الجزء الثاني : نــبدة تاريخية عن بعض رجـالات قبيلة "أشجع"
في هذا الفصل من الكتاب سأحاول استعراض بعض الجوانب التي امتازت بها قبيلة"أشجع" عبر التاريخ من خلال التطرق لبعض رجالاتها و بروزهم في المواقف الحاسمة من تاريخ الأمة العربية الإسلامية.
إن الأبحاث التي قمت بها و الكتب و كذلك المخطوطات و المراسلات التي حصلت عليها مكنتني من جمع معلومات مهمة عن البعض من الشخصيات الأشجعية, التي تركت بصماتها في تاريخ العرب و المسلمين, و كان لها دور في الموازين القبلية و الدينية و السياسية.
فكما تقدم الذكر في الفصل الأول من هذا الكتاب, سأعود إلى التعريف بقبيلة" أشجع" و بطونها قبل أن أقدم بإيجاز لمحة عن بعض رجالاتها و أعلامها و منهم الفرسان و رجال سياسة وصحابة وفقهاء و شعراء ذكرهم المؤرخون العرب و غيرهم في كتبهم التي حصل لي الشرف و ساعدني الحظ في الإطلاع عليها.
من المعروف, في جل المراجع التاريخية, أن قبيلة"أشجع"هي قبيلة عربية من أعقاب عدنان. وبالضبط , فقبيلة"أشجع" من ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان. و كانت هذه القبيلة تستوطن ضواحي المدينة المنورة و لذلك سميت بطونها بعرب الضاحية. و قد هاجرت هذه القبيلة مع القبائل الهلالية في القرون الوسطى إلى منطقة المغرب العربي. و استقرت بعدة مناطق آخرها المغرب الشرقي. و تستقر حاليا بين سهل" تافرطة" و" عيون سيدي ملوك"و البعض منها في سهل "أنكاد" و حسب الرواية الشفوية فإنها جاءت إلى هذه المنطقة قادمة من منطقة" واد كير" و ذلك موازاتا مع تأسيس الدولة العلوية.
و سوف نعود الآن إلى لب موضوع هذا الفصل و هو التحدث عن رجالات "أشجع" و أعلامها نذكر منهم:
1- "معقل بن سنان الأشجعي":
و هو معقل بن سنان بن مظهر بن عركي بن فتيان بن سبيع بن بكر بن أشجع.
كان" معقل بن سنان الأشجعي" من الصحابة المقربين و سيدا لقبيلة أشجع خلال السنوات الأولى للدعوة الإسلامية. كانت له صحبة مع الرسول صلى الله عليه و سلم و روى أحاديث عديدة. حدث عنه سالم بن عبد الله و مسروق و علقمة و الحسن البصري و غيرهم. حضر جل الغزوات و هو حامل راية لقبيلته"أشجع" يوم فتح مكة.
سكن الكوفة فوفد على" يزيد بن معاوية" الأموي فرأى منه أمورا منكرة فسار إلى المدينة و خلع البيعة عنه و بايع "عبد الله بن الزبير". فسرح إليهم "يزيد بن معاوية" جيشا يقوده عقبة بن رياح بن سعد بن ربيعة بن عامر بن عوف بن أسعد بن دينار بن بغيض بن ريث بن غطفان .
فالتقى الجمعان, و على رأس المهاجرين و الأنصار" معقل بن سنان", ووقع قتال مرير قتل فيه سبعون"بدريا"ممن شهدوا بدرا مع الرسول صلى الله عليه و سلم. و قد وقعت هذه المعركة قرب المدينة بمكان يسمى"حرة بن زهرة"
و لذلك سميت" بيوم الحرة". و أسر على إثرها معقل بن سنان و جيء به إلى" مسلم بن عقبة المري" فحكم عليه بالقتل. و أنشد أحد شعراء "أشجع" قائلا:
و أصبحت الأنصار تبكي سرتها
و أشجـــع تنعى معقل بن سنــان
و يتبين من هذا البيت الشعري مدى مكانة هذا الصحابي الجليل في قلوب المسلمين و بني عشيرته "أشجع". و لازالت لحد الأن بعض الأمثال تضرب في قبيلة أشجع للتعبير عن هذه الفاجعة. ويقال" عرفنا الحرة و المرة" أو" عشنا أو شفناها حرة بني مرة". و"الحرة", كما ذكرته هي حرة بني زهرة, أما المرة فهي القبيلة التي ينتسب إليها مسلم بن عقبة المري الذي لطخت يداه بقتل معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه.
