رابعًا؛ فعل الصحابة رضي الله عنهم
1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذتُ بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله، قال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة) (20).
فها هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد باشر التغيير بيده فجبذ بثوب مروان، وهو الأمير يومئذٍ.
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: ((وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المنكر عليه والياً، وفيه أن الإنكار عليه يكون باليد لمن أمكنه ولا يجزئ عن اليد اللسان مع إمكان اليد)) (21).أ.هـ.
2) وعن سويد بن غفلة قال: (كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو أمير المؤمنين - بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي، فغضب غضباًشديداً، فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا؟ فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي... قال: يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها، فلم تُصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار، ثم تغشاها فَفَعْلتُ ما ترى، قال: ائتني بالمرأة لتُصدقك، فأتى عوف المرأة، فذكر الذي قال له عمر رضي الله عنه... فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين.... قال أبوها وزوجها: نحن نُبلِّغ عنك أمير المؤمنين، فأَتيا فصدّقا عوف بن مالك بما قال، قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم، فأمر به فصُلبَ... قال سويد بن غفلة: وإنه لأول مصلوب رأيته) (22).
فهذا عوف بن مالك - وهو صحابي جليل - رأى منكراً فغيره بيده، ولم يكن المنكر ليندفع إلا بالضرب، فضرب عوف بن مالك صاحب المنكر، فشج رأسه فلما بلغ ذلك عمر رضي الله عنه وعرف حقيقة الأمر، ما عنَّفَهُ بل أقام حُكم الله في هذا الذمي وهو أن يُقتل.
3) ورأى ابن عمر فسطاطًا على قبر عبد الرحمن فقال: (انزعه يا غلام؛ فإنما يظله عمله) (23).
وهذا تغيير باليد وقع من غير حاكم كما ترى.
(20) أخرجه البخاري (956) واللفظ له ومسلم (889) والنسائي (3/187) وابن ماجه (1288) وأحمد (3/36، 54).
(21) شرح صحيح مسلم (6/178).
(22) أخرجه البيهقي (9/201) وأبو عبيد في كتاب الأموال (485) والحديث حسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (5/119).
(23) علقه البخاري في كتاب الجنائز (باب الجريدة على القبر) (3/264 فتح) وقد ذكر الحافظ في الفتح أن ابن سعد أخرجه موصولاً. والفسطاط بيت من الشَّعر وقد يطلق على غير الشَّعر