وفي "الاعتصام" للشاطبي
"أن يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جور، فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذا الملك، أخبرني بذلك مالك عنه، أنه كتب إليه: أقرّ له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنّة نبيه. قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة". اهـ.
وروي البيهقي في "مناقب الشافعي" عن حرملة، قال: "سمعت الشافعي يقول: كل من غلب على الخلافة بالسيف، حتى يسمى خليفة، ويجمع الناس عليه، فهو خليفة". اهـ.
وقال الإمام أبوجعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله : ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا. ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والعافية.) شرح العقيدة الطحاوية(ص368)
وقال سهلُ بنُ عبد الله التستري:
لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإن عظَّموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم”.
(تفسير القرطبي(5/260ـ 261)
واحتج الإمام أحمد بما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنه – أنه قال وأصلي وراء من غلبوقد أخرج أبو سعيد في ( الطبقات – بسند جيد ( عن زيد ابن أقال:ن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه، وأدي إليه زكاة ماله.
وعن عبد الله بن دينار قال : شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال
كتب: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك(رواه البخاري)
قوله: ( حيث اجتمع الناس على عبد الله بن عبد الملك )، يريد: ابن مروان بن الحكم.
والمراد بالاجتماع : اجتماع الكلمة، وكانت قبل ذلك مفرقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان، كل منهما لفقهاء بالخلافة، وهما عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير – رضي الله عنه –
وكان ابن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك، فلما غلب عبد الملك واستقر له الأمر بايعه وهذا الذي فعله ابن عمر من مبايعة المتغلب هو الذي عليه الأئمة، بل انعقدت عليه الإجماع من الفقهاء
وعن زياد بن كسيب العدوي قال : كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو بلال : انظروا إلى أمير نايلبس ثياب الفساق . فقال أبو بكرة : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله " (رواه الترمذي .وصححخ الالباني مشكاة المصابيح)
وقال الغزالي لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة – بأن يغلب عليها جاهل بالأحكام، أو فاسق – وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته(معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة )
وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل الجاهلية :"
(الثالثة ): أنّ مخالفة ولي الأمر وعدم الإنقياد له فضيلة ، والسمع والطاعة له ذلّ ومهانة ، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بالصّبر على جور الولاة ، وامر بالسّمع والطاعة لهم والنصيحة ، وغلظ في ذلك , وأبدى فيه وأعاد
( مسائل الجاهلية ص 4 /طبعة دار الوطن)
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - رحم الله الجميع
"وأهل العلم متفقون على طاعة من تغلَّب عليهم في المعروف، ويرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته. لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف، وتفريق الأمة، وأن كان الأئمة فسقة، ما لم يروا كفراً بواحاً. ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم".
(مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/ 168))
وقال الشيخ عمر بن محمد بن سليم في رسالة كتبها:
ومن كيد الشيطان إساءة الظن بولي الأمر وعدم الطاعة له وهو من دين أهل الجاهلية الذين لا يرون السمع والطاعة ديناً، بل كل منهم يستبد برأيه وهواه ، وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في العسر واليسر والمنشط والمكره، حتى قال " اسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك " فتحرم معصية ولي الأمر ، والاعتراض عليه في ولايته وفي معاملته وفي معاقدته ومعاهدته ومصالحته الكفار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حارب وسالم وصالح قريشاً صلح الحديبية، وهادن اليهود وعاملهم على خيبر وصالح نصارى نجران، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده، ولا يجوز الاعتراض على ولي الأمر في شيء من ذلك لأنه نائب المسلمين والناظر في مصالحهم، ولا يجوز الافتيات عليه بالغزو وغيره وعقد الذمة والمعاهدة إلا بإذنه، فإنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة ، فإن الخروج عن طاعة ولي الأمر من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد ا.هـ
(الدرر السنية )
قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق – رحمه الله – :
ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين الاستخفاف بولاية المسلمين والتساهل بمخالفة إمام المسلمين ، والخروج عن طاعته، والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان، وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة ، وإن الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد – ثم قال – ومن ذلك ما وقع من غلاة هؤلاء من اتهام أهل العلم والدين، ونسبتهم إلى التقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه وتعالى، وكتمان ما يعلمون من الحق ، ولم يدر هؤلاء أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل وداء دفين وإثم واضح مبين، قال الله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً أقلوا عليهم لا أبا لأبيكموا من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا ا.هـ
(الدرر السنية )
وقال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـوأمر بطاعة أولي الأمر ، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصيةٍ ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم ، وذكره مع طاعة الرسول فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة الله ، ومن يطعه فقد أطاع الله ، وأما أولو الأمر فَشَرْطُ الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" ( 2/ 89 ))
وقال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله
فقد قال الله عز وجل ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (النساء 59 )
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة , وهي فريضة في المعروف . والنصوص من السنة تبين المعنى , وتفيد بأن المراد : طاعتهم بالمعروف , فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي , فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية , لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها لقوله صلى الله عليه وسلم : ألا من ولي عليه وال , فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة , ومن خرج من الطاعة , وفارق الجماعة, فمات , مات ميتة جاهلية وقال صلى الله عليه وسلم على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره , إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
وسأله الصحابة - لما ذكر أنه سيكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا : فما تأمرونا ؟ قال : أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم .
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا , وعسرنا ويسرنا , وأثرَة علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله " , وقال :" إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " .
