وروى الترمذي في جامعه من طريق الأعمش عن ذر بن عبدالله عن يسيع عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الدعاء هو العبادة ثم قرأ : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
قال الترمذي عقبه : هذا حديث حسن صحيح .
ورواه الترمذي من حديث أنس بلفظ : ( الدعاء مخ العبادة ) .
وسنده ضعيف .
وفي الحديث : ( إذا سألت فاسأل الله ) .
رواه الترمذي من حديث ابن عباس- رضي الله عنه وسنده حسن : وقد خالف عباد القبور هذه النصوص الصريحة في أن الدعاء لايصرف إلا لله وصرفوه للأموات والغائبين فتراهم يدعونهم كأنهم يسمعون ويستنجدون بهم كأنهم حاضرون قادرون .
وقد أبطل الله في كتابه دعاءهم وأدحض شبههم ولكن عباد القبور لا يسمعون ولا يعقلون. قال تعالى: { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان:44]
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ - إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:13،14].
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الحج:73].
وطلب الحاجات من الموتى سواء كانوا أنبياء أو صالحين فضلا عن غيرهم وسؤالهم الشفاعة وطلب الإعانة منهم والاستعانه والاستغاثة بهم وسؤالهم غفران الذنوب وتفريج الكروب كل ذلك داخل في دعاء غير الله وكله من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبه .
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } [النساء :48].
وقال تعالى: { َوَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [المؤمنون :117].
وقال تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج : 31].
ومن عرف التوحيد علم أن مشركي زماننا أشد بكثير من شرك الذين نزل القرآن ببيان شركهم فمشركو زماننا لا ينثنون عن عبادة غير الله لا في الرخاء ولا في الشدة وجعلو أوثانهم ومعبوداتهم من دون الله شركاء وشفعاء مع الله . فالعقيم من الرجال والنساء تجدهم يتضرعون عند قبر الميت كي يهبهم ولدا وكأنه الخالق الرازق المدبر .
وعند الكربات والشدائد والمصائب يشتد تضرعهم للأموات ، وأما التضرع لله وحده لا شريك له فليس لهم منه نصيب .
وأما المشركون الذين نزل القرآن ببيان شركهم فقد أخبر الله عنهم كما تقدم بأنهم يدعونه في الشدة ويشركون في الرخاء فأي الشركين أعظم ؟ وكلاهما متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون .
ومن أنواع العبادة التي شرعها الله لعباده ، وأمرهم بالقيام بها ( التوكل ) فإنه عبادة من أفضل العبادات ، وفريضة من آكد الفرئض .
وأعلى الناس مقاما في التوحيد أكملهم توكلا على الله . والتوكل من الأعمال القلبية كما قاله الإمام أحمد - رحمه الله - .وقد أمر الله به في كتابه في مواضع كثيرة وأخبر أنه يحب المتوكلين .
قال تعالى : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: 123].
وقال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } [الفرقان : 58].
وقال تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة : 23].
وقال تعالى { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران : 159].وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب : ( هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) .
وفي جامع الترمذي وغيره بسند صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) .
وقد عم الجهل في هذا الزمان بحقيقة التوكل على الله ، ولم يعرف منه الكثير إلا الاسم ، وتوكلوا على غير الله إما على الأموات والطواغيت كمن يتوكل عليهم في الحفظ والكلاءة والنصر والتأييد وكشف البأس وجلب النفع ، وإما على السلاطين وأصحاب المناصب والوظائف في طلب الرزق . ويدخل في ذلك من يتوكل على الشهادة الدراسية في طلب الرزق .
والله جل وعلا لم يرسل رسله ، ولم ينزل كتبه ، إلا ليكون الدين كله لله ، فلا يعبد إلا الله ، ولا يدعى إلا الله ، ولا يتوكل إلا على الله .
وعلى حسب نقص توكل العبد على ربه ؛ ينقص توحيده ، وعلائق الشرك لا تنفك عن القلب الذي لم يخلص توكله لربه .
وما يحصل من الضيق في الصدر والحرج كله بسبب نقص وضعف التوكل على الله ، قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - :