الإخوان في القاهرة
في سنة 1932م انتقل حسن البنا إلى القاهرة، وانتقل معه المركز العام للإخوان المسلمين، وفي سنة 1933م تم إصدار جريدة (الإخوان المسلمون)، وفي سنة 1938م صدرت مجلة (النذير)، وفي سنة 1947م صدرت مجلة (الشهاب)(9). ونشر البنا عدداً من الرسائل في مجال التوجيه والتربية والدعوة، وتبيان أهداف ووسائل الإخوان المسلمين في الوصول إلى المجتمع الإسلامي، وقد انصب جلّ اهتمامه على التربية الروحية والحركية والدعوية لإخوانه، وعلى نشر الدعوة في معظم نواحي القطر المصري وخارجه، حيث كان يرسل البنا المبعوثين إلى البلاد العربية والإسلامية، من أجل تفقد أحوال المسلمين، ونقل الصورة عن واقع العالم الإسلامي إلى القاهرة، وكان مركز الإخوان موئلاً لأحرار المسلمين ورجال حركات التحرر في شمال أفريقيا واليمن والهند وباكستان وأندونيسيا وأفغانستان والسودان والصومال وسوريا والعراق وفلسطين(10).
المفاهيم الإسلامية لدى الإخوان
تميزت حركة الإخوان المسلمين عن غيرها ممن سبقها من حركات وأحزاب وجمعيات إسلامية، بوضوح رؤيتها الإسلامية العامة، وخاصة في الجوانب التاريخية والفكرية والسياسية، لواقع العالم الإسلامي وتحولاته المختلفة، ويظهر لنا ذلك من خلال التالي:
البيان التاريخي
يرى الإخوان من الناحية التاريخية بأن الإسلام قد زحف من جزيرة العرب بدعوته الربانية إلى كل العالم، من خلال الدعوة إلى اللَّه تبارك وتعالى، من أجل محاصرة الوثنية وعقائد الباطل... «لقد طاردت هذه المبادىء القرانية الوثنية المنحرفة في جزيرة العرب وبلاد الفرس فقضت عليها، وطاردت اليهودية الماكرة فحصرتها في نطاق ضيق وقضت على سلطانها الديني والسياسي قضاءً تاماً، وصارعت المسيحية حتى انحصر ظلها في قارتي اسيا وأفريقيا، وانحازت أوروبا في ظل الدولة الرومانية الشرقية بالقسطنطينية، وتركز بذلك السلطان الروحي والسياسي بالدولة الإسلامية في القارتين العظيمتين، وألحَّت بالغزو على القارة الثالثة، تهاجم القسطنطينية من الشرق وتحاصرها حتى يجهدها الحصار، وتأتيها من الغرب فتقتحم الأندلس وتصل جنودها المظفرة إلى قلب فرنسا وإلى شمال وجنوب إيطاليا، وتقيم في غرب أوروبا دولة شامخة البنيان مشرقة بالعلم والعرفان... وتمخر الأساطيل الإسلامية عباب البحرين الأبيض والأحمر فيصير كل منهما بحيرة إسلامية، وتقبض قوات الدولة الإسلامية بذلك على مفاتيح البحار في الشرق والغرب وتتم لها السيادة البرية والبحرية»(11).
ويرى الإخوان المسلمون بأن عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية تعود إلى التالي:
1- الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه(12)، مع التحذير الشديد الذي جاء به الإسلام في التزهيد في الإمارة، ولفت النظر إلى أن هذه الناحية هي سوس الأمم ومحطمة الشعوب والدول.
2- الخلافات الدينية(13) والمذهبية والانصراف عن الدين كعقائد وأعمال، إلى ألفاظ ومصطلحات ميتة لا روح فيها ولا حياة، وإهمال كتاب اللَّه وسنّة الرسول (ص).
3- الانغماس في ألوان الترف والنعيم والإقبال على المتعة والشهوات حتى أُثر عن حكام المسلمين في كثير من العصور ما لم يؤثر عن غيرهم.
4- انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب(14) من الفرس تارة والديلم تارة أُخرى والمماليك والأتراك وغيرهم ممن لم يتذوقوا طعم الإسلام الصحيح، ولم تشرق قلوبهم بأنوار القران لصعوبة إدراكهم لمعانيه.
5- إهمال العلوم العلمية والمعارف الكونية، وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة، مع أن الإسلام يحثهم على النظر في الكون واكتناه أسرار الخلق والسير في الأرض.
6- غرور الحكام بسلطانهم والانخداع بقوتهم وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم من غيرهم، حتى سبقتهم في الاستعداد والأُهبة وأخذتهم على حين غرة.
7- الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم، والإعجاب بأعمالهم، والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع(15).
البيان الفكري
ومن الناحية الفكرية، يرى الإخوان المسلمون بأن القران والسنّة النبوية هما المرجعان لإصلاح البشرية من جديد، ولبناء مجتمع إسلامي، تفيء إليه البشرية تحت حكم الشريعة الإسلامية على الأسس التالية:
أ- الربانية (اعتماد المنهج الإسلامي في البناء للفرد والأسرة والمجتمع).
ب- التسامي بالنفس الإنسانية (من خلال الإيمان باللَّه ورسوله وتهذيب النفس وتطهيرها).
ج- تقرير عقيدة الجزاء(16).
د- إعلان الأخوة بين الناس(17).
هـ- النهوض بالرجل والمرأة جميعاً، وإعلان التكافل والمساواة بينهما وتحديد مهمة كل واحد منهما.
و- تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والملك والعمل والصحة والحرية والعلم والأمن لكل فرد وتحديد موارد الكسب.
ز- ضبط الغريزتين: غريزة حفظ النفس، وحفظ النوع.
ح- الشدة في محاربة الجرائم الأصلية.
ط- تأكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر الفرقة وأسبابها.
ي- إلزام الأمة بالجهاد في سبيل مبادىء الحق التي جاء بها هذا النظام.
ك- اعتبار الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها، ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص، وإبلاغها إلى الناس جميعاً(18).
ويرى الإخوان المسلمون بأن النظام الإسلامي هو نظام عملي لا يترك مبادئه وتعاليمه نظريات في النفوس... بل وضع لتركيزها وتثبيتها مظاهر عملية، حيث ألزم الأمة بتطبيقها وجعلها فرائض عليها، تأثم الأمة بتضييعها، وتثاب على تطبيقها، ومن هذه المظاهر العملية:
1- الصلاة والذكر والتوبة والاستغفار.
2- الصيام والعفة والتحذير من الترف.
3- الزكاة والصدقة والإنفاق في سبيل الخير.
4- الحج والسياحة والرحلة والكشف والنظر في ملكوت اللَّه.
5- الكسب والعمل وتحريم السؤال.
6- الجهاد والقتال وتجهيز المقاتلين ورعاية أهليهم ومصالحهم من بعدهم.
7- الأمر بالمعروف وبذل النصيحة.
8- النهي عن المنكر ومقاطعة مواطنه وفاعليه.
9- التزود بالعلم والمعرفة لكل مسلم ومسلمة في فنون الحياة المختلفة كل فيما يليق به.
1-0 حسن المعاملة وكمال التخلق بالأخلاق الفاضلة.
11- الحرص على سلامة البدن والمحافظة على الحواس.
12- التضامن الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم بالرعاية والطاعة(19).
يتبع