بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الضالمين .
أما بعد :
كثير من الإخوة الأفاضل وفقنا الله و إياهم ، و هدانا الله و إياهم لصالح القول و العمل ، غفلوا أو تغافلوا و عن ما حرمه الله ، و استغوى الشيطان على عقولهم في حب الأغاني التي هي بعد عن الله رب العالمين .
و زاد عليها جماعت من المسلمين و شاقت بها جماعة المسلمين و علمائها الأفداد لذا وددنا أن نجعل هذا و لو على إيجاز في بيان الحق في تحريم هذا السماع الذي ، ليس هو من سماع الأنبياء و الرسل.
من القرآن :
قال الله تعالى : (( و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم و يتخذها هزؤا ، أولئك لهم عذاب مهين )) سورة لقمان آية 6
قال ابن مسعود رضي الله عنه : و الله الذي لا لإله إلا هو إنه الغناء . و تفسير الصحابي حجة
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
من السنة :
قال الرسول عليه الصلاة و السلام : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر 'الزنا' و الحرير و الخمر و المعازف ) رواه البخاري
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صوتان ملعونان صوت مزمار عند النعمة وصت ويل عند المصية ) السلسلة الصحيحة 427
اقل عليه السلام : ( ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير إسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير ) صحيح بن ماجة .
أقوال الصحابة و التابعين
قال عثمان رضي الله عنه : ( ما تغنيت و لا تمنيت )
قال بن مسعود رضي الله عنه : ( الغناء ينبت النفاق في القلب )
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أخبث الكسب كسب المزمار)
قال بن عباس رضي الله عنه: ( الدف حرام، المعازف حرام و الكوبة حرام و المزمار حرام )
أقوال الأئمة الأربعة :
أما الإمام مالك رحمه الله : فإنه نهى عن الغناء و عن إستماعه و قال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب.
و سئل _رحمه الله_ : عما يرخس فيه أهل المدينة من الغناء ؟
فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . شرح مختصر خليل 6/153 .
قال أبو حنيفة _رحمه الله_ : فإنه يكره الغناء و يجعله من الذنوب و قد صرح أصحابه بتحريمسماع الملاهي كلها كالمزمار و الدف حتى الضرب بالقضيب و صرحوا بأنه معصية يوجب الفسق و ترد شهادته .
قال الشافعي _رحمه الله_ : يشبه الباطل و المحال و من إستكثر منه فهو سفيه ترد شهادته . الأم 6/214
و قال : خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن .
و صرح أصحابه بمذهبه بتحريمه و أنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري ، و أبي إسحاق رحمهم الله .
قال الإمام أحمد _رحمه الله_ : فقال عبد الله ابنه : سألت أبي عن الغناء ؟ فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، لا يعجبني .
و قال : الزمر و الناي و السرنا و الطنبول و المعزفة و الرباب و ما ماثلها حرام .
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب-، فلا دعوة لهم (الجامع للقيرواني).
قال النحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة، وقال الطبري: وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. و يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف.
قال أبو زكريا النووي في كتابه رياض الصالحين :
أن يغني ببعض آلات الغناء بما هو شعار شاربي الخمر ، و هو مطرب كالطنبور و العود و الصنج و سائر المعازف و الأوتار ، يحرم استعماله و استماعه
السؤال :
إن كثيرا من الرجال والنساء يستمعون الغناء، فما حكم ذلك، نرجو النصيحة؟
الجواب :
نصيحتي لجميع الرجال والنساء عدم استماع الأغاني، فالأغاني خطرها عظيم. وقد ابتلي الناس بها في الإذاعات وفي التلفاز وفي أشياء كثيرة كالأشرطة، وهذا من البلاء. فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء أن يحذروا شرها وأن يعتاضوا عنها بسماع ما ينفعهم من كلام الله عز وجل ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كلام أهل العلم الموثوقين في أحاديثهم الدينية وندواتهم ومقالاتهم كل ذلك ينفعهم في الدنيا والآخرة.