و كانت هذه الواقعة هي إحدى الكبائر التي ارتكبها يزيد بن معاوية في حق الصحابة و منهم معقل بن سنان. و ربما يرجع لها السبب في كون اسم "يزيد" يكاد أن يكون منعدما في قبيلة "أشجع", وقد سمعت والدي الأخضر بن محمد بن امحمد يقول مرارا أن هذا الإسم منبوذ في قبيلتنا لأن عبارة"إلعن اليزيد و لا تزد"كانت مشهورة بين الناس.
و حسب الرواية فإن معقل بن سنان الأشجعي قد قتل في سنة ثلاثة و ستين للهجرة عن عمر يناهز السبعين سنة.
٢- عوف بن مالك الأشجعي:
و هو الصحابي عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي. له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم. شهد غزوة خيبر و فتح مكة. سكن الشام و توفي بها في خلافة عبد الملك بن مروان. و من ولده: عبد الرحمان و عبد الله و محمد و أبو عمرو و أبو حماد.
كان عوف بن مالك الأشجعي من نبلاء الصحابة, و حدث عنه أبو هريرة و أبو مسلم الخولاني والكثير من التابعين. و قد قال فيه صلى الله عليه و سلم:"هل أنتم تاركوا لي أمرائي". و كان من الصحابة المفضلين في رفقة الرسول صلى الله عليه و سلم و الحافظين للأحاديث الموثوقة.
٣- نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفد بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان.
كان رجلا ذكيا و من أكبر دهاة العرب. و لعب أدوارا كبيرة في تدبير العلاقات بين القبائل العربية قبل الإسلام. و مع ظهور الإسلام و احتدام الصراع بين قريش و المسلمين كان نعيم يتوسط بينهما لحل النزاعات. و في غزوة بدر أرسله أبو سفيان بن حرب إلى المسلمين يخوفهم بكثرة المشركين وفي ذلك نزلت الأية:" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم..." إلى قوله"مؤمنين".الاية و السورة
و قد سلف الذكر في الفصل الأول عن إسلام نعيم بن مسعود أثناء حصار المدينة و ما يعرف بالخندق. وإليه يرجع الفضل في خذل المشركين من قريش و يهود و غطفان و غيرهم. فلقد سعى بينهم بما فرق الله به كلمتهم, فوقع بينهم الإختلاف.
و سنعود فيما بعد إلى تفاصيل هذه الملحمة التي كادت أن تغير مجرى التاريخ العربي الإسلامي وربما تاريخ العالم بصفة عامة.
و سكن نعيم بن مسعود المدينة و توفي بها. و روي الكلبي أن الرسول صلى الله عليه و سلم دلاه في قبره و نزع الأخلة من أكنافه و ترحم عليه. و روى عنه ابنه سليم بن نعيم و كذلك أحد حفدته خلف بن خليفة الذي تنحدر منه قبيلة أولاد خليفة المستوطنة حاليا بعيون سيدي ملوك بالمغرب الأقصى.
٤- نوفل بن فروة الأشجعي:
ذكره البري في كتابه:" الجوهرة في نسب النبي و أصحابه العشرة". له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم روى عنه بنيه فروة و عبد الرحمان و سحيم وأخرج مسلم عن فروة ابنه, عن عائشة رضي الله عنها, في صحيحه قال حدثنا يحي بن يحي واسحاق بن ابراهيم قائلا: أخبرنا جرير عن منصور عن هلال, عن فروة بن نوفل الأشجعي:" سألت عائشة عما كان الرسول صلى الله عليه و سلم يدعو به الله قالت: كان يقول" اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت و من شر ما أعمل". نزل نوفل بن فروة الأشجعي بالكوفة(أرض العراق حاليا) وقيل أنه توفي بها. و خلف ذرية منهم فروة بن نوفل الأشجعي الذي سنتكلم عنه و عن دوره في أخبار الخوارج.