امن الشيخ حسن البنا بأن عملية التغيير في واقع الأمة باتجاه الإسلام لا بد لها من أن تمرّ في مخاضات عسيرة، ولا بد من أن تبدأ بالفرد وتنتهي بقيام دولة الإسلام، وبين المحطة الأولى والأخيرة، تمتد المسافات الفكرية والسياسية وتكثر التعرجات التربوية والدعوية والجهادية، وكان الرجل يعلم مدى التضحيات المطلوبة، ولهذا كان يركز على مسألة بناء رجال الدعوة من الناحية العملية، وكان قدوتهم في ذلك، ولهذا فإنه لم يترك الكثير من المؤلفات والكتابات، إلا أنه ترك مدرسة إسلامية خرَّجت العلماء والمفكرين والسياسيين والدعاة والمجاهدين، كان وما زال لهم قصب السبق في التحولات الكبيرة للأمة باتجاه الإسلام، وبمعنى اخر فإن مدرسة البنا وأخواتها من المدارس الإسلامية الدعوية والتربوية والسياسية والجهادية، قد أعادت تصويب مسيرة الأمة الإسلامية، وعرَّفت الأمة بإسلامها، وأصبح للإسلام دور فاعل على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ولم يبق للأمة إلا مسافة قصيرة وهي كذلك في عمر الأمم عليها أن تقطعها للوصول إلى الدولة والخلافة الإسلامية إن شاء اللَّه.
ولقد سعى البنا بهذا الاتجاه في الأربعينات، بعد إيجاد الفرد المسلم والأسرة المسلمة، والمجتمع الذي استيقظ من غفلته على حقيقة الإسلام، كدين ودولة، وكانت رسالة البنا إلى الملوك والرؤساء والحكام ضمن هذا المنحى، وهو السعي إلى أسلمة الدولة في نظامها وأجهزتها وتوجهاتها، ومن خلال دراسة خطوط البرنامج السياسي المطروح نجد أنه يركز على القضايا التالية:
1- تغيير القانون في الدولة واستبداله بالتشريع الإسلامي، والعمل على توحيد الأمة، واعتماد التعبئة الإسلامية الجهادية في الجيش.
2- تنظيم أجهزة الدولة من إدارات رسمية ودواوين وموظفين، ومواعيد عمل وسجون ومستشفيات ودعوات وحفلات رسمية وشعبية بما لا يتعارض مع تعاليم الإسلام.
3- إعطاء دور فاعل للعلماء والمفكرين والدعاة إلى الإسلام في إدارات الدولة المختلفة.
ومن خلال دراسة خطوط البرنامج الاقتصادي نجد أنه يركز على القضايا التالية:
أولاً: أسلمة النظام الاقتصادي من خلال تحريم الربا وإلغائه، وتنظيم جباية الزكاة وصرفها للمستحقين حسب الأصول الشرعية.
ثانياً: تشجيع المشاريع الاقتصادية والصناعية والتجارية والزراعية، وحماية الجمهور من غش واحتكار الشركات، وتحسين حال الموظفين الصغار مالياً.
ثالثاً: استغلال الموارد الطبيعية من مياه ومعادن ومناجم، وإيقاف الهدر في الأموال العامة، من خلال حصر الوظائف، والإبقاء على الضروري منها.
ومن خلال دراسة البرنامج الاجتماعي نجد أنه يركز على القضايا التالية:
1- بثّ الوعي الإسلامي في ثنايا المجتمع، من خلال المساجد والمدارس والجامعات والمناسبات الإسلامية، وبواسطة وسائل الإعلام، من سينما وتلفزيون وإذاعة وصحف وجرائد، من أجل توجيه المجتمع نحو الإسلام وتقوية التزامه بالأحكام الشرعية.
2- القضاء على كل أنواع الفساد الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والخلقي، ومقاومة العادات الضارة اجتماعياً واقتصادياً وخلقياً.
3- رعاية المرأة وتوعيتها إسلامياً، وتبيان أهمية دورها في المجتمع، وتشجيع الزواج المبكر لإيجاد الأسرة الإسلامية التي ستكون محضن النشء الإسلامي الطاهر.
لقد سعى البنا لأسلمة الدولة من خلال طرحه لهذه البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية في خطوطها العامة، ولكن الملوك والرؤساء والحكام كعادتهم لا يستجيبون، ولسان حالهم قول فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)(30). وأرى أن البنا قد اجتهد، وسعى في طرحه من أجل إقامة الحجة الدامغة على هؤلاء الحكام، وأنهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يعملون (وقفوهم إنهم مسؤولون)(31).
ومن خلال ذلك كان الشيخ البنا:
أولاً: أول من طرح في هذا العصر الخطوط العامة للنظام الإسلامي في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ.
ثانياً: وكان أول من وضع الأمة أمام مسؤوليتها الشرعية، في السعي لإقامة الدولة الإسلامية من الناحية العملية، بعد إيجاد الفرد والأسرة ومؤسسات المجتمع الإسلامي.