وهنا يجب استجلاء الموقف الإسلامي، والشريعة الإسلامية من التسول، إذ أن الإسلام ـ كعادته ـ كان سبَّاقًا في التعاطي مع هذه المشكلة، ووضع لها الحلول منذ بداية الدعوة؛ من أجل الوصول إلى أفضل المجتمعات، التي يتمتع فيها أغلب الأفراد بحياة كريمة وعزيزة، وهو ما جعله حريصًا على أن يربي المسلمين على مكارم الأخلاق، ويغرس فيهم العزة والشمم، والترفع عن النقائص، والبعد عن المعايب.
ومن ثم؛ فقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم من تعفف من الفقراء، فقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:273]، والآية وإن وردت في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنها تتسع لتشمل من اتصف بهذا الوصف، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما يقول الفقهاء.
كما أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنفر من سؤال الناس، وترغب في أن يكون المسلم عفيفًا، ذا كسب طيب ينفق منه ويتصدق، ففي الحديث الذي جاء في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) [متفق عليه، البخاري، (1361)، ومسلم، (1033)]، وفي تسمية اليد المنفقة باليد العليا؛ تصوير لعلو المسلم ورفعته وعزته، وفي تصوير اليد الآخذة بالسفلى؛ استهجان لسؤال الناس أموالهم، ولهذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يكونوا أصحاب اليد العليا، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث، الذي جاء في الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: ((والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلًا فيسأله؛ أعطاه أم منعه)) [متفق عليه، البخاري، (1401)، ومسلم، (1042)، واللفظ للبخاري]، وروى البخاري أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أُعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)) [البخاري، (1400)].