ونقل قول ابن تيمية بأن الصحابة لم يكونوا يأتون قبره صلى الله عليه وسلم للصـلاة عنده ولا لمسح القبر،فقال: " ونحن نقول من آداب الزيارة ذلك . ننهى عن التمسح بالقبر والصلاة عنده" شفاء السقام 152
ونقل السبكي قول الإمام مالك: " ولا يمس القبر بيده"
وهذا معاصركم محمد سعيد رمضان البوطي –هداه الله- يقول: " فإذا دنوت من القبر الشريف فإياك أن تلتصق بالشبابيك أو تتمسح بها كما يفعل كثير من الجهال فتلك بدعة ... ثم استقبل القبلة ولا تتوهم أن في هذا سوء أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الدعاء ينبغي أن يكون مع استقبال القبر. فإن الدعاء خطاب لله عز وجل لا يجوز أن يشرك فيه غيره .. "وقال: " ولا تلتفت إلى كثرة من قد تراهم من الجهال والمبتدعين" فقه السيرة للبوطي 478
وأقول للبوطي يا أيها الرجل المعلم غيره ، هلا لنفسك كان ذا التعليم ، نعوذ بالله من أصحاب الهوى أهل التناقض!! هذا أنت من يطبع كتبه ليست روايات عنكم!!
قلتُ:
هؤلاء حججكم!! الغزالي والسبكي والبوطي؟! هل نقول لهما كما تقولون عن من يخالفكم ويحذركم بأنهم خوارج؟!! مبغضين للنبي صلى الله عليه وسلم؟!! أم أنكم تريدون-أجيبوا بصراحة- أن تعبدون الهوى {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وعلى بصره وغشاوة فمن يهديه من بعد الله،أفلا تذكرون}
تاسعاً:
لمثل هذه الحكاية وغيرها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- كلاماً نفيساً يُعد منهجاً في هذا الباب:
" .. وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه.
وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف ، ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبة أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى ؛ لما جاز التمسك بها حتى تثبت ، فكيفب المنقول عن غيره؟
ومنها ما قد يكون صاحبه قاله ، أو فعله ، باجتهاد يخطئ ويصيب ، أو قاله بقيود وشروط كثيرة على وجه لا محذور فيه ، فحرف النقل عنه"
قلتُ: وهذا كلام واضح وحجته ظاهرة بينه ، ويا للهوى كم أسعر قلوب دُعاة القبورية ، وأسكر هواه الصوفية ، ولكن الحق أبلج ، والباطل لجلج.
عاشراً:
كلام شيخ الإسلام لا يعلى عليه ، وأذكر بأن يجب التأكد من هذه الروايات وصحة نسوبها لأصحابها ؛ فإن كان كذب على النبي عليه الصلاة والسلام فالأئمة والعلماء من باب أولى.
وعند العودة وجدنا في نقولات القوم تحريف كبير للمعنى ، وكأن صاحب المقال يود إيهامنا بأن نقل من شيخ الإسلام هذا الخبر!!
الحادية عشر:
أن هذه الحكايات غالباً ما تكون موضوعة ، وأسانيدها مبتورة ، وتجد في الإسناد ظلمات ومجاهيل!! ومع ذلك يقبلونها وفي منهجهم –وغالب الصوفية أشاعرة- أنه لا يقبل الحديث الصحيح الآحاد!! فأي تناقض ومخالفة لأصولكم؟! الصحيح يرمى والضعيف يحتج به؟!! وهذه دلالة الهوى ، فتنبه لها!
الثانية عشر:
لربما كانت هذه الزيادة من الناسخ عمداً أو جهلاً لأن أصل الرواية –كما تقدم- دون هذه الزيادة ؛ بل نقل ما يضادها..
