منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - موضوع مميز فـــــوائد فـــــقهية وعــــــــقدية .......(متجدد)
عرض مشاركة واحدة
قديم 2021-08-04, 21:46   رقم المشاركة : 1699
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

أَحْوَالُ النَّاسِ في الفرار بالدين من الفتن
" أَحْوَالُ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ تَخْتَلِفُ، فَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى سُكْنَى الْكُهُوفِ وَالْغِيرَانِ فِي الْجِبَالِ، وَهِيَ أَرْفَعُ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ مُخْبِرًا عَنِ الْفِتْيَةِ، فَقَالَ:" وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ «1» ". وَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ الْعُزْلَةُ لَهُ فِي بَيْتِهِ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَأَسْهَلَ، وَقَدِ اعْتَزَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا إِلَى قُبُورِهِمْ. وَرُبَّ رَجُلٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَصْبِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَطَةِ النَّاسِ وأذا هم، فَهُوَ مَعَهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا وَقَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي أَلَّا أُخَالِطَهُمْ. فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْكَ، وَلَكَ إِلَيْهِمْ حَوَائِجُ، وَلَهُمْ إِلَيْكَ حَوَائِجُ، وَلَكِنْ كُنْ فِيهِمْ أَصَمَّ سَمِيعًا، أَعْمَى بَصِيرًا، سَكُوتًا نَطُوقًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَبْعُدُ عَنِ النَّاسِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ، مِثْلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلُزُومِ السَّوَاحِلِ لِلرِّبَاطِ وَالذِّكْرِ، وَلُزُومِ الْبُيُوتِ فِرَارًا عَنْ شُرُورِ النَّاسِ. وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَاتِّبَاعِ الْغَنَمِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعْتَزَلُ فِيهَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَبْعُدُ عَنِ النَّاسِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهُ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَبِهِ الْعِصْمَةُ. وَرَوَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" يَعْجَبُ «2» رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ «3» الْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ". خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ."
--------------
(1). راجع ص 367 من هذا الجزء.
(2). يعجب: كيسمع، أي يرضى منه ويثيبه.
(3). الشظية (بفتح الشين وكسر الظاء): قطعة مرتفعة في رأس الجبل

تفسير القرطبي (10-362)









رد مع اقتباس