أَسَرَ المُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ عَدَداً مِنْ رُؤُوسِ الشِّرْكِ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَسَأَلَ الرَّسُولُ أَصْحَابَهُ مَا يَفْعَلُ بِالأَسْرَى ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بِقَتْلِهِمْ ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيُّ بِإِيقَادِ نَارٍ عَظِيمَةِ فِي الوَادِي وَإِحْرَاقِهِمْ فِيهَا ، وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِمُفَادَاتِهِمْ . وَقَالَ لِلْرَسُولِ صلى الله عليه وسلم : هُمْ الأَهْلُ وَالعَشِيرَةُ . فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ قَبِلَ الفِدَاءَ .
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ ، وَفِيهَا يَلُومُ الرَّسُولَ وَالمُسْلِمِينَ عَلَى قُبُولِ الفِدَاءِ ، وَتَفْضِيلِ عَرَضِ الحَيَاةُ الدُّنْيا عَلَى مَصْلَحَةِ الإِسْلاَمِ العُلْيَا ، وَهِيَ إِبَادَةُ الكُفْرِ وَقَادَتِهِ ، حَتَّى يَتَضَعْضَعُ الكُفْرُ ، وَيَنْهَارُ بُنْيَانُهُ ، وَتَتَقَطَّعُ أَوْصَالَهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض } ، أَيْ إِنَّهَ لاَ يَنْبَغِي لِلْنَّبِيِّ وَالمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْدِلُوا عَنْ قَتْلِ أَعْدَائِهِمْ إَلَى أَسْرِهِمْ إلاَّ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الغَلَبَةُ التَّامَةُ ، وَالسَيْطَرَةُ الكَامِلَةُ ، وَأَنْ تَكُونَ قُوَّتُهُمْ فِي مَوْضِعِ التَّفَوُّقِ المُطْلَقِ عَلَى الأَعْدَاءِ ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ هؤُلاَءِ الأَعْدَاءُ الثَّأْرَ وَالعَوْدَةَ إِلى القِتَالِ إِذَا سَنَحَتْ لَهُمُ الفُرْصَةُ . فَإِذَا كَانَتْ لَهُم القُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ بَعْدَ أَنْ أَنْهَكُوا الأَعْدَاءَ قَتْلاً ، جَازَ لَهُمُ العُدُولُ عَنِ القَتْلِ إلَى الأَسْرِ . وَقَدْ نَبَّهَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ إِلَى أَنَّهُمْ فَضَّلُوا بِعُدُولِهِمْ إِلى الأَسْرِ ، عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيا ، أَمَّا هُوَ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ ، وَاللهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ ، حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
الإِثْخَانُ - الشِّدَّةُ وَالغَلَبَةُ أَوْ هُوَ المُبَالَغَةُ فِي القَتْلِ لِيَتِمَّ إِذْلاَلُ الكُفْرِ وَأَهْلِهِ .
عَرَضَ الدُّنْيا - حُطَامَهَا - وَذلِكَ بِأَخْذِ الفِدْيَةِ .