فهذا يدل على أنهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا , وشرا عظيما , فيختل به الأمن , وتضيع الحقوق , ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم , وتختل السبل ولا تأمن , فيترتب على الخروج على ولاة الأمر فساد عظيم وشر كبير , إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان , فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة , فلا يخرجوا , أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج , رعاية للمصالح العامة , والقاعدة الشرعية المجمع عليها أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله ويخففه .
وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين , فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا وعندهم قدرة تزيله بها , وتضع إماما صالحا طيبا , من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس .
أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الإغتيال , إلى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا يجوز , بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير , والإجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير , هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر , نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .
(فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة)
وَقَالَ العلامة ابن عثيمين الإمام هُوَ ولي الأمر الأعلى فِي الدولة، ولا يُشترط أن يكون إمامًا عامًا للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة ..من عهد أمير المؤمنين عُثْمَان بن عَفَّان ...وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لِمن تأمَّر عَلَى ناحيتهم، وإن لَم تكن له الخلافة العامة.
(فِي الشرح الممتع (8/12
وقال الشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله
“فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، و أحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس…، قال: وكذا ملء القلوب على العلماء، يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها…، قال: الواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه السلطان، وأن يضبط الإنسان نفسه، وأن يعرف العواقب. و لْيُعْلَم أنَّ من يثورُ إنما يخدمُ أعداءَ الإسلام، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة.
و لست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ، بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها
(حقوق الراعي والرعية)
وقال الشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله
كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ .
فهذان الصنفان من الناس : العلماء والأمراء ، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة ، وفسدت الأمن ، وضاعت الأمور ، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم ، وكل إنسان يرى لأنه هو الأمير ، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد ، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء: 59) .
ونضرب لكم مثلاً : إذا لم يعظم العلماء والأمراء ، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئاً قالوا : هذا هين ، قال فلان خلاف ذلك .
أو قالوا : هذا هين هو يعرف ونحن نعرف ، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال ، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم ، وقيل لهم : هذا قول الإمام أحمد بن حنبل ، أو هذا قول الشافعي ، أو قول مالك ، أو قول أبي حنيفة ، أو قول سفيان ، أو ما أشبه ذلك قال : نعم ، هم رجال ونحن رجال ، لكن فرق بين رجولة هؤلاء ورجولة هؤلاء ، من أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد وحتى تجعل نفسك نداً لهؤلاء الأئمة رحمهم الله ؟
فإذا استهان الناس بالعلماء كل واحد يقول : أنا العالم ، أنا النحرير ، أنا الفهامة ، أنا العلامة ، أنا البحر الذي لا ساحل له وصار كل يتكلم بما شاء ، ويفتي بما شاء ، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء .
وكذلك الأمراء ، إذا قيل لواحد مثلاً : أمر الولي بكذا وكذا ، قال : لا طاعة له ؛ لأنه مخل بكذا ومخل بكذا ، وأقول : إنه إذا أخل بكذا وكذا ، فذنبه عليه ، وأنت مأمور بالسمع والطاعة ، حتى وإن شربوا الخمور وغير ذلك ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان ، وإلا فطاعتهم واجبة ؛ ولو فسقوا ، ولو عتو ، ولو ظلموا
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك
وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم ، قال : اسمعوا وأطيعوا فإنما عليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا
أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر ، وعثمان وعلى ، فهذا لا يمكن ، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة .
أما والشعب كما نعلم الآن ؛ أكثرهم مفرط في الواجبات ، وكثير منتهك للحرمات ، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين ، فهذا بعيد ، لكن نحن علينا أن نسمع ونطيع ، وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين فتقصيرهم هذا عليهم . عليهم ما حملوا ، وعلينا ما حملنا . فإذا لم يوقر العلماء ولم يوقر الأمراء ؛ ضاع الدين والدنيا . نسأل الله العافية . (شرح رياض الصالحين المجلد الثالث)
وقال العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله
وفي الأصل الثالث يقول إن من تمام الاجتماع الذي تقدم ذكره السمع والطاعة إذ لا يحصل الاجتماع ولا تستقيم السلطة إلا بالسمع والطاعة ولا يستقيم الدين إلا بالسلطة ولا تستقيم السلطة إلا بالسمع والطاعة إذن السمع والطاعة يعتبر هذا الأمر من الواجبات الأساسية في الإسلام لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً ، أي بصرف النظر عن موقع ومكانة هذا الوالي ومن أي جنس كان ومن أي لون كان ،عادلاً كان أو فاجراً .