أما الأغاني فشرها عظيم وربما سببت للمؤمن انحرافا في أخلاقه لقول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[1] وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى تفسير لهو الحديث بالغناء، وإذا كان معه آلات اللهو كالمزمار والعود ونحوهما صار الإثم أكبر؛ لعظم ما يحصل بذلك من الفساد في القلوب والأخلاق، وقد يجر ذلك إلى الضلال والإضلال والاستهزاء بالدين والاستكبار عن سماع القرآن والعياذ بالله من ذلك، كما نبهت الآيات المذكورات على ذلك.
وقد يفضي بأهله إلى النفاق؛ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة لقمان الآيتان 6-7.
السؤال : هل يشرع للرجال استعمال الدف عند الإنشاد، وما هي الضوابط العامة لهذا الأخير، ثم هل يجب الإنكار على من يفعل ذلك؟
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد ورد الترخيص في الضرب بالدف في الأعراس والأعياد ونحوها ففي حديث الربيع بنت معوذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها غداة بني بها وعندها جويريات يضربن بالدفوف ...) أخرجه الترمذي وصححه الألباني )،وفي الحديث أيضاً : ( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني ،لكن أكثر العلماء على أن استعمال الدفوف خاص بالنساء دون الرجال ،قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ... ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس ،وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف )) إلى أن قال رحمه الله : (( ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً ويسمون الرجال المغنين مخانيث وهذا مشهور في كلامهم )) .(مجموع الفتاوى 11 / 565 ، 566 ).
ومع هذا فإن هناك من قال بجواز الضرب بالدف للرجال أيضاً أي في المواضع التي أبيح فيها الغناء كالعيد والعرس ، وقد نقل ابن مفلح في الفروع (5/237) أن ظاهر كلام أحمد وأصحابه التسوية في ذلك بين الرجال والنساء ،كما ذكر الحافظ ابن حجر لقول بالجواز للرجال في فتح الباري : ( 9 / 226 ) لكنه ضعفه وقال : (( والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن )) .
وممن أفتى بأن الدف للنساء خاصة من المعاصرين الشيخ ابن باز رحمه الله ،وأما الشيخ ابن عثيمين فقد نقل عنه القول بالجواز للرجال ،ولكني سمعته في فتوى صوتية ينفي أنه قال بذلك ،ولكنه أثبت الخلاف في المسألة ،ثم ذكر أنه ربما يكون البعض قد سمع منه إثبات الخلاف في المسألة فظن أنه يقول بجواز الدف للرجال .
وعلى ذلك فإن الصواب أن يقصر الترخيص في الضرب بالدف على النساء دون الرجال ،لكن بما أن المسألة مختلف فيها فلا أرى الإنكار على من أجاز ذلك للرجال ،وإنما ينصحون في ذلك ويبين لهم الصواب بالدليل .
أما الإنشاد بالنسبة للرجال وهو ما يعرف بالأناشيد الإسلامية فالذي أراه أنه قد حدث في العصور الأخيرة نوع من المبالغة فيه ،وذلك أن النصوص الشرعية إنما رخصت في إنشاد الرجال أحياناً مثل حداء الإبل وعند الحاجة إلى بعض النشيد عند العمل أو التحفيز على الجهاد ونحوه ،لكن لم يكن من عادة السلف استغراق أوقات طويلة في إنشاد الأناشيد والاستماع إليها أو أن ينقطع لها أناس يعتبرونها مهمتهم ووظيفتهم في الحياة ،وعلى ذلك فإن من أهم الضوابط التي يجب مراعاتها عند إنشاد تلك الأناشيد أو الاستماع إليها أن تكون المعاني التي تدعوا إليها تلك الأناشيد من المعاني المقبولة شرعاً بحيث لا يكون فيها غلو ولا تفريط ،وأن تكون بغير آلات موسيقية ولا حتى الدف بالنسبة للرجال ،وأن لا يكثر الإنسان من إنشاد تلك الأناشيد أو الاستماع إليها بحيث تصرفه عن سماع القرآن الكريم أو طلب العلم وغير ذلك من المهمات ،أي أن يجعل تلك الأناشيد نوعاً من الترويح عن النفس بين الحين والآخر ،وكذلك أن لا تكون تلك الأناشيد ملحنة على نغمات الأغاني الهابطة ،وهذه الضوابط ونحوها قد اشترطها أهل العلم المعاصرين كالشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز والشيخ الألباني وغيرهم ،والله أعلم.
_____________________