السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هؤلاء يستحقون العطف والحنان والمؤازرة .
القائل :
هو الرصافي شاعر الرافدين المحتلين يصف بصراحة مبكية طبقة الفقراء ...رفع الله عنها غبنها :
لقيتها ليتني ما كنت القاها * * * تمشي وقد أثقل الأملاق ممشاها
أثوابها رثّةٌ والرجل حافية * * * والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
بكت من الفقر فاحمرّت مدامعها * * * واصفرّ كالورس من جوع محيّاها
مات الذي كان يحميها ويسعدها * * * فالدهر من بعده بالفقر أشقاها
الموت أفجعها والفقر أوجعها * * * والهمّ أنحلها والغمّ أضناها
ومزّق الدهر ويل الدهر مئزرها * * * حتى بدا من شقوق الثوب جنباها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها * * * حملاً على الصدر مدعوماً بيمناها
ما أنس لا أنس أنيّ كنت أسمعها * * * تشكو إلى ربّها أوصاب دنياها
تقول يا ربّ لا تترك بلا لبن * * * هذي الرضيعة وارحمني وإياها
ما تصنع الأم في تربيب طفلتها * * * أن مسّها الضرّ حتى جفّ ثدياها
يا ربّ ما حيلتي فيها وقد ذبلت * * * كزهرة الروض فقد الغيث أظماها
يكاد ينقدّ قلبي حين أنظرها * * * تبكي وتفتح لي من جوعها فاها
تبكي لتشكوَ من داءٍ ألم بها * * * ولست أفهم منها كنه شكواها
حتى دنَوت إليها وهي ماشية * * * وادمعي أوسعت في الخد مجراها
وقلت يا أخت مهلاً أنني رجل * * * أشارك الناس طرّاً في بلا ياها
سمعت يا أخت شكوىً تهمسين بها * * * في قالة أوجعت قلبي بفحواها
هل تسمح الأخت لي أني أشاطرها * * * ما في يدي الآن استرضي به الله
ثم اجتذبت لها من جيب ملحفتي * * * دراهماً كنت استبقي بقاياها
وأجشهت ثم قالت وهي باكية * * * واهاً لمثلك من ذي رقة واها
لو عمّ في الناس حسَنٌ مثل حسّك لي * * * ماتاه في فلوات الفقر من تاها
أو كان في الناس انصاف ومرحمة * * * لم تشك أرملة ضنكاً بدنياها
هذي حكاية حال جئت أذكرها * * * وليس يخفي على الأحرار مغزاها
أولى الأنام بعطف الناس أرملةٌ * * * وأشرف الناس من في المال واساها
سلام...