤتي الله ملكه – أو الملك – من يشاء»([2]) وهو حديث مشهور عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهل السنن – كأبي داود وغيره – واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد؛ واستدل به على من توقف في خلافة علي رضي الله عنه؛ من أجل افتراق الناس عليه؛ حتى قال أحمد: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله؛ ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة وأهل المعرفة والتصوف وهو مذهب العامة.



وإنما يخالفهم في ذلك بعض أهل الأهواء من أهل الكلام ونحوهم: كالرافضة الطاعنين في خلافة الثلاثة أو الخوارج الطاعنين في خلافة الصهرين عثمان وعلى رضي الله عنهما أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين في خلافته.



ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته وإلى عام ثلاثين سنة([3])، كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام إحدى وأربعين في شهر جمادى الأولى وسمي (عام الجماعة)؛ لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك.



وفي الحديث: «ستكون خلافة نبوة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم يكون ملك وجبرية ثم يكون ملك عضوض»([4])، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور في «السنن»، وهو صحيح: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة»([5]).


ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكًا؛ ولم يكونوا خلفاء الأنبياء، بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر»؛ قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول؛ ثم أعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم»([6]).


فقوله: «فتكثر» دليل على من سوى الراشدين، فإنهم لم يكونوا كثيرًا، وأيضًا قوله: «فوا ببيعة الأول فالأول» دل على أنهم يختلفون؛ والراشدون لم يختلفوا، وقوله: «فأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم» دليل على مذهب أهل السنة؛ في إعطاء الأمراء حقهم؛ من المال والمغنم...والغرض هنا بيان جماع الحسنات والسيئات الواقعة بعد خلافة النبوة في الإمارة وفي تركها؛ فإنه مقام خطر؛ وذلك أن خبره بانقضاء خلافة النبوة فيه الذم للملك والعيب له؛ لاسيما وفي حديث أبي بكرة: أنه استاء للرؤيا، وقال: خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء([7]).


ثم النصوص الموجبة لنصب الأئمة والأمراء، وما في الأعمال الصالحة التي يتولونها من الثواب حمد لذلك، وترغيب فيه؛ فيجب تخليص محمود ذلك من مذمومه، وفي حكم اجتماع الأمرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خيرني بين أن أكون عبدًا رسولًا وبين أن أكون نبيًا ملكًا فاخترت أن أكون عبدًا رسولًا»([8]) فإذا كان الأصل في ذلك شوب الولاية؛ من الإمارة والقضاء والملك، هل هو جائز في الأصل والخلافة مستحبة؟ أم ليس بجائز إلا لحاجة من نقص علم، أو نقص قدرة بدونه؟



فنحتج بأنه ليس بجائز في الأصل بل الواجب خلافة النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها؛ وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فكل بدعة ضلالة»([9]) بعد قوله: «من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا» فهذا أمر وتحضيض على لزوم سنة الخلفاء، وأمر بالاستمساك بها، وتحذير من المحدثات المخالفة لها، وهذا الأمر منه والنهي: دليل بين في الوجوب.



وأيضًا فكون النبي صلى الله عليه وسلم استاء للملك بعد خلافة النبوة دليل على أنه متضمن ترك بعض الدين الواجب، وقد يحتج من يجوز الملك بالنصوص التي منها قوله لمعاوية: «إن ملكت فأحسن»([10]) ونحو ذلك، وفيه نظر! ويحتج بأن عمر أقر معاوية لما قدم الشام على ما رآه من أبهة الملك، لما ذكر له المصلحة فيه فإن عمر قال: لا آمرك ولا أنهاك، ويقال في هذا: إن عمر لم ينهه؛ لا أنه أذن له في ذلك؛ لأن معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك، ولم يثق عمر بالحاجة، فصار محل اجتهاد في الجملة.



فهذان القولان متوسطان، أن يقال: الخلافة واجبة، وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة، أو أن يقال: يجوز قبولها من الملك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره؛ إذ ما يبعد المقصود بدون لابد من إجازته، وأما ملك فإيجابه أو استحبابه محل اجتهاد، وهنا طرفان:

([1]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (35/18، وما بعدها).

([2]) أخرجه أبو داود (4648)، والترمذي (4649)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (3341).

([3]) أي من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تمام الثلاثين سنة الواردة في الحديث.

([4]) رواه الدارمي (2/2114)، والطبراني في المعجم الكبير (1/157)، ح(368). والعضوض الذي فغيه ظلم وعسف.

([5]) سيأتي.

([6]) أخرجه البخاري (3455)، ومسلم (1842).

([7]) أخرجه أحمد (20445) وفي فضائل الصحابة (573) وأبو داود (4635)، والترمذي (2287)، والنسائي في فضائل الصحابة (33)، وسنده حسن وله شواهد.

([8]) أخرجه أحمد (7160) وأبو يعلى (6105) وعن ابن حبان في «صحيحه» (6365) والطبراني في الكبير (13309) بسند صحيح عن أبي هريرة قال: «جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا قال جبريل: تواضع لربك يا محمد قال: «بل عبدا رسولا».

([9]) أخرجه أحمد (17145)، وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (43) والدارمي (96) وابن حبان (5) والحاكم (1/95-97) بسند صحيح من حديث العرباض بن سارية ت. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الهروي: وهذا من أجود حديث في أهل الشام. وقال البزار: حديث ثابت صحيح. وقال ابن عبد البر: حديث ثابت. وقال الحاكم: صحيح ليس له علة. وصححه الضياء المقدسي في جزء إتباع السنن واجتناب البدع.

([10]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (31358)، والطبراني في المعجم الكبير (19/361) ح(850)، والأوسط (5500)، والبيهقي في دلائل النبوة (2761) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبد الملك بن عمير، قال: «قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لي: «يا معاوية، إن ملكت فأحسن». قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث» ا.هـ.










رد مع اقتباس