بَتْرُ مصطفى المأربيّ كلامَ الشيخ ربيع المدخلي فيما يتعلق بأفعال الله -عزَّ وجلَّ-
قال المأربي: "
خامسا:ذكر الشيخ ربيع في شريط "الجلسة الثانية من المخيم الربيعي" (ب) كلامًا عن الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله تعالى، فقال: (إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم) قال قائل: قديم النوع، قال الشيخ: (قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية).اﻫ
وعبارة الشيخ هذه ظاهرة في تخصيص القول في هذه الصفات: بأنها قديمة النوع, حادثة الآحاد؛ بصفة الكلام فقط، وهذا هو موضع الاستدراك، فإن السلف قالوا في هذا النوع من الصفات:قديم النوع حادث الآحاد ,ولم يخصصوا ذلك بصفة الكلام، فالله عز وجل خالق لا مخلوق ,والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء متى شاء ,فكون الله خالقاً؛هذا قديم ,وأما المخلوق فمحدث,والله عز وجل يخلق ما يشاء، متى شاء، وكذلك الرحمة، فإنها صفة قديمة، ولكن الله عز وجل يرحم من خلقه من شاء ومتى شاء، وهكذا الرزق، فالله عز وجل رازق، وباعث ووارث، ومحي، ومميت، وكل هذا قديم النوع، حادث الآحاد.".
ثم قال المأربي: "وهذا بخلاف قوله السابق,فقد جزم بقوله: (هذا في كلام الله ,في الأفعال ما جاء)!! وعلى هذا فيلزمه التراجع".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي نقل كلام الشيخ محرفاً مزوراً ليس كما هو في الشريط، وأعني بذلك العبارة التي انتقدها المأربي على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
فالذي قاله الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بعد كلام السائل: "قديم النوع حادثة الآحاد، هذا في الكلام؛ في الأفعال الله يفعل ما يشاء , إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى ما لا نهاية".
والذي نقله المأربي وزور فيه: "قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فانظر إلى هذه الفروق بين النقلين:
ونقل المأربي: "قديمة النوع حادثة الأفعال"!!
ونقل المأربي: "هذا في كلام الله".
ونقل المأربي: "في الأفعال ما جاء"!!!.
فانظر إلى هذا التحريف الخطير من المأربي لتحقيق مآربه الدنيئة!!
فالجملة: "الله يفعل ما يشاء" جعلها المأربي: "في الأفعال ما جاء" .
فحسبه الله ما أكذبه، وعن الهدى ما أبعده، ولسبل أهل الزيغ ما أقربه، وللحق ما أعْنَدَه، وعلى الباطل ما أجلده!!
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قرر في كلامه المذكور القاعدة السلفية فيما يتعلق بأفعال الله وهي: أن الله يفعل ما يشاء، متى شاء، والله فعال لما يريد فيما مضى وفيما سيأتي إلى مالا نهاية، وأن أفعال الله وإن كانت حادثة الآحاد فهي ليست مخلوقة لأنها صفة الله، والقول في الصفات كالقول في الذات .
وهذا القدر أجمع عليه السلف، وليس فيه مشابهة لقول أهل البدع بل هو مبطل لكل قول مخالف لما عليه السلف في هذه المسألة .
فهذا كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهر جداً في مذهب السلف والرد على منهج الخلف.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قد تضمن كلامه أن الله فعال في الأزل وهو معنى قول العلماء: "قديمة النوع" .
فقد قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فهذه الجملة المختصرة من شيخنا أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- هي بمعنى قولهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
فالمأربي بجهله بعبارات العلماء يقف عند ظواهر بعض الألفاظ دون فقه أو فهم مع ما يقوم به من بتر وحذف –حسيبه الله!-.
فالسلف-أهل القرون الثلاثة- لم نجد في عباراتهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد" لفظاً، وإنما هو مستنبط من كلامهم: الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وما سيأتي ونحو ذلك .
قال حرب الكرماني في مسائله التي نقلها عن الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما: " وهو سبحانه بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حمله يحملونه، وله حدٌّ، والله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده، ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم، ويتحرك، ويسمع، ويبصر، وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويرضى، ويسخط، ويغضب، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي ويمنع، وينْزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير -إلى أن قال:- ولم يزل الله متكلماً عالماً، فتبارك الله أحسن الخالقين" درء التعارض(2/23) .
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب يزول عن مكانه. فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله تعالى بصفاته وأفعاله -يعني كما نتوهم فيهم، وإنما يجوز النظر والتفكر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنُّزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء".
وقال الإمام أحمد –في كلام طويل-: "والتسليم لله بأمره يغير صفه ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف الله نفسه لا تدفع ولا ترد".
وقال عثمان الدارمي -رحمه الله-: "فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحرك إذا شاء، وينْزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال.
