• ورمضان فرصة للتغيير .. لمن هجر القرآن قراءة وتدبراً ، وحفظاً وعملاً حتى أصبح القرآن نسياً منسياً ، أن يكون هذا الشهر بداية للتغيير ، فترتب لنفسك جزءاً من القرآن ، لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال ، ولو كان هذا الجزء يسيراً ، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ، وقليل دائم ،خير من كثير منقطع ، ولا تنس الفضل الجزيل لمن قرأ كلام الله الجليل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " رواه الترمذي (2910) وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
والقرآن يشفع لك يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي ربي إني منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " رواه أحمد . قال الألباني ـ رحمه الله ـ : ( أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة ) .
ولقد أدرك سلفنا الصالح عظمة هذا القرآن ؛ فعاشوا معه ليلاً ونهاراً . . قال وهيب بن الورد : قيل لرجل ألا تنام ؟ قال : إن عجائب القـرآن أطرن نومي ، وقال أحمد بن الحواري : إني لأقرأ القرآن ، وانظر في آية ، فيحير عقلي بها ، وأعجب من حفاظ القرآن ، كيف يهنئهم النوم ، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله ، أما إنهم لو فهموا ما يتلون ، وعرفوا حقه ، وتلذذوا به ، واستحلوا المناجاة به ، لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا .
ومن المفارقة العجيبة ، أن يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن ، ما لا ندركه ، وأن يعملوا جاهدين على طمس معالمه ، ومحو آثاره في العباد والبلاد ، لخوفهم الشديد من عودة الأمة إلى هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس ، ويحييها ، ويبعث فيها العزة والكرامة . يقول غلادستون : مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين ، فلن تستطيع أوربة السيطرة على الشرق ، ولا أن تكون هي نفسها في أمان ، وكان نشيد جيوش الاستعمار ،كان نشيدهم :أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة ، لأحارب الديانة الإسلامية ، ولأمحو القرآن بكل قوتي .(1)
فما موقفك أنت يا رعاك الله ؟ أدع الإجابة لك ، وأسأل الله أن يوفقك للخير وفعله ..
• ورمضان فرصة للتغيير .. للمرأة المسلمة التي أصبح حجابها مهلهلاً ، وعباءتها مطرزة ، وثيابها فاتنة ، وعطرها يفوح و في كل يوم إلى الأسواق تروح . . قال صلى الله عليه وسلم :" أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية " رواه أحمد .
ويزداد الأمر سوءاً ، إذا كان الخروج بلا محرم . . فتركب مع السائق وحدها وما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطـان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فليـكن - يا أخية - رمضان فرصة لأن تتربى نفسك على البقاء ، في المنـزل وعدم الخروج منه إلا لحاجة ماسة ، وبضوابط الخروج الشرعية ، وليكن رمضان فرصة لضبط النفس في قضايا اللباس ، والموضة والاعتدال فيهما ، بدون إفراط ولا تفريط ، وليكن رمضان فرصة للحفاظ على الحجاب الشرعي ؛ طاعة لله ، وإغاظة للشيطان وحزبه
• ورمضان فرصة للتغيير .. للرجل والفتاة اللذين عبثا بالهاتف طويلاً ، وتهاتفا بعبرات الحب والغرام ، والعشق والهيام ، والذي كله كذب وهراء ، ودجل وافتراء ، وتلاعب بالمشاعر والعواطف ، وقد تكون البداية قضاء وقت فراغ ، ثم يستدرجهما الشيطان للوقوع في الفاحشة البغيضة . . فتقع المصيبة وتحل الطامة العظيمة . . وينكسر الزجاج فأنى له أن يعود مرة أخرى !!