الثالثة عشر:
أما بالنسبة للتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام والشعرات فقبل الدخول في الموضوع أحب أن أؤكد على أمر:
أننا –أهل السنة والجماعة- نؤمن بالتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم خلافاً لما يشيعه عنا الآخرون ، وكيف ننكره وقد ثبت به الأحاديث الصحيحة ، غير أن آثاره اليوم صلى الله عليه وسلم لم تعد متوفرة بيننا مما يجعل إثارة هذا الموضوع تشغيباً وترويضاً للناس واستدرجاً بهم نحو التبرك بالقبر . والذين ثبت عنهم التبرك بالشعرة لم يصح عنهم التبرك بالقبور.
أما بالنسبة للشعرات المزعومة فأجيب بإجابة شيخنا عبدالرحمن بن محمد سعيد من أجلة علماء لبنان حيث يقول مخاطباً بعض الصوفية:
" وأما هذه الشعرات المزعومة والتي تتسلطون بها على الناس وتتحكمون بها في عواطفهم فيُحتاج إلى إسنادها مثلما تسندون للحديث النبوي ، والصوفية ليسوا أمناء على حديث النبي صلى الله عليه وسلم فكتبهم طافحة بالأحاديث الموضوعة ، كحديث "إن الله سيدخل الجنة كل من اسمه محمد" وزعم نبيل الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحبو العربية لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي"
فكيف يؤتَمَنون على شعر النبي صلى الله عليه وسلم؟!! فمن لم يؤتمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أن يأتي بشعرة يزعم أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن نسلم أنه كانت عند أحمد شعرات للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن لا نسلم لمن ثبت كذبهم فلا يستوي أحمد الصادق والصوفية الكاذبون. فأنتم لستم أمنــاء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نأمنكم على آثاره؟!!
وإذا كان في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المنقطع والضعيف والمكذوب ؛ فكيف نتمكن من إثبات اتصال سند هذه الشعرة ؛ بل ربما كان سندها شديد الضعف ؛ بل ربما كان موضوعاً ؛ وربما كان سند الشعرة خبر الواحد فيصير ظنيناً حسب قواعد الأشاعرة!!
وهذا ليس فيه استهانة بآثاره صلى الله عليه وسلم فإن أحاديثه من آثاره:
فكما أننا لا نقبل كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد التحقق من إسناده فكذلك لا نقبل كل شعرة تنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد التحقق من إسنادها.
ولا يضرنا أن نترك هذه الشعرة المجهولة السند سداً للذريعة حتى لا تكون الشعرة خطوة على طريق الضريح والمقام ، فإن الله لن يسألنا يوم القيامة:لماذا لم تتبركوا؛ولكنه يثيبنا على سد الذريعة. فإنما أهلك بني إسرائيل بتتبعهم آثار أنبيائهم كما قال عمر.
والفرق بينا وبين بني إسرائيل ومن شابههم: أننا نتبع سبيل الأنبياء لا آثار الأنبياء."
قلتُ:
جزى الله شيخنا خير الجزاء ، ووالله لو كان أحدهم يُريد الحق ويطلبه ولديه عقل سليم فكلامك له شفاء من السقم!!
هل أدركتم الفرق؟!!
الرابعة عشر:
وقطعاً للسبيل المراد!! قياس التبرك بالنبي عليه الصلاة والسلام بغيره ، ننقل تتمة كلام شيخنا:
" أن التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لم يثبت ، قال الشاطبي: "وقد ترك صلى الله عليه وسلم بعده أبا بكر وعمر وهما خير هذه الأمة وخير ممن يوصف الناس بعدهم بالأولياء ولم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح أن متبركاً تبرك به على النحو الذي يفعله العامة في المشايخ من لمس الجسد والثياب ، فهو إجماع منهم على ترك الأشياء"
قلتُ: ونحن نلتزم ما التزمه السلف ومن هنا وانطلاقاً من قوله {ويتبع غير سبيل المؤمنين} نقول: هل كان سبيل المؤمنين من الصحابة فيما بينهم؟ هل ثبت تبرك عمر بأبي بكر؟! أو هل تبرك علي بابن مسعود؟!