ولا يشترط أن يكون الوالي التي تجب طاعته والسماع له والولاء له والدعوة له لا يشترط أن يكون عادلاً ؛ بل من تولى أمور المسلمين وجمع الله على يده كلمة المسلمين وجبت طاعته والسمع له . فبين النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شائعاً ذا عيان ذاع بين المسلمين قديماً وحديثاً وبكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً بين ذلك شرعاً بما شرع الله وما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام قدراً فيما قدر الله .. علم وكتب عنده وشاء .. شاءَ الطاعة .. السمع والطاعة .. أو شاء خلاف ذلك بالنسبة للقدر . وما أراد الله شرعاً وديناً ودعا إليه وأمر به ليس بلازم أن يتحقق إذ قد أمر الله الناس جميعاً بالإيمان ولم يؤمن الجميع وأمر العباد جميعاً بالطاعة أطاع من أطاع وخالف من خالف ولكن الإرادة التي لا يتخلف مرادها هي الإرادة القدرية الكونية إذاً فرقٌ بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية . وأمر الله سبحانه وتعالى العبادَ جميعاً بطاعة الرسل وبطاعة أولي الأمر وبطاعته قبل ذلك منهم من أطاع ومنهم من عصى وعلم الله وقدر من يعصي ومن يطيع وما أراده الله كوناً وعلم وكتب وقدر وشاء لابد من تحققه فالله سبحانه وتعالى يريد بالإرادة الكونية الإيمان والكفر والطاعة والمعصية والخير والشر إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء . ومن الخطأ اعتقاد بعض الناس إن الله إنما يريد الخير فقط ، من يطلق هذا إن أراد بالإرادة الإرادة الشرعية الدينية فصحيح ، وإن أطلق ينصرف عند الإطلاق إلى الإرادة الكونية القدرية ويريد الله سبحانه وتعالى بهذه القدرة كل كائن إذ لا يكون في ملكه إلا ما يشاء ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن بعد هذا صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم أمر الطاعة والسمع لا يعرف على الحقيقة عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به إذا كان العلم نفسه مفقود فالعمل من باب أولى .
وربما علم بعضهم إن الطاعة إنما تجب ، والسمع إنما يجب إذا كان الوالي عادلاً عالماً تجب طاعته ، وتجب بيعته ، ويجب السمع له ، وإذا كان بخلاف ذلك فلا طاعة ولا سمع ولا بيعة هذه من الأخطاء الشائعة اليوم بين الناس وهذا خطأ شرعاً وعقلاً .
ومن رزقه ا لله العقل السليم ويدرك الأمور على حقيقتها وله معرفة بتاريخ سلفنا وله معرفة بالدين يدرك تماماً بأن السمع والطاعة والبيعة والمحافظة على ذلك واجبة مطلقاً سواءٌ كان الوالي عادلاً أو فاجراً أو مؤثراً أو منفقاً محسناً مسيئاً مطلقاً .
مالم يظهر منه الكفر البواح معنى البواح الكفر الذي يبوح به ويعلنه هذا معنى البواح ليس الكفر الخفي الذي لا يدرك بل الكفر الذي يعلن به هو ويدعو إليهلو دعا الحاكم إلى ترك الصلاة أباح بكفره أعلن ،لو أمر المجتمع بأن يتركوا صيام رمضان لئلا يضعفوا عن الإنتاج لينتجوا أعلن بكفره فهو كافر لا طاعة له ولا بيعة له ولا سمع له ولو أعلن أن الشريعة الإسلامية في الوقت الحاضر غير صالحة للعمل بها وقد كانت صالحة في العهد السابق أما الآن فلا تصلح ولابد من استيراد القوانين إما من الخارج أو من وضعها محلياً قوانين مرنة توافق رغبات الناس وهذه الشريعة جافة لا تصلح أعلن بكفره كفراً بواحاً لا طاعة له ولا سمع ولا بيعة هذا معنى الكفر البواح الكفر الذي أباح به أي أعلن به ولم يخف مالم يصل الحاكم إلى هذه الدرجة تجب طاعته والسمع له. لو راجعنا تاريخنا نجد إن بعض الصحابة صغار الصحابة الذين أدركوا بعض الخلفاء والملوك الجائرين الظالمين كالحجاج كانوا يصلون خلفهم لأنه في العهد السابق الخلفاء هم الذين يؤمون الناس ،يصلون خلفهم ، ويجاهدون تحت رايتهم ،ويطيعونهم في كل ما يأمرون وينهون مالم يأمروا بمعصية على هذا مضوا السلف الصالح الذين أدركوا زمن الأهواء بعد أن فسدت أخلاق كثير من الأمراء والحكام هذا الذي عليه الناس قديماً واليوم لا يسع المسلمين إلا ما وسع الأولين يقول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها
وفي رواية لا يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولوها ولعله لا يُصلح أوضح .
لا يصلح أمر المسلمين اليوم إلا ما أصلح أمر المسلمين الأولين وإنما صلح أمرهم بالاجتماع وعدم التفرق ،وإنما صلح أمرهم بالطاعة والسمع ،بالسمع والطاعة وعدم الخروج .ولا يعني الخروج دائماً الخروج بالسلاح بل التمرد يعتبر خروجاً على السلطة ؛التمرد على الأوامر يعتبر خروجاً على السلطة هذا ما يجهله كثير من المنتسبين إلى العلم فما بال الذين لا علم لديهم وإذا جهلوا هذا الجهل والعمل تابع لأن العلم قبل القول والعمل ؛أولاً العلم ثانياً العمل ، ولا يتم العلم بمجرد الاطلاع على النصوص لأن النصوص الناس تتصرف فيها فيجب أن تفهم النصوص بمفهوم السلف الصالح طالما نحاول أن نفهم نصوص الكتاب والسنة بمفهوم السلف الصالح فنحن على خير فإذا أعرضنا عن منهجهم وعن مفهومهم وشققنا لنا طريقاً جديداً لنسير إلى الله مستقلين عن سلفنا الصالح ضعنا ضياعاً لا يمكن أن يعالج إلا بالتوبة والرجوع .
هذا ما وصل إليه أمر جمهور المسلمين اليوم إذ تركت العقيدة السلفية التي كان عليها سلف هذه الأمة وتركت الأحكام ؛ الأحكام الكتاب والسنة تركاً واضحاً وأُعرض عنها
واستبدلت بأحكام وضعية وجهلت السياسة الشرعية تماماً واستبدلت بسياسة النفاق والكذب السياسة العصرية التي كلها كذب ونفاق هكذا أعرض جمهور المسلمين خصوصاً المثقفين عن دين الله تعالى الذي جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام إذن لابد من الاجتماع على الدين ولا يتم الاجتماع إلا بالسمع والطاعة على ما شُرح (شرح الأصول الستة )
وقال الإمام صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم السَّمعُ والطّاعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء: 59.).
