الباب السادس
بيان أن عقر دار المؤمنين فى آخر الزمان الشام
(16) قال الإمام أحمد (4/104) : ثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان ـ يعنى الأفطس ـ عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي سَئِمْتُ الْخَيْلَ ، وَأَلْقَيْتُ السِّلاحَ ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، قُلْتُ : لا قِتَالَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ ، يُزِيغُ اللهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، وَيَرْزُقُهُمُ اللهُ مِنْهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَلا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) .
(17) وقال أبو عبد الرحمن النسائى(( الكبرى ))(3/35/4401) و(( المجتبى )) (6/214) : أخبرنا أحمد بـن عبد الواحد ثنا مروان وهو ابن محمد ثنا خالد بن يزيد بن صالح بـن صبيح المري ثـنا إبراهيم بـن أبي عبلة عـن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي قـال : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ! أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ ، وَقَالُوا : لا جِهَادَ ، قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، فَأَقْبَـلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ ، وَقَالَ : (( كَذَبُوا . الآنَ الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ ، وَلا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ، وَيُزِيغُ اللهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ ، وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونِي أَفْنَادًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ )) .
(18) وقال الطبرانى (( مسند الشاميين ))(2/320/1419) : ثنا هاشم بن مرثد الطبراني ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر حدثني الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عـن سـلمة بن نفيل قال : (( فُتحَ على رسُولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم فتحٌ ، فأتيتُ رسُولَ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فدنوتُ منه ، حتى كادتْ ثيابي تمسُّ ثيابَه ، فقلت : يا رسُولَ اللهِ ! سيبت الخيل ، وعطلوا السلاحَ ، وقالوا : قد وضعتْ الحربُ أوزارَها ، فقال رسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( كذبوا ؛ الآنَ حلَّ القِتَالُ ، لا يَزَالُ اللهُ يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ تقاتلونهم ، فقاتلوا بهم ، وَيَرْزُقُكُمُ اللهُ مِنْهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وهُمْ على ذلك ، ألا وَعُقْرُ دَارِ الإسلامِ بالشَّامِ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ، لا نعلم رواه عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكونى غير الوليد بن عبد الرحمن الجرشى . ورواه عن الجرشى : إبراهيم بن أبى عبلة ، وإبراهيم بن سليمان الأفطس ، ومحمد بن المهاجر الأنصارى من رواية الوليد بن مسلم عنه . رواه عن ابن مسلم هكذا : صفوان بن صالح ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، وعمرو بن عثمان ، وأحمد بن عبد الرحمن بن بكار البسرى عنه.
وخالفهم داود بـن رشيد ، فرواه عنه (( عن ابن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشى عن جبير عن النواس بن سمعان )) ، فجعله من حديث النواس(1)، والمحفوظ حديث سلمة بن نفيل السكونى التراغمى . وقد خالفه خمسة من أثبات أصحاب الوليد بن مسلم ، فجعلوه من حديث سلمة كما بيناه بعاليه .
وأخرجه البخارى (( الـتاريخ الكبير ))(4/70/1990) عن عبد الله بن صالح ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/411) ، وابن عساكر (1/117) كلاهما عن إسماعيل بن عياش ، ــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان (7307) ، وابن عساكر (1/117،116) من طريقين عن داود بن رشيد نا الوليد بن مسلم عن ابن مهاجر عن الوليد الجرشى عن جبير بن نفير عـن النواس بـن سمعان مرفوعا بنحو رواية سلمة ابـن نفيل .
والطبرانى (( الكبير )) (7/53/6358) عـن إسماعيل بـن عياش وعبد الله بن صالح ، كلاهما عن إبراهيم بن سليمان الأفطس به .
وأخـرجه الطبرانى (( الكـبير ))(7/52/6357) و(( مسند الشاميين ))(57) ، وابن عساكر (1/115) كلاهما عن هانئ بن عبد الرحمن بن أبى عبلة عن عمه إبراهيم بن أبى عبلة به .
وأخرجه الطبرانى (( الشاميين ))(1419) عن صفوان بن صالح ، وابن سعد (( الطبقات )) (7/427) عن سليمان بن عبد الرحمن ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(5/83) عن عمرو بن عثمان ، وابن عساكر (1/116) عن هشام بن عمار وابن بكار البسرى ، خمستهم عن الوليد بن مسلم حدثنى محمد بن مهاجرعن الوليد الجرشى عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل به .