إلى أن قال: بل هو العالي على كل شيء، المحيط بكل شيء في جميع أحواله؛ من نزوله وارتفاعه، وهو الفعال لما يريد، لا يأفل في شيء، بل الأشياء كلها تخشع له وتتواضع، والشمس والقمر والكواكب خلائق مخلوقة، إذا أفلت أفلت في مخلوق في عين حمئة كما قال الله تعالى، والله أعلى وأجل لا يحيط به شيء ولا يحتوي عليه شيء".
تنبيه: النقول من درء التعارض لشيخ الإسلام -رحمه الله- المجلد الثاني.
إلى غير ذلك من العبارات التي نطق بها السلف .
فمن يثبت أن الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وفيما يأتي فهو قائل بقدم النوع وحدوث الآحاد . والله أعلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً، بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد واحدٍ من الأعيان الفانية، ومن الأعيان الحادثة مالا يفنى بعد حدوثه؛ كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة". درء التعارض(2/148) .
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أراد تقرير أمر مهم وهو أن آحاد الأفعال ليست قديمة بل هي حادثة وهي غير مخلوقة .
فقد قال -حفظَهُ اللهُ-: "إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم".
فقوله: "هذه الأفعال حادثة" إشارة إلى آحاد الأفعال ولم يتطرق إلى ذكر جنسها بتاتاً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ وهو صحيح مطابق لما عليه السلف الصالح.
الوجه الخامس: أن ما تبادر إلى ذهن المأربي من تخصيص صفة الكلام بأنها قديمة النوع حادثة الآحاد، وأن أفعال الله لا يقال فيها هذا؛ فهو من سوء فهمه .
وذلك لأنه ظن أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يتحدث عن جنس الأفعال وهذا ليس هو ظاهر كلام الشيخ -حفظَهُ اللهُ- .
وإنما ظاهره أنه أراد آحاد الأفعال وأفرادها كالنُّزول في الثلث الأخير من الليل والاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة ونحوها من الأفعال المقيدة بزمن، بخلاف صفة الكلام فإنها قديمة وأفرادها حادثة، وهي من الصفات الذاتية الملازمة لله عز وجل التي لا يصلح نفيها في زمن من الأزمان .
فالله عز وجل يتكلم ويسكت ولكن لما يسكت الله عز وجل لا يقال: إنه ليس متكلماً .
أما صفات الأفعال المتعلقة بأزمان فبخلاف ذلك .
مثل: صفة الغضب، فغضب الله قديم النوع حادث الآحاد ومع ذلك لا يجوز أن تقول –والله راضٍ- إنه غضبان .
ولا يجوز إذا كان غضبان أن تقول: إنه راضٍ .
أو قبل أن يستوي على العرش لا يقال إنه كان مستوياً على العرش قبل أن يخلقه.
أما صفة الكلام فهي ملازمة له أبداً .
فإذا سكت الله عز وجل لم يجز أن يقال إنه ليس بمتكلم، ويجوز أن تقول إنه لم يتكلم بصيغة الفعل وليس الوصف.
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين في القواعد المثلى(ص/34): "القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً . وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء ..." .
فصفة الكلام ذاتية فعلية بخلاف الأفعال الاختيارية كالنُّزول والاستواء والمجيء والإتيان فصفات فعلية غير ملازمة للذات دائماً .
بل هي بنوعها قديمة حادثة بآحادها .
وقال الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- في الصفات الإلهية(ص/206): "فالقول الجامع لهذه الأقوال –في فهمنا- أن صفات الأفعال أو الصفات الاختيارية تختلف عن الصفات الذاتية الثبوتية التي تتعلق بها مشيئة الله تعالى، لا بأعيانها، ولا بأنواعها، كالقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع والبصر، والحكمة، والعزة، والوجه، واليد، وغيرها
بل هي صفات تتعلق بها مشيئة الله، وتتجدد حسب المشيئة، كالمجيء، والاستواء، والغضب، والفرح، والضحك .
أما صفة الكلام فهي من صفات الذات باعتبار أصل الصفة، ومن صفات الأفعال باعتبار أنواع الكلام وأفراده، والله أعلم.
هذا ما يدل عليه كلام أهل العلم من أتباع السلف عند التحقيق وبالله التوفيق" انتهى كلام الشيخ محمد أمان -رحمه الله- .
فالمأربي بجهله لم يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الاختيارية كالنُّزول والإحياء والإماتة والاستواء، وظن أن التفريق يدل على أن الصفات الفعلية ليست قديمة النوع!
الوجه السادس: أن المأربي بنى نقده واتهام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بالقول بأن صفات الأفعال ليست قديمة النوع –بناه- على نقل محرف مزور مما يهدم بنيان المأربي من أساسه.
الوجه السابع: إن قيل: لم فرَّق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بين صفة الكلام وبين صفات الأفعال الأخرى؟
فيقال: الشيخ أراد الإلماح إلى الفرق الذي ذكرته من قبل عن الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد أمان وهو: أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية بخلاف الاستواء والنُّزول والمجيء فإنها فعلية اختيارية .