(424) وسئل فضيلته: يستعمل بعض الناس عند أداء التحية عبارات عديدة منها: "مساك الله بالخير". و"الله بالخير". و"صبحك الله بالخير". بدلا من لفظة التحية الواردة، وهل يجوز البدء بالسلام بلفظ: "عليك السلام "؟
فأجاب قائلا : السلام الوارد هو أن يقول الإنسان: "السلام عليك"، أو "سلام عليك"، ثم يقول بعد ذلك ما شاء من أنواع التحيات، وأما "مساك الله بالخير". و"صبحك الله بالخير"، أو "الله بالخير"، وما أشبه ذلك، فهذه تقال بعد السلام المشروع، وأما تبديل هذا بالسلام المشروع فهو خطأ.
(3/74)
--------------------------------------------------------------------------------
وأما البداءة بالسلام بلفظ: "عليك السلام" فهو خلاف المشروع؛ لأن هذا اللفظ للرد لا للبداءة.
(425) وسئل: عن هذه الكلمة " الله غير مادي "؟
فأجاب : القول بأن الله غير مادي قول منكر؛ لأن الخوض في مثل هذا بدعة منكرة، فالله تعالى ليس كمثله شيء، وهو الأول الخالق لكل شيء، وهذا شبيه بسؤال المشركين للنبي عليه الصلاة والسلام، هل الله من ذهب، أو من فضة، أو من كذا وكذا؟ وكل هذا حرام لا يجوز السؤال عنه، وجوابه في كتاب الله: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . فكف عن هذا، مالك، ولهذا السؤال.
(426) سئل فضيلته: عن قول بعض الناس إذا انتقم الله من الظالم: "الله ما يضرب بعصا "؟
فأجاب بقوله : لا يجوز أن يقول الإنسان مثل هذا التعبير بالنسبة لله -عز وجل- ولكن له أن يقول: إن الله سبحانه وتعالى، حكم لا يظلم أحدا، وإنه ينتقم من الظالم، وما أشبه هذه الكلمات التي جاءت بها النصوص الشرعية، أما الكلمة التي أشار إليها السائل، فلا أرى أنها جائزة.
(427) سئل فضيلة الشيخ: كثيرا ما نرى على الجدران كتابة لفظ الجلالة "الله" وبجانبها لفظة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب، أو على بعض المصاحف، فهل موضعها هذا صحيح؟(3/75)
--------------------------------------------------------------------------------
فأجاب قائلا : موضعها ليس بصحيح؛ لأن هذا يجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ندا لله مساويا له، ولو أن أحدا رأى هذه الكتابة، وهو لا يدري من المسمى بهما، لأيقن يقينا أنهما متساويان متماثلان، فيجب إزالة اسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويبقى النظر في كتابة: "الله" وحدها، فإنها كلمة يقولها الصوفية، ويجعلونها بدلا عن الذكر، يقولون: "الله الله الله"، وعلى هذا فتلغى أيضا، فلا يكتب "الله"، ولا " محمد " على الجدران، ولا في الرقاع ولا في غيره.
(428) سئل فضيلة الشيخ: كيف نجمع بين قول الصحابة: "الله ورسوله أعلم " بالعطف بالواو وإقرارهم على ذلك وإنكاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من قال: "ما شاء الله وشئت" ؟
فأجاب بقوله : قوله: "الله ورسوله أعلم" جائز، وذلك؛ لأن علم الرسول من علم الله، فالله تعالى هو الذي يعلمه ما لا يدركه البشر، ولهذا أتى بالواو.
وكذلك في المسائل الشرعية يقال: "الله ورسوله أعلم"؛ لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم الخلق بشريعة الله، وعلمه بها من علم الله الذي علمه كما قال الله تعالى: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } . وليس هذا كقوله: "ما شاء الله وشئت"؛ لأن هذا في باب القدرة والمشيئة، ولا يمكن أن يجعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشاركا لله فيها.
(3/76)
--------------------------------------------------------------------------------
ففي الأمور الشرعية يقال: "الله ورسوله أعلم" وفي الأمور الكونية لا يقال ذلك.
ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب الآن على بعض الأعمال { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } ؛ لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يرى العمل بعد موته.
(429) سئل فضيلة الشيخ: عن هذه العبارة "أعطني الله لا يهينك "؟
فأجاب فضيلته بقوله : هذه العبارة صحيحة، والله سبحانه وتعالى قد يهين العبد ويذله، وقد قال الله تعالى في عذاب الكفار: إنهم يجزون عذاب الهون بما كانوا يستكبرون في الأرض، فأذاقهم الله الهوان والذل بكبريائهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق، وقال: { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } والإنسان إذا أمرك فقد تشعر بأن هذا إذلال وهوان لك فيقول: "الله لا يهينك".
(430) وسئل فضيلة الشيخ: عن هذه العبارة "الله يسأل عن حالك"؟
فأجاب بقوله : هذه العبارة: "الله يسأل عن حالك"، لا تجوز لأنها توهم أن الله تعالى يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم
(3/77)
--------------------------------------------------------------------------------
أنه أمر منكر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع لا يريد أن الله يخفى عليه شيء، ويحتاج إلى سؤال، لكن هذه العبارة قد تفيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها، واستبدالها بأن تقول: "أسأل الله أن يحتفي بك"، و"أن يلطف بك"، وما أشبهها.
(431) وسئل: هل يجوز للإنسان أن يقسم على الله؟
فأجاب بقوله : الإقسام على الله أن يقول الإنسان: والله، لا يكون كذا وكذا، أو والله لا يفعل الله كذا وكذا، والإقسام على الله نوعان:
أحدهما : أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله -عز وجل- وقوة إيمانه به مع اعترافه بضعفه وعدم إلزامه الله بشيء، فهذا جائز، ودليله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره » ، ودليل آخر واقعي، وهو حديث أنس بن النضر « حينما كسرت أخته الربيع سنا لجارية من الأنصار، فطالب أهلها بالقصاص فطلبوا إليهم العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص، فقال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيع ؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أنس، كتاب الله القصاص" فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره » ، وهو -رضي الله عنه-لم يقسم اعتراضا على الحكم، وإباء لتنفيذه فجعل الله الرحمة في قلوب أولياء المرأة التي كسرت سنها، فعفوا عفوا مطلقا، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه
(3/78)
--------------------------------------------------------------------------------
وسلم: « إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره » فهذا النوع من الإقسام لا بأس به.
النوع الثاني : من الإقسام على الله: ما كان الحامل عليه الغرور والإعجاب بالنفس، وأنه يستحق على الله كذا وكذا، فهذا والعياذ بالله محرم، وقد يكون محبطا للعمل، ودليل ذلك أن رجلا كان عابدا، وكان يمر بشخص عاص لله، وكلما مر به نهاه فلم ينته، فقال ذات يوم: والله لا يغفر الله لفلان -نسأل الله العافية- فهذا تحجر رحمة الله؛ لأنه مغرور بنفسه فقال الله -عز وجل-: « من ذا الذي يتألى علي، ألا أغفر لفلان قد غفرت له، وأحبطت عملك" قال أبو هريرة : "تكلم بكلمة، أوبقت دنياه وآخرته » .
ومن هذا نأخذ أن من أضر ما يكون على الإنسان اللسان كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله"، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلسانه فقال: كف عليك هذا، فقال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم » . والله الموفق، والهادي إلى سواء الصراط.