إضاءات حول الموقف
ثمّة مواضع تستوقف المتأمّل وتفيض بدلالاتها على النفوس، فمن ذلك: فضل كلمة التوحيد،وعظمها. فهي أصل دعوة الرسل، وهي الشهادة التي شهد الله تعالى بها لنفسه، وهي كلمة التقوى، ومفتاح الجنّة، وسبيل النجاة، والعروة الوثقى، وقد استفاضت آيات القرآن وأحاديث النبي –
- في تأصيلها وكيفيّة تحقيقها وبيان نواقضها، بما لا يسعه المقام هنا.
ومما يستفاد منه في هذا الموقف: مسألتان: مراعاة حال المخاطبين، وضرورة تحقيق الموازنة ، أما الأولى: فتظهر من خلال بيان عمر رضي الله عنه لأصناف الناس، فمنهم من تزيده البشارة جدّاً في العمل، ونشاطاً على العبادة، وعزماً على الاستزادة، ومنهم من تقوده أحاديث الرحمة إلى التقاعس والتواكل، فتكون الحكمة إذاً بمخاطبةٍ كلٍّ بما يناسبه، ولذلك رأى العلماء في الحديث جواز الإمساك عن بعض العلوم للمصلحة أو خوف المفسدة، ولئن كان في تبشير الناس مصلحة ، ففي اتكالهم على ذلك وعدم فهمهم للحق مفسدة أكبر.
ويوضّح ذلك الإمام ابن الصلاح بقوله: "مَنْعُه من التبشير العام خوفاً من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم ، فيغترّ ويتكل ، وأخبر به –
– على الخصوص مَنْ أَمِن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة ،فإنه أخبر به معاذاً ،فسلك معاذ هذا المسلك،فأخبر به الخاصة من رآه أهلا لذلك".
وأما الثانية: فإن من الموازنة المطلوبة الجمع بين الترغيب والترهيب؛ ومن الملاحظ على بعض الدعاة الاقتصار على الترهيب أو إهمال ما يقابله من بثّ نصوص الرجاء الشرعيّة التي تبيّن سعة رحمة الله عزّ وجلّ وتوبته على عباده، ولفت النظر إلى نعيم الجنّة وما أعدّه الله للمؤمنين، وغير ذلك من الأمور التي تشحذ العزائم وتنهض بالهمم، فالمطلوب الموازنة بين الأمرين من غير إفراطٍ ولا تفريط.
وفي الموقف تنبيه على فضيلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكيف أجرى الله على لسانه الحقّ في كثير من الأحيان، كما قال النبي -صلى الله عليه و سلم-: ( إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثون –وهم الملهمون بالحق-، وإنه إنْ كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب ) رواه البخاري ومسلم .
ويبقى التنبيه على الفرق بين الفضوليّة التي جعل النبي –
- تركها علامةً على حُسن إسلام المرء بقوله : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) رواه الترمذي ، وبين الاستيضاح المطلوب في بعض المسائل والاستفصال فيها لمعرفة الأمر على وجهه وصورته، وذلك مستفادٌ من موقف عمر مع أبي هريرة رضي الله عنهما
.
الشبكة الاسلامية