والنبي صلى الله عليه وسلم كما مرَّ في الحديث يقول: أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن تأمّر عبدٌ؛ فإنّه مَن يَعِش منكم؛ فسوف يرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي هذا الحديث يوافق الآية تمامًا. ويقول صلى الله عليه وسلم: مَن أطاع الأميرَ؛ فقد أطاعني، ومَن عصى الأمير؛ فقد عصاني(رواه البخاري )
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الحثِّ على السّمع والطّاعة، ويقول صلى الله عليه وسلم:اسمع وأطِع، وإن أُخِذ مالُك، وضُرِبَ ظهرُك( رواه مسلم) من حديث حذيفة رضي الله عنه بلفظ قريب من هذا..
فوليُّ أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله، فإن أمر بمعصيةٍ؛ فلا يطاع في هذا الأمر يعني: في أمر المعصية، لكنّه يُطاع في غير ذلك من أمور الطّاعة.
وأمّا التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال: فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله. أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار، بل كانوا منهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر صلى الله عليه وسلم وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار.
هذا هو منهج الإسلام: إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة، أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة.(المنتقى من فتاوى الفوزان)
قال الإمام ربيع المدخلي حفظه الله
السمع والطاعة لأمير المؤمنين برّهم وفاجرهم، من اجتمعت عليهم الأمة وصل إلى مرتبة الخليفة, وصل بالسيف، خرج على إمام قبله وتغلّب عليه ثم قامت دولته لا يجوز الخروج عليه، لأنك إذا خرجت عليه مرة ثانية تخرج مرة ثالثة وتخرج مرة رابعة وتصبح الأمة في صراع من خارج إلى خارج، لا، الأصل لا يجوز الخروج، فإذا سلط اللّه على هذا الإنسان من خرج عليه وانتصر على دولته وقام على أنقاضه دولة جديدة , فيجب أن يقف المسلمون عند هذا الحد, ويسلمون القياد لهذا المتغلب.وهذا المتغلب سواء جاء عن طريق الاختيار والشورى والبيعة، أو جاء عن طريق الغلبة وصل إلى الإمارة بالسيف وأصبح له شوكة وأصبح له قوة – بارك الله فيكم – يجب أن تسلم له , وتحقن دماء المسلمين , فهذا سواء كان برا أو كان فاجرا تجب له الطاعة .
وانظر الى الإمام احمد , وانظر الى البخاري , وانظر الى أئمة الاسلام جميعا يجعلون هذا أصلا من أصول الإسلام: طاعة ولاة المسلمين أصل من أصول الإسلام وسواء كان برا أو فاجرا. الخوارج والروافض وغيرهم قد يوافقونهم إذا كان برا، وقد لا يوافقونهم إذا كان فاجرا أبو بكر ليس برا عند الروافض وعمر كذلك ليس برا عند الروافض, وعلي ليس برا عند الخوارج، لكن الصفات في العموم لا يخالفون فيها كونه برا، لكن يخالفون في الفاجر. الخليفة الفاجر الجائر الظالم الفاسق هذا ما دام لم يخرج من دائرة الإسلام فلا يجوز الخروج عليه بحال من الأحوال، وورد في ذلك أحاديث كثيرة:منها: بايعنا رسول اللّه صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله حتى تروا كفرا بواحا. فلا يجوز الخروج عليه مهما بلغ من الفسق.وكما في حديث أم سلمة: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد سلم ومن كره فقد برئ, ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم يا رسول اللّه؟ قال: لا، ماصلَّوا فما داموا يصلون فلا يجوز الخروج عليهم، كيف إذا كان يصلي ويصوم ويزكي ويحج،ويؤمِّن كل هذه الأمور للمسلمين ويؤمِّن لهم الطرق وإلى آخره، كيف هذا؟!.
أين نحن الاَن من الثوريين الموجودين الاَن؟ أين هم من قوله: لا، ما صلوا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ينهاهم لا، ما صلوا؟ مع أنهم فرطوا في كثير من الإسلام وقال: لا، ما صلوا لا, ما قال: لا ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا.... وإلى آخره، قال: لا، ما صلوا؟ لماذا؟ لأن الخروج يترتب عليه مفاسد، ضياع الاسلام، وضياع المسلمين، وإهلاك الأمة، وإهلاك الحرث والنسل، وانتهاك الأعراض, وإذلال المسلمين وإضعافهم، حتى يصبحوا لقمة سائغة لأعدائهم، إذا خروج، بعد خروج، بعد خروخ
الاَن -يا إخوة !- هؤلاء الثوريون قامت لهم دول عن طريق الانقلابات وعن طريق الانتخابات وعن طريق كذا وكذا، ماذا صنعوا؟ ماذا حققوا من الشعارات هذه؟ مِن أبعد الناس عن تطبيق الشريعة الإسلامية، بل يزيدون على الحكام الاَخرين المنحرفين بعقد مؤتمرات وحدة الأديان وتشييد الكنائس وتقريب النصارى, وإذلال المسلمين وإفقارهم وإهلاكهم في دينهم ودنياهم، واللّه وصلوا بالانتخابات ووصلوا بالانقلابات ووصلوا بشتى الأمور، وشاركوا في وزارات، كله كلام فارغ، ما تميزوا على غيرهم في شيءإذن لا نثق في هؤلاء، هؤلاء همهم الوصول إلى الكراسي بأي حال من الأحوال، ثم بعد ذلك يديرون ظهورهم إلى الإسلام! كما جربتم وعرفتم، هنا وهناك في بلدان كثيرة ثمَّ أحياناً يأتون بانقلاب باسم الإسلام فينقلب عليهم شيوعي أو أي منهج ضال آخر إذن الحكمة في توجيهات هذا الشارع الحكيم الرحيم الرؤوف الشجاع البطل والذي يربي الأمة على الشجاعة، لكن في هذا الباب يقول لهم: اصبروا مهما رأيتم، إلا الكفر
.( شرح السنة للامام أحمد للشيخ ربيع )
قال الإمام ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
ثم الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ينظر إلى المصالح والمفاسد ، وربىّ أمته المخلصين وصحابته الأكرمين على بُعد النظر في المشاكل التي تلمّ بالمسلمين والأحداث التي تنزل بهم ، وبيّن لهم كيف تُواجه وكيف تُغيّر ؟ فوضع لنا منهجا نراعي فيه المصالح والمفاسد :
فأمرنا بطاعة الولاة فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني ، وبيّن أن هناك حكّاما سينحرفون عن كتاب الله وعن سنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، ونعرف منهم وننكر ، وأنهم يهدون بغير هديه ويستنون بغير سنته ، فكيف نتعامل معهم ؟
الخوارج والمعتزلة جعلوا من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدخلوا في ضمنه الخروج على الحكام ، بل أهم الأمور في تغيير المنكر عندهم الخروج بالسلاح على الحكام ! من أبرز ما عندهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي شرعه الله الخروج على الحكام بالسيف !
والرسول صلى الله عليه وسلمراعى المصالح والمفاسد ، وماذا يترتب على الخروج ؟ لا شك أنه يترتب على الخروج سفك الدماء وهتك الأعراض وتشتيت المسلمين وتسليط الأعداء عليهم ، يترتب على ذلك مفاسد عظيمة وخطيرة جدّا ، فأمر بالصبر عليهم .
وأمر أمته بقتال أهل البدع وقتلهم أيضا كما قال في الخوارج أينما وجدتموهم فاقتلوهم ، هم شر الخلق والخليقة ، وفي المقابل أمرهم بالصبر على الحكام ؛ لأن في قتل الخوارج إزاحة لهذا الوباء عن صفوف الأمة ، لأن الخوارج يكفرون المسلمين ، ويستبيحون دماءهم ويسلّون السيوف عليهم ، ويمسكون سيوفهم عن عبّاد الأأوثان ويسلّطونها على عباد الله المؤمنين !
فالحاكم مادام في دائرة الإسلام تجب طاعته في طاعة الله ولا طاعة له في معصية الله . ترى أهل الحديث هذا منهجهم ، لا نطيع أحدا في معصية الله كائنا من كان بعد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ لو أمرك صحابي بمعصية الله لا تطعه ، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمّر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال : ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها ، وقال الأخرون : إنّا قد فررنا منها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها : لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة . وقال للآخرين قولا حسنا . وقال : لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف .
فهذا صحابي ! لا نطيعه في معصية الله .
والوالدان أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ ببرّهما ولو كانا كافرين ، لكن لا طاعة لهما في معصية الله : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ) لقمان : 15 ( . أمرك بمصاحبتهما بالمعروف لكن في معصية الله ، لا .
فالحاكم إذا أمرك بمعصية الله وقال لك : اقتل فلانا مثلا ، خذ مال فلان ..الخ ؛ لا يجوز لك أن تطيعه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، وهو مخلوق مثلك ؛ أمّره الله سبحانه وتعالى عليك ، وأمرك أن تطيعه في طاعة الله .
إذن : طاعة هذا الأمير ترجع إلى طاعة الرسول وإلى طاعة الله عز وجل ، فإذا أمرك بالصلاة والزكاة والحج والصوم والجهاد وأمور من طاعة الله ؛ تطيعه . لماذا ؟ لأن هذا من طاعة الله عزوجل ، أما إذا أمرك بمعصية فهذا ليس من طاعة الله عزوجل بل هذا من معصية الله ، فلا تطعه . هذا معنى الحديث .
استأذنوه في قتالهم ـ يعني : قتال الحكام الظلمة ـ فأبى ـ عليه الصلاة والسلامـ ؛ فعن أم سلمة رضيالله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليهوسلم قال : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صّلوا " ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر :" أدّوا إليهم حقّهم وسلوا الله الذي لكم ".
إذا استأثر الحاكم بالمال والمناصب فهل نثور عليه بالسلاح ؟
الجواب : نصبر لإبقاء الهيبة للمؤمنين وتبقى شوكتهم قوية وسيفهم مسلولا على الأعداء وليس على أنفسهم ؛ لأننا إذا ثرنا عليه جاءت مفاسد لا أول لها ولا آخر . يعني : بالصبر عليهم تتحقق مصالح عظيمة وتدرأ مفاسد كبيرة وخطيرة لانهاية لها فالشارع الحكيم أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر ووضع لنا لذلك ضوابط .
