منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طلب رواية وداع مع الاصيل
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-02-09, 00:44   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ام هالة شهرزاد
عضو متألق
 
الصورة الرمزية ام هالة شهرزاد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

غادة الكرمل
في بقعة جميلة هادئة من جبل الكرمل الشامخ المهيب القائم في أبدع مدن فلسطين ( حيفا ) شاد البناءون منزلا اقرب إلى القصور بفخامته و روعته و ضخامته أعمدته الرخامية و شرفاته العالية و ردهاته الفسيحة و غرفه المتعددة و قاعاته الواسعة، و قد افتن من طلوا جدرانه فيما أتوه من مناظر بديعة تحاكي الطبيعة في أروع صورها و اجلي معانيها، و الناظر إليها يرى السهل و الجبل و النهر و الشجر و الراعي و الغنم و الطير المحلق في غمار السحب، و قد أطلت من السقوف المطلية بزرقة هادئة ثريات فضية باهرة تتلألأ تلألؤ النجوم في قبة السماء.
و مما يجذب عين الناظر في أبهاء ذلك القصر أبوابه الهائلة ذات المقابض الكروية المذهبة و قد حفر خشبها برسوم زخرفية تتخللها نحلات نحاسية صفراء فتبدو للعين و هي تلتمع بشعاع ذهبي خاطف كأقراص شموس صغيرة.


و لم يغفل صاحب القصر عن تجميل هذا الممر الطويل الواسع، فأقام على جانبيه قفصين بديعين كبيرين ضم كل منهما بين قضبانه طيرا من طيور الطاووس و تلتهما أقفاص اصغر حجما للعنادل و الببغاوات، و قامت أشجار السرو النحيلة الباسقة حول ذلك القصر و حديقته الغناء فبدت وسط سكون الليل كعذارى حسناوات انتضن بأعوادهن الفارعات يتنسمن شذى الزهر المعطر و يملان النظر من جنة القصر الفيحاء.
و أقام في هذا الفردوس ( شكري بك ) و زوجته ( ظريفة ) و ابنة أخيه ( سعاد ) _ أرملة ولدهما المتوفى .
و كان لهما ابنة مدلله اسمها ( هدى ) خصص لها أبوها جناحا في القصر، و أما وحيدهما ( وليد ) فقد بعثا به إلى انجلترا يتلقى علومه هناك.
سكنت هذه الأسرة الثرية قصرها بعد أن فرغ البناءون من إعداده و تنسيقه، و كان فصل الربيع قد بدأ ينسج أثوابه و يجود بعبق أنفاسه، فازدهرت البساتين ترفل في ثياب أنيقة بيضاء من زهر اللوز و المشمش و التفاح ينبعث عبرها مع نسمات الليل و تباشير الصباح، و تحررت الطيور الشجية من أوكارها على اختلاف فصائلها و ألوانها و انطلقت تشدو مرفرفة بين الاحراج و البساتين.
سارت أيام الربيع حلوة ناعمة بعليل نسيمها و أريج أزهارها و أسرة شكري بك تنعم بحياتها آمنة مطمئنة، إلى أن انقضى هذا الفصل المزدهر و اقبل بعده الصيف بلياليه المقمرة و ثماره الناضجة، و إذا البساتين تنزع عنها ثيابها البيضاء و تلبس الأشجار غلائلها الخضراء تنوء أغصانها تحت عبئ ثمارها كعرائس أثقلتها الحلي و الدمالج فتهتز و تتمايل لتطرح للمواطنين ما أغدقه عليهم المولى العظيم من نعمه، فيؤكل منها و يصدر و يباع.