كنت أسمعها تتردد كثيرا في أفواه من عايشناهم فترة السبعينات و الثمانينات دلالة على بلوغ أعلى سلم التمدن و الثقافة و التفتح و بالتالي أسمى درجات التحضر و هذا طبعا مقترن بمقاييس أصحابها الذين ربطوا الحضارة بعطر فاخر و لبس سافر يعكس صورة التقدم و الرقي عند المجتمعات البائسة و المسكينة.
و جدت أهل ما وراء البحار يختلفون معنا في ماهية التحضر و كيفية الإتسام بها و لك أن تبحث بأي لغة تشاء لتتأكد أنهم يقصدون أمورا مفيدة و سديدة رغم أنهم هم من صدروا لنا بعض ثقافاتهم و عاداتهم المنحطة لنستقبلها بلهفة و تعطش كبيرين.
أن تكون لبقا لطيفا تحسن الكلام مع الآخرين و تبادلهم الإحترام و كل شعور طيب و أن تحرص على مساعدة الناس عند الحاجة و أن تسعى لإحترام قوانين المرور و ان لا تقوم بتصرفات تسيء للمارة كالتفوه بالكلام الفاحش و السباب أو بالبصاق و رمي فضلات ما نأكل و نشرب على قارعة الطريق ... هذا بعض ما يصطلحون عليه هؤلاء بسلوكات حضارية.
"سيفيليزي" في ديارنا شيء آخر يا سادة ياكرام ..الكل حر وفق الحريات المكفولة لاستيراد نفايات الحضارات الأخرى التي دقت كل نواقيس الخطر لمعالجة بعض انحرافات التحضر عندهم .. أما نحن يا سلام .. نحن "نتسلفز" مع كل مطلع شمس بجدارة و نتابع أخبار "التسلفز" (أقصد التحضر) مع مختلف المهتمين بهذه العلوم الرائدة في كل زمان و مكان.
يا أسفي على ما أراه اليوم ينتشر و يتغلغل حتى في صحراءنا و جنوبنا المحافظ - بلاد الشيم و القيم - بشكل مخيف و رهيب و سرعة مذهلة طيرت رياحه كل نفيس فغاب الحياء و الستر و السجايا الحميدة و استبدلت كلها ب" التسلفز" و مظاهر التحضر كما يراها أهلها من المساكين.
مع حبي و تقديري لكل إخواني و أخواتي في جميع البلدان العربية و الإسلامية و مع احترامي الشديد لهم لكن الحقيقة ليس ما نراه اليوم هو ما يجب أن نفخر به و ندعوه تحضرا بل نحن في حاجة إلى مراجعة جادة لإكتشاف عناصر الحضارة الراقية و لن أقول ما هي لأنها موجودة في أصولنا.
هدانا الله إلى ما فيه الخير و الصلاح.