و طبنة هي أول عواصم الزاب الجزائري أيام كان المغرب العربي أرضا واحدة ، في ولاية لا تفصلها حدود، عاصمتها القيروان ، وكانت الأندلس حين ذلك تابعة لها.
و يذكر "البكري" عنها آنذاك أنه كان لها خمسة أبواب ، و خارج المدينة صور مضروب عل فحص فسيح ، هو بمقدار ثلثي المدينة ، بناه الوالي عمر بن حفص ، و يشق طريق المدينة جداول المياه العذبة ،و قد كان لها في العصر الإسلامي شأن المدن الكبرى ، فخرج منها الكثير من العلماء الأجلاء.
و من بين من تولى عمالتها الأغلب بن سالم ، في ولاية محمد بن الاشعث و خلافة المنصور سنة 148ه-765م ، وهو ابراهيم مؤسس دولة الاغالبة ، كما شهدت هذه المنطقة العديد من الحروب و الثورات ، كونها طريق الثائرين على القيروان فكانت سدا منيعا في أوجه المحتلين ، وانتقلت عاصمة الزيبان من طبنة الى المسيلة في عهد الحماديين.
و من بين العلماء الأجلاء الذين ينسبون الى طبنة ، علي بن منصور الطبني ، و أبو محمد بن علي بن معاوية بن وليد الطبني ، أحد حماة سرح الكلام ، و حملة ألوية الاقلام.
أما اليوم فيطلق على مدينة طبنة أرض بريكة و كلاهما أرض واحدة لسكان قال عنهم ابن خلدون أنهم ينطقون الغين قاف و معروفون بالشهامة و الكرم و نصرة الضعيف ، و قليلا من الغلظة في التصرف . و الكثير من المصادر التاريخية ، ترجع سكان مدينة بريكة الى بني هلال ، الذين قدموا من شبه الجزيرة العربية خلال الفتوحات الاسلامية ، و يروي التاريخ أن هذه الأرض ، كانت موضعا تبرك فيه القوافل حلا و ترحالا ، ذهابا و إيابا ، بين الجنوب و الشمال ، يهنأ فيها المسافرون من وعثاء السفر في كنف الضيافة العربية الموغلة في تاريخ المنطقة.
ويقوم الجدل حول تسمية بريكة الى القول أن هذه الاخيرة كان بها محل لامرأة يونانية تدعى "ريكا"،وهو محل لبيع المشروبات يقصده الرومان ، فيقولون هيا لنذهب الى "بار ريكا" و من ذلك سميت بريكة .غير أن أغلبية الباحثين في تاريخ المنطقة ينسبون تسميتها الى كونها كانت مركزا لمكوث الجمال لتوفرها على كميات هائلة من المياه ، و ينسب أيضا مصطلح بريكة الى البركة لمباركة اهلها و من سكنوا بها لارضها ، فيصرون على المكوث فيها ، لمزاولة مهنة التجارة التي جعلت منها قطبا تجاريا ، يقصده التجار من من كل أقطار الوطن.
وتحتضن المدينة اكثر من 35 مسجدا اشهرها مسجد العتيق ، و هو أول مسجد بني بها،و تتربع على مساحة تقدر باكثر من 30543كلم2 ، و يبلغ عدد سكانها 160865 نسمة، و ترتفع على مستوى البحر ب 474.89متر ، و تبعد عن مقر الولاية ب 88 كلم.
و يعتبر النشاط الفلاحي الطابع المميز لهذه المنطقة منذ العصر الروماني ، ذلك ما دلت عليه مطامير تخزين الحبوب ، ومعاصر الزيتون ، غير أن زحف الرمال المتدرج ، وعدم اعادة بناء السدود و آلات السقي ، تسبب في تخلي اغلب سكانها عن مهنتهم الرئيسية الى غاية حلول الاستعمار الفرنسي عام 1838 بالمنطقة. الذي ترك أثناء عهدته الأستعمارية العديد من المنشآت الفلاحية ، مثل سد "دولاس" المتواجد بطريق الجزار ، و الثكنة بطريق سطيف ، و التي ما تزال الى يومنا هذا ، و تمتاز بريكة أيضا بوفرة المياه ، ما ميزها بطابع فلاحي ، تحصد من خلاله المنطقة الكثير من الارباح على غرار المساعدات التي تمنحها الدولة للفلاحين لحفر الآبار ، و اقامة البيوت البلاستيكية و جلب الآلات ، وغيرها من الأساليب التي ترغب الناس في الفلاحة.
وتوجد بالمدينة منطقة صناعية بالناحية الجنوبية ، تحتوي على عدة مصانع منها مصنع الآجور ، و مصنع الفتائل الملونة و هو أكبر مصنع في أفريقيا في هذا المجال إذ تساهم بشكل كبير في اقتصاد البلاد . و تحتوي المدينة على خمس ثانويات أقدمها الثانوية المختلطة ، كما لها مستشفيان هما محمد بوضياف و سليمان عميرات.
و أهم احيائها حي العتيق ،الذي تسكنه أقدم العائلات ترسخا في المدينة يتوسطه مسجد العتيق الذي تعلو قبته سماء الحي و يطل على أربعة شوارع ، أطلت بدورها على البنايات المتلاحقة و الكثيرة، كما يضم هذا الحي مقر الدائرة الذي بني منذ العهد الإستعماري ، أين كان يسمى بدار الحاكم ، و تشرف عليه أشجار النخيل التي اتخذت من شرفة بابه دربا لها .
هيذي طبنة أو بريكة ، مدرسة الأنفة ، و أستاذة الغواية ، و المدينة العابثة بكل ما ظنوه علما أو دراية ، من تحمل البحر على أكتافها فتوقع الشمس على شاطئه.