ولا أتوقع أن يعتقد أحد أن البدوي والرفاعي والجيلاني أكثر بركة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشاطبي: "فعلى هذا المأخذ لا يصح لمن بعده ، الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في التبرك ، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة" الاعتصام 2/9.
ولقد زل كثير من العلماء في التوسع بالتبرك ولم يقف عند حدوده وقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره وهو قياس مع الفارق.
وقال الحافظ ابن رجب: " وكذلك التبرك بالآثار فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ولا يفعله التابعون مع الصحابة ، مع علو قدرهم فدل على أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه"
قال: "فهذه الأشيــــاء فتنة للمعظِّم والمعظَّم لما يُخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة ، وربما يترقى إلى نوع من الشرك" الحكم الجديرة بالإذاعة 55.
ولكن شد من عضـد هذه البدعة ما وقع من بعض الفقهاء من تسويغها وحشد الأدلة التي لا يميز العامي صحتها من ضعفها. ومن هنا نقول: وإن كنا نعتبر التمسح بالقبور والاستغاثة بالأموات شركاً إلا أن الحكم على معين من العوام بالشرك من الصعوبة بمكان بسبب تمسك بعض الفقهاء بذلك وإيراد الأدلة عليه بما يجعل الأمر ملتبساَ على العوام. ومن هنا فلا تناقض بين هذا الموقف وبين قولنا: هذا العمل شرك.
وهذا البلاء الذي أنكره كثير من العلماء قد عمت به البلوى وطمت كما صرح السيوطي. [ حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة 1/139]
ولكن سوغه بعض المتأخرين وسكت عنه آخرون فصار سنة حكم العوام على منكرها بأنه مبتدع مخالف يخوض فيما سكت عنه أهل العلم. والقلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن"
قلتُ:
جزى الله شيخنا ، فقد أجاد وأفاد ، وما على كلامه قولٌ يُزاد ، ويُنتظرُ من أهل العقل والرشاد ، ممن زل ووقع بغير قصد واعتقاد ، أن يبادر إلى الأوبة والتوبة قبل يوم التناد ، يومها لن ينفع التعلق بأشياخٍ قد أضلوك عن طريق الهُدى والرشاد ، فانقلبت إلى دار الشقاوة وأهل العناد ، فأين من أضلك لا يبدأ التلاعن والتبرؤ لما حصل للاعتقاد من إفساد ، فعد إلى رشدك إنك في دار المهلة!!
الخامسة عشر:
ولا مانع من التأكيد .. بذكر المزيد .. لتنبيه ذو الفكر البليد .. وقمع العنيد ..
قال أبو الحسن علي بن عمر القزويني في (أماليه)- كما نقله شيخ الإسلام في الرد على الأخنائي ص268 ، 269 - :
قرأت على عبيدالله الزهري قلت له: حدثك أبوك. قال:حدثني عبدالله بن أحمد. قال:حدثني أبي قال: سمعت زياد بن حماد بن دليل قال لسفيان-يعني بن عيينة- قال: كان أحد يتمسح بالقبر؟ قال:لا ، ولا يلتزم القبر ؛ ولكن يدنو, قال أبي: يعني الإعظام لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادسة عشر:
وفي [وفاء الوفاء] للسمهودي ص219 في مجرد وضع اليد على القبر ما نصه:
قد أنكره –أي وضع اليد على القبر- مالك والشافعي ، وأحمد أشدَّ الإنكار.
وإليك بعض مواقف الإمام أحمد مع الصوفية
https://saaid.net/feraq/sufyah/011.htm
وأخيراً .. اسأل الله لنا ولكم الهداية، وعدم سلوك دروب الهوى، وصلى الله على قدوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري-
الرد المسـدد على الصوفي الذي كذب على الإمام أحمد