لا تصالح
ولو منحوك الذهبْ
أتري حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل تري?
هي أشياء لا تُـشترَى.
نعم فمال الدنيا لا يعوض عن الكرامة المهدرة, والشرف المنتهك, ولا يحول الغدر أمانة, ولا الخيانة وفاء.
ثم يذكّر كليب أخاه بسنوات الطفولة البريئة, ويسأل:
هل يصير دمي بين عينيك ماء?
إنها الحربُ
قد تثقل القلبَ
لكن خلفك عارَ العربْ
لا تصالـح
ولا تتوخَّ الهرب.
ويخشي كليب أن يتأثر أخوه بدعاة السلام أو الاستسلام الذين يدعون إلي حقن الدماء, وحصر الثأر في القاتل, وخصوصًا أن "بكر" و«تغلب» أبناء عمومة, وهي صلة يجب أن يكون لها اعتبار, فتأتي وصية كليب لتدمر هذا الادعاء:
لا تصالح علي الدم حتي بدم
لا تصالح, ولو قيل: رأس برأسْ.
أكل الرءوس سواء?
.........
سيقولون
ها نحن أبناء عمْ
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلكْ
واغرس السيف في جبهة الصحراء
إلي أن يجيب العدم.
ثم يذكّره بأحزان صغيرته «اليمامة» التي حرمها جساس أباها بالغدر والخداع:
لا تصالح
فما ذنب تلك اليمامةْ
لتري العشّ محترقًا فجأة
وهي تجلس فوق الرماد??
ويحذر أخاه من الاستسلام لدعاة الاستسلام, ولو توجوه بتاج الإمارة:
كيف تخطو علي جثة ابن أبيك?
وكيف تصير المليك
علي أوجه البهجة المستعارة?
وقد يسلك دعاة الصلح الاستسلامي مسلكًا آخر يعتمد علي ركيزتين: الأولي: تذكيرك بأحزان جليلة بنت مرة - زوجة كليب, ولو قتلتَ شقيقها جساس بن مرة لتضاعف حزنها. أما الركيزة الثانية فهي ضرورة استعمال الدهاء لأخذ ما يمكن أخذه في نطاق المستطاع, وخصوصًا أن الثأر ليس ملكك وحدك, ولكنه ملك لجيل ممتد مع الزمن:
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاء
وتبدي - لمن قصدوك - القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ - الآن - ما تستطيع
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك
لكنه ثأر جيل فجيل.
وبعد أن يفصَّل جناية ابن عمه الغادر جساس, وكيف قتله - لا وجها لوجه - ولكن غيلة وخداعًا وغدرًا, يحدثه في كليمات مقطرة عن مفهوم الصلح الكريم الشريف:
فما الصلح إلا معاهدة بين ندين
في شرف القلب لا تُـنتقَص.
ويختم وصيته بقوله:
لا تصالح
ولو وقفتٍ ضد سيفك كل الشيوخْ
والرجال التي ملأتها الشروخْ
هؤلاء الذين تدلت عمائهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيتْ سنواتِ الشموخْ
لاتصالح
فليس سوي أن تريدْ
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخْ
لا تصالح.. لا تصالح