منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أسباب النجاة من كرب يوم القيامة وشدة أهواله..متجدد
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-01-03, 04:11   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السبب الخامس :التقــوى زادًا ولبـاســــًا


وحقيقة التقوى في لسان الشرع الشريف هي:
أ- هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
ب- وإن شئت فقل: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
جـ- وإن شئت فقل: هي مراقبة الله والشعور به عند الصغيرة والكبيرة والتحرج من إتيان ما يكره توقيرًا لذاته، وإجلالاً له سبحانه. وإن شئت فقل هي: مراقبة الله عند الصغيرة والكبيرة والخوف من إتيان ما يكره توقيرًا لذاته وإجلالاً له سبحانه.
د- وإن شئت فقل: هي الأعمال الصالحة أقوالها وأفعالها، باطنها وظاهرها، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب رضي الله عنه عن التقوى فقال له: (أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى).
ولعظم شأنِها وأهميتها في كل شريعة من شرائع الله المختومة بِهذه الشريعة المحمدية فقد وصى الله بِها جميع الأمم من أهل الكتاب وغيرهم وإيانا في هذا الكتاب العظيم، حيث قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: من الآية131].
واعتبرها سبحانه زادًا لنا فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: من الآية197]. كما اعتبرها -تبارك وتعالى- لباسًا لنا فقال: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: من الآية26].
ولقد أحسن الذي قال:

إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر تزود من التقوى فإنك لا تدري
والذي قال:

تقلب عريانًا وإن كـان كاسيـا إذا المرء لَم يلبس ثيابًا من التقى
والذي قال:

ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
وأنك لَم ترصـد كما كان رصـدا إذا أنت لَم ترحل بزاد من التقى
ندمـت على أن لا تكـون كمثله
ورتب الله على حصولها واتصاف العباد بِها كل صلاح وفلاح وطهر كما قال عز و جل: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّر عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغْفِرْ لَكُم وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال:29].
فجعل سبحانه التقوى شرطًا أساسيًّا في حصول الأمور التي يفرق بِها العبد بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وذلك بأن يقذف في قلبه النور الذي تحصل به الهداية إلى طريق الحق والثبات عليه، كما رتب في هذه الآية الكريمة على التقوى خصلتين عظيمتين، وهما تكفير السيئات وسترها حتى لا تبقى ظاهرة، ولا باطنة، ومغفرة الذنوب جميعًا صغائرها وكبائرها، أقوالها وأفعالها، سرها وعلانيتها.
وما ذلك إلا أنه سبحانه هو صاحب الفضل العظيم والإحسان المتواصل والإكرام الدائم لمن يستحق الفضل والإحسان والإكرام، ولقد جعل الله سبحانه لأهل التقوى سمات عديدة ذكرها الله في آيات محكمات من كتابه الكريم:
من هذه الآيات قوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ -2, الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون -3, وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ -4, أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة:2-5]. فقد اشتملت هذه الآيات الكريمات على عدة صفات من صفات أهل التقوى منها:
الصفة الأولى: الإيمان بالغيب والمراد به ما غاب عن العباد حسًّا، غير أن الله أخبر به في كتبه الْمُنَزلة على رسله الذين لا ينطقون عن الهوى، فأما أهل الإيمان الحق فإنَّهم يصدقون بلا شك ولا ارتياب بما أخبرت به الكتب السماوية وجاء به الرسل الكرام من الأخبار عن وجود الله العلي الأعلى، خالق الكون ومالك يوم الدين، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء الذي بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ويصدقون كذلك بما ورد في الوحيين من الأخبار عن المغيبات مثل الحياة البرزخية والبعث والنشور والجزاء على الأعمال، والجنة والنار وغير ذلك مما سيكون مما أخبر الله ورسله عنه من أمور الغيب.
أما أهل الكفر والإلحاد وفي مقدمتهم الشيوعية والماركسية الملحدة فإنَّهم لا يؤمنون بالغيب؛ إذ لا رب عندهم ولا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ولا جزاء على الأعمال، بل مفتاح عقيدتِهم لا إله، والحياة مادة فقط، وأن صراع بني الإنسان عندهم في هذه الحياة إنما هو من أجل العيش والبقاء
فقط للتمتع بالملذات والشهوات التي يسرتْها قوانين الإلحاد، وهيأتْها لهم حضاراته المزعومة.
الصفة الثانية من صفات أهل التقوى: إقامة الصلاة: ومعنى إقامتها، الإتيان بِها على الوجه المشروع الذي أوضحه الله على لسان رسوله المبلغ عنه، من محافظة على الطهارة أولاً، ثم إتقان هيئاتِها قيامًا وقعودًا وقراءة وركوعًا وسجودًا وجهادًا للنفس كي تشعر بشعور الواقف الخاشع بين يدي الله الذي ترجى رحمته ويخشى عذابه.
الصفة الثالثة: ومن تلك الصفات صفة القيام بالنفقات الواجبات والمستحبات تقربًا إلى الله وأداء لحقوق عباده وتطهيرًا للنفس من رذيلة الشح والبخل وتنمية المال الذي يزيد ويتكاثر بالإنفاق منه، ويتلف وتمحق بركته بالإمساك، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ج أنه قال:
(ينْزل كل يوم ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط مُمسكًا تلفً).
الصفة الرابعة: الإيْمان الحق بِما أنزله الله على رسله الكرام وأنبيائه العظام، وأنه كله حق وصدق وهدى ونور، قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -136, فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:136، 137].
الإيمان باليوم الآخر أي بمحبته، وما سيكون فيه مما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم كما سبق الكلام عليه مفصلاً في هذا البحث المبارك ولأهل التقوى صفات غير هذه ذكرت في آيات قرآنية أخرى أذكر منها قوله عز و جل: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ -133, الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ -134, وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ -135, أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران:133-136]، فقد اشتملت هذه الآيات الكريمات على السمات التالية:
الأولى: الإنفاق في حالة الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض بل وفي جميع الأحوال بحيث لا يشغلهم شاغل عن طاعة الله والسعي في مراضيه والإحسان إلى خلقه بما يقدرون عليه من أنواع البر والخير، وقد تقدم الكلام على هذه الصفة قريبًا.
الثانية والثالثة: كظم الغيظ والعفو عن الناس، ومعنى كظم الغيظ كتمه له متى ثار وهم في حال كظمهم للغيظ لا ينتقلون إلى حقد دفين ولا إلى ضغينة غائرة في القلوب والصدور، ولكن ينتقلون إلى صفح النفس النقي وعفو القلب الطاهر البريء فيصبحون في عداد المحسنين، وركب المتقين، ومتى كانت جماعة تحب الله ويحبها الله، وقد شاعت فيها السماحة والسهولة واليسر وتخلصت بفضل الله من داء الإحن وشر الأضغان، فهي جماعة متآخية مترابطة، مترحمة متعاطفة، مثلها كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وكم من نص صريح وحديث صحيح جاء في الترغيب في كظم الغيظ والعفو عن الناس، قال الإمام أحمد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء).
ومن حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿الْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ
﴾ [آل عمران: من الآية134] أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو يقدر إنفاذه ملأ الله جوفه أمنًا وإيْمَانً).
وجاء في حديث آخر أيضًا: (ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، ومن تواضع لله رفعه الله).
وروى الحاكم في مستدركه عن أبي بن كعب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه) فيه ضعف بسبب أبي أمية بن يعلى.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس هلموا إلى ربكم وخذوا حوركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة)، وغير هذه النصوص في هذا الموضوع كثير .
الصفة الرابعة والخامسة والسادسة من صفات أهل التقوى: ذكر الله والاستغفار والتوبة النصوح وعدم الإصرار على الذنوب وهذه الصفات دل عليها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:135].
والمعنى: أن أهل التقوى إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار وإذا أمعنت النظر في هذه الآية الكريمة، وجدت في طياتِها الرحمة بِهذا الإنسان البشري الضعيف الذي يعثر في حماة المعصية في كل وقت وحين ذلك لأنه كلما أغواه عدوه ألهمه الله ذكره فذكر وتذكر، وندم واستغفر فغفر الله له ذنبه، ورد كيد عدوه في نحره، قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم﴾ [آل عمران: من الآية135] أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ج قال: (إن رجلاً أذنب ذنبًا فقال: رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي. فقال الله عز وجل : عبدي عمل ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لِي. فقال -تبارك وتعالى- علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لي. فقال الله عز وجل : علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره. فقال الله عز وجل : عبدي علم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء) أخرجاه في الصحيحين من حديث إسحاق بن أبي طلحة بنحوه -حديث آخر -.
وروى الإمام أحمد عن أبي المدله مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة: (قلنا: يا رسول الله، إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد. فقال: لو أنتم تكونون على كل حال على الحال التي كنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لَم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم. قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابُها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس؛ ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، ثلاثة لا ترد دعوتُهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) رواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر من حديث سعد به.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: من الآية135] أي لا يغفرها أحد سواه.
وقوله: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: من الآية135] أي تابوا من ذنوبِهم ورجعوا إلى الله عن قريب، ولَم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه كما روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن مولى لأبي بكر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ورواه أبو داود والترمذي من حديث عثمان بن واقد وهو حديث حسن والله أعلم.
وقوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أن من تاب تاب الله عليه وهذا كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه﴾ [التوبة: من الآية104]. وكقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:110]. ونظائر هذا كثيرة جدًّا.
وقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره لقول الله عز وجل : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ولَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون﴾ [آل عمران:135]. أي إذا صدر منهم أعمال سيئة كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربَّهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبِهم، والستر لعيوبِهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون﴾.
قلت: ومثل هذا ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني وصدق أبو بكر أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
وعن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منها فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنَّهم مهتدون). وغير ذلك في هذا المعنى كثير.
تلك هي صفات أهل التقوى، فما هو جزاؤهم الدنيوي والأخروي؟
والجواب: هو أن الله ذكر جزاءهم في محكم القرآن العزيز، وعلى لسان الرسول
صلى الله عليه وسلم، وسأذكر ما يحضرني من ذلك مستدلاًّ عليه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة:
1- مغفرة الذنوب، وقد سبقت الأدلة في ذلك قريبًا.
2- دخول الجنات المشتملة على جميع أصناف النعيم
كما قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين﴾ [آل عمران:136].
تفريج ما بِهم من هم وغم وكشف ما يصيبهم من كرب وضيق، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا -2, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: من الآية2، 3].
4- تسهيل أمورهم وتيسيرها لهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: من الآية4].
ويكفي أهل التقوى شرفًا وفضلاً أن الله معهم بنصره وتأييده وحفظه وتوفيقه ورعايته كما قال عز و جل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128].