في طهارة المني وطرق تنظيفه للشيخ أبو عبد المعزّ فركوس حفظه الله تعالى
السؤال: ما هي الكيفية الثابتة في السنة في تنظيف المني؟ وهل هو نجس؟ وهل يصح الأثر الذي رواه الإمام مالك دليلا على نجاسة المني ونصه كما يلي: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الاِحْتِلاَمِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضحُ مَا لَمْ أَرَ(١).
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فاعلم أنَّ كلاً من المسح والغسل والفرك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ"(٢) فقد كانت رضي الله عنها تحكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابسًا بظفرها كما ثبت في رواية أخرى(٣)، أمَّا المسح فقالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْلُتُ الْمَنِي مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّى فِيهِ وَيَحُتُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِساً ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ"(٤) وهذا يدلُّ على طهارة المني، إذ لو كان نجسًا لما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثوبه، أمَّا الأحاديث الثابتة في غسل مَنِيِّهِ فمنها قول عائشة رضي الله عنها : "كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ"(٥)، فلا تدل على النجاسة وإنما تدل على الندب والأفضل لأنَّ الرجل يحبُّ أن لا يرى على ثوبه أثر المني، وذلك إنما يكون لأجل التنظيف وإزالة القذر والدرن فأشبه بالبزاق والمخاط ونحوهما فإنه يكره بقاؤها على ثياب المصلي وليست نجسة، ولو كان نجسًا لما صحَّ المسح والفرك كما تقدم، فالجمع إذن أن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب كما ذكره ابن حجر في الفتح(٦).
وإذا تقرر ذلك فلا يخرج عن هذا المعنى ما سيق في السؤال من أثر.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 7 جمادى الأولى 1427ﻫ
المـــوافق ﻟ: 3 يونيو 2006م
١- أخرجه مالك في الطهارة (115)، وعبد الرزاق في "المصنف" في الصلاة (1447) من حديث يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب رحمه الله.
٢- أخرجه مسلم في الطهارة (694)، والبيهقي (4334)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٣- أخرجه مسلم في الطهارة (700)، والبيهقي (4340)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٤- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (294)، وأحمد (26812)، والبيهقي (4343)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1/197).
٥- أخرجه البخاري في الوضوء(229)، والنسائي في الطهارة (297)، وابن حبان في صحيحه (1381)، والبيهقي (4350)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٦- فتح الباري لابن حجر: 1/417.
الموقع الرّسمي للشّيخ حفظه الله تعالى