البيان السياسي
ويطرح الإخوان المسلمون تصورهم السياسي للنهوض بواقع الأمة الإسلامية، من أجل إعادة استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق شريعة الإسلام، على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، تمهيداً لعودة الخلافة الإسلامية... يقول البنّا مبيناً دور الإخوان في ذلك «وهكذا أيها الإخوان أراد اللَّه أن نرث التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذا الظلام وأن يهيئكم اللَّه لإعلاء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته... ويحدد البنا الأهداف العامة لمسيرتهم بقوله «ماذا نريد أيها الإخوان؟ أنريد جمع المال وهو ظل زائل؟ أم سعة الجاه وهو عرض حائل؟ أم نريد الجبروت في الأرض؟... ما نريد شيئاً من هذا أو ما لهذا قد عملنا ولا إليه دعونا، اذكروا دائماً أن لكم هدفين أساسيين:
1- أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.
2- أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي(20) وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة للناس»(21).
وعن أهدافهم المصرية الخاصة يقول: «ولنا بعد هذين الهدفين أهداف خاصة لا يصير المجتمع إسلامياً إلا بتحقيقها. فاذكروا أيها الإخوان أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان... وأن مصر لا زالت إلى الان جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس... وأن الجرائم تتضاعف في مصر وتتكاثر بدرجة هائلة... فمن أهدافكم أن تعملوا لإصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي يستحق أن ينتسب إلى شريعة الإسلام»(22).
ويحدد البنا للإخوان الوسائل للوصول إلى أهدافهم هذه بقوله: كيف نصل إلى هذه الأهداف؟... للدعوات وسائل لا بد من الأخذ بها والعمل لها... ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة:
1- الإيمان العميق.
2- التكوين الدقيق.
3- العمل المتواصل(23).
ويشير إلى العقبات التي يمكن أن تعترض تطبيق هذا التصور السياسي في الواقع فيقول: «إن دعوتكم لا زالت مجهولة من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية... سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحدَّ من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم... أيها الإخوان أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزباً سياسياً ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقران، ونور جديد يُشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة اللَّه، وصوت داوٍ يعلو مردداً دعوة الرسول (ص). ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس»(24).
بعد هذا العرض لأبعاد الرؤية التاريخية والمفاهيم الفكرية والتصورات السياسية للإخوان المسلمين، أرى أنهم قد سعوا من خلالها إلى تبيان القضايا التالية:
أولاً: إن تغيير واقع الأمة الإسلامية الحالي بكل أبعاده الفكرية والسياسية والاجتماعية لا بد أن يستند إلى رؤية تاريخية واضحة المعالم، من أجل دراسة عوامل التحولات التي انتابت الأمة في المجال الفكري والسياسي والاجتماعي، وذلك حتى يتم تحليلها، لمعرفة عناصر القوة والضعف فيها، من أجل السعي إلى رسم خطط جديدة، لها أبعاد متعددة، على طريق إعادة عزّة الأمة ومجدها من جديد... إلا أن هذه الرؤية التاريخية للإخوان قد جاءت عامة في طرحها، حيث أوضحت الخطوط العريضة لأسباب التحولات الكبرى والمحددة ب(الخلافات السياسية والمذهبية والانغماس في الترف وانتقال السلطة إلى غير العرب من المسلمين، وغرور الحكام بسلطانهم، وإهمال المسلمين للعلوم العلمية والكونية).
ثانياً: وفي مجال الطرح الفكري الذي يستند إليه الإخوان في عملية التغيير، فقد كانوا أكثر وضوحاً وتركيزاً، حيث حددوا أن القران والسنّة هما المرجعان لعملية التغيير في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والبشرية جمعاء، وبينوا أن دولة الإسلام هي دولة الفكرة، واعتبروا أن الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص، وإبلاغها إلى الناس جميعاً، ولم يغفل الإخوان عن تميّز النظام الإسلامي في مجال إعداد الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة في الجانب العملي، الذي يثاب فاعله ويأثم تاركه، ولهذا فقد كانت الأعمال في حياة المسلم عبادة للَّه تعالى.
ثالثاً: وفي مجال الطرح السياسي فقد بلور الإخوان هدفين سياسيين ينبغي على الأمة أن تعمل للوصول إليهما، وهما السعي للتحرير من كل سلطان أجنبي، وقيام دولة إسلامية تطبق أحكام الشريعة الإسلامية على كل الصعد، وتحمل أمانة الدعوة إلى الإسلام في ربوع الأرض، ومن أجل ذلك بيَّن الإخوان أن البداية في إيجاد جماعة مؤمنة بهذا الدين وأهدافه، وأن بناء هذه الجماعة يكون من خلال الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل، وقد كان الشيخ البنا دارساً لسيرة النبي (ص) وعارفاً لمحطاتها الرئيسية، وقد استشرف الرجل مستقبل الدعوة والدعاة في هذا العصر، ولاحت له من وراء الأفق العقبات التي ستعترض الدعوة إلى الإسلام، والمعاناة التي ستواجه الدعاة «وستقف في وجهكم كل الحكومات وستحاول كل حكومة أن تحدّ من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم»(25).
يتبع