وفي((مسند الإمام أحمد)) بسند حسن(2/50) ، من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ثنا حسان بن عطيه عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال : قال رسول الله -- صلى الله عليه وسلم --: ((بعث بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم )) .
قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء : 25]
ولا إله إلا الله :كلمة التوحيد المنجية من عذاب رب العبيد ، وهي مفتاح دعوة الرسل ، ومفتاح الجنة ، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال ، وهي الفارقة بين المسلمين والكافرين ، وهي الكلمة التي جعلها إبراهيم الخليل في عقبة إلى يوم الدين.
وفي((مسند الإمام أحمد)) بسند صحيح(4/63)،من طريق شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء ، قال : حدثني شيخ من بني مالك ابن كنانة ، قال:رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسوق ذي المجاز يتخللها يقول
(يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))
فعلق النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الفلاح بقول (لا إله إلا الله) أي : مع العمل بمقتضاها ومادلت عليه من : النفي والإثبات . فـ(لا إله) تنفي جميع ما يعبد من دون الله ، و(إلا الله) تفرد الله وحده بالعبادة ، وكما أنه متفرد في ملكه وتدبيره يجب أن يفرد بالعبودية ، من : خوف ، ورجاء ، ومحبة ، وخضوع ، ونحو ذلك من العبادات التي أمر الله بها فلا تعبد غير الله : ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وأفرد ربا صمدا حيا قيوما في جميع عباداتك.
قال تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ - إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:13،14].
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ - أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف :194،195]
وقد خالف عباد القبور من أهل هذا الزمان وقبله ما دلت عليه هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وصرفوا جل العبادات للأموات وغيرهم : ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن عابده وداعيه . وتراهم يتفاضلون عن معبوداتهم من دون الله ، والويل ثم الويل لمن نهاهم عن عبادتهم غير الله . وتراهم يخلصون العبادة رجاء وشدة لأوثانهم ومعبوداتهم ، يسألونهم : كشف الكروب والخطوب ، وقضاء الحاجات ، وكشف الملمات ، فجاؤوا بالشرك الصريح ، وجعلوا ما أمر الله به من التوحيد هو الشرك ، وما نهى عنه من الشرك هو التوحيد .
وهذا حال عباد القبور اليوم عند البدوي والجيلاني وغيرهما فقد هدموا التوحيد ، وأتوا بالشرك الصريح من دعائهم غير الله ، وصرفهم خالص حق الله لهم . . . فترى الرجال والنساء ركعا سجدا عند قبورهم يبكون .
فنسأل الله أن يهدينا ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، فإن هذا هو الشرك الصريح الجلي : الذي لايغفره الله إلا بالتوبة.
فصل :
التوحيد أساس الدين ، وهو أول شيء فرضه الله على عباده ، وهو أسنى المطالب ، وبالتوحيد تطمئن القلوب ، وتنشرح الصدور ، ويتميز أولياء الرحمن من أولياء الشيطان . وعلى حسب كمال توحيد العبد : تكون ولاية الله له . فإن الناس يتفاوتون في التوحيد وتحقيقه .
وحرص السلف على تحقيق التوحيد ، وتخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي أمر مستفيض عند العلماء وطلبة العلم .
ولا يوجد تحقيق االتوحيد إلا في أهل الصدق والإيمان .
وأكمل الخلق توحيدا وتحقيقا له : الأنبياء والمرسلون ، فإنهم قد حققوه بفعل الأوامر ، وترك النواهي : من الشرك والبدع والمعاصي .
ومن ادعى أنهم لم يحققوا توحيدهم ، أي : لم يخلصوه من الشرك والبدع والمعاصي ، فقد خلع الإسلام من عنقه ، وارتدى لباس الكفر والنفاق ، لأن دعوة الرسل قائمة على : هدم الشرك ، وإبطال البدع . فرميهم بعدم معرفة التوحيد ، أو بعدم تحقيقه : كفر لتكذيبه القرآن المصرح بأنهم بعثوا لقمع الشرك وللدعوة إلى التوحيد . فكيف يدعون إلى التوحيد وهم لا يعرفونه ؟ هذا من أعظم التنقص لهم .
فالله المستعان .
واعلم : أنه بحسب توحيد العبد ، وكمال تحقيقه : يكون انشراح صدره . فإن التوحيد أعظم الأسباب الجالبة لانشراح الصدر واتساعه ، فإنه كلما قوي توحيد العبد ، زاد انشراح صدره . وبنقصه ينقص .
وأما الشرك فهو أعظم الأسباب الجالبة لضيق الصدر وحرجه ، لأن المشرك عدل بالله غيره ، وتنقص ربه ومعبوده أعظم التنقص ، إذ سوى به غيره : ممن لا يملك جلب نفع لنفسه فضلا عن غيره ، ولا يستطيع دفع ضر عن نفسه ، فكيف يدفعه عن غيره ؟
وكلما بعد الناس عن عهد النبوة كثر الجهل فيهم .
والشر كله عائد إلى الجهل بالله وبعظمته ، فإذا كثر الجهل وعم ؛ كثر الإشراك بالله ، وكثرت البدع والمنكرات ، والأمور المكفرات لبعدهم وإعراضهم عن تعلم الدين .