منها : أنه بيّن لنا كيفية مواجهة المنكرات التي تحصل من الحكام؛ بأن لا نطيعهم في معصية الله ، وأمرنا إذا أردنا أن ننصحه ؛ أن ننصحه في السرّ فيما بيننا وبينه بالحكمة والموعظة الحسنة إن سمع وتقبل فذاك ؛ وإن لم يتقبل ،فالمنكر الذيارتكبه يرتكبه على نفسه ، ونكون قد أدينا ةاجبنا والحمدلله . أما الخروج وسلّ السيف عليه فلا ، مادام في دائرة الإسلام ، قال صلى الله عليه وسلم :" خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويُصلّون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم . قيل : يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة " ، " وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " ، فلا يسمح لك أن تخرج على هذا الحاكم الجائر إلا إذا رأيت الكفر البواح ، كأن يبيح الخمر أو يبيح الخنزير أو يبيح الربا علانية ، فهذا كفر بواح ـ بارك الله فيكم ـ .
هذا إذا كان للمسلمين قدرة على تنحيته ؛ فليقوموا بذلك ، وأما إذا عجزوا فلا يكلّف الله نفسا إلا وسعها . أما مادام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصلي ويصوم ويجاهد ؛ مادام يصلي فقط نطيعهم " ما أقاموا فيكم الصلاة " .
فهذا هو المنهج الصحيح الذي سار عليه أهل الحديث انطلاقا من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ عليه الصلاةوالسلام ـ في كل شؤونهم الدينية والدنيوية والاجتماعية والسياسية ؛ كلها تنطلق من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ عليه الصلاةوالسلام ـ .
والإمام البخاري قالوا : كان لا يتحرك حركة إلا بحديث ، وفي إحدى سفراته اقترب من العدو واستلقى قالوا : بأي حديث ؟ قال : الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأخذ بالقوة ـ أو كما قال ـ ، يعني : الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نعدّ العدّة للعدو وأن نتقوّى ؛ فأمرنا بالفطر لمواجهة العدو في رمضان ، نفطر في رمضان حتى نكتسب قوة على العدو .
الشاهد : أن أهل الحديث المخلصين الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم وعقائدهم ومناهجهم ملتزمون بكتاب الله ومن ذلك التعامل مع الحكام .
إذا تعاملنا مع الحكام انطلاقا من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ قالوا : عملاء ، جواسيس !!هم خوارج !
الآن أصبحوا جسورا ؛ مدّوا الجسور مع الحكام ويمدحونهم بالكذب ويغرّونهم بالكذب ، لا يمدحونهم بالصدق ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر ! بل إذا رأوا الحاكم فيه خطأ توسعوا في هذا الباب ، ويجرونه إلى البلايا والمشاكل والعياذ بالله !
أما نحن فلا نزال عملاء ! حتى لو ما سلكنا هذه المسالك فنعوذ بالله من هذا البلاء ، وهي طريقة الخوارج والمعتزلة والروافض !!
الخوارج والروافض يطعنون في الصحابة وخرجوا على عثمان ، وخرجوا على عليّ وخرجوا على الحكام ، وكم لقيت الأمة منهم من المفاسد ومن المهالك ، وشتتوا أمر الأمة ومزقوها أشلاء حتى أصبحت أذلّ الأمم بسبب التفرق وبسبب مخالفة كتاب الله وسنة الرسول ـ عليه الصلاةوالسلامـ في العقائد وفي السياسة ، فلم يلتزم الكثير منهم العقيدة الإسلامية ولا التزموا السياسة الإسلامية التي شرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله : ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين
وهذا بخلاف الروافض ، إذ إنهم لا يرون الجمعة والعيدين مع الحكام ، فالروافض ينتظرون المهدي الإمام المعصوم ! في الجمعة والجماعة ، وإذا صلوا معنا فهم كذابون وإنما ذلكمن باب التقية ، ولو أنشؤوا المساجد فهم كذابون ، لأن في دينهم لا جمعة ولا جماعة حتى يأتي الإمام !
والصحابة كانوا يصلون خلف أهل البدع ، يصلون وراء الحجاج ، ويصلون وراء الخوارج لأن الرسول عليه السلام أمرهم بالجماعة ، ولما حاصرواعثمان وتغلبوا في المدينة وراح إمام الثوار قبّحه الله يصلي بالناس قالوا لعثمان : ( إنك إمام عامّة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرّج فقال : " الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم " ؛ يعني : صلوا معهم لأن هذا إحسان ، فإن أساؤوا فلا تسىء معهم ،هذا الخليفة الراشد ظلموه وافتروا وكذبوا عليه وحاصروه ومنعوه من الماء ويقولون له : أنت إمام جماعة وهؤلاء يصلون بنا أهل فتنة فقال لهم: صلوا مع الجماعة فإن أحسنوا فأحسنوا .
انظروا الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في أحلك الظروف وأشدها لا تغلب عليه عاطفة ولا هوى ؛ يُحكّم شرع الله إن أحسن الناس فأحسنوا .
فالمبتدع إذا صلّى فقد أحسن ، فصلّ معه مادام لم يكفر ، فإذا كفر فلا صلاة وراءه ، لكن مادام هذا المبتدع في دائرة الإسلام وتسلّط علينا وصلّى بنا فنصلي وراءه ، إذا أمكننا أن نبعده بدون مفاسد ونأتي بإمام سنيّ ، فهذا يجب علينا ، وإذا عجزنا فنصلّي .