تقول إحدى المعاكسات : كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية . تطورت إلى قصة حب وهمية ، أوهمني أنه يحبني ، وسيتقدم لخطبتي ، طلب رؤيتي ، رفضت . هددني بالهجر !! بقطع العلاقة !! ضعفت . . أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة !! توالت الرسائل ، طلب مني أن أخرج معه . . رفضت بشدة . . هددني بالصور ، بالرسائل المعطرة ، بصوتي في الهاتف ـ وقد كان يسجل ـ خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن . . لقد عدت ولكن عدت وأنا أحمل العار ، قلت له الزواج .. الفضيحة ،قال لي بكل احتقار وسخرية : إني لا أتزوج فاجرة !!
فاتق الله أيها الشاب ، واتقي الله أيتها الفتاة ، وليكن رمضان فرصة لتغيير المسار والابتعاد عن الأخطار ، وهتك الأعراض فالزنا دين كما قال الشاعر :
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً *** طـــرق الفساد فأنت غير مكــرم
من يزن في قـوم بألفـي درهم *** في أهـــــــله يزنــي بربــــع الدرهـــــم
إن الزنى دين إذا استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
• ورمضان فرصة للتغيير .. لمن تعود على حياة المترفين ، ونشأ على حب الدعة واللين ، أن يأخذ من رمضان درسا في تربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة ، فربما تسلب النعمة ، و تحل النقمة . فالدنيا غدارة غرارة مناحة مناعة ، وإقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو غمامة صيف ، أو زيارة طيف ،عن أبي عثمان النهـدي قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب : ( اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا ـ التمعدد ـ أي العيش الخشن الذي تعرفه العرب ـ كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم.) ، و عن عروة بن رويم قال : قال صلى الله عليه وسلم :" شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون في الكلام" .
• ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يتابع الأكلات ، ويتتبع المطاعم ، فيوم هنا ، ويوم هناك ، حتى أصبح بطنه هو شغله الشاغل . ولو سألته عن أي مطعم في الشرق أو الغرب لأعطاك وصفة موجزة . ومفصلة بما تحتوي عليه تلك المطاعم وحسنها من قبيحها ، وجيدها من رديئها ، وما هكذا تورد الإبل يا سعد !! ولم نخلق من أجل أن نسعد بطوننا . . والطعام وسيلة لا غاية فافهم هذا حتى تبلغ الغاية ...
كيف تصفو روح مَـرْءٍ *** نفسه للـطـعـم ولهى
لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل كما في حديث المقدام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لابد محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلثه لنفسه "
رواه الترمذي
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبر برّ ثلاث ليال تباعا حتى قبــــــض . وصــــــــح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن " رواه البخاري ومسلم . ويقول عمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه "
قال الحارث بن كلدة الطبيب المشهور : الحمية رأس الدواء ، والبطنة رأس الداء . وقال غيره لو قيل لأهل القبور: ما كان سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم !!
وقلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم ، وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب . وكثرة الطعام يوجب ضد ذلك .
عن عمرو بن قيس قال : إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب . وعن سلمة بن سعيد قال : إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله .
وعن مالك بن دينار قال : ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه ، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه .
وقال سفيان الثوري : إن أردت أن يصح جسمك ، ويقل نومك ، فأقل من الأكل .
فليكن هذا الشهر المبارك بداية للتقلل من الطعام والاستمرار على ذلك على الدوام .
• ورمضان فرصة للتغيير .. من أخلاقنا . فمن جبل على الأنانية والشح وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد ، فشهر الصوم مدرسة عملية ، له وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصح ، وخطبة الخطيب ، لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع ، وأمعائه إذا خلت ، وكبده إذا احترت من العطش ، يحصل له من ذلك تذكير عملي بـجوع الجائعين ، وبؤس البائسين ، وحاجة المحتاجين ، فتسمح نفسه بأداء حق الله إليهم ، وقد يجود عليهم بزيادة ، فشهر الصيام شهر الجود والمواساة . .
الصوم يمنحنا مشاعر رحمة *** وتعاون وتعفف وسماح
فرمضان مدرسة للقضاء على صفة الأنانية والشح ، ومن ثم الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. قال صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه مسلم (2586) .