الباب السابع
بيان أن الشام فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى
(19) قال الإمام أحمد (6/25) : حدثنا أبو المغيرة ثـنا صفوان بن عمرو ثنا عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : عَوْفٌ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : ادْخُلْ ، قُلْتُ : كُلِّي أَوْ بَعْضِي ، قَالَ : بَلْ كُلُّكَ ، قَالَ : يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي ، قَالَ : فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْكِتُنِي ، قُلْتُ : إِحْدَى ، وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قُلْتُ : اثْنَيْنِ ، وَالثَّالِثَةُ مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ الْغَنَمِ ، قَالَ : ثَلاثًا ، وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ تَكُونُ فِي أُمَّتِي وَعَظَّمَهَا ، قُلْ : أَرْبَعًا ، وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطُهَا ، قُـلْ : خَمْسًا ، وَالسَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْـفَرِ ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً ، قُلْتُ : وَمَـا الْغَايَةُ ؟ ، قَالَ : الرَّايَةُ ، تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ ، فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث صحيح ، رجاله كلهم شاميون ثقات . وقد رواه عن صفوان بن عمرو : أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامى ، وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصى ، وإسماعيل بن عيَّاش . وهو مروى من غير وجهٍ عن عوف بن مالك (1) .
ــــــــ
1) منها ما أخرجه البخارى فى (( كتاب الجزية والموادعة ))(2/204. سندى ) قال : حدثنا الحميدي ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال سمعت عوف بن مالك قَالَ : أَتَـيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ : اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ= دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا )) . وليس فيه ذكر (( فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ ))
(20) وقال ابن منده (( كتاب الإيمان ))(1000) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعي ثـنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بـن مالك قـال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو في بِنَاءٍ له فسلمتُ عليه ، فقال : يا عوف ، قلت : نعم ، قال لي : ادخل ، قلت : كلي أو بعضي ، قال : بل كلك ، فقَالَ لى : يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ .. الحديث .
قال أبو محمد : رجال هذا الإسناد شاميون ثقات كلهم . إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذرعى ، أبو يعقوب النهدى أحد الثقات الرحالين من عباد الله الصالحين ، فما فوقه .
وأخرجه البزار (2742) عن أبى المغيرة ، والطبرانى (( الكبير ))(18/42/72) و(( الشاميين )) (934) ، والدانى (( السنن الواردة فى الفتن ))(427) كلاهما عن أبى اليمان ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/234،233) عن أبى المغيرة وأبى اليمان وابن عياش ، ثلاثتهم عن صفوان بن عمرو به .
(21) وقال الإمـام أحمد (5/197) : حدثنا إسحاق بـن عيسى ثـنا يحيى بن حمزة عـن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة سمعت جبير بن نفير عـن أبي الدرداء أنَّ رسُـولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْغُوطَةُ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ )) .
(22) وقال الطبرانى (( الشاميين ))(1313) : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر ح وحدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمار قالا : ثنا صدقة بـن خالد حدثني خالد بن دهقان عـن زيـد بن أرطاة عن جبير عن أبي الدرداء سمعت رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (( يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة ، فيها مَدِينَة يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ ، فهي خيْرُ مَسَاكِنِ الناسِ يومئذٍ )) .
قال أبو محمد : هذا حديث ثابت صحيح مشهور ، بل أصح أحاديث الشاميين فى الملاحم . قال إبراهيم بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ـ وقد ذكروا عنده أحاديث ملاحم الروم ـ فقال : ليس مـن أحاديث الشاميين شئٌ أصح مـن حديث صدقة بن خالد عـن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق )) .
وخالد بن دهقان القرشي مولاهم ، أبو المغيرة الشامي الدمشقي شامى ثقة قليل الحديث . قال المفضل بن غسان الغلابي قال أبو مسهر : كان خالد بن دهقان ثقة كانت عنده أربعة أحاديث وأشباهها . وقال مؤمل بن إهاب عن أبي مسهر : كان على قناديل المسجد . وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم : ثقة . وقال أبو زرعة الدمشقي : نفر ثقات فذكر أولهم خالد بن دهقان القرشي .
وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات ))(6/255) .
وأخرجه أبو داود (4298) عن هشام بن عمار ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/296) و(( الشاميين )) (589) عن هشام بن عمار وعبد الله بن يوسف ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(1/233:231) عن ابن عمار وابن يوسف ومنصور بن أبى مزاحم ومحمد بن المبارك الصورى ، أربعتهم عن يحيى بن حمزة عن ابن جابر به .
وأخرجه الحاكم (4/532) عن محمد بن وهب ، وابن عساكر (1/231،230) عـن أبى مسهر وهشام بن عمار ، ثلاثتهم عن صدقة بن خالد عن ابن دهقان به .
( بيان ) قوله (( فسطاط المسلمين )) ـ بضم الفاء وسكون السين المهملة وطائين مهملتين بينهما ألف ـ أي حصن المسلمين الذي يتحصنون به ، وأصله الخيمة . (( يوم الملحمة )) أي المقتلة العظمى في الفتن الكائنة قرب قيام الساعة . (( بالغوطة )) ـ بضم الغين المعجمة ـ موضع بالشام كثير الماء والشجر كائن إلى جانب مدينة دمشق بالشام .