ولهذا حدد الله المواقيت للصلاة والرسول ـ عليه الصلاةوالسلام ـ أكدها ، وأخبر أنه ستكون أمراء يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى ، ويعتبر هذه الصلاة كأنها صلاة المنافقين ومع ذلك أمر بالصلاة مع الجماعة وراء هذا الإمام الذي يؤخر الصلاة ، قال لك : صلّ في بيتك فإن وجدت جماعة يصلون في المسجد فصلّ معهم ، هؤلاء الذين يتعمدون تأخير الصلاة إلى آخر وقتها أو إلى دخول الوقت الثاني واقعين في جريمة ، لكنك إذا رأيتهم يصلون في جماعة فصلّ معهم ، ضبط في الأمور وحرص على وحدة الكلمة وإبعاد الأمة عن الخلافات التي تؤدي إلى تمزيقهم وتشتيتهم .
فأهل السنة أخذوا بهذا المنهج ، يصلون وراء ولاة الأمور ولوكانوا جورة ، يصلون وراءهم الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات كصلاة الكسوف والاستسقاء أي صلاة يصلونها يصلي معهم ، أي صلا تشرع فيها الجماعة لا نقول هذا الإمام مبتدع أو هذا الإمام فاجر أو فاسق بل نصلي معه الجماعة .
قال رحمه الله : ( خلف كل إمام مسلم ) فالكافر لا نصلي وراءه ( برّا كان أو فاجرا ) لأن الخوارج يكفرون بالكبائر ! والمعتزلة لا يقولون كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين ! فالخوارج عندهم إذا وقع في أي كبيرة خرج من دائرة الإسلام حاكما كان أو محكوما ، أما أهل السنة فلا يخرج ـ عندهم ـ من الإسلام بارتكاب الكبيرة مالميستحلها ، ولا يخرج من الإسلام إلا بالكفر والشرك ، أما بالمعاصي ولو كانت كبيرة ولو أصرّ عليها فهو مذنب مجرم ، متوعّد بالنار ، لكن لا نخرجه من دائرة الإسلام ولا نحكم عليه بالخلود في النار .
قال رحمه الله : ( ويرون جهاد الكفرة معهم ) لأن في جهاد الكفرة قوة للإسلام والمسلمين وحماية لهم .
ولو تركنا جهاد الكفار معهم وقلنا : والله هذا الإمام فاجر كيف نقاتل معه ؟! وجاء العدو وهجم على بلادنا لا نقاتله ولا ندافع عليه ؛ لأن الحاكم فاجر ، لضاعت بلاد المسلمين وتغلب الكفار وأنشئت الكنائس والبيع وأبيحت المحرمات إلى آخره .
فوجود الحاكم ـ ولو كان فاسقا ـ : فيه احترام للإسلام ،وتكون شعائر الإسلام قائمة ويحصل به خير كثير ولو كان فاجرا في نفسه ولو انتشر شيء من فجوره ، لكن إذا قارنت بين احتلال الكفار لبلاد المسلمين وبين حكم هذا الفاسق وما يوجد في حكمه من الفساد لوجدت المسافة كبيرة وعظيمةجدا .
إذن هم يراعون المصالح والمفاسد في التزامهم بالجهاد مع الحاكم الفاجر ، ولو أخذنا برأي الخوارج والروافض ( لا نقاتل مع حاكمنا لأنه فاجر ) وجاءتنا بريطانيا أو أي دولة يهودية أو نصرانية احتلوا بلادنا ولا نجاهد معهم ، ماهي النتيجة ؟ ! نسأل الله العافية .
قال رحمه الله : ( ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية ) ندعو لهم بالصلاح والإصلاح ؛ وكان الأئمة ومنهم الأإمام أحمد يقول :لو أن ليدعوة مستجابة لدعوت بها للحاكم ، لأن في صلاحه صلاح للأمة ، فإذا أصلحه الله أصلح به الأمة ويمثّلون الحاكم بالقلب ؛ إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله ـ والعياذ بالله ـ فنحن نحرص على إصلاح الحكام بالنصيحة وبالحكمة والموعظة الحسنة على الطريقة الشرعية ، وليس بالتشهير والتحدي والتهييج ، لا ، وإنما بالطريقة الحكيمة وهذا المسلك سلكه الصحابة ؛ فكانوا ينصحون الأمير فيما بينهم وبينه .
الآن ـ والله ـ العامّي في الشارع تتردد كيف تنصحه وبأي أسلوب تتعامل معه ؟ ! تأتيه بأسلوب لطيف ولطيف ثم ما أدري هل يقبل أو لا ؟ ! فكيف بواحد عنده شوكة وعنده سلطان وعنده قوة وتأتي تهينه أمام الناس وتشهّر به كيف يقبل منك؟! إذن هؤلاء الذين يشهّرون لا يريدون الخير ، يريدون إثارة الناس ويريدون الفتن ولا يريدون الإصلاح! فالإصلاح له طرقه بارك الله فيكم!
فندعو لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية ، ندعو لهم بهذه الأشياء كلها ،نسأل الله أن يصلحهم ويصلح لهم الرعايا ، ونؤلف الناس عليهم ونصبّرهم عليهم بالحكمة ونبيّن لهم المصالح الكبيرة الي تترتب على ذلك ، ونبين لهم المفاسد التي في الثورة وفي التهييج وفي سلّ السلاح وماذا يترتب عليه من مفاسد عظيمة و إلى آخره ، وكيف وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونذكر الأحاديث التي وردت في هذا الباب .
كنا نذكر هذه الأحاديث وأحاديث كثيرة ونفصّل فيها فيعتبروننا عملاء ! الذي يبين للناس منهج الحق يعتبرونه عميلا ! فنعوذ بالله من الفتن .
