يرى منكرو المعجزات الحسية للنبي أن القرآن الكريم لم يأت على ذكر أي معجزة حسية واجه بها النبي الكفار و المشركين للدلالة على نبوته . بل و على العكس من ذلك وثق لنا القرآن مطالبتهم بالآيات الحسية و عدم الاستجابة لمطالبهم
"ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه , إنما أنت منذر و لكل قوم هاد"
"و قال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية"
"و أقسموا جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمن نبها"
"قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله"
"و قالوا لولا يأتينا بآية من ربه"
"فليأتنا بآية كما أرسل الأولون"
"و قالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه"
"و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه , قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا"
بل تعجبوا من ان يرسل الله بشرا رسولا
"مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الاسواق"
في مقابل ذلك كان جواب القرآن :
"قل إنما الآيات عند الله"
"قل إنما الآيات عند الله و أنما انا نذير مبين"
"و ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله"
"قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلي"
و لأن قريش اكثرت من مطالبة الرسول صلى الله عليه و سلم بمعجزات حسية فقد كبر على الرسول أن لم يؤيده الله تعالى بآيات حسية و ضاق صدره بذلك . لكن الوحي ينزل ليبين للنبي ان الامر ليس بيده :
"و إن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية و لو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين"
"فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك و ضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك , إنما أنت نذير و الله على كل شيء وكيل"
و الآيات كثيرة في هذا الباب تدل أن النبي لم تكن له آية حسية لقريش كما كانت للرسل من قبله و كما كانت تطالبه قريش لان الآية الحسية محدودة بالزمان و المكان و دعوة محمد مستمرة بعده و لأن على البشرية ان تنضج و تستقل و تنتقل من طور الإيمان القائم على الحواس إلى الإيمان القائم على النظر و التدبر .
"و من آياته أن خلقكم من تراب ثم إذ أنتم بشر تنتشرون , و من آياته أن خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة , إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون , و من آياته خلق السموات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين , و من آياته منامكم في الليل و النهار و ابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون , و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحيي به الارض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون , و من آياته ان تقوم السماء و الارض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا انتم تخرجون"
و الآيات القرآنية التي تحيل على الآيات الكونية كثيرة لا يمكن حصرها هنا . لكنها في الجملة تنتقل بالإنسان نقلة نوعية فبعد ان كان المؤمن في عصور النبوة بحاجة لمعجزة تدعم إيمانه , صار مؤمنو عصر ما بعد النبوة مطالبون بالإيمان القائم على النظر و التدبر وحده . فإذا كان مسلمو اليوم و هم يزيدون عن المليار ليسوا بحاجة لمعجزة حسية حتى يؤمنوا بالله و رسوله فلماذا يكون من عايش النبي و سمع منه بحاجة لتلك المعجزات .
إما إذا كان لهم اعتراض على نبوة محمد نفسها فالقرآن يجيبهم :
"و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة مثله و ادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين , فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها النار و الحجارة أعدت للكافرين"
"أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين"
"قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا"
"أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون , فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين"
من استقراء الآيات القرآنية يبدو أن محمدا صلى الله عليه و سلم بوصفه خاتم الانبياء و المرسلين كان نبيا بلا معجزة حسية , فالقرآن لم يحتج على الكفار و المشركين بأي آية حسية للرسول بل يؤكد أنه معجزته الوحيدة هي القرآن الكريم .
(يتبع إن شاء الله)