السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لما لاحظت عنوان هذا الموضوع دفعني الفضول لتصفحه ، فوجدت فيه ما حملني على المشاركة و الإدلاء بالرأي ،رغم ما قرأته من تحامل من قبل البعض على البعض الآخر و الإنقاص من شأنهم .
فالعبارة ( منذ أن امتهنت التعليم ما رأيت معلما في مرحلة التعليم الابتدائي يحمل شهادة ليسانس في اللغات بتقدير جيد أو ممتاز ) أقل ما يقال عنها أنها إنقاص من شأن المعلم . فإن كان قائلها قد عايش بعضا من المعلمين مستواهم متدنٍ في اللغات خصوصا اللغة العربية ، فلا يجب أن يعمم هذه النظرة على الجميع ، فلتعلم أخي أن هناك الكثير منهم قد درسوا في مدارس خاصة (كتاتيب) بُعيد الاستقلال ، و لا يملكون حتى مستوى الأهلية ( الرابعة متوسط) لكنهم جهابذة في اللغة التي يدرسونها و هي اللغة العربية ، و أكثر من هذا تلاميذهم قمة في النبوغ .
و العبارة ( مشكلة الابتدائي في رجالهم ، في ضعف مستواهم ، في ضعف حججهم و ركودهم ) و حتى لا أقول كلاما أجرح بها شعور غيري ، أتساءل كيف نصف شريحة من المجتمع بأكملها بضعف المستوى و الركود .
لنتحلّ بشيء من الواقعية ، فضعاف المستوى و الراكدون موجودون حتى في المتوسط و الثانوي ، و تدني مستوى التلاميذ لا يتحمله المعلمون بمفردهم ، فهناك عوامل أخرى متداخلة خارجة عن نطاقه قد أدت إلى ما وصل إليه التعليم مؤخرا . و هذه هي التي يجب أن تناقش فيها ، و ليس التراشق بالتهم و الإنقاص من قيمة الغير .
أما الزميل الذي أشار أن المسؤوليات تختلف بين المتوسط و الابتدائي نظرا لبساطة المعلومات المبرمجة ، أقول أن هذه المعلومات البسيطة نقدمها لتلاميذ صغار ، عقولهم لا تدرك إلا ما هو مبرمج لهم ، و هذه البساطة هي بالنسبة لك فقط ، أما بالنسبة إليهم فهي معقدة جدا ، و حتى تجعلها بسيطة في ناظريهم فتحتاج إلى مهارة عالية و صبر طويل .
أما التلميذ الذي يدرس عند معلم خمس سنوات بالتمام و الكمال و يخرج من عنده لا يحسن رسم الحروف ، فهذا نادر جدا ، و لا يجب أن نعممه على الآخرين ، لأن تلاميذي في السنة الثانية يكتبون خطا أحسن من تلاميذ الثانوي و هذه ليست مبالغة .
لم أقل ما سبق لي قوله على سبيل التهكم أو مجرد ثرثرة ، بل لتصحيح الرؤية في سبب تدني مستوى التلاميذ في السنوات الأخيرة ، صدقوني إخواني أن هذا الأمر لا يرجع إلى المعلم أو الأستاذ في المتوسط أو الثانوي .
أنا في التعليم مدة ثلاثين سنة ، و قد عايشت المدرسة الأساسية من بدايتها إلى نهايتها ، كانت فعلا ناجحة بكل المقاييس بالنظر لمتطلبات تلك الفترة ، و السبب في نجاحها أنها أحيطت بكل الأسباب ، من إعداد البرامج و الوسائل اللازمة و التكوين المناسب للمعلمين .
أما ما نعيشه منذ ثماني سنوات فهو الخلط بعينه ( لا أقصد المقاربة الجديدة) ، برامج تتغير كل سنة ، توظيف عشوائي للمعلمين و الأساتذة دون تكوين يذكر ، وسائل الثمانينات لتنفيذ مناهج الألفية الثالثة و ... و ... و كل ما تعايشونه .
أما الحجم الساعي الأسبوعي ، أتذكر أنه كان في المدرسة الأساسية 27 ساعة أسبوعيا لكل المستويات ، و كنا نعمل ستة أيام في الأسبوع صباحا و مساء في ظل نظام الدوامين ، أما حاليا أنا في السنة الثانية أعمل 21 ساعة في الأسبوع بالإضافة ساعة و نصف معالجة تربوية ، موزعة على خمسة أيام في الأسبوع ، أما النشاطات اللاصفية فلكل رأي فيها ، و كل يعرف كيف يتصرف إزاءها . و عليه فحسب رأيي الشخصي هذا التوزيع للوقت مناسب و إن كنت أتعب فهذا مرده إلى السنين الطويلة .
بالنسبة للتدريس بالكفاءات ، و لتعلموا أنها ليست وليدة السنوات الأخيرة فقط (الجديد في التسمية فقط)، بل كل معلم يدرك جيدا مهمته في القسم و هي أن يجعل تلاميذه متمكنين في المواد التي يدرسها إياهم ، يجعلهم محور العملية التعلمية ، يلاحظون و يستنتجون و يبدون بأرائهم و يناقشون ... ، و الذي يظن أن المعلم القديم يعتمد على الإلقاء فقط فهو مخطئ ، فلا تحسبوا بأننا كنا نلقنهم قواعد الرياضيات و اللغة من أجل أن يستظهروها في الحصة الموالية ، بل ليحلوا مسائل (مشكلات) و يملأوا جداول و يعربوا و يحولوا و يصرّفوا ... و كل تلك المهارات التي تشير إليها المناهج الجديدة .
و في الأخير أرجو أن نكف عن كيل التهم لبعضنا البعض بسبب المستوى الذي وصل إليه التعليم ، فكلنا في الهم سواء ، و كلنا في خندق واحد ، و ما نراه من تمييز بين هذا و ذاك إلا بفعل فاعل ( فرّق تسد ).