تنامي ظاهرة التحريض على العنف وسفك الدماء
دعا القيادي النقابي التونسي عدنان الحاجي الذي كان من أشد معارضي نظام بن علي وسجن في أحداث الحوض المنجمي التي شهدتها البلاد سنة 2008 قبل اندلاع شرارة الثورة بسنتين إلى قتل الاسلاميين! هذه الدعوة أثارت جدلا كبيرا في صفوف التونسيين وصدمت الكثيرين خشية من انزلاق البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه.
أعداء الثورة
جاءت دعوة عدنان الحاجي خلال اجتماع جماهيري بمدينة الرديف الغنية بالفوسفات الواقعة بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية في المنطقة المعروفة بالحوض المنجمي. ويشار إلى أن هذه المدينة قد عرفت بتمردها المستمر على النظام السابق، وكانت مساهماتها في الثورة فعالة وأغلب أبنائها نقابيون ينتمون إلى شركة فوسفات قفصة التي تعتبر واحدة من أكبر الشركات الوطنية التي اعتمد عليها اقتصاد دولة الاستقلال في تونس. ويعاني معظم سكان الرديف من الفقر وقلة ذات اليد رغم الثروات الطبيعية الهائلة التي ترقد عليها مدينتهم.
واعتبر الحاجي في هذا الاجتماع أن إسلاميي تونس هم أعداء الثورة، وأن على أهل الرديف الذين يعيشون الجوع والخصاصة أن ينالوا حقوقهم بكل الطرق بما في ذلك سفك الدماء. الأمر الذي أثار حفيظة الجميع بما أن الدعوة لم تأت من مواطن عادي بل من مناضل نقابي ضد الاستبداد ينتمي إلى منظمة عريقة هي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ساهم في معركة التحرير من الاستعمار الفرنسي وبناء دولة الاستقلال والتمرد على نظامي بورقيبة وبن علي بحثاً عن العدالة الاجتماعية في بلد يعاني من عدم التوازن في توزيع الثروة.
ويتمتع الاتحاد بقاعدة جماهيرية عريضة وساهم في تأطير الشارع التونسي وتنظيم تحركاته خلال الأيام الأخيرة للثورة ما عجل بسقوط نظام بن علي الذي لم يتصادم مع الاتحاد وجنح طيلة سنوات حكمه إلى إغراء قيادته المركزية بالمال والجاه لضمان ولائه نظرا لمعرفته بقدرة هذه المنظمة على حشد الجماهير وتعطيل دواليب الدولة.
تتبعات
وقد تكفل صحفي يعمل بمكتب قناة الجزيرة في تونس برفع شكوى للنيابة العمومية ضد عدنان الحاجي بدعوى التحريض على القتل وتهديد الاجتماع المدني معتبرا أن دعوة الحاجي أثارت صدمته، وأنه ليس ناطقا رسميا باسم الحكومة التي تتماهى في سياساتها والحق يقال مع المؤسسة الاعلامية التي يعمل بها هذا الصحفي.
ويشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى القضاء ضد محرض على القتل في تونس. فقد سبق لرئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي أن رفع شكوى ضد داعية إسلامي يعمل بوزارة الشؤون الدينية يدعى الحبيب بوصرصار طالب في اجتماع جماهيري بموت السياسي المخضرم الذي عمل مع الملك محمد الأمين باي والرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وبن علي، ثم قاد الحكومة الثانية التي تلت الثورة ونظمت الانتخابات وأعادت الشرعية للبلاد.
والقضية هي الآن في طور التحقيق ويتمسك فيها الداعية المحرض على القتل بعدم توافر القصد الجنائي في دعوته إلى موت قائد السبسي باعتباره دعا إلى الموت السياسي لرئيس الحكومة السابق وليس لموته الجسدي على حد تعبيره. وتبقى للقضاء وحده الكلمة الفصل رغم أن استقلالية القضاء في تونس لم تتحقق بعدُ ممارسةً إثر الثورة وما زالت الحكومة تتلكأ في إصلاحه.
تنديد
دعوات عدنان حاجي إلى قتل الاسلاميين ندد بها المجتمع المدني في تونس وكذا الاسلاميون أنفسهم وعلى رأسهم وزير الداخلية علي العريض المنتمي إلى حركة النهضة. ويخشى التونسيون من أن تتحول دعوات القتل تلك الصادرة من هذا الجانب وذاك إلى عنف وعنف مضاد يتطور ليصل إلى حرب أهلية مع حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد.
ولعل ما يدفع كثيرا من المراقبين إلى التفكير في هذه الفرضية والتحذير من مغبة الانزلاق إليها هو توافر السلاح في تونس وفقا لأنباء لم يتم التأكد من صحتها. ويتم تهريب هذا السلاح عبر الأراضي الليبية وهو من مخلفات معركة الكتائب أنصار القذافي والثوار. وقد استفاد من هذا السلاح ثوار الطوارق سكان الصحراء الكبرى الافريقية الذين وظفوه لحسم معركتهم مع الجيش المالي وإقامة دولتهم شمال البلاد. كما تم تهريب كميات من هذا السلاح إلى الأراضي التونسية عبر تجار سلاح ووسطاء وتم ضبط الكثير منه من قبل الأمن والجيش التونسيين، لكن الأكيد أن كميات أخرى لم يقع التفطن إليها هي الآن داخل التراب التونسي.
ولعل الجهة التي يمكن تحميلها مسؤولية ما يحصل هي بالتأكيد الحكومة، لكن المعارضة تتحمل بدورها وزر دعوات الاقتتال تلك وذلك من دون نسيان المجتمع المدني فجميعهم يكيلون بسياسة المكيالين. فوزير الداخلية لم يُدن المحرض على قتل الباجي قائد السبسي بنفس النبرة التي أدان بها المحرض على قتل الاسلاميين حيث ثارت ثائرته في أحد البرامج الحوارية على القناة الوطنية الثانية وهو يتحدث عن عدنان الحاجي فيما لم يسمع له صوت حين دعا الحبيب بوصرصار إلى موت قائد السبسي. وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي هاجت وماجت دفاعا عن رئيس الحكومة السابق التزمت الصمت حين تعلق الأمر بالتحريض على قتل الاسلاميين في الرديف. وهو ما سيزيد من حالة الاحتقان ويشيع الكراهية بين التونسيين ما لم يدرك فريق الحكم ومعارضوه على حد سواء أن القانون فوق الجميع، ويجب تطبيقه على الاسلامي والعلماني والمؤمن والملحد ومن يوالي الحكومة من السلفيين ومن يصطف إلى جانب معارضيها من دون تمييز في المواطنة.