قال رحمه الله : ( ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف ) ، فلا يرون الخروج عليه بالسيف كما يراه الروافض والخوارج وأهل الفتن الذين أخذوا بهذه المناهج الفاسدة ( وإن رأوا منهم العدول عن العدل ) يعني : مالوا إلى الجور والحيف .
قال رحمه : ( ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل ) الفئة الباغية نقاتلها مع الحاكم ، إذا خرجت فئة على الحاكم ولو فاجرا نقوم إلى الفئة الباغية فننصحها ونتعرف على مطالبها فإن كانت حقا طلبنا من الحاكم إزالة شكواهم ؛فإن فاؤوا ورجعوا إلى طاعة الإمام وإلا قاتلناهم مع الحاكم المسلم .
وإن كانوا خوارج مكفرين للحاكم جهلا وظلما وخرجوا عليه ،فعلينا أن نقاتلهم مع الحاكم ، ولهذا قاتل الصحابة والتابعون مع بني أمية على مافيهم من الإنحراف ، قاتلوا الخوارج فهذا هو الطريق الصحيح .
والأصل في هذا قوله تعالى : (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله )) [ الحجرات: 9 ] أي : إذا كان هناك فئتان من المسلمين حصل بينهما قتال ، فإننا نحاول الإصلاح بينهما ، فإذا بغت إحداهما على الأخرى نقاتل التي تبغي ، فإذا بغت وسلّت سيفها على الحاكم فإنما تبغي وتخرج على الأمة وتمزق كلمتها وتعرّضها للمحن والفتن والذلّ والهوان ، فيجب أن نقاتلهم .
نسأل الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يوفقنا للتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن ؛ إن ربنا لسميع الدعهاء ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
(عقيدة السلف وأصحاب الحديث للإمام الصابوني شرح فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ص :358 (
وقال الشيخ زيد بن هادي المدخلي حفظه الله
طاعة ولي الأمر قيدها الرسول صلى الله عليه وسلم في المعروف , وأما الكلام فيه بما هو فيه فهذا من طريقة أهل البدع لا من طريقة أهل السنة والجماعة , لأن التشهير بولي الأمر بما فيه وعقد الجلسات لمثل هذا الصنيع لا ينتج عنها صلاح ولا إصلاح , و إنما ينتج عنها الشر المستطير و الاختلاف بين الناس والبغض للولاة , فتضطرب الأمور وتحل النقم محل النعم , فالحذر الحذر من ذلك فإنه تصرف سيء لا يجوز أبدا ولكن الدعاء لهم والنصيحة لمن يقدر على أداء النصيحة و بذلها هو الذي ينفع ويفيد , ومن لم يقدر على إيصال النصيحة بنفسه فليتصل بمن يقدر أن يوصل النصيحة السرية بالمعروف هذا هو الذي ينبغي أن يكون .
و أما الخوض في شأن حكام المسلمين و سياستهم فهو من الخطأ المحض الذي يجب تركه , لأنه من صفات أهل البدع لا من صفات أهل السنة و الجماعة .
فأما أهل السنة والجماعة فإنهم يدعون للحكام المسلمين و إن جاروا و فسقوا , ولا يدعون عليهم , و يظهرون محاسنهم و لا يظهرون مساوئهم و هذا معلوم قاله علماء السلف ويقول به أتباعهم اليوم , وما ذلك إلا لأنه يترتب على إظهار المساوئ وعقد المجالس لغيبتهم من السوء و المكروه و الفرقة و الفوضى ما يعلمه الكثير من طلاب العلم , وعلى كل حال فإن النصوص في هذا الشأن حاسمة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم اسمع و أطع و إن ضرب ظهرك وأخذ مالك.
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على ما قد يجري من الحكام المسلمين على رعاياهم وحذر من الخروج لما فيه من الشر على الخاص و العام.
هذه طريقة السلف ومنهجهم ومنهج أتباعهم , أما عقد الجلسات في الخوض في أعراض الحكام أو العلماء أو غيرهم من فئات الناس , ولو وقعوا فيما وقعوا فيه فهذا لا يجوز , ولا يلزم مما ذكر عدم التحذير من أهل البدع و الداعين إليها و الناشرين لها والكلام فيهم بما يبعد الناس عنهم و يحذر الناس منهم , فرق بين هذا وهذا فإن التحذير من أهل البدع و الداعين إليها من ضروب الجهاد في سبيل الله , ومن باب النفع العام للمسلمين و ليس من باب الغيبة و البهتان المذمومين فليعلم .
(العقد المنضد الجديد الجزء الأول ص ـ 89)
وقال الشيخ محمد بن عبد الله السبيل -حفظه الله-:
إن طاعة ولاة الأمور من أَجَّلِ الطاعات، وأفضل القربات سواء كانوا أئمة عدولاً صالحين، أم كانوا من أئمة الجور والظلم، ما دام أنهم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام، فإن طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه من طاعة الله ورسوله.
فعلى المسلم الامتثال والإذعان لما يأمرون به من المعروف وما ينهون عنه من المنكر طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى وامتثالاً لأمره، ورجاء ثوابه وحذراً من عقوبة المخالفة.
قلت والسمع والطاعة من محاسن الشريعة، فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك، لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً، فالحمد لله على لطفه بعباده.
فهذه بعض الآثار السلفية السنية في بيان عقيدة أهل السنة في طاعة الأئمة في غير معصية الله فما على المسلم إلا أن يسلك سبيل سلفنا الصالح رضي الله عنهم
فبها إن شاء الله يخروج من عقيدة الخوارج أهل الأهواء أولها وأخرها
جمعها