الناس أتقوا الله تعالى وأعلموا أن النصر من عند الله وأن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقيين
ولما كانت الأمة الإسلامية قائمة بشريعة حافظة لحدود الله مجاهدة في سبيله لتكون كلمته هي العليا لما كانت الأمة الإسلامية كذلك كانت منصورة ظافرة فتحت مشارق الأرض ومغاربها وكان لها السلطة والسيطرة على الأمم لأنها تقاتل لله و بالله و في الله تقاتل إخلاصا لله وإعتماداً عليه وإلتزاما بشريعته
فلما أختلفت أهواء الأمة وتفرقت كلمتها وتشعبت مناهجها دب فيها الضعف وتكالب عليها الأعداء وغزوها من كل جانب وبكل سلاح غزوها من ناحية الفكر والعقيدة فغيروا أفكار المسلمين وأفسدوا عقيدتهم وغزوهم من ناحية الأخلاق والمثل العليا فأفسدوا أخلاق المسلمين وهدموا مثلهم وغزوها من ناحية المنهج والسلوك فغيروا الأمة الإسلامية في متاهات الجهل والخرافات والبدع وفرقت الأمة دينها وصاروا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وأبدلوا القوانين الشرعية الألهية بقوانين وضعية طاغوطية فحكموا بغير ما أنزل الله وزعموا أن الحكم بما أنزل الله قد أنقضى وقته وأنغرض أهله وقالوا إن الحكم بالإسلام لا يطابق هذا العصر ولا يناسب أهله وما الإسلام إلا رجعية وتخلف إلى الوراء
قال هذا من قاله ممن يحكمون المسلمين قاله هؤلاء الكفار السفاه )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)لما
بلغت الأمة الإسلامية إلى هذا المستوى إنحطت معنويتها ونزعت من قلوب أعدائها هيبتها وتغلب الأعداء عليها بقوة السلاح فغزوها غزوا عسكريا في حرب التتار وفي حرب الصليبيين النصارى وفي حرب الصهيونيين اليهود وفي حروب أخرى هنا وهناك نقرأوها في أخبار من مضى ونسمع عنها في أخبار من قضى
أيها المسلمون إن هذا التفرق الذي حلّ بالأمة الإسلامية وحطم معنويتها وأزال عزتها وكرامتها إنه لمن أسبابهم هم بأنفسهم وفي هذه الأيام أحدثت الأمة اليهودية الصهيونية أحدثت فيما يسمى بالضفة الغربية قلاقل وزعازل وذلك فيما نظن تمهيداً للسيطرة عليها سيطرة كاملة وضمها إلى دولة اليهود كما ضمت قبل أشهر ضمت مرتفعات الجولان التي كانت بأيدي العرب وكل هذا الكلام الذي نسمعه من العرب في الإحتجاجات والوقوف ضد هذه الأعمال كل هذا يجيدهم شيئا حتى يرجعوا إلى شريعة الله ويتفقوا عليها ويحكموا دين الله تعالى وأما مجرد الكلام فإنه لن يجدي شيئا أيها المسلمون إن لنا بل إن علينا أن نتسأل لماذا خلفت هذه الأمة اليهودية على أمة العرب حتى أستحلت من بلادها ومقدساتها
ولكن علينا أن نتصور تصوراً صريحاً قبل الجواب والصراحة وإن كانت مرة في بعض الأحيان لكنها هي الوسيلة للحكم الصحيح وشق الجرح يؤلم المريض لكنه الوسيلة للعلاج الناجع وعلينا أيها الأخوة علينا بعد التصور الصريح أن نحكم بالعدل والعقل ولو على أنفسنا كما أمرنا الله بذلك في
قوله )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ )(النساء: من الآية135)
إننا إذا نظرنا إلى تسلط هولاء اليهود على العرب وجدناه من عند أنفسهم كما قال الله تعالى في جواب على سؤال المصابين يوم أحد وأعتقد أن الكثير منكم يعرف ماذا أصاب المسلمين يوم أحد يوم أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم ترتيبا منظما مطابقا يكون به النصر فوضع خمسين من الرماة في ثغر في جبل أحد وقال لهم لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتم الطير تخطفنا. فلما نشب الحرب بين المسلمين وأعدائهم من الكفار صار النصر للمسلمين وهزموا الكفار وبدت الغنائم فقال أهل الثغر الغنيمة الغنيمة فنصحهم أميرهم وقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتم الطير تخطفنا) ولكنهم عفا الله عنهم خالفوا هذا الأمر وظنوا أن الأمر قد أنفقضى بإنهزام المشركين فترك أكثرهم هذا المكان وهذا الثغر ونزلوا إلى الغنيمة فكانوا يريدون الدنيا ولكن الله قد عفا عنهم أيها المسلمون ماذا كان في هذه المخالفة كر فرسان المشركين على المسلمين من هذا الثغر وأتوهم من ورائهم وأختلطوا بهم وحصل للمسلمين ما حصل من المصيبة العظيمة فأستشهد منهم سبعون رجلاً على رأسهم وفي مقدمتهم أسد الله وأسد رسول الله حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذه الغزوة ومن هذه المصيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم جرح حتى غاصت حلقة المقفل في وجنته وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وأصابه من الضعف ما أدى إلى الإغماء أوكاد كل هذا من أجل هذه المخالفة المصيبة والتي أجاب الله تعالى على السؤوال عنها )أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165)
إشارة إلى أنه قادر على أخذ أعدائهم أيها المسلمون لو تصورنا حال العرب اليوم تصورا صريحا وحكمنا حكما عدلاً مبنياً على العقل بعيداً عن تيارات العاطفة لوجدنا في العرب اليوم ما هو ما أكبر أسباب الخذلان والهزيمة
لو تصورنا حال العرب أيها المسلمون لوجدنا في العرب اليوم ما هو من أكبر أسباب الخذلان والهزيمة في قادتهم وفي شعوبهم أيضا ففي العرب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر وفي العرب من يشرك بالله بدعاء المخلوقين وتعظيمهم والتعلق بهم كما يفعل ذلك في الله عز وجل وفي العرب من لا يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة ولا يصوم رمضان ولا يحج البيت وفي العرب من يحكم بغير ما أنزل الله ويرى أن الحكم بما أنزل الله قد أنتهى وقته وإنقرض أهله وأنه غير صالح لهذا العصر وفي العرب من تباع الخمور في أسواقهم وتشرب علانية لا يشربها الكفار بل يشربها من ينتسب إلى الإسلام علانية كما تشرب الشربات المباحة وفي العرب من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وفي العرب من لا يقيم الحدود التي أوجب الله في الجرائم ويرى أن إقامة الحدود همجية ووحشية إلى غير ذلك من المعاصي والمنكرات فإذا كانت معصية
واحدة من بعض المجاهدين في غزوة أحد إذا كانت هذه المعصية من أسباب مصيبة الهزيمة فما بالكم أيها الأخوة في هذه الفظائع التي توجد في بعض البلاد العربية اليوم بل إن في بعض حكام العرب من يعمدون إلى من أخلصلوا دينهم لله وقاموا بشريعة الله يعمدون إلى هؤلاء فيقتلونهم ويستبيحون حرمات نسائهم ولقد حدثت أن في بعض هذه البلاد من أسباب الطغيان العظيم أنهم إذا رأوا الرجل قد أتبع السنة في إعفاء لحيته أدخلوه في السجون أيها المسلمون إن الطمع في النصر بدون وجود أسبابه طمع في غير محله إن الذي يطمع في النصر بدون وجود أسبابه إنه كمن يطمع في الأولاد بدون نكاح وكمن يطمع في الثمار بدون شجر وكمن يطمع في الربح بدون اتجار فمتى صدقنا الله في الجهاد في سبيله فكان قتالنا لتكون كلمة الله هي العليا وشريعته هي الحكم فنقيم على أرض الله دولةً إيمانية تؤمن بالله واليوم الآخر وتعمل صالحاً وتقوم بأمر الله وتحكم بشريعة الله وتوالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله وتتمشى في ظاهرها وباطنها على ما مشى عليه عباد الله الصالحون من سلف هذه الأمة إننا متى فعلنا ذلك فستكون العاقبة لنا وسيورثنا الله تعالى أرضهم وديارهم وأموالهم كما أورثها سلف هذه الأمة وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤها وكان الله على كل شيء قدير ) إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(لأعراف: من الآية128) )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الانبياء:105) )إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الانبياء:106)
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن ما ذكرناه مما سمعتم في الخطبة الأولى من إنحراف المسلمين عن دينهم ومما حصل من بعض الولاة الطغاة من تحكيم غير شريعة الله وإعتبار الحكم بشريعة الله تأخراً وهمجية وأنه لا يصلح لهذا العصر كل ما ذكرناه من ذلك فإنما حصل بسبب إنحراف الشعوب لأن الشعب متى انحرف وتمرد على الله عز وجل فإن الله تعالى يسلط عليه ظالما يقول الله تعالى )وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129)وكما قيل كما تكونون يولى عليكم فإن الشعب إذا أتفى الله تعالى واتجه إلى الله يسر الله له قادة صالحين يرحمونه ويخافون ربه ويحكمون بشريعته ولا يخالفون أمره ولكن إذا حصل الإنحراف والخلاف من هؤلاء وهؤلاء فسدت الأمة وزال أمنها وزال شرفها وابدلت بعد النعمة نغمة وحل بها عذاب الله وعقابه وأسمعوا الله تعالى يقول )
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)
أيها المسلمون أسألكم بالله هل يعد شاكراً للنعمة من ينام على فراشه ولا يصلي الفجر؟ هل يعد شاكراً للنعمة من يستعين بها على معصية الله فيشتري من آلات اللهو الفاسدة المنحرفة التي تدمر الأديان والأخلاق ما يتمتع به كما تتمتع البهائم؟ هل يعد هذا شاكراً للنعمة؟ هل يعد من تفطر عن طاعة الله ورأى أن الزل لله عز وجل أنه مهانة وأنه رجعية هل يعد ذلك شاكراً لنعم الله؟ لا لا يعد شاكرً لنعمة الله وإن فينا مع الأسف من حاله كذلك ولقد سمعت عن هذه الآلة المدمرة التي لا يجوز لمسلم أن يقتنيها على ما سمعت وهي آلة الفيديو سمعت عنها من الفظائع والمناكر ما لا أحب أن أذكره على هذا المنكر وأتحاشى أن أذكره لأنه لا يكون ولا للبهائم والعياذ بالله وإني أنصحكم أيها الناس أيها المبتلون باللذائذ والشهوات البهيمية أنصحكم أن يبدل الله نعمتكم نغمة فتبتلون في أنفسكم وفي أهليكم كما أني أعتبر أن من البلوة والمصيبة ما أبتليتم به من هذا الفسق والفجور أيها الناس أتقوا الله تعالى في أنفسكم وأتقوا الله تعالى في أهلكم في شبابكم من البنات والبنين وفي زوجاتكم وفي أخواتكم وأمهاتكم لا تبدلوا نعمة الله كفراً دمروا هذا الذي يدمر أخلاقكم كسروه أو أحرقوه
وحتى بيعه لا يجوز لكم لأنكم إذا بعتموه فإنما تبيعونه على إنسان يستعمله كما تستعملونه فتكون من المعينين على معصية الله وكذلك لا تهدوه فإنكم إذا أهديتموه إلى أحد أستعمله فيما أستعملتموه فيه فكنتم من المعينين على معصية الله إذن فلا طريق لكم إلى التوبة إن أردتموها إلا أن تكسروا هذا الجهاز وتحطموه وتقبلوا على الله عز وجل وتعلموا أنكم في دار دنيا لا تدرون متى تنتقلون عنها صباحاً أو مساءً ربما يمسي الإنسان ولا يصبح وربما يصبح ولا يمسي أيها المسلمون أتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في شعوبكم واتقوا الله في ولاتكم فإنهم يسلطون عليكم بسبب معصيتكم على المرء أن يعرف أنه إنما خلق في هذه الدنيا لأمر واحد فقط لعبادة الله لا ليتمتع بها كما تتمتع البهائم فتكون